البارت الثالث والعشرون : " أقلامٌ خشبية! "

13 3 4
                                    

كنت اقف في منتصف ذلك الرواق الشبه المظلم أتلمس جدرانه و وأتأمل ملامحه ... التشققات المتواجدة على الحائط ... القشر الساقط من الطلاء بالأرضية ... خطوط مبعثرة بقلم تلوين أحمر وأزرق اللون...

- أمبر...
رفعت بحدقتي نحوه .. فأجاب بتأشيرة بعينه نحو باب غرفة كانت بجانبه ... تقدمت منه دفعت الباب بحواف أصابعي بخفة نظرة تفقديه لا أكثر ... حدقت بذلك السرير البسيط بغطاءه الأبيض المرتب وتلك الادراج البيضاء المزينة بورود تجميلية بسيطة ... أبعدت الباب عن طريق فضولي ... تلك السجادة الحمراء الصغيرة المتواجدة بجانب تلك المنضدة الصغيرة نسبياً ... تلك الستائر ناصعة البياض مع أشعة الشمس المطلة...

لمن كانت هذه الغرفة يا ترى؟

- استحمي وسيكون الطعام جاهزاً في حلول انتهائك
ورفع كيس سميك أحمر وقال...
- هنا ملابسك وكل ما تحتاجينه للاستحمام....

وضع الكيس في يدي وخرج من الغرفة بعد إغلاقه للباب ... اقتربت من السرير وتمددت عليه ... أنظر إلى السقف ... حالة هدوء ... شعور بالكتمان ... ودموع ساخنة انهمرت من عيني ... لقد عدت من ذلك الجحيم ... لا أستطيع التنفس ...

استمررت بالبكاء فرحاً وألماً و سحبت دموعي معي إلى دورة المياة لكي لا أتأخر ...

بعد انتهائي ... شعرت ببعض من الانتعاش ولو كان مزيفاً وسيزول سريعاً .. خرجت من الغرفة برفقة منشفة صغيرة لتخفيف الماء الذي كسا شعري ...

شممت رائحة زكية تفوح بالقرب مني ... حدقت بالارجاء لعلي أجد سبب انبعاث هذه الرائحة التي تبعث بالجوع إلى معدتي ... اتبعت الرائحة وصولاً إلى باب في ذلك الرواق الشبه مظلم فتحت الباب مختلسة للنظر ...

يقطع الخضراوات بخفة ثم يلقي بنظرة سريعة لما يوجد في قدر على نار هادئة .. ويعود للتقطيع ... يضع ما قطعه ثم يغلق القدر بغطاء ... يجلس على كرسي متواجد أمام طاولة صغيرة بعد ذلك ... واستمر صامتاً لما يقارب الدقيقتين ... ابتعدت عن الباب بخفة وعدت إلى غرفتي سريعاً ... لا أريد مقاطعته ...

وإلى أن ينتهي من تحضيره للطعام قررت الإطلاع على الأغراض المتواجدة في الغرفة ... قمت بفتح بعض من الأدراج في دولاب كبير مقابل لذلك السرير البسيط ووجدت ... بعض الدمى القطنية ... أرنب ودب وغزال ... كان يكسوها بعض الأتربة ... لفت انتباهي وجود صندوق وردي ورقي في زاوية الدرج ... أخرجته كان قديماً وهشاً للغاية مصنوع من بعض الشريط اللاصق وعليه تلك الملصقات الطفولية إضافة إلى أن القدم يظهر على ملامحه بتفكك الصندوق قليلاً ... فتحته ولم أتوقع الكثير ... بعض قصاصات الورق الملونة والمتبعثرة عشوائياً ... ورأيت ورقة واحدة مكتوب عليها " هل تتذكرينها الآن؟ "

... سمعت طرق خفيف على الباب ... أجفلت ... وقال دون فتحه للباب :
- جهز الغداء...
- حسناً قادمه!
وسمعت خطواته تذهب بعيداً ...

يا ترى ما الذي سيقوله لو رآني أعبث بممتلكات هذه الغرفة؟

نهضت سريعاً أدخلت الدمى بشكل عشوائي وتركت الصندوق بالخارج خِفْيَتَ أن أضعه في الدرج فينثني...

تركت المنشفة أيضاً فلم أعد أحتاجها بذلك القدر وخرجت للصالة ... قام بتجهيز أواني الطعام بالفعل والسفرة أيضاً ... جلست على طاولة الطعام بصمت..
قام بسكب الحساء وقدمه إلي ... كنت أنظر إلى الطعام بصمت ... سكب لنفسه وبدأ يأكل واستمريت أنظر للوعاء بصمت ... رفع بنتظره وسأل سؤال خاطف :
- لما لا تأكلين؟
وفور قوله لذلك شرعت بالأكل ... لم يردف بشيء بعدها ...

أتأمل اللحظات بصمت...

عدت إلى غرفتي بعد انتهاء وجبة الغداء ... وذهب هو الآخر إلى غرفته ، لم يفتتح موضوعاً عن ما سيحدث لي مستقبلاً ، أين سأذهب ، دراستي؟ ... ولا أي شيء يجعلني أفكر بالمستقبل ... ينتقي الكلمات بحذر ولطيف للغاية في تعامله ...

جلست على الأرضية بجانب ذلك الصندوق الذي لم اكمل تفقده بعد ... وأعدت فتحه و نفس الأوراق الملونة والجملة ذاتها ... قلبت الصندوق وإذا بي أرى جملة " صندوق خاص ب بابا وأنا " لم تكن الجملة واضحة مع اختفاء بعض ملامح القلم ... فتحت درج آخر إسكات لفضولي ... ألعاب أكبر من سابقتها ... درج آخر ... شنط دراسية برسوم كرتونية ... درج آخر ...

واستمررت على هذا الحال متفقدة للأغراض المتواجدة في الدولاب كله ... وجدت ملابس .. صناديق لحفظ الطعام المدرسي .... وغيرها من الأغراض الشخصية...

نهضت متوجهة لمنضدة السرير متفقدتاً لما تحتويه من أشياء ... ووجدت دفاتر وأقلام ومصباح صغير ... أخذت بأحد الدفاتر وجلست على السرير ... فتحت أول صفحة ... ووجدت مكتوب بأقلام خشبية ملونة " مذكرتي " مع تواجد ملصقات للنجوم مزينة للورقة بأكملها ... فتحت الصفحة التالية ولم يكن الخط سيئاً جداً ... فقط بعض الحروف يتعذر علي معرفتها ... ومع إكمال الجملة يتبين المعنى..

" كان اليوم هادئ ولم يكن هناك ما يزعجني إلا بابا كان يحاول ملاحقتي في الرواق وهو يراني أهرب منه ويقول سأكلك همم أنا الذئب! "
انتقلت عيني تلقائياً إلى الفقرة التالية مع تاريخ جديد ...
" قامت ماما بعمل أفضل وجبة لي في العالم ألا وهي المعكرونة بالجبن لحصولي على درجة عالية في الأمتحان يمييي "

وكانت ترسم وجوه صغيرة تعبيريه كهذه :
^,^ | >.< | '.'
مع إضافة الألوان عليها ...

استمررت أقرأ إلى تمام الساعة الثامنة مساءً ... لم تكن المذكرات الخاصة بهذه الفتاة ذات أهميه لي ولكنها حقاً تكتب كل شيء يحصل لها ... كان جيداً أم سيئاً تكتبه ... خانها التعبير عدت مرات وكنت أشعر بألمها وهي تكتب تلك الكلمات ولو لم تكن مؤلمة حقاً مجرد شيء بسيط ... كانكسار قلم لها أو حتى تعاركها مع صديقتها المفضلة وبعد أن أقلب الصفحة التالية أجدها قد تصالحت معها بالفعل ... إنني أقوم بقراءة أحداث حياة شخص الآن ...

انتهيت من قراءة الدفتر ... وأعتقد أنني سأكمل ما تبقى ... كنت أنظر للتاريخ المتواجد في الأعلى لمعرفة الترتيب الصحيح لمجرى الاحداث ... ومع كل دفتر أقوم بقراءته ... يتحسن التعبير ... والخط أيضاً .. الأخطاء الإملائية تقل ... ولم تعد تكتب كل ما يجول في خاطرها كالسابق ... بمجرد قراءتك لما تقوم بشرحه ستفهم ما تقصده ببساطة ...

يتبع .. =)

مِطْرَقَةْ اَلْقَدَرْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن