مسيرة الأرواح في عالم البرزخ
لشدة ما انتابني من حسرة وغم جلست وأخذت أحدث نفسي : أية درجة ومنزلة هذه ؟ منذ مدة وأنا أدور في هذه الصحراء وواجهت الكثير من العو ائق والمصاعب ولا زلت لم أصل بعد إلى نتيجة .
لكن هؤلاء بلغوا مقصدهم بهذه السرعة ٬ فحقاً طوبى لأولئك الذين مضوا شهداء .
سالت الدموع على وجنتي وبلغت روحي حنجرتي .
بكيت وبكيت بصوت عالٍ حتى أخرجت ما في فؤادي من عقد الدنيا ... لكن الحسرة والغبطة لموكب الشهداء بقيت في قلبي ٬ وهل يمحوها البكاء ؟
جاءني ( حسن ) بهدوء وأخذ يهدئ من روعي ويشجعني على مواصلة الطريق الذي كان طويلاً مضنياً
... غبار الشهوات ...
رغم قطعنا لمسافة طويلة من الطريق لكن لم تلح في الأفق نهاية للصحراء .
وعلى بعد رأيت عموداً أسوداً ما بين عمق الأرض والسماء يتصل بنيران السماء ودخانها وهو يتحرك ٬ ولما اقترب ظهر أنه يشبه الغبار يدور حول نفسه ٬ ولما رأيته التصقت ب ( حسن ) ولفني الرعب والهلع فسألته : ماهذا العمود ؟
قال : إنه غبار الشهوات يدور حول نفسه بسرعة مذهلة .
قلت له مضطرباً : وما العمل في هذه الحالة ؟ فالغبار يتجه نحونا بسرعة لا توصف وهو يلف كل ما يحيط به ؟
قال ( حسن ) : أحط بيدك حول ظهري ٬ وانتبه لئلا يفصلك الغبار عني .
أخذ الغبار يقترب منا شيئا فشيئا بصوته المرعب ٬ وأخذ اضطرابي يزداد ويزداد حتى أصبح الجو مظلماً خلال طرفة عين .
لقد أحاط بنا الغبار وحاول لفنا إليه غير أن ( حسن ) قد التصق بالأرض كالطود ٬ وقد استطعت السيطرة على نفسي بصعوبة بالغة في حين قبضت بيدي على ظهر (حسن ) .
كنت بين الحين والآخر أسمع صوت ( حسن ) وسط ضجيج الغبار وهو ينادي : انتبه لا يفرقك الغبار عني !
كانت لحظات غاية في الصعوبة وكنت أخشى أن يفرقني الغبار عن ( حسن ) لقد وهنت يداي وتثاقلت أذناي فلم أعد أسمع صوت ( حسن ).
وفجأة فلتت يدي عن ( حسن ) ٬ وبطرفة عين ابتعدت عن ( حسن ) عدة كيلومترات وألقي بي نحو الأعلى .
كان الغبار يدور ولشدة الضجيج وارتفاع درجات الحرارة فقدت الوعي ٬ ولما فتحت عيني شاهدت الشبح الأسود الموحش للذنب واقفاً فوق رأسي وكانت رائحته الكريهة تؤذيني فنهضت بسرعة وحينما حاولت الهرب قبض على يدي بقوة وجذبني نحوه وقال : إلى أين أيها الصديق عديم الوفاء ؟ أتفضل مرافقة ( حسن
) على مرافقتي ؟ في حين إنك اخترتني رفيقاً في الدنيا .
نظرت إلى وجه الذنب نظرة سريعة فلمست أن هيكله قد صغر قليلا .
ودون أن أنتبه إلى كلامه سألته : ما الخبر ٬ فقد أصبحت ضعيفاً ونحيفاً ؟
قال منزعجا : كل ما أتجرعه هو بسبب ( حسن ) .
فسألته متعجباً : بسبب ( حسن ) ؟
قال : نعم ٬ فلقد فرقك عني ليؤذيك قليلاً من خلال مرورك من طرق معقدة وصعبة.
قلت : حسنا ٬ وما علاقة أذيتي بضعفك ؟ فأجاب منزعجاً : كلما يزداد عذابك يصيبني الضعف أكثر فأكثر وتذوب لحوم بدني وإذا ما وصلت إلى وادي السلام لن يبقى لي أثر ٬ ثم عظّ على نواجذه وقال : الآن الدور لي فلا بد أن ترافقني . نسالكم الدعاء لي ولوالديه
(( يتبع إن شاء الله تعالى )).في الحلقه العاشره من مسيره الأرواح في عالم البرزخ