الفصل الأول: الوعد

17.9K 506 580
                                    

أصوات تلاحم السيوف كان يمكن سماعها من خارج المنزل في هذا الصباح الهادئ من أوائل شهر نيسان.

كانت الأرض قد بدأت تستيقظ من سباتها الشتوي متزينة بردائها الأخضر البهيّ ابتهاجاً بقدوم الربيع.. أشرقت الشمس ناشرة أشعتها الرقيقة عبر زرقة السماء الصافية ومتخللة الغيوم القطنية المحتضنة لبعضها، لتعلن عن بداية يوم جاء مُحملاً بنسائم الزهور العطرية.

في منتصف فناء بيت خشبي صغير، وقف صبيان في ريعان شبابهما بملابس قد أغرقها العرق وجعلها تلتصق بأجسادهما كجلد ثانٍ لهما.

أحدهما واقفاً باستقامة فخورة وقد بدا متآلفاً ورصيناً.. كان شاباً طويلاً ممشوق القوام، جسده الكبير بأكتافه العريضة وعضلاته التي لم تُخفيها ملابسه تُقدم بياناً واضحاً على قوته.

كان يرتدي زياً قتالياً أبيضاً حيث البنطالٍ الواسع قد ثُنيت حوافه لأعلى لتكشف عن ربلتيّ ساقيه العضليتين، وقميصه الطويل المُحتضِن لجذعه الصلب يصل إلى فخذيه السميكين.

شعره الغرابي الطويل كان مربوطاً لأعلى كذيل حصان يتمايل من جانب إلى آخر مع أرق ايماءة من رأسه.

وجهه يافعاً نضراً.. بشرته عسلية ملساء وعينيه الكبيرتين الواسعتين مشرقتين بتلألئهما وهما تحدقان بنظرات مستمتعة.. كان مقوساً جبينه لأعلى وقد ارتسمت على شفتيه الرقيقتين ابتسامة ساخرة وكأن هذا القتال ليس أكثر من مجرد لعبة اطفال بالنسبة له بينما ينظر إلى الصبي الآخر الذي بدا وكأنه على بُعد لحظات من الإعياء.. كان يلهث بيأس كي يملأ رئتيه بالهواء منحنياً بجسده للأمام، إحدى يديه تمسك بخصره النحيل والأخرى متشبثة بالسيف المغروس على الأرض لدعمه.

كان جسده صغيراً وقصيراً مقارنة بالفتى الآخر، على الرغم من أن ذلك لم يكن عائقاً أمام بنيته القوية الواضحة.

وجهه جميل ساحر.. بشرته حليبيه ناعمة.. شفتيه الكرزيتين ممتلئتين، وعينيه تنضحان باللطافة والرقة، بالصبر والحكمة التي أنجبتها سنوات العراك مع براثن الحياة.

ردائه القتالي الأسود كان متناغماً مع لون شعره الفحمي الطويل والذي تركه يتدلى بحرية على كتفيه وقد غطت خصلاته الرطبة إحدى عينيه، على الرغم من أن ذلك لم يمنعه من إطلاق نظراته الثاقبة المتأججة بنيران التحدي تجاه الصبي الواقف أمامه.

كانا في منتصف مبارزة محتدمة ظهرت إلى الحياة حين قام الأصغر سناً بإغاظة من يكبره قائلاً بأن مهاراته القتالية لا ترتقي إليه.. في الواقع، لم يكن هذا أمراً جديداً عليهما أيضاً، فهما قد تعودا على جلسات تدريبهما الخاصة حتى أنها أصبحت روتيناً يومياً لهما منذ أن بدآ بممارسة المبارزة قبل عدة سنوات.

تحت ضوء القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن