الحلقة السابعة هديه من الدنيا

35 10 7
                                    

        
مسيرة الأرواح في عالم البرزخ
بعد قطعنا لطريق طويل جداً وصلنا إلى وادٍ خطير ورهيب للغاية . فأصابتني رعدة خوفاً من أن يطل الذنب مرة أخرى من مكمنه ويداهمني ، توقفت وأخذت أفكر بالمصاعب الكثيرة التي كنت ألاقيها في طريقي ٬ عاد ( حسن ) وقال : لِمَ توقفت ؟ هيا تحرك .
قلت : إني أخاف . قال : لا مفر لك ٬ لابد من السير .
تحركت نحو الأسفل مضطرباً ٬ وما ان سرت خطوات من شفير الوادي نحو الأسفل حتى أطلّ من الجانب الآخر للوادي مخلوق نوراني له جناح وفي طرفة عين جاء عند ( حسن ) وبعد أن استفسر عن أحوالي سلّمه رسالة ثم ودّعنا وعاد مسرعاً ٬ وبعد أن قرأ ( حسن ) الرسالة وضعها في صحيفة أعمالي والتفت إليّ
وقال : أبشرك ٬ فسألته مندهشاً : ما الأمر ؟ قال : بعث أهل بيتك وأصدقاؤك بهدية إليك وجاء بها هذا الملك إليك وسيقلل من همك وغمك بمقدار .
قلت : وكيف ؟ قال ( حسن ) وهو يشير إلى ذلك الوادي الرهيب : سوف لن نعبر من هذا الوادي نتيجة لهذه الهدية التي هي عبارة عن تلاوة للقرآن الكريم وإقامة مجلس تذكر فيه مصيبة الحسين بن علي ( عليهما السلام ) والدموع التي أهيلت من أجله .
سررتُ لهذا الخبر ودعوت لهم جميعاً بالمغفرة ، ثم عدنا أدراجنا من ذلك الطريق الذي قطعناه وسلكنا طريقاً أكثر يسراً .
... أودية الارتداد ...
بعد قليل وصلنا معبراً ضيقاً على جانبيه أودية رهيبة ٬ وكأن ( حسن ) كان ينتظر سؤالاً مني فالتفت إليّ قائلاً : هذه الأودية الموحشة هي أودية الارتداد ويستغرق الوصول إلى قعرها سنوات متمادية من سنيّ الدنيا ٬ وفي قعرها أفران من النار هي صورة لنار جهنم ٬ وأولئك القابعون فيها سيبقون فيها إلى يوم القيامة .
سيطرت عليّ الرهبة بحيث بركت في مكاني دون وعي مني ، فرفعني ( حسن ) من مكاني وقال : ركّز نظرك عليّ ولا تنظر إلى قعر الوادي أبداً . وهكذا تجرأت على السير في هذا الطريق الموحش .
في غضون ذلك عمّت الوادي صرخة رهيبة فالتفت إلى الخلف فشاهدت رجلاً يسقط إلى قعر الوادي ٬ وفي وسط صرخاته وعويله الذي هزّ فؤادي ٬ سمعت صوت ذنوبه .
كان ( حسن ) يشاهد المنظر مثلي فقال : إنه تعيس ٬ فقد قطع الطريق إلى هنا بسلام ٬ لكنه سيمكث في قعرالوادي حتى قيام الساعة . فسألته متعجباً : ولماذا ؟
قال : إنه ارتد بعد سنتين من إيمانه ، ثم أخذت أدقق كثيراً في طريقي وكنت أضع قدمي في موطئ قدم (حسن ) خشية السقوط .
ورغم زلات قدمي أحياناً لكننا قطعنا ذلك الطريق الشاق الصعب بسلام ٬ ووضعنا أقدامنا في طريق ضيّق كثير المنعطفات تحيط به تلال عالية ومنخفضة .
... خدعة ...
كان ( حسن ) يواصل طريقه وأنا أتبعه بكل لهفة ولكن بقلب مضطرب ، وصلنا مفترق طريقين فتوجه ( حسن ) نحو اليمين ٬ غير أن يداً سوداء ضخمة كمّت فمي وعينيّ ونتيجة للرائحة الكريهة التي كانت تنبعث منها عرفت أن ذلك هو الذنب .
حاولت إزاحة تلك اليد السوداء المغطاة بالشعر وحينما أفلحت واجهني شبح ذلك الذنب القبيح .
أصابني الذعر فحاولت الفرار واللحاق ب ( حسن ) غير أن الذنب سحب يديّ بقوة وقال : نسيت عهدك ؟
فأجبته مذعوراً : أي عهدٍ هذا ؟
قال : لقد كنت في الدنيا تصحبني ٬ وعاهدتني أن نكون معاً في هذا العالم أيضاً .
قلت : إنني لا أعرفك أبداً ٬ قال : إنك تعرفني جيداً لكنك لم تر صورتي ٬ الآن وقد تفتحت رؤيتك أخذت تشاهدني . قلت : حسناً ٬ ماذا تريد مني الآن ؟ قال : إنني ألاحقكم منذ بداية الرحلة وحتى الآن ٬ و قد حاولت اللحاق بك في وادي الارتداد فلم أفلح .
قلت وماذا كنت تريد مني هناك ؟
قال : أردت المرور بك من ذلك الوادي .
فصرخت منزعجاً : يعني إنك كنت تريد تكبيلي حتى قيام الساعة !
قال : كلا ! لقد كنت أريد إيصالك إلى مرامك بأسرع وقت ٬ ولكن لا بأس ٬ فإنني أعرف طريقاً سهلاً لا يعرف به أي شخص آخر .
قلت : وحتى ( حسن ) ؟
قال : كن على ثقة لو كان على علم به لما أخذ بيدك عبر هذا الطريق الصعب ٬ وهنا تذكرت ( حسن ) حيث تقدمني متصوراً أنني أسير خلفه .
ضاق صدري وطلبت من ( الذنب ) أن يتركني ٬ لكنه في هذه المرة هددني واحمرت عيناه فأصبحتا كبؤرتي دم وقال : إما أن تأتي معي أو أعيدك إلى حيث جئت .
لما سمعت هذا الكلام ارتعد بدني واضطررت لمرافقته شريطة أن أتقدمه وهو يدلني من خلفي لأن مجرد رؤيته كانت تمثل عذاباً بالنسبة لي .
وهكذا تقدمت في الطريق المتجه يساراً وبعد فترة من المسير وصلنا كهفاً كبيراً ٬ دون أن التفت إليه سألت الذنب : ما العمل ؟
قال : إنك ترى أنه لا طريق آخر أمامنا ولا بد من المرور من داخل الكهف .
دخلت الكهف لكن ظلمته التي تفوق التصور أرعبتني فسمعت صوت الذنب وهو يصرخ : لماذا توقفت ؟
الطريق ممهد ويخلو من الأخطار ، واصل طريقك براحة بال .
تقدمت خطوات ثم توقفت ونظرت إلى ما حولي فلم يعد باب الكهف يرى .
كان الظلام يخيّم على كل شيء ٬ رعب عجيب على كياني ٬ فناديت الذنب لكنني لم أسمع جواباً ٬ ثم ناديت مرعوباً ٬ لكنني لم أسمع سوى صدى صوتي . لم تنفك عني الرهبة والاضطراب ٬ فأدرت رأسي لأرى ما يحيط بي لعلي أعثر على منفذ للهروب ٬ لكنني لا أعرف أين بداية الكهف ولا نهايته .
جلست متحيراً نادماً غمر قلبي الحزن والألم وبكيت لفراق صديقي الحميم الوفي (حسن ) وإذا بي في تلك الأثناء أسمع صوت شخص يمر قد نبهني ٬ ففتحت مسامعي عسى أن أعرف جهة الصوت ٬ فانشرح فؤادي لعطر ( حسن ) الأخاذ ٬ فترقرقت في عيوني دموع الشوق .
فتحت أذرعي وضممته إليّ مسروراً ورويت له ماجرى لئلا ينزعج مني . فقال (حسن ) : لما شعرت بعدم وجودك على أثري رجعت من نفس الطريق وعرفت بالأمر من خلال الرائحة الكريهة التي كانت تنبعث من الطريق المتجه نحو اليسار فسرت في نفس الاتجاه لكنني لم أعثر عليك رغم بحثي عنك ٬ حتى وصلت قرب
الغار فشاهدت الذنب ولما رآني ولّى هارباً . حينها عرفت أنه قد خدعك ٬ وعندما دخلت الكهف سمعت عن بعدٍ صوت بكاء ونحيب فسررت وهرعت نحوك .
يتبع

عالم البرزخ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن