لَيْلَةُ مُنْتَصَفُ الصَّيْفِ(2)

1.1K 119 113
                                    






















اللحظة التي يُنزلُ فيها العازفُ يديه إلى جانبه، مُبعداً بذلك عصيّ قرع الطبول عن الآلة الموسيقية، هي اللحظة التي تُطرب مسامعه بصوتُ تصفيق الجمهور، و يشعرُ حينها بنشوة النصر، و بأن ما تكبدهُ من تعب، يتلاشى بلمحِ البصر كسحابة صيف رقيقة.

كانت سورا تبتسمُ بسعادة غامرة، و هي تصغي لأصداء التشجيع مُختلطة بصوت لهاثها و هُتاف زملائها في الفريق، ركضوا نحو قائدتهم، ضُربت الكفوف معاً، و تبادلوا التهاني لنجاح عرضهم الأول، ربتت هي على ظهر زميلة لها بعد أن رأت ترقرق دموع الفرح في عينيها، و بعثرت شعر زميلٍ يصغرها سناً لتُثني على أدائه. تداخلت أصواتهم فلم تعد سورا تفهم ما يُقال لكنها موقنة انهم يتحدثون بحماس عن العرض. أكتفت بالضحك وهي ترمقُ وجوههم المُرهقة الباسمة بِوّد.

-ســورا!

لا تعلمُ كيف إستطاعت تميز صوته على الرغم من الجَلبةّ البهيجة، إستدارت مُبتعدة على الحَلَقْة التي شُكلت حولها، ثم نقلت خطواتٍ مُسرعة ناحية الدرج، و تماماً كما خَمنت، كان صاحبُ الصوت بإنتظارها أسفل العتبات، إتسعت إبتسامتها وهي تسيرُ بإتجاهه مُلقيةً التحية، و لم تفوت الفرصة لتتباهى أمامه بزيها المميز، ثم أرتهُ أكثر ما تفخرُ به، و هو تلك الكلمة المنقوشة على ظهره.

-طريقة الكِتابة هذه، مُشابهة لما هو مكتوبٌ على لِبَاس تومان الموحد.

-حقاً؟ عليك أن تُريني ذلك!

أفلتت منها ضِحكة مرحة، و هي تحاول تخيل ما سيبدو عليه في زّي الجانحين، ثم إستفسرت بفضول و هي تتلفت:

-ألم تأتِ بصُحبة مايكي؟

-لا، و لكن أحضرتُ إيـما.

عاودت النظر إليه، لتجد أنه يُشيرُ بإبهامه ناحية فتاة تقفُ قريباً منه، لم تلحظ سورا وجودها لأن إنتباهها كان مُنصباً على دُراكين، و حقيقة أنهُ جاء لرؤية عرضها مُخالفاً بذلك ما قاله في آخر لقاء لهما. أما الآن و قد نبهها على الفتاة التي دَعاها بـ'إيـما' فقد حَولت بصرها نحوها.

الفتاة المدعوة بـ إيـما، تقف على بُعد خطوتين خَلف دُراكين، تَضمُ ذراعها بقبضة يدها في حَركة دفاعية جَلية، و حين تلاقت نظراتهما، أشاحت إيـما وجهها بعيداً، و قد إمتدت يدُها لتلفُ خصلة من شعرها القَمحي حَول سبابتها بحركة عصبية، يَعلو وجنتيها إحمرارُ طفيف، و تزمّ شفتيها بعبوسٍ، إستغرق الأمرُ ثوانٍ قليلة لتفهم سورا كُل ما خالج تلك الفتاة من مشاعر-وهي المُلمةُ بلغة الجسد- و إحتاجت ثانيتين إضافيتين لتقرر أي الطُرق هي الأسرعُ لكسب ثقتها.

سَحبت نفساً قبل أن تهتف بنبرة ذهول، و هي تُشيرُ بسبابتها ناحية الفتاة المتجهمة:

-أنتِ مَحبوبةُ دُراكين إذاً!؟ يالهُ من وغدٍ محظوظ!

سَمَاءٌ بِلَوْنِ الصَّيْفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن