الفصل الثامن

7.6K 444 75
                                    

اكتساب ثقة الطبيب لا تأتي من فراغ، ولا يحدث بين عيشة وضحاها، بل إنه يحتاج إلى بذل الجهد ومواقف عدة لإثبات أن هذا الشخص جدير بها

اضطرت مكية إلى تقوم بعمل اسعافات أولية لمرضه، عندما هدأ واستكان وضعت وسادة أسفل رأسه على الأرضية، رمشت بعينيها وهتفت بقلق:
( آآ .. يا دكتور )

كانت تود في إعادته من غفلته المؤقتة، ولكن صوت هاتفها جعلها تتركه قليلًا وترد على رفيقتها تسنيم:
( انتِ فين يا مكية؟ مامتك اتصلت عليا وقالتلي كلام أنا مافهمتهوش )

تهدل كتفاها في خوار وهي تجيب:
( أهو مطرح ما أنا قاعدة .. عايزة إيه يا تسنيم في حاجة تانية حصلت؟ )

أنصتت لتعليقها، وعقبت:
( وهو اللي حصل ده قليل عشان تحصل حاجة تانية! الدنيا والعة عليكي يا مكية مصر كلها بتتكلم على البنت اللي بتروج لمواقع إباحية ودعارة، والشرطة راحت بيتك وبتدور عليكي )

راودتها هواجس شنيعة، وهمس بصوت يكاد يكون مسموع من شدة خوفها:
( والله العظيم بريئة أنا ماعملتش حاجة .. طب أعمل إيه يا ربي حتى أهلي طردوني من البيت وصدقوا اللي اتقال عليا )

قالت تسنيم بلعثمة طفيفة:
( في حاجة تانية يا مكية لازم تعرفيها .. انتِ اطردتي من الجامعة )

استدمعت مكية عبراتها وهي تواصل قول الحقيقة:
( حرام عليهم والله مظلومة، ليه الناس صدقت من غير دليل )

قالت بعد زفير طويل:
( الناس صدقت لما عرفت إنك كنتي محجبة وقلعتيه، على كلامهم هما بيقولوا إنك قلعتي الحجاب عشان تشتغلي في آآ ... اسمعيني كويس خليكي بعيدة وأنا مش عايزة أعرف انتِ فين وربنا عمره ما هيضيع حقك .. بس اختفي اليومين دول )

الآن بدأ يحيى في الحركة بثقل وفتح عينيه ومن ثم أغلقهما، تعذب من ذراعه الملتوية وهمس بأنين متوجع وعند ملاحظته من قبل مكية همست في توتر:
( آآ .. ماتحملش على إيدك )

استطاع أن يعتدل ويستند بظهره على الحائط وترك ساقيه مفرودة على الأرضية، فسألته وهي تغلق الهاتف:
( أحسن دلوقتي؟ )

هز هو رأسه وأوحى أنه في حال جيدة، ثم قال باقتضاب:
( كنتي بتكلمي حد؟ )

( صحبتي )

عندئذ استدار برأسه إلى مكية التي تطالعه عن كثب، أوحى لها بتعابير أنه يضمر لها كثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام عندما رأى دموعها وعاود الحديث لها بنبرة منخفضة:
( يعني عرفتي تفوقيني )

بلعت مكية ريقها، وأخبرته في بسمة مهتزة:
( أنا دكتورة )

حك طرف ذقنه مقترحًا بتلقائية مرحة وهو يؤكد لها بغزل متواري:
( هتخليني اشتهي المرض )

نظرت إلى عينيه في تلك اللحظة فرأت فيها ثقة والأهم منها خرزتي عينيه الرمادية الجميلة، حينئذ تراخت ملامحها المتشنجة، وردت في تلعثم:
( نعم! )

اقبلني كما أنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن