الفصل الأول

29.8K 816 159
                                    

أجمل ما في الوقت بين الفجر وحتى الشروق هو الشعور بمعنى التفاؤل الذي يؤمن بأن العتمة لن تدوم ويثق أن من قلب الظلام يولد النور وتنحصر أوقات الفجر ومُفرداته وجمال إشعاعات النور في عُتمته واشواقه التي تنهال على القلب، ورائحته الخفيفة وصوت عذب من السماء

ارتقى المؤذن درجات المئذنة العالية، ثم خرج إلى شرفتها المستديرة، وأخذ يشق بصوته الرخيم سكون الليل وقام بالأذان ينادي للصلاة وبعد انتهائه باشر بالدعاء وقد جلس المصلون في المسجد خاشعين لله، متجهين إلى القبلة، يؤمنون على دعائه

خرج الشاب من المسجد وارتدى حذائه البالي ليخرج منه وقبل ابتعاده عنه العتبة

لمح كلبان ملتفان حول شيء ما بجوار الباب، القى عليهما نظرة بدون اكتراث ولكن ثمة شيء جعله يدير رأسه بحدة عندما سمع همسات طفل رضيع يصرخ ويتأوه من شدة البرودة، رمش ذلك الشاب واقترب من الكلاب التي نهضت وبدأت بالنباح عليه كأنها تحمي الصغير

ارتد للخلف قليلًا وهو يرى طفل صغير الحجم عاري وظاهر على صدره حرق نار تابع اقترابه ثم رهب بيده لكي تبتعد الكلاب لم يجد منفعة وقد بدأت بالنباح عليه لمح بعصا على الأرض التقتها ثم حركها في وجه الكلاب لتبتعد عنه

جثى على ركبتيه وحمل الصغير الذي يصرخ ويتلوى ثم تمتم بتعجب ممزوج بتساؤل للطفل وكأنه سيجيبه في التو والحال:
( لا حول ولا قوة إلا بالله .. مين اللي رماك وفين أبوك وأمك؟! )

لينهض وهو ممسك بحذر الطفل وتابع تحديث نفسه:
( سبحان الله! الكلاب أحن عليك منهم )

خرج رجل آخر وتفاجأ به وهو ممسك بالطفل ليسأله:
( مين ده؟ ومين اللي رماه هنا؟ ده لسه حتة لحمة حمرة )

رد عليه والصدمة مازالت مرسومة على وجهه:
( قبل ما ادخل الجامع ما شوفتش حد الشارع كان فاضي .. جه هنا واحنا بنصلي حد رماه قدام الجامع ومشى والكلاب اللي دفته من البرد )

بدأ المصلون يخرجون ويتهاتفون على الطفل الصغير، ثم هز الرجل الممسك بالطفل رأسه كأنه يوقظ نفسه بتفكير:
( يا جماعة احنا نوديه المستشفى أحسن يموت وبعدين نبلغ الشرطة وهما يتصرفوا يحطوه في ملجأ ولا دار ايتام )

للتو أخذ رجل آخر باله بشيء ذهبي يلمع على الأرضية الترابية ونطق بفضول أكبر:
( إيـــه ده؟!! )

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

بداخل استوديوهات تصوير البرامج التلفزيونية، هناك مقدمة البرامج تحاور الضيف مع بقية جمهور البث المباشر، انتابها شعور غريب بأنها محط الأنظار

كانت شابة في ريعان الصبا بين مجموعة صغيرة من الشباب لا تتعدى أصابع اليد

ليصدح صوت المذيعة فجأة وهي تستأنف الحديث:
( ازاي قدرتي تتغلبي على التنمر؟ )

اقبلني كما أنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن