*الحلقة الثانية*

1.5K 60 12
                                    

صباح الخير.. ♥
التفاعل على الحلقة الأولى كان ضعيف جدًا جدًا بس أنا مقدرة إن لسة خارجين من صيام وزحمة عيد وفي ناس هتبدأ أمتحانات، ربنا معاكُم جميعًا.. دة الفصل الجديد ويارب يعجبكُم.. ♥✨

*بسم الله الرحمن الرحيم*
*‏***************الحلقة الثانية*******************

" في بعض الأحيان نتمنى لو لم نولّد من الأساس أو أن لا تكون هذه حياتنا.. بلحظة يأس نُفكر في الأنتحار رُبما ولكن الحياة مُعادلة صعبة لا يُمكن أن تكون جميع أيامنا حزينة أو تكون جميع أيامنا سعيدة لذلك علينا أن نرضا في جميع أقات حياتنا.. "

بمُجرد أن وطأت قدماه أرض المنزل حتى وصل إليه صوت ضحكات عابثة تأتي من غُرفة نوم والدتُه تصنم مكانُه وهو يحاول إستيعاب ما يسمعُه ولكن كان يتحرك إلى الغُرفة بلا وعي.. وصل أمام الباب وصوت الضحكات تخترق عقله ليستيقظ قبل أذانُه وضع يدُه على المقبض وقام بفتح الباب ولكن أتسعت عيناه مما رآه.. كانت والدتُه العزيزة بالفراش مع شاب يُقاربُه بالعُمر أو رُبما أصغر منهُ عاريان بينما صوت ضحكاتهُما يُجلجل بالأجواء.. شعر بالدماء تغلي في عروقُه ورغبة عنيفة بالقتل تُلِح عليه ولكن تحركت قدماه بأتجاه الفراش ودون شعور منهُ قبض على عنُق هذا الشاب.. شهقة خرجت من أفواههُما وصرخت والدتُه برُعب وهي تنهض من الفراش تُحاول أرتداء ملابسها وهي ترى فارس يُبرح الشاب ضربًا مُميتًا حتى أستطاع الأخير أن يُزيحُه من أمامُه ويلتقط ملابسُه ثُم فر هاربًا من بين براثنُه.. توقف فارس يلتقط أنفاسُه ويُحاول أن يُسيطر على مشاعرُه ودمائُه الثائرة بهذه اللحظة ولكن بمُجرد أن قعت أنظارُه عليها حتى صرخ قائلًا بشراسة:- أنتِ أزاي تعملي كدة..!! أنتِ ااا... أنتِ...
حاول أن يُسيطر على لسانُه وألا ينطق بما يرغبُ في أن يتفوه بهِ لكونها والدتُه فقط بينما هي هتفت قائلة بخفوت وخوف:- فارس أرجوک أسمعني..
صرخ قائلًا بعُنف:- أسمع أيه بعد اللي شوفتُه دة..!! أنتِ فاهمة يعني أيه أرجع ألاقي أُمي في السرير مع واحد تاني ومن سني كمان..
نظرت لهُ بهلع من حالة الهياج المُسيطرة عليه وأزداد هلعها عندما بدأ في تحطيم كُل شئ بالغُرفة بلا هوادة.. صدح صوت صرخاتها بالمكان وأنكمشت على نفسها بإحدى أركان الغُرفة بينما هو شعر بالتعب أخيرًا فتوقف عن تحطيم الغُرفة ولكن غضبُه لم يهدأ بالأخص بعد أن نظر لها مرة أُخرى.. أقترب منها سريعًا وأدركها قبل أن تهرب منهُ قابضًا على ذراعيها يهزها بين يدُه بعُنف وهو يصرُخ قائلًا من بين أسنانُه:- أزاي تعملي كدة..!! أزاي تخوني أبويا أزاي..!!
صرخت هي الأُخرى بهلع وهي تُحاول الفرار من بين قبضتُه:- فوق يافارس أبوك دة ميت من سنين وأنا ست حُرة فووق بقاا..
تركها بصدمة من حديثها وتوقف أمامها يلهث بقوة ولكنهُ سيطر على صدمتُه قائلًا بغضب:- وهو عشان ميت وأنتِ حُرة تُبقي زانية هي دي الحُرية بالنسبالك..
أستشعرت ضعفُه من نبرتُه التي تخللها التعب لذلك رأت أن أفضل طريقة للتملُص من فورة غضبُه هي الهجوم.. هتفت قائلة بتأفُف:- أنت شكلك نسيت إني مش مصرية ومش مُسلمة وإن أبوك كان عارف كدة كويس، فوق بقا من اللي أنت فيه دة وأنسى العادات بتاعت المصريين دي وشوف أنت عايش فين ومتنساش إني ست حُرة وجميلة ومن حقي أعيش حياتي بالطريقة اللي أنا عايزاها..
لم يُصدق أنها تتفوه بمثل هذا الحديث على الرغم من صحة كلامها ولكن كان يعتقد أن والدُه الراحل أستطاع أن يزرع بها صفات وعادات وتقاليد المصريين على الرغم من كونها ليست مُسلمة إلا أنهُ كان يعتقد أيضًا بأنها ستُحافظ على نفسها وشرفها بعد وفاة والدُه من حُبها لهُ.. لقد كان مُخطئًا ووالدُه أيضًا أخطأ عندما تزوجها.. همس قائلًا ببهوت:- مش مصدق إنک أنتِ اللي بتقولي كدة، بعد كُل الحُب اللي كان بينكُم دة وبعد ما ساب أهلُه وبلدُه زمان وجري وراکِ لحد هنا عشان يتجوزک يُبقا هي مُكافأتك ليه..
تحركت من أمامُه متوجهة نحو الفراش جلست على حافتُه ثُم همست قائلة بسُخرية:- هو أنت فاكر إن اللي كان بيني وبين علام حُب وبس لا كان في مصلحة كمان، هو متجوزنيش عشان بيحبني بس زي مابيقول بس أنا بالنسبة ليه كُنت فُرصة كويسة عشان ياخُد الجنسية ويعيش في بلد مكنش يحلم يدخُلها لغاية ما بقا بيزنس مان معروف وليه وضعُه وبعدها جاي يقولي هنرجع نعيش في مصر تاني، أنا چورچينا هانم أروح أعيش في البلد الراجعية دي..
حديثها كان بمثابة صفعات تتوالى على وجهُه حتى يستيقظ من حلم الأسرة السعيدة والزوجة المُخلصة والأُم الحنونة.. لم يكُن للحديث معنى بعد ذلك ولكنهُ همس قائلًا بنبرة لا حياة بها:- أنتِ متستاهليش تكوني أُم أصلًا..
ألتفت ليرحل من أمامها قبل أن يقوم بقتلها ولكن قبل أن يخرُج من الغُرفة وصل صوتها إلى مسامعُه قائلة ببرود:- على فكرة أنا حتى مكُنتش ناوية أخلف من علام بس هو اللي صمم..
لم يلتفت لها بل أغمض عينيه بقهر وهو يوشم حديثها بعقلُه حتى لا ينساه ويشعُر بالحنين إليها في يوم ولكن دون أن يحاول أن يفعل ذلك كان حديثها بالفعل قد ترسخ بعقلُه وأنتهى الأمر...
صفعة واحدة تتهاوى على وجوهنا من الأقرب إلينا تجعلك تُدرِك خبايا الحياة وخُبث الأيام ومن بعدها تُصبح شخص أخر لا ترغبُ في أن تكون عليه....
*********************************************
" مصر "
كانت فجر تستقل " مترو الأنفاق " كوسيلة تنقُل سهلة وسريعة حتى تصل إلى منزل خالتها السيدة فاتن... هاتفت شقيقتيها قبل أن تخرُج من بوابة الجامعة كانت رحيق بمُحاضرة وأخبرتها إنها ستنتهي منها وستذهب إليها بينما شمس كانت لم تنتهي من دروسها بعد... كانت تجلس بعربة السيدات المكان مُزدحم والأنفاس كثيرة مما يُزيد من درجة حرارة العربة ولكنها لم تهتم لقد أعتادت على التنقُل بهذه الوسيلة وبينما هي جالسة لمحت فتاة تستقل العربة معها من محطة ما كانت فتاة بملامح وجه هادئة ورقيقة خالية من مساحيق التجميل ترتدي فُستان واسع وطويل ويُزين رأسها حجاب كبير يُغطي حتى أسفل صدرها " خُمار " لم تجد الفتاة مكان لتجلس بهِ وقفت بجانب باب العربة وهي تنظُر حولها بنظرات عادية.. بعد دقائق توقف القطار بمحطة أُخرى وأستقل العربة شاب يحمل عدة حقائب بها الكثير من البضائع المُختلفة " بائع مُتجول " وبدأ بالهتاف بصوت عالي لكي يشتري منهُ الناس لم تهتم فجر كثيرًا بهتافُه ولكن بعد قليل لاحظت بعد أن أنتهى من عملية البيع بالعربة إنهُ توقف بجانب هذه الفتاة وبالتدريج بدأ في الأقتراب منها بينما الأخيرة تُحاول أن تبتعد عنهُ قدر أستطاعتها ومع أزدحام المكان ووجود الكثير من النساء حولها لم تستطع أن تتحرك أكثر بدأت نظرات الهلع والرُعب ترتسم على ملامحها وهي تشعُر بكفُه على ظهرها ويبدأ بالنزول بالتدريج إلى الأسفل وقبل أن يصل إلى مُبتغاه كان يتلقى لكمة قوية بوجهُه أبعدتُه قليلًا عن الفتاة.. شهق الجميع بصدمة مما حدث وتوجهت الأنظار إلى فجر التي تقف أمام الفتاة وكأنها تحميها بينما الشاب أعتدل بوقفتُه وصاح قائلًا بنبرة غليظة:- أيه اللي بتهببيه دة ياست..!!
نظرت لهُ بشراسة ثُم هتفت قائلة بغضب:- أنا لسة مهببتش ياخويا أنا هفرج عليك الدنيا دلوقتي..
صدح صوت سيدة عجوز قائلة بتعجُب:- وهو عملك أيه بس يابنتي ليه الشر دة..!!
نظرت فجر بطرف عيناها إلى الفتاة التي تحرش بها هذا الوغد وجدتها تبكي بصمت.. أعادت نظراتها إلى السيدة العجوز قائلة بعُنف:- الحقير دة كان بيتحرش بالبنت دي..
أشارت لها بأصبعها سادت حالة من الهرج والمرج البعض يُتابع مايحدُث بالامُبالاة والبعض الأخر بأهتمام وكأنهُ فيلم سينيمائي بينما صاح الشاب بخوف:- كدابة أنا معملتش حاجة..
سخرت منهُ فجر قائلة:- أنا شايفاك بعيني وأنت بتحُط إيدك عليها وهي مش عارفة تتحرك وخايفة منک..
صدح صوت السيدة العجوز مرة أُخرى قائلة بسُخرية:- خايفة أيه ياحبيبتي هو أنتوا دلوقتي بقيتوا بتخافوا ولا بتستحوا حتى يأما أنتِ اللي فاهمة غلط يأما هي اللي عجبها الموضوع..
خرجت شهقة أستنكار من الفتاتين وصاحت فجر قائلة بصدمة:- أنتِ بتقولي أيه دة أنتِ ست برضُه أزاي بتبرري ليه..!!
أصدرت السيدة العجوز صوت من بين شفتيها قائلة بالامُبالاة:- أنا ياختي لا بررت ولا نيلت أنتوا اللي جيل مهبب ولا يعرف ريحة الحياء وواقفة بمُنتهى البجاحة تقولي بيتحرش بيها، الله يرحم على أيامنا زمان لو كانت واحدة حصلها كدة كانت بتجري على مخدتها تعيط مش توقف تهلل وتسمع صوتها للخلق كدة..
تصنمت فجر تُطالعها بلا تعابيير واضحة ثُم همست بنبرة جامدة:- ماهو عشان أنتوا زمان كنتوا بتسكتوا لحد ماطفح علينا ماسورة أشباه الرجالة اللي شبه دة أحنا اللي بندفع التمن دلوقتي..
وبلا أي مُقدمات كانت تلتف للشاب المُتحرش وقامت بصفعُه بقوة ترنح قليلًا وأختل توازنُه فأستغلت هي ذلك وصفعتُه مرة أُخرى حتى سقط أرضًا وأنحنت إليه تصفعُه وتلكمُه على قدر قوتها كان القطار قد وصل إلى محطة أُخرى قبضت على مُقدمة ملابسه وأنهضتُه وقد ساعدها على ذلك جسد الشاب القصير الهزيل ثُم ألقتُه خارج العربة أمام أنظار الجميع المصدومة من قوة وجراءة هذه الفتاة.. أُغلق الباب مرة أُخرى وجلست فجر بمكانها وهي تتلاشى نظرات النساء حولها حتى أتت المحطة التي ستنزل بها.. خرجت من محطة المترو بأكملها وبينما هي تسير لتستقل وسيلة النقل الأخيرة لمنزل خالتها شعرت بمن يضع يدُه على كتفها ليوقفها ألتفتت سريعًا ولكنها صُدمت عندما وجدتها نفس الفتاة التي دافعت عنها منذُ قليل.. توترت الفتاة قليلًا من شراسة فجر الواضحة بشدة على ملامحها ولكنها هتفت قائلة بصوتٍ مهزوز:- شُكرًا..
صاحت فجر قائلة بحدة:- أنتِ جبانة..
نظرت لها الفتاة بخوف قائلة:- هاااا..!!
هتفت فجر بصرامة:- أزاي سايباه يحُط إيدُه عليکِ وساكتة..!! ليه ملفتيش ونزلتي بإيديک على وشُه أو قلعتي اللي ف رجلك ونزلتي بيه على دماغُه أو أقل رد فعل تبعديه عنك وتصوتي..!!
همست الفتاة ببُكاء خافت:- طب ما أنتِ دافعتي عني ومحدش صدقك وشوفتي الست العجوزة دي قالت أيه، يعني لو كُنت عملت زي مابتقولي مكنش حد هيصدقني..
صُدمت فجر من حديثها ولكنها تماسكت حتى لا تصفعها بسبب سلبيتها تلك وهمست قائلة من بين أسنانها:- أنتِ لو مستنية حد في يوم يصدقك ويدافع عنك يُبقا هتعيشي وتموتي ضعيفة، نصيحة مني متستنيش من حد يصدقك ويدافع عنك وموقف الست دي يثبتلك كدة، أهي لا تعرفك ولا تعرف الواد دة بس شوفتيها وهي بتبرر ليه، الموقف دة يعلمك تُبقي قوية وتدافعي عن نفسك مش يعلمك السلبية، لو فضلتي كدة هتتحطي تحت الرجلين ويتداس عليکِ، وسلام عشان أنا مش ناقصة تأخير..
يُقال أن ملابس المرأة السبب الرئيسي لأنتشار ظاهرة التحرُش، إذًا ما المُبرر للتحرُش بالمُنتقبة أو أغتصاب طفلة لم تنهي عقدها الأول بعد..؟! 
لم تكُن ملابس المرأة السبب الرئيسي لأنتشار ظاهرة التحرُش بل هي النفوس البغيضة والصمت والخوف من المواجهة مما أدى إلى أنتشار فئة أشباه الرجال ممن يحاولون التبرير لفعلتهُم البغيضة مثلهُم..
أمر الله عز وجل المرأة بالأحتشام وأمر الرجُل بغض البصر ولا يحتاج الأمر قول المزيد.....
*********************************************
أنتهت شمس من الدرس قبل الأخير وخرجت من المركز الخاص بالدروس حتى تُحضِر لها طعام لتتناولُه.. بعد أن فعلت عادت إلى المركز وجلست بقاعة فارغة وبدأت تتناول طعامها في صمت وشرود.. لقد كانت وحيدة تمامًا بلا أصدقاء فهي لم تكُن شخصية أجتماعية.. لا تُحب الناس ولا الأختلاط بأحد لذلك تذهب إلى أي مكان بمُفردها.. شردت فيما حدث الشهور الماضية بعد أكتشافها هي وشقيقتيها بزواج والدها قبل موت والدتها أرادت أن تثور بوجهُه ولكن منعتها فجر وقد أتخذت قرارها بالصمت مؤقتًا لكي ترى ما الذي تُخبئُه لهُن الأيام ومنذُ ذلك الوقت وهي لا تستطيع النظر بوجه والدها على الرغم من حُبها الشديد لهُ إلا أنها لا تستطيع أن تتخيل زواجُه من أُخرى غير والدتها بالأخص بعد قصة الحُب العظيمة التي كانت بينهُما منذُ الطفولة وأن يذهب ليتصل بزوجتُه الثانية ويُخبرها بوفاة والدتها حتى تفرح هذا أكثر ما يُشعرها بالحُزن.. تنهدت بتعب وهي تترُك طعامها بعد أن فقدت شهيتها ولكن صدح صوت ذكوري بجانبها قائلًا:- مالك يا أنسة أنتِ تعبانة..؟!
شهقت بفزع وأنتفضت تنظُر بجانبها لتري شاب وسيم بملامح شرقية بحتة ولكنها جميلة ينظُر لها من بين عينيه العسلية الناعسة وأهدابُه الكثيفة.. أخفضت نظراتها سريعًا عندما لاحظت تحديقها الفج بهِ ولم تُجيبُه.. حاولت أن تنهض من جانبُه وتجلس بمُفردها كما أعتادت ولكن كان جميع الطُلاب مُتواجدين بالقاعة ولا يوجد مكان فارغ جلست مُجددًا وهي تشعُر بالتوتر وبالتحديد بعد أن تحدث هذا الشاب مُجددًا قائلًا بتعجُب من حالة التوتر التي تُسيطر عليها:- أنتِ كويسة يا أنسة، شكلك متوتر أو تعبان..!!
نظرت لهُ بطرف عيناها وهمست قائلة بخفوت:- لا مفيش..
أزداد تعجبُه من تصرُفاتها غير المُبررة بالنسبةٍ لهُ كما أنهُ لاحظ إنكماشها على نفسها وتملمُلها بجانبُه لذلك أبتعد عنها قليلًا حتى لا يُثير ضيقها أو خوفها وهو يُدرِك أن الفتاة التي أمامُه تُعاني من شئ ما بينما هي تنفست الصعداء بعد أبتعادُه عنها وبدأت تسترخى قليلًا بجلستها حتى تنتبه إلى شرح الأُستاذ الذي بدأ منذُ لحظات..
مرت ساعات الشرح بطيئة عليها كانت قد بدأت تشعُر بدوار عنيف لا تعرف سببُه يلفح رأسها حاولت أن تتماسك حتى أنتهى الدرس.. أنتظرت أن يرحل الجميع حتى تكون قد أستجمعت قوتها وتنهض لتذهب وبالفعل دقائق معدودة كان الجميع قد رحل نهضت من مكانها ببُطء وتوجهت خارج المركز التعليمي وهي تُجاهد لكي لا تسقُط.. توقف على جانب الطريق الموجود أمام المركز وهي تشعُر بالدوار يزداد وأحساس الغثيان يُهاجمها لم تستطيع التحمُل أكثر سقطت أدواتها الدراسية أرضًا وكادت أن تتبعها وقبل أن يحدُث ذلك كانت هُناك قبضة قوية تتمسك بها وصدر عريض يتلقفها شهقت شمس بفزع وحاولت أن تتحدث أو تُقاوم ولكنها لم تستطيع أغمضت عينيها وأستسلمت للظلام الدامس الذي يبتلعها.. لم يكن من أسندها سوى هذا الشاب الذي تحدث معها بالداخل.. نظر إليها وهي بين أحضانُه قائلًا ببهوت:- والله أنا قولت أنتِ شكلك هتموتي النهاردة..
توقفت بجانبُه سيارة ترجل منها ثلاث شباب هتف أحدهُم قائلًا بفزع:- أيه اللي حصل يا وسيم..!! مين دي أنت قتلتها ولا أيه..!!
هتف وسيم قائلًا بغيظ:- قتلت مين يامُتخلف هتلبسني مُصيبة، دي بت من اللي معانا فـ الدرس جوة..
هتف شاب آخر قائلًا بقلق:- طب هنعمل أيه لو حد شافنا كدة هتُبقا مُشكلة..
حملها وسيم بين ذراعيه وسار بها بأتجاه السيارة قائلًا بعجلة:- واحد يجيب حاجتها اللي فـ الأرض وأترزعوا أنتوا التلاتة ورا أنا اللي هسوق..
نفذ الثلاث شباب ما قالُه ووضعها على المقعد الأمامي بجانبُه وتولى هو القيادة مُتوجهًا نحو أقرب مشفى.. وصل إلى المشفى وصف السيارة وترجل منها سريعًا توجه نحوها ثُم حملها بين ذراعيه مرة أُخرى راكضًا إلى الداخل.. قابلُه الطبيب وأشار لهُ أن يتوجه بها إلى غُرفة الفحص ووضعها على الفراش الطبي الصغير بزاوية الغُرفة أقترب منها الطبيب قائلًا بجدية:- أتفضل برة لحد ما أخلص الكشف..
هتف وسيم بقلق قائلًا:- أنا عايز أبقا موجود وهي بتكشف..
هتف الطبيب بحدة:- أطلع برة يا أُستاذ مش ناقصين عطلة..
جز وسيم على أسنانُه من غلظة هذا الطبيب وخرج من الغُرفة والقلق يعصف بهِ.. كان يقف أمام الباب حتى أتاه أصدقائُه ووقف الجميع ينتظر الطبيب في قلق حتى خرج الأخير من الغُرفة بعد مرور بعض الوقت.. أقترب منهُ وسيم قائلًا بلهفة:- مالها يا دكتور..!!
أجاب الطبيب بعملية:- هي كويسة مفيش حاجة خطيرة، شوية أرهاق مع قلة أكل ونوم وواضح إنها بتعمل مجهود كبير فـ جسمها مستحملش كُل دة ووقعت..
تنفس الجميع الصعداء بالتحديد وسيم الذي هتف قائلًا براحة:- الحمدالله، طب أقدر أشوفها..؟!
الطبيب بجدية:- أة طبعًا هي أصلًا فاقت، بس هو حضرتك تقربلها أيه..؟!
توتر قليلًا من هذا السؤال المُباغت وقبل أن يُجيبُه أنفتح باب الغُرفة وخرجت منهُ شمس بعد أن أستعادت بعضًا من قوتها.. نظر لها وسيم ببهوت وهي يرى ملامحها الجذابة الرقيقة لم يكُن قد رأي وجهها كاملًا بالدرس كانت تجلس بجانبُه ورأسها بالأرض وعندما سقطت فاقدة الوعي لم يكُن بحالة تسمح لهُ بتأمُلها.. جمالها هادئ، رقيق وعيونها الخضراء لامعة ولكن بها لمحة ألم أستطاع أن يقرأها سريعًا.. عاد من شرودُه على صوت الطبيب الذي هتف قائلًا بجدية:- حمدالله على سلامتك يا أنسة وياريت حد ينزل الحسابات..
رحل الطبيب وتركهُم بينما أصدقاء وسيم تنحوا جانبًا بعد أن لاحظوا الحالة التي حلت على صديقهُم..
أقتربت شمس منُه وهي تُعدل من حجابها الرقيق وهمست قائلة بخفوت:- أنا مُتشكرة أوي عشان لحقتني وجبتني هنا..
هتف وسيم بنبرة مُتحشرجة قائلًا:- أنا معملتش غير الواجب يعني، حمدالله على سلامتك..
أبتسمت برقة تُذيب القلوب قائلة:- الله يسلمك..
تحركت من أمامُه فـ سار خلفها قائلًا بتوتر طفيف:- أنتِ شكلك لسة تعبانة أنا مُمكن أوصلك بعربيتي..
هتفت بهدوء دون أن تتوقف وتنظُر إليه:- مُتشكرة أنا هرواح لوحدي..
صمت وأستمر بالسير بجانبها وأصدقائُه خلفهُما لاحظ إنها تتجه إلى الحسابات توقف أمامها وأوقفها قائلًا بجدية:- طب أتفضلي أنتِ أمشي..
نظرت لهُ بتعجُب قائلة:- طيب هروح الحسابات وهمشي..
هتف وسيم بجدية بعد أن أشار لأصدقائُه في الخفاء:- لا ملكيش دعوة بالحسابات أمشي أنتِ..
تحولت نبرتها إلى جدية بحتة وهي تهتف قائلة:- وحضرتك تدفعلي بصفتك أيه، شكرًا ع اللي عملتُه معايا لحد كدة..
جز وسيم على أسنانُه من جدالها ولكن بعد دقائق من جدال غير مُجدي أتى أصدقاء وسيم الذي بمُجر أن رأهُم حتى هتف بأبتسامة واسعة:- طب الحسابات أتدفعت عمومًا وكلُه تمام، حمدالله على سلامتك مرة تانية..
رحل وتركها مصدومة من حديثُه وبعد أن سيطرت على صدمتها لم تجدُه حولها.. جزت على أسنانها بغضب وتوعدت بأن تُعيد لهُ أموالُه الدرس القادم......
*********************************************
وصلت فجر أخيرًا إلى منزل خالتها السيدة فاتن وبينما هي تصعد على درج البناية حتى صدح صوت شجار عالي يأتي من شقة ما.. توقفت بالطابق القائم بهِ الشجار لترى سيدة تتشاجر مع شخص ما يبدوا زوجها على باب المنزل ولكن أثار صياحهُما فضولها لتقف وتُشاهد ما يحدُث كباقية الجيران..
هتف السيدة قائلة بغضب:- هو أنت زي باقية الرجالة اللي شايلين مصاريف عيالهُم، فالح بس تدور وتصرف فلوسك على الستات والهانم الجديدة..
هتف الرجُل قائلًا بغضب أشد:- وهو أنا طفشت منك من شوية ما هو من نكدك دة، دة أنتِ ولية بومة..
شهقت المرأة بصدمة ولطمت على صدرها بحركة مصرية أصيلة قائلة بصراخ:- بقا أنا بومة ياراجل أنت، هو أنت تلاقي واحدة تستحمل اللي أنا أستحملتُه منك ولا تشقى معاك الشقى اللي أنا شقيتُه، وفـ الأخر لما ربنا كرمك روحت بعتني وطلقتني وأتجوزت واحدة صغيرة تدلعك بعد ما بقا عيالك على وش جواز..
هتف طليقها بتبرُم قائلًا:- أنا راجل حُر والشرع محللي أربعة وطول ما ربنا فاتحة عليا وصحتي موجودة يُبقا من حقي أتجوز براحتي..
صدح صوت المرأة قائلة بسُخرية وأستهزاء قائلة:- حوش حوش الشيخ اللي مش بيقوم من على سجادة الصلاة، طب ياخويا شوف حقوق مراتك الأول قبل ما تبُص على واجباتك، بس هقول أيه ما أنت راجل عينك فارغة..
تدخل شخص ما من الجيران قائلًا بحكمة:- ياجماعة صلوا على النبي أنتوا عندكم عيال ومنهُم بنت على وش جواز ومش كُل يوم خناقة شكل، وأنت يا أبو عبدالرحمن ميصحش كدة، يأما أمساك بمعروف أو تسريح بأحسان..
بدأ شجار من نوع أخر وكُل طرف يُعدد مساوئ الأخر بينما فجر لفت أنظارها أولادهُما فتاة على مايبدوا بعُمر شمس شقيقتها وأُخرى تصغرها بسنة على أقل تقدير وطفل صغير يقف بجانبهُما يُتابع ما يحدُث بأعيُن مُتسعة خائفة تترقرق بها العِبرات.. تحركت تستكمل طريقها إلى شقة خالتها الموجودة بالطابق التالي وأصوات الشجار تصل إليها كأداة تنبيه لكي لا تُفكر في الزواج يومًا..
فكرت قليلًا مع نفسها ما الفائدة من أن تتزوج وتأتي بصغار إلى هذا العالم البشع بكُل مساوئُه.. تتزوج من شخص لا تعلم هل سيكون هو الزوج الصالح الذي تتمناه أم سيكون مثل طليق هذه المرأة أو يكون مثل والدها..
تتمنى أن ترى علاقة واحدة ناجحة تجعلها تُحب الزواج وتُقدم على هذه الخطوة ولكن فجر لم تنتبه إلى أن حتى أصابعنا تختلف من أصبع لأخر.....
توقفت أمام شقة خالتها طرقت الباب وصل إليها صوت سندُس أبنة خالتها فتحت لها الباب الأخيرة قائلة بمرح:- أهلًا أخيرًا عبرتينا وجيتي ياختي..
أحتضنتها فجر وقبلتها على وجنتيها قائلة بأشتياق:- وحشتيني أوي ياسندُس، والله الكُلية واخدة كُل وقتي..
هتفت سندُس بمرح أكثر:- طب ياختي أتحملي لسان خالتك بقا، تعالي هي فـ أوضتي..
سندُس سيد سُلطان فتاة في العشرون من العُمر بكُلية هندسة، تمتلك جسد رشيق متوسطة الطول بشعر أسود قصير حتى رقبتها، مرحة وبشوشة، وحيدة والديها ولكنها تُعاني الأمرين بسبب تسلُط والدها الدائم...
دلفت سندُس إلى غُرفتها برفقة فجر التي نظرت إلى خالتها المُمددة على الفراش الصغير بالغُرفة وركضت نحوها تحتضنها قائلة بأشتياق حاد:- خالتو حبيبتي وحشتيني..
فتحت السيدة فاتن عينيها ونظرت إلى إبنة شقيقتها المتوفية قائلة بنبرة مهزوزة:- فجر..!! وحشتيني ياحبيبتي تعالي فـ حُضني يابنت الغالية..
سحبتها إلى أحضانها وهي تعتدل بجلستها وشددت على أحتضانها وهي تبكي لأشتياقها لشقيقتها الراحلة وأشتياقها إلى بناتها ربتت فجر على ظهرها بحنو وهي تُدرِك سبب بُكائها قائلة برقة:- متعيطيش ياحبيبتي، الله يحرق الكُلية اللي خليتني أغيب عليکِ كدة..
أبعدتها السيدة فاتن عن أحضانها قليلًا قائلة بشهقات بُكاء:- عاملة أيه يافجر وفين أخواتك، وحشتوني أوي ياولاد..
فجر بحنو وهي تمسح عِبرات خالتها من على وجنتيها:- أحنا كويسين الحمدُالله وأخواتي هيخلصوا اللي وراهُم وجاين يشوفوكي، أنتِ صحتك عاملة أيه..؟!
السيدة فاتن برضا:- الحمدالله فـ نعمة يابنتي..
فجر بأبتسامة جميلة:- ربنا يديكي الصحة ياحبيبتي..
نظرت فجر إلى سندُس قائلة بغلظة مُصطنعة:- قومي أعملي بلُقمتك وأعمليلي حاجة أكُلها أنا جعانة..
السيدة فاتن بلهفة أمومية:- يانور عيني ثواني والغدا يجهز..
ضحكت فجر قائلة:- لالا خلي الغدا لما عمو سيد وأخواتي يجوا وناكُل سوا كُلنا..
هتفت سندُس بسُخرية ضاحكة:- طول عُمرك حسيسة يابت..
هتفت فجر بمرح:- حبيبيتسلم..
ضحكت الفتاتين على مزاحهُما ومر الوقت سريعًا حتى صدح صوت جرس المنزل ذهبت سندُس لتفتح الباب وجدت شمس وبجانبها رحيق التي أزاحت شمس تليها سندُس وهتفت قائلة بصياح:- أوعوا كدة أنتوا لسة هتبصوا وتسبلوا لبعض أنا جعانة أكلوني..
هتفت سندُس بغيظ:- أنتوا عيلة مفجوعة وهمكُم على كرشكُم..
ضحكت رحيق قائلة:- أمال همي يبقا على أيه لو مكنش على كرشي الذي لا يتحمل الجوع..
صدح صوت شمس قائلة بملل وهي تخلع حذائها على باب المنزل:- أخرسوا بقا دة أنتوا صداع، وأنتِ ياختي فين خالتو..
أشارت سندُس إلى غُرفتها فركضت رحيق تلحق بها شمس إلى الداخل وبعد الأحضان والكثير من السلامات صرخت رحيق قائلة:- بقول أكلوني جعانة أنا من الصُبح على 3 شاورما..
هتفت فجر قائلة بسُخرية ضاحكة:- بصراحة يارحيق أكلتك بقت قُليلة أوي الفترة دي..
ضحكت رحيق قائلة بفخر:- أصلي عاملة دايت أسلامي..
السيدة فاتن بتعجُب:- هو في دايت أسلامي يابنتي..!!
هتفت رحيق بنفس الفخر:- أة في تاكلي وتدعي إنك تخسي..
ضحك الجميع على طرافتها بينما هتفت شمس وهي تتوسد أحضان خالتها قائلة بنعاس:- سندُس هاتيلي بيچامة من عندك عشان عايزة أنام شوية..
نظرت سندُس إلى غُرفتها المُحتلة بقهرة مُصطنعة ثُم صرخت قائلة:- منكُم لله أنا تعبت فـ ترويق الأوضة عشان يجي التتار يحتلها....
كان يوم دافئ من ضمن أيام كثير تقضيها العائلة مع بعضها البعض ولأول مرة منذُ مُدة تصدح صوت الضحكات بين الجميع هكذا وقد تناسوا أحزانهُم لوقت قصير للغاية.....
************************يُتبع******************
#بزوغ_الفجر
#آية_صبري

رواية بزوغ الفجر.. الجزء الأول من سلسلة " وتحكي الأيام "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن