الفصل الاول

15.3K 81 9
                                    

### جوزفين:

كنت مجرد فتاة مراهقة بدون أصدقاء لأنني كنت غريبة الأطوار وخجولة، ولا أعرف كيف أتحدث مع الآخرين بسبب افتقادي للتجارب الاجتماعية. عندما دخلت الإعدادية، كانت كالجحيم بالنسبة لي. لم أكن قادرة على التأقلم مع زملائي، ولم أكن أفهم كيف يمكنهم التواصل بسهولة. كنت أقضي معظم وقتي وحيدة، أجلس في زاوية من الفناء أو المكتبة، أحاول الهروب من نظرات الآخرين وكلماتهم القاسية.

والدي وأمي كانا مشغولين جداً. أمي، المحامية البارعة، كانت تعمل لساعات طويلة في المكتب، وغالباً ما كانت تعود إلى المنزل متأخرة ومتعبة. أما أبي، الضابط في الشرطة، فقد كان عمله يتطلب منه التواجد في أوقات غير منتظمة، مما جعله غائباً معظم الوقت. وزاده طين بلة بعد ان حصل على ترقية واصبح من افضل المحققين في الدولة، حسنا كان هذا حلمه.

عندما كانا متوفرين، لم يكن هناك الكثير من التفاعل بيننا. أصبح وجودهم أو عدمه بلا معنى. كنت أستمتع بوجودهما عندما كنت أصغر، كنا نلعب معاً ونشاهد الأفلام، لكن مع مرور الوقت، بدأت أشعر بالوحدة حتى في حضورهما.

لمحاولة تعويض غيابهم، أحضروا مربية للاعتناء بي. كانت لطيفة وتحاول أن تجعلني أشعر بالراحة، لكنها لم تكن قادرة على ملء الفراغ العاطفي الذي كنت أشعر به. كانت تحاول التحدث معي، لكنني كنت أجد صعوبة في فتح قلبي لأحد غريب. كنت أشعر بأن لا أحد يفهمني، وأنني مختلفة عن الجميع.

ومع مرور الوقت، توقف كل شيء شيئاً فشيئاً. لم أعد أبحث عن اهتمام والديّ، وبدأت أبتعد عنهم أكثر. كانت هناك أوقات شعرت فيها بأنني غير مرئية، كأنني شبح يعيش في المنزل دون أن يلاحظه أحد. كنت أجلس في غرفتي لساعات، أستمع إلى الموسيقى أو أغرق في قراءة الكتب، أحاول الهروب من واقعي الصعب. لم أعد أشارك في الأنشطة العائلية، وأصبحت أكثر انعزالاً، مما زاد من شعوري بالاكتئاب والوحدة.

في ربيع سنة 2016، كنت في غرفتي عندما كنت أقلب في تطبيق تويتر. بينما كنت أقلب بين الصفحات وأنا في حالة ملل كبيرة، بدأت بكتابة أسماء عشوائية في البحث حتى كتبت اسم مغني سابق لعلي أجده في تويتر. توقفت أمام صفحة شخص لم أكن أعرفه، لكن لسبب ما، توقف قلبي لثوانٍ.

كان شاباً مثيراً بمعنى الكلمة بالنسبة لي كمراهقة، وشكله غامض. لم يكن ينشر أو يتابع أحداً منذ إنشاء حسابه قبل سنتين، ولم يكن يتابعه أحد. فتابعته وأرسلت له رسالة في صندوق الدردشة الخاص. لم يجب أبداً. مر أسبوع كامل حتى جاءني إشعار من تويتر أن Narcisse رد متابعة لي وأرسل رسالة في الخاص يرد فيها على التحية التي أرسلتها له قبل أسبوع.

حالما شاهدت الإشعار، دخلت بسرعة واللهفة والشوق للكلام مع هذا الشاب الوسيم يغمرني بالكامل.

### نارسيس:

بعد أن عاد إلى أحد البيوت التي تمتلكها عائلته في ريف فنلندا، خرج من سيارته الفاخرة مرتدياً قفازاته السوداء الغالية المطابقة مع بذلتي الرسمية ذو الون الابيض الناصع كالثلج وقميصي اسود كسواد قلبي ، وحمل حقائبه من صندوق السيارة.

كان قد أمضى رحلة طويلة من فنلندا إلى روما وعمل لمدة شهر كامل، والآن كان بحاجة إلى استراحة. عندما فتح الباب، داعب أنفه رائحة شيء متعفن. تذكر أنها الجثة التي نسيها تحت الدرج منذ شهر.

لم يهتم، بل قال لنفسه:
"لأدخل وأستلقي قليلاً أولاً."

خلع قميصه الأبيض الحريري الذي كان يضغط على عضلاته المتصلبة الرجولية الفاتنة، وجلس على الكنبة. أخذ شهيقاً عميقاً ثم زفيراً وأخرج علبة السجائر التي يفضلها من جيبه وأشعل واحدة بقداحته التي أعطتها له شخص ما ليس عزيز عليه.

### نارسيس يتحدث:

أخذت نفساً من دخان السجائر ثم زفرته. كان ذلك كنوع من المسكنات لإزالة التعب. حالما نهضت، حملت الجثة ووضعتها في حوض الاستحمام الخاص بأحد الغرف الفارغة. أحضرت قنينة الأسيد وصببتها فوق الجثة لتبدأ في التحلل وإخراج الدخان. عاهرة جديدة إلى الجحيم.

يالها من نكتة مضحكة أن يتم إنجاب فتيات ثم يتم التخلي عنهن ليتم تلطيخهن بقذارة الشوارع. وبكل سهولة، تفسد أرواحهن. إنها خسارة مؤسفة.

عدت إلى غرفتي واستمتعت بحمام ساخن واستلقيت، ثم شعرت بشيء تحت وسادتي. كان هاتفي القديم.
"لم أرك منذ أشهر، أيها العين"
وضعته على الشاحن ونزلت لتناول العشاء بعد أن طلبته بالفعل وفتحت قنينة نبيذ العنب من القبو. كان ذو جودة جيدة جداً من سنة 1849.

احتسيت بعض الأكواب مع العشاء، ثم عدت إلى غرفتي لأحصل على بعض النوم. شاهدت الهاتف وكان مشحوناً بالكامل. حالما أعدت تشغيله، كانت هناك إشعارات من تطبيقات مختلفة. تثاءبت وشاهدت إشعاراً من تطبيق تويتر، تطبيق المنافقين رقم واحد في العالم.

كان إشعار متابعة من صفحة فتاة مراهقة انجذبت إلى صورتي التي وضعتها. لم أدخل التطبيق منذ سنتين تقريباً، مع العلم أن الحساب كان قديماً وكنت أضع صورتي عندما كنت في الخامسة والعشرين.
مضت 7 سنوات على الصورة. كنت شاباً وسيماً. انتظروا، أنا شاب وسيم الآن أيضاً، ربما أكثر وسامة بكثير الآن.

كانت الفتاة التي تابعت حسابي مجرد فتاة تحاول أن تظهر أنها ناضجة وكبيرة. لنرد لها التحية لنكتشف إذا كانت صاحية أم لا.

ثم وضع اعجاب على صورة لها وارسل تحيه لها

ساديشتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن