باغتت أنفاسك الحارة غفلة كياني، فارتعش ثغري احتفالاً بدفئي وحداداً على لوعتي..وانكشف ستار عتمة ليلي حين سئم جفناي انتظار نهاري...
فأين كنت يا خيال حلمي...ألا تعلم بدونك ما الذي آل إليه عالمي؟؟
عشقتك فأسلمت لك روحي...فهل تفرط بها وتعلن بزوالها هلاكي؟؟
تسللت إلى أنفها رائحة البارود المعبقة بزخم النحاس المدمّى..كانت بشاعة الرائحة التي استشعرتها كلّ خليّة فيها كافياً كي يكبّل وعيها المصدوم..فما الذي يمكن لإنسان أن يدرك أيّ شيء آخر حين تضغى رائحة الموت على حواسه بأسرها؟؟ كانت صمّاء..بكماء..عمياء..قد شلّت أحاسيسها وحوّاسها دفعة واحدة في لحظة غادرة..حيث النهاية..وحتمية الفناء..
لم تستطع أن تحدد كم الوقت الذي قضته وهي محتجزة ومكبلة..أهي ساعات..دقائق...ثوان...أم هي لحظة خاطفة لم تتجاوز أجزاءاً من الثانية بيد أنّ القدر قد فرض سيطرته وأغدق برأفته عليها وقرر أن يرمي بها حيث العدم..حيث ليس بوسع الزمان ولا المكان أن يطالاها بسوء..
تسربلت إلى مسامعها اهتزازات همساته اللاهثة من بين أصداء ضجيج سكونها الزائف فباعدت جفنيها بإرتعاش كفيف يخشى على مقلتيه من نور لن يقشعه، فاصطدم بصرها بمقلتيه الخضراوين المتسعتين بذعر غريب فتحررت حواسها بأجمعها على نحو مباغت لينتفض معها جسدها الخامد كمن عادت له الروح بعد حرمان يائس ففرّت همسة مرتاعة من بين شفتيها :"أيهم!!!" لم يمنحها الوقت الكافي كي تنطق بغيرها وانتزعها من مكانها بحركة خاطفة ملقياً بنظرة بالكاد استحقّت لقبها على بوابة المستشفى ليشهد على إغلاقها وسط صيحات الألم والرعب فغطّى جسدها بوجوده وأخذ يضرب الأرض بقدميه مشيّعاً بوابلٍ من الرصاص الطائش هنا وهناك منه ما كان غايته جسده ليحتضنه في مثواه الأخير ..ومنه ما قصد وبلغ أجساد من خرج دفاعاً عمّن اتخذّ من المستشفى ملاذاً قد يكون هلاكاً...
كانت تشتمّ رائحة الموت مع كلّ نفس لاهث التقطته أثناء رحلتها إلى المجهول الذي خيّم خارج ذراعيه...نعم إنّها رائحة الموت..فقد كانت تعرفها جيّداً، أكثر من أيّ شيء آخر في هذه الحياة وكان بوسعها التعرّف على زخمها الخادش أينما حلّت...ألم تمسي حقيقة لا جدال فيها مع انطلاق أوّل رصاصة على هذه الأرض؟!!
ولسبب ما...وهي تركض كمن لا وزن له، هائمة معه بخطىً تحدّت كلّ قانون للجاذبية أثبته البشر يوماً ما...فتلاشى شعورها بالذعر شيئاً فشيئاً...وهنا تحت ظلّ جسده المتوشّح بسواد الحداد الأبدي...وجدت حرّيتها التي لطالما آمنت بإستحالة منالها...
أجل...قد تفلح إحدى تلك الطلقات الحانقة في سلب روحها من بين ثنايا جسدها، بيد أنّها لم تكن تأبه لذلك...فهاهي تطفو فوق تربة ثراها في استعداد تام للإلتحام معها منذ أوّل نفس لها سحبته بنهم فطري يعود إلى غريزة نسجها الخالق داخل كلّ امرءٍ فينا...ألا وهي..البقاء...
أنت تقرأ
عن الحرية والعشق
Romanceمنذ أن فتحنا عيوننا على الحياة كان أول ما وقعنا في حبه... كان الحضن الذي آوانا وآوى آبائنا وآجدادنا من قبلهم... دماؤنا ترخص حفاظا على سلامته ..وأرواحنا تطوق لنيل حريته... هو الوطن...وما أغلى من الوطن... لكن عندما يطرق عشق من نوع آخر باب القلب..فسيغد...