الحلقة العاشرة

25 8 2
                                    


.      'إلى النار...وعذاب مجرم في البرزخ'

مسيرةالأرواح في عالم البرزخ

وأنا أرتعش من شدة الخوف والرهبة ٬ سألته : إلى أين ؟ فأشار الذنب إلى جبل إلى يساره وقال : خلف هذا الجبل هنالك وادي جميل أود أن تبقى فيه إلى يوم القيامة .
كنت أعلم أن لا جدوى من العناد واللف والدوران ٬ فسرت في الطريق الذي أشار إليه ٬ فتقدم هو مسروراً عجولاً وبين الحين والآخر يلتفت ويشجعني على مواصلة الطريق .
وبالرغم من أنني لم أر خيراً من الذنب لكن بشاراته المتكررة وسروره غير المبرر حفزني على الاستمرار في المسير .
أخذت أفكر مع نفسي عسى أن ألتقي ب ( حسن ) خلف الجبل ٬ ولعل وادي السلام يقع خلف الجبل وأن الغبار قد أدناني منه ٬ ولكن هل يمكن الوصول إلى وادي السلام بدون ( حسن ) ؟
قطعنا منتصف الجبل فتناهت إلى مسامعي أصوات نحيب ٬ فواصلت الطريق دون أن أكترث لها ٬ وكلما اقتربنا من قمة الجبل يزداد صوت النحيب حتى استحوذ علي الخوف والرعب فتوقفت وقلت للذنب : ماهذه الأصوات التي أسمعها ؟         فأجاب الذنب مضطرباً : أية أصوات ؟
قلت : هذه الأصوات والصرخات التي تصدر من خلف هذا الجبل فتقطع فؤادي .
قال الذنب : إنني لا أسمع صوتاً لعلها هلاهل وأفراح أهالي تلك المنطقة المنعمين
فقلت له : إنني أسمع أصواتاً وصرخات أشبه ما تكون بالصياح والعويل
فقال الذنب : قلت لك إنني لا أسمع صوتاً فلا تضيع الوقت بلا داعي ٬ واصل الطريق بسرعة فالوقت ضيق والطريق طويل .
هنا فهمت أن الذنب يخفي شيئاً هو يتظاهر بعدم السماع ٬ ولم يكن هنالك من خلاص فلقد أبعدني الغبار عن ( حسن ) وأصبحت الآن أسيراً بيد الذنب ٬ ياليتني لم أترك ( حسن ) ٬ بيد أن الغبار كان من القوة بحيث أبعدني عنه .
كنت أسير خلف الذنب بين طيات الجبل يعتريني الشك والتردد وإذا بي أسمع صوت ( حسن ) وهو يصيح بي : قف جانباً ٬ ففعلت وإذا بصخرة كبيرة تسقط بقوة على رأس الذنب ألقت به في قعر الوادي .
عندما شاهدت ( حسن ) مقبلاً علي من أعلى الجبل واحتضنني ٬ سررت لرؤية ذلك الوجه الجميل والعطر الفواح و وضعت رأسي على كتفه وأخذت بالبكاء .
قال لي ( حسن ) وهو يمسح دموعي والبسمة ترتسم على شفتيه : ماذا تفعل هنا يا صديقي ؟ أتدري أين أنت الآن ؟
قلت : كلا ٬ فهز ( حسن ) رأسه وقال : إنك على شفا وادي العذاب ٬ لقد سمعت باسم هذا الوادي سابقاً من ( حسن ) لكنني لم أصدق أبداً إنني سأقترب من هذا الوادي الخطير ٬ طلبت من ( حسن ) أن يحدثني عن هذا الوادي فاستجاب لي وقال : إنه مستقر الذين يعجزون عن العبور من برهوت ولن تكون لهم القدرة على العبور من الصراط يوم القيامة وبالتالي فإنهم سيسقطون في قعر جهنم ٬ وهنا تلفحهم لفحة من نيران جهنم ٬ أما في القيامة فإنهم سيستقرون فيها .
لقد أرعبني وادي العذاب ووقوفي على شفيره ٬ وبعد أن هدأ ( حسن ) من روعي دعاني للاستراحة قليلاً لرفع التعب .
... عذاب مجرم في البرزخ ...
في تلك الأثناء ووسط صراخ المعذبين سمعت صراخاً يقترب منا وبعد لحظات أصبح الصوت أكثر وضوحاً وإن صاحبه يئن أنيناً يقطع الفؤاد وهو يشتكي العطش فأصابني الهلع وتوجهت نحو ( حسن ) لأسأله : ماهذا الصوت ؟
نظر ( حسن ) إلي بوجهه الرؤوف وقال : أنظر إلى أعلى الجبل واحتفظ بهدوئك ٬ ولما نظرت إلى قمة الجبل شاهدت رجلاً كبّلت عنقه بالسلاسل وأخذ بأطراف السلسلة رجلان قبيحا الخلقة ضخما البنية ٬ وكان ذلك الرجل يئن من العطش ويتلفت هنا وهناك .
عندما شاهدنا أسرع نحونا ومن شدة خوفي احتميت ب ( حسن ) وسألته بهمس من هذا ؟
قال ( حسن ) : إنه من كبار القابعين في برهوت وهو الآن يذوق العذاب في وادي العذاب . هكذا أخذ يقترب منا ومد يده كالمتسول طالباً الماء ٬ ولما وصل على بعد خطوات من ( حسن ) سحبه المكلفون به ومنعوه من التقرب . كان يبكي ويهمل الدموع وتقدم من ( حسن ) طالباً جرعة ماء ٬ لكن ( حسن ) امتنع ٬ غير أنه
واصل توسله ٬ فسأله ( حسن ) : أو ليس لك رفيق اسمه حسن ؟
فأطرق برأسه وقال : أي صديق وأي حسن ؟ إن ذنبي هو رفيقي أودعني منذ البداية بيد ملائكة العذاب وانصرف ٬ وعليّ الآن البقاء حتى يوم القيامة أعاني من العطش وأبقى مقيداً بالأغلال والسلاسل .
فقال له ( حسن ) مستهزئاً : إذن فادع ربك ليعجل بيوم القيامة ٬ كي تتخلص من هذا العذاب ٬ فنهض من مكانه وأخذ يصرخ : كلا ... كلا فإننا في وادي العذاب لا نريد أن تقوم القيامة ٬ فقد أرهقنا ما في البرزخ من عذاب قليل فكيف الحال مع عذاب جهنم .... ثم أغمي عليه ٬ فانهال عليه ملائكة العذاب ضرباً بأعمدة الحديد
المشتعلة ٬ وفجأة قفز من مكانه وأخذ يرغو كما يرغو البعير واشتعل جسده ناراً ثم بدأ يفحص بأقدامه وألسنة النيران تتصاعد من جسده وصوته يهز الأرض .
وهكذا أعاده ملائكة العذاب على تلك الحال يجرونه إلى وادي العذاب ٬ ورغم سعادتي للتعذيب الذي يتعرض له مثل هؤلاء غير أنني كنت أشعر برعشة شديدة في بدني ٬ فوضع ( حسن ) يده بهدوء على كتفي وقال :
لا عليك فإنه يستحق مثل هذا العذاب .
هيا بنا فالطريق طويل والغبار ألقى بك في مكان خطير وموحش ٬ وإذا سرت خطوات نحو الأعلى سترى براكين من النيران تغلي وتلقي ألسنة النيران على الأرض ٬ وأهلها قد توقفوا عن الحركة وعليهم تجرع ذلك حتى يوم القيامة ٬ وأمثال ذلك الرجل كثيرون ولا شك في أنك ستصاب بالخوف والرهبة لمشاهدتك إياهم إذن من الأفضل أن لا نسير نحو الأعلى .
قلت : رغم علمي أن الأمر كذلك لكنه مليء بالعبر ولو استطعت لألقيت عليهم نظرة عابرة .
رد علي ( حسن ) كما قلت لك هذا المكان موحش للغاية ٬ وإن بعض أنواع العذاب يوم القيامة تبدو هنا مصغرة ومخففة وتنال المستحقين ٬ ومع ذلك فلا طاقة لك على تحمل رؤيتها ٬ وإذا تحليت بالصبر فإننا
سنمر على جانب من برهوت وهناك الكثير من المذنبين الذين عجزوا عن مواصلة الطريق وأحاط بهم العذاب رغم التفاؤل بخلاصهم يوماً ما ٬ وهناك بإمكانك مشاهدة بعض المعذبين ٬ استجبت له و واصلنا طريقنا على سفح الجبل
اللهم صل على محمد وال محمد

عالم البرزخ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن