حقًا لا يعرف السبب ولا ما ألقى به هنا.. يشبه الأمر قصص الخيال العلمي حينما تنفتح ثغرة في الأبعاد تلقي بمن يجتازها في زمن آخر ومكان آخر.. إنه (الزمكان) كما يحلو لهم أن يقولوا.. هو ذا جالس في عيادة الطبيب ينتظر دوره، حيث التسلية الوحيدة المتاحة هي العبث بإصبعك في أنفك، أو تأمل وجوه الجالسين المصفرة، أو قراءة الأشعار الركيكة التي كتبها من شفاهم الطبيب من قبل.. دائمًا ينظمها مدير عام بالضرائب أو مفتش ري، وقد اعتنى بكلماته تلك فكتبها بلون الذهب واختار لها إطارًا غالي الثمن.. يسمع اسمه تصيح به الممرضة فينهض قائلاً لنفسه: لا بأس.. هذه ليست حياتي . إنه كابوس..
الكاهن الأكبر يجلس إلى مكتبه راضيًا عن حصيلة اليوم.. يقول له في عجلة إن ما يعانيه هو الفيروس (سي) الذي قرر أن يتخذ كبده بيتًا بوضع اليد.. يمكن أن نعطيك حقن الانترفيرون لكن لابد من أن تجد طريقة للحصول عليه لأنه علاج باهظ التكلفة.. لا يوجد حل آخر.. لا تتعاط الحبة الصفراء ولا كل هذا الهراء.. إياك أن تجرب الحمام ولا الأوزون ولا الأشعة فوق البنفسجية، فكل من ابتكروا هذه الأشياء جمعوا المليارات من أمل البؤساء مثلك..
وماذا لو لم تتعاط العلاج؟
“لا تفزع.. سوف يعبث الفيروس في كبدك ليحوله إلى كتلة من الليف.. سوف تصفر عيناك وتضمر قواك.. لا تدع هذه الفكرة المخيفة تؤرقك..سوف تفرغ دمك عن طريق الفم، فإن لم يحدث هذا تذكرت تلك الخلية الشقية في كبدك أن عليها أن تنقسم بجنون وبلا توقف.. ورم سرطاني جميل الشكل سوف يتكون هناك، وسوف يحتفظ كل طبيب أشعة بصورة منه ليعرضها في المؤتمر الثامن عشر للأشعة التشخيصية.. لا أقول هذا لأثير رعبك..”
“تغادر العيادة وأنت تهمس لنفسك ألا تقلق.. هذا كابوس.. هذه ليست حياتك..
ذات مرة رأى في الكابوس أنه متهم في قضية أمن دولة وقد قبض عليه.. تعرض للتعذيب فعلاً وكهربوا جسده فعلاً.. شعر بهذا كله.. وعندما أوشكوا على دس عصا المكنسة في جسده نهض من نومه، ولشد ما شعر بالنشوة وهو يدرك أنه في فراشه المبلل بالعرق..
ليست لديه سيارة في هذا الكابوس.. هذا غريب.. إن عنده في عالم الواقع سيارة (فور باي فور) ثمنها مليون ونصف.. لا بأس.. فليتعامل مع الكابوس بقواعده..”
“يقف على محطة الميكروباص وسط الوجوه المرهقة التي أفعمت حزنًا وكآبة.. تصل السيارة التي يتدلى (التباع) منها بقوة فيزيائية لا يعرف كنهها إلا الله . تركب.. سائق الميكروباص لا يكف عن الكلام عن لجان المرور وسحب الرخص والأقساط التي يجب أن يدفعها.. ثم يلقونك في مكان ما من العاصمة المرهقة المتربة..
سحابة التراب تغزو رئتيك وتزرع علمها هناك.. يختلف الأمر كثيرًا في الساحل الشمالي حيث تقيم أكثر العام.. لكن لا بأس.. هذه ليست حياتك.. فلتتحمل..”
أنت تقرأ
احمد خالد توفيق
Storie breviسوف أعرض في هذا الكتاب اقتباسات الدكتور أحمد خالد توفيق بجانب قصاصات من رواياته العراب الذي تربت أجيال على قصصه وانا واحده منهم..