الثَالِثْ.

383 43 41
                                    

•لا بأس بالبكاء قليلًا•

إنه صباحٌ جديد ، مرت ثلاثة أيام بالفعل على لقاء ميل بداهيون والآخرين
هي تحب داهيون جدًا، طريقة لقائهما كانت فريدة للغاية،
سُرِقت حقيبة داهيون في منتصف السوق ،
وساعدتها ميل في اللحاق باللص ، إنها عداءة ماهرة لا تقهر ، رياضية أيضًا.
"ألا يمكنني فقط عدم الذهاب اليوم؟"
قال بومقيو، وهو يشعر بشيء ثقيل جدًا في صدره،
كلماتٌ كثيرة تعترض حلقه ، عيناه مدمعة وألم رأسه يفتك به ،
هو لا يريد الخروج اليوم ، لا يريدُ رؤية أحد ،
لا يريد مقابلة البشر أبدًا .
"بومقيو عزيزي؟، آليس لديك دوام اليوم؟"
صرخت أمه من الطابق السفلي
، عدّل بومقيو من جلسته على سريره ،
"واحد، إثنان، ثلاثة"
أخذ نفسًا عميقًا وقال لنفسه "إبتسم ، إنه يوم جديد"
"قادم!" صرخ وقد إستقام من سريره أخيرًا ، تناول إفطاره مع عائلته ، والديه وأخيه الاكبر
غير ملابسة الى بنطال رمادي ، وقميص أزرق اللون ،
ازرق قاتم للغاية .
حذاء رياضي أبيض، سرَح شعره ووضع القليل من العطر .
"أنا ذاهب " قال لأمه مقبلًا جبينها،
ودع أخاه وأباه وخرج .
كان بتمشى وهو يدندن بألحان أغنية إستمع اليها مؤخرًا ، وهو يحاول قدر الإمكان الحِفاظَ على إبتسامتهِ.
"اوه" قالها لنفسه عندما أرى وجهًا مألوفًا،
أليست هذِه جيهان؟
سأل نفسه قبل أن يصرخ
"جيهانا!"
وصوت بومقيو عالٍ للغاية كما هو معلوم ،
إلتفت جيهان إلى مصدر الصوت وحاولت التعرف عليه وهو يتقدم نحوها
"أوه! من أصدقاء ميل أوني!"
قالت وهي تحاول تذكر الاسم
"بومقيو " قال بومقيو بإبتسامة
"بومقيو أوبا، نعم تذكرت الان" ردت عليه جيهان وهي تضحك بحرج
"لم تتذكري ،أخبرتكِ أنا" قال بومقيو ، لتتذمر هي "أياً كان لمَ تزيد الامرُ سوءًا؟"
قهقه عليها بومقيو عاليًا ثم اردف  وهو ينظر الى ملابسها
"الى المدرسة؟" أجابت هي بـ"نعم،ماذا عنك؟"
"الى الجامعة "، اردف بومقيو "لنذهب سويًا"
"عليّ المرور بالمقهى ، لا بأس معك بذلك؟"
سألته جيهان ، اذ عليها المرور بميل وإلقاء التحية ، لانها ترى أنه ليس من اللائق التغيب من العمل وعدم رؤية ميل، لان ميل ساعدتها كثيرًا في السنوات الماضية.
نظر بومقيو الى الساعة في هاتفه ، فكر مليّاً ثم أردف "لا بأس"
ذهب الاثنان على الاقدامْ الى المقهى ، لم يدُر بينهم حديث طيلة الطريق ، الى أن كسر بومقيو الصمت قائلًا "ها قد وصلنا"
رفعت جيهان بناظرها لتجد المقهى ، بشكله المعتادوهو مكتظٌ بالزبائن ، منهم من يجلس وحيدًا ومنهم من معه أصدقاءه ، ومنهم من يأخذ قهوته ويخرج حالاً
إنه الصباح..
"قلبي يؤلمني" قالت جيهان بعبوسٍ وما زالا خارج المقهى
"لمَ؟" سأل بومقيو لتجيبَ هي"إنظر الى هذا الكم من الناس ، إنها تعمل وحدها وانا أتسكع في المدرسة"
ضحك بومقيو بخفة ، نزل الى مستوى جيهان نظرًا لفارق الطول بينهما
" يا صغيرة..أنتِ عليك الدراسة، هذا ليس تسكع وأيضاً ، أنت تفكرين بها وتمرين عليها قبل ذهابك ، اعتقد أن هذا كافي جدًا بالنسبة لها ، وأيضاً إنظري
أعتقد أنها سعيدة حقًا بالعمل"
نظر كلاهما الى ميل التي تستقبل الزبائن بإبتسامة واسعة وأعين لامعة ، تتحرك بكل رشاقة من طاولة لأخرى تحمل الأكواب بيدها .
ربتّ بومقيو على شعر جيهان ثم أردف "لندخل"
أومأت جيهان ودخلا.
"أوني صباحُ الخير"
قالت جيهان فور دخولها ، وقد إنتبهت لهما ميل بسبب جرس الباب .
"صباح الخيرِ عزيزتي ، اوه...صباح الخير بومقيو شي"
قالت ميل محتضنة جيهان ، وأردفت  نهاية حديثها بتفاجؤ ، لم تتوقع رؤية بومقيو أبدًا
"صباحُ الخير " ردّ عليها بومقيو
"جيهان، هيا اذهبي للمدرسة ، انا حقًا أقوم بعمل جيد لا تقلقي"
قالت ميل موجهة كلامها لجيهان التي أرادت التحدث ولكن قاطعتها ميل مجددًا
"أنا حقًا بخير وحدي ، هيا ستتأخرين"
نكست جيهان رأسها "حسنًا~"
"وداعًا" قالتها ثم إنصرفت نحو موقف الحافلات للذهاب الى المدرسة .
"اوه آسفة جعلتك تقف لوقت طويل ، تفضل بالجلوس "
قالت جيهان ليومقيو الذي لا يزَال واقفًا
"لا بأس"، رد بومقيو وذهب الى أقرب طاولة وإتخذ مجلساً هناك .
وبعد مدة ليست طويلة عادت ميل اليه مجددًا "دعني آخذ طلبك "
ليجيب بومقيو "قهوة مخفوقة بالحليب"
"حالاً سيدي!"
قالت ميل ووضعت كفها أفقياً ومحازياً لجبينها
ضحك بومقيو بخفة وهو ينظر اليها تعدُّ له القهوة
"لك ما طلبت" قال ميل وهي تضع القهوة أمام بومقيو
"هل يمكنك الجلوس معي قليلاً ؟"
سأل بومقيو ، هو نفسه لا يعلم من أين أتى بهذه الشجاعة
تفحَّصت ميل المكان بأعينها ثم أردفت
"لا بأس، لا يوجد زبائن لم أخدمهم"
أومأ بومقيو ثم أردف "في الحقيقة... انا لا أشرب القهوة صباحًا"
"أوه" خرجت من ميل قبل أن تردف"وما المميز اليوم؟"
"ليس هناك شيءٌ مُمَيز ولكنني صادفت جيهان في الطريق ورافقتها الى هنا ، لإلقاء التحية"
قال بومقيو وهو ينظر الى قهوته .
لم تستغرب ميل تصرفه أبدًا ، إنهما ليسا أصدقاء ،
ليسا أقارب او زملاء العمل لذا.. من الطبيعي جدًا ان يتجاهل إتصال الأعين ،
إنها تحبُ أحيانا كون ثلاث سنين من الطب النفسي لم تُهدر.
أحيانًا معرفة بواطن البشر شيء جيد ،
هي تقرأ لغة الجسد وتحب فعل هذا
ليس فضولاً منها ولكنها فقط.. وكأي طبيب نفسي
وبالرغم من أنها ليست كذلك ، تريد فقط مساعدتهم
مساعدة الجميع بلا إستثناء ،
ليست شفقة ولكنها تشعر أنه هذه وظيفتها وعليها أداؤها على أتم وجه.
"من الجيد تغيير الروتين"
قالت ميل ليبتسم بومقيو رادّاً" نعم بالطبع"
"اذًا كما أرى..أنتَ ذاهب الى مكانٍ ما؟"
سألته ميل ليرفع بومقيو رأسه وينظر اليها أخيراً مجيبًا بـ"نعم، الجامعة"
"حسنًا اذًا ،إدرس بجد"
قالت ميل محاولة تشجيعه لانها رأت قليلاً من الإحباط في ملامحه
"انا حقًا لا أريد الذهاب اليوم"
قال بومقيو قبل أن يفكر في نفسه لمَ أُخبرها بهذا؟،اصبحتُ ثرثارًا هذه الايام
التقت أعينهما للحظة ، ويمكن لميل التأكد الان بأن بومقيو ليس سعيدًا ، ليس مستعدًا لشيء الان
إنه فقط...حزين؟
"لمَ؟" سألته ميل وقد قطعا تواصل الأعين
"لا أعلم..فقط لا أريد، لا أشعر بأنني اريد"
أجاب بومقيو بصراحة مطلقة ، الامرُ الذي لم يفعله في حياته
لم يكن صريحًا أبدًا في أمور كهذه .
"اذًا لا تذهب" قالت ميل ،
لتردف عندما رأت نظرات بومقيو المستغربة
"لا تنظر إلى هكذا!، يومٌ واحد لن يضر"
"حقًا؟" سألها بومقيو ببراءة مطلقة
"بالطبع!"
قالت ميل مؤكدةً حديثها ،
أردفت "يمكنك قضاءه هنا في المقهى ، اذا كنت لا تريد الخروج"
"أصنع القهوة؟"
سأل بومقيو لتضيف هي "أذل كنتَ تريد..."
"حسنًا ، سأجرب "
قال بومقيو ، ولم يرمش حتى وجد نفسه في مطبخ المقهى
قد تم سحبه من قبل ميل
"خذ هذا، كتيّب تعليمات لاإستخدام الآلة "
قلّب بومقيو صفحات الكتيّب وقال:"انا فقط سأستعمل الجهاز بسكبها ، وانتِ من سيضع المقادير"
"نعم" أجابته ميل قبل أن تضيف" هناك زبون جديد، سأخدم طلبه واعود"
نظر بومقيو اليها وهي تختفي ، أعاد نظره الى الكتيّب مرةً أخرى

لَــيـسَ بَــعْــدَ الــيَــومِ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن