الفصل العاشر: وجه نارسيس الاخر✨🔥

3.4K 29 13
                                    

لا تنسون تعليق وتصويت عشان تنتشر الرواية ✨
---

نارسيس وقف ثابتًا، يراقب جوزفين وهي تبتعد عنه بخطوات واثقة. كل خطوة تخطوها كانت تُبعدها عن حياته، ومع كل خطوة كانت ابتسامته التي حملت سخرية مريبة تتلاشى ببطء، وكأنها تختفي مع اختفاء جوزفين من أمام عينيه. أصبحت نظراته أشد ظلامًا، غابت عنها تلك اللمعة الساحرة، لتحل محلها نظرة باردة، قاسية، لا تعرف الرحمة.

لم تكن جوزفين سوى قطعة على لوح الشطرنج الذي وضعه نارسيس بإحكام. كانت مجرد جزء من لعبة كبيرة يديرها هو بلا رحمة. كان يكفي أن يلقي عليها نظرة، أن يُظهر اهتمامًا كاذبًا، لتسقط تحت سطوته تمامًا. لكنها الآن، وهي تبتعد ما زالت تحت يدين عائلتها هذا يجعله يرغب في السيطرة عليها اكثر ، كانت اللعبة تنقلب في رأسه. لم تعد قطعة شطرنج بل تذكيرًا بما....

بعد لحظات من التأمل المريب لظهرها وهي تغادر نحو محطة الباص، دخل نارسيس إلى الحمام القريب في الحديقة التي كانوا يجلسون بها هو وجوزفين.

هناك، وقف أمام المغسلة، وبدأ يغسل يديه بشكل متكرر، وكأنه يحاول التخلص من شيء قذر يلتصق بجلده. لكنه لم يكن شيئًا مرئيًا، بل شعورًا داخليًا يعتريه، شعورًا بالاشمئزاز من نفسه ومن الآخرين.

شعر بغصة في حلقه، واندفع ليتقيأ في الحوض، ليس بسبب مرض جسدي، بل بسبب نفور داخلي عميق. لم يكن من النوع الذي يسمح لأي شخص بالاقتراب منه، أو أن يلمسه. كان يحب النظافة إلى درجة الهوس، وكان لديه طقوس خاصة لتعقيم يديه، فلا يستعمل إلا صابونه الخاص، الذي يحتفظ به دائمًا أينما ذهب.

نظر نارسيس إلى نفسه في المرآة. كانت المياه تتساقط من وجهه، وكانت نظراته مشوشة، ساخطة، ومليئة بالغضب وكانه ينظر الى نسخة اكثر سوداوية منه في المراة.

لقد بدأ يشعر برغبة مُلحة في تفريغ ساديته التي لطالما كبتها. كان يعلم أنه بحاجة إلى فعل شيء، شيء يمكنه أن يطفئ هذا الشعور العميق الذي ينمو بداخله، تلك الوحشية التي كانت في طريقها لقتله وتعذيبه ببطئ.

خرج من الحمام بخطوات سريعة، واتجه نحو مرآب السيارات حيث كانت تقف سيارته الفاخرة، **لامبورغيني أفينتادور**، سيارة سوداء لامعة تعكس طبيعة مالكها.

فتح الباب، واستقر في مقعد القيادة الجلدي الذي صُمم خصيصًا له. بدأ بتشغيل السيارة، وكان صوت المحرك يبعث في داخله شعورًا بالسيطرة والهيمنه ، لكن كان هناك شيء آخر بحاجة للسيطرة عليه: ذلك الظلام المتزايد في روحه.

السماء كانت قد اظلمت تمامًا، وتبدو وكأنها مرآة لعالمه الداخلي او كانها تغطة بعبائة سوداء بدون نجوم.

وبينما كان يعطر نفسه بعطره الفاخر، مستنشقًا رائحته القوية ليهدئ من أعصابه المشدودة، سمع طرقات على نافذة السيارة. التفت ليجد امرأة ترتدي ملابس كاشفة، بالكاد تخفي جسدها. كان الليل قد اجتذبها إليه، فكانت واحدة من فتيات الليل اللواتي اعتدن الوقوف عند الزوايا المظلمة.

الفتاة التي اقتربت من سيارة نارسيس كانت نموذجًا حيًا للعشوائيات المظلمة التي تنبض على أطراف المدينة. كان شعرها أشقر باهت، ربما كان في وقت ما مصبوغًا بلون زاهي، لكنه الآن تضرر من الإهمال وسوء المعاملة، فبدت أطرافه متقصفة ويكسوه الاتساخ. كانت ترتدي قميصًا ضيقًا يكاد لا يغطي جسدها النحيل، وممزقًا عند الحواف، يظهر أجزاء من بطنها.

بشرتها كانت شاحبة، تحمل آثار الإجهاد والتعب، مع بعض الكدمات الطفيفة على ذراعيها، ربما نتيجة لحياة قاسية تعيشها في الشوارع. عيناها زرقاوان، لكنهما فقدتا بريقهما، تبدوان وكأنهما غارقتان في عالم بعيد، نظراتهما تعكس مزيجًا من الخوف والجرأة. كانت تضع طبقة سميكة من المكياج الرخيص على وجهها، فالماسكارا بدأت تتلطخ تحت عينيها بسبب العرق والدموع التي قد تكون ذرفتها مؤخرًا، بينما الشفاه كانت مغطاة بأحمر شفاه صارخ، لكن جزءًا منه كان قد تلاشى تاركًا وراءه أثرًا غير متساوٍ.

كانت ترتدي تنورة قصيرة جدًا، مصنوعة من مادة رخيصة، تكشف عن ساقيها النحيلتين المليئتين بالندوب القديمة، ربما نتيجة السقوط أو الجروح التي لا تتعافى بشكل صحيح. حذاؤها بالكاد كان يلتصق بقدميها، مصنوع من جلد صناعي رخيص، وقد تهالك من كثرة الاستخدام، والكعب مكسور جزئيًا، مما جعل خطواتها متعثرة قليلاً.

ورغم حالتها البائسة، كانت تحاول إبراز جاذبيتها بأي طريقة، متكئة على السيارة بوضعية مثيرة، وملامح وجهها تعكس مزيجًا من التحدي واليأس. كانت تبتسم بإغراء، لكن تلك الابتسامة كانت مكسورة، لا تصل إلى عينيها المليئتين بالمرارة. كان من الواضح أنها امرأة قست عليها الحياة، وأن كل حركة تقوم بها، وكل كلمة تنطق بها، ليست إلا جزءًا من استراتيجية للبقاء في عالم لا يرحم.

فتحت المرأة النافذة قليلاً ونظرت إلى نارسيس بنظرة مليئة بالوقاحة والجرأة، ورسمت ابتسامة مغرية على وجهها، وقالت بصوت ناعم مليء
بالإغراء: "أهلاً أيها الوسيم... ما رأيك أن تأخذني معك؟ نستطيع الذهاب إلى منزلك ونقضي وقتًا ممتعًا... ربما تعرف ما أعني"، ثم غمزت له بعين مليئة بالنيات.

نارسيس لم يرد على الفور، بل استمر في النظر إليها بعينين قاسيتين، وكأنه يدرسها. كانت بالنسبة له مجرد أداة أخرى جاءت في وقتها تعكس قضيته النبيلة ، مجرد فرصة لاختبار تلك السادية التي تجتاحه.

أفكار مظلمة بدأت تتبلور في ذهنه، أفكار عن السيطرة، التلاعب، والعقاب. لكنه كان يعلم أن الوقت لم يحن بعد. بابتسامة باردة، فتح لها الباب، مشيرًا بيده لتدخل السيارة، وقد بدأ ذهنه يخطط للخطوة التالية في لعبته الخطيرة.

ساديشتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن