حَاجِـز

1.3K 122 337
                                    













ليس أمراً مُستهجناً أن يجتمع عددٌ من الفتية اليافعين حول طاولة طعام في ذلك المقهى المُتَّسمِ بالأناقة. فتصميمهُ الكلاسيكي، و ورقُ جُدرانهِ فاتح اللون الباعث على الإسترخاء، و إحتفاظهُ بالأثاث الخشبي ذَا القِيمة الأثرية، يُظهرُ بوضوح مدى تَمسك مالكهِ بالأصالة و تَمتعِه بذوقٍ رفيع. يخلو المكانُ عادة من الزبائن في فترة ما بعد الظهيرة، إلا أن إستقبالهُ لتلك المجموعة من الفتيان، يُعدُ شيئاً مألوفاً بالنسبة للمالك.

ربما يُخيلُ لمن يراهم، أنهم مُجردُ طُلابٍ من المدرسة المتوسطة، جاءوا ليستمتعوا بوجبة الغداء و تبادل الأحاديث كما يفعلُ الكثيرون من أقرانِهم، و لكن الأربعة الذين جلسوا قريباً من النافذة و تعالت أصواتُهم المفعمة بالحيوية، لم يكونوا زُمرةٌ من الجانحين و حَسَب، بل الأعضاءُ المؤسسين لجَماعة 'تومان' المعروفة.

لطالما كان هذا المقهى بالذات، البُقعة التي إتخذوها مقراً دائماً للقاءاتهم، مُنذ نشأة تومان الأولى قبل عِدّة سنوات، و لأن معرفتهم ببعضهم البعض تمتدُ لفترة طويلة، فهُم يتخّلون عن الجِدية و الصَرامة التي تفرضُها عليهم مناصِبهم، و يتصرفون بِعفوية دون كُلفة.

أما عن سببِ إجتماعهم في ذلك اليوم الصيفي المُشمس؛ فهو بمُناسبة خروج نائب القائد من المستشفى، و إنتصارهم الساحق في المعركة التي أُصيب خِلالها. بطبيعة الحال، سيقامُ إحتفالٌ رسّمي بعودتهِ في وقتٍ لاحِق بين صفوفُ أتباعهم، أما الآن فهُم يحتفلون بِصفتهم أصدقاءه القُدامى.


-بِصحة كين-تشين!


رَفَع زعيمُهم كأسهُ المملوءة بالمشروب الغازي، ليُقدم نَخباً، و تَبعهُ الآخرون، بأن رفعوا كؤوسهم، ثم إرتشفوا منها تَكريماً لنجاة صاحبهم.

أنزل فتى يجلسُ قُبالة نائبِ القائد كأسهُ على الطاولة، ثم أسند خده إلى راحة يده، كان يرتدي قميصاً أسود ذَا قِماش خفيف و ياقة واسعة، تعلوهُ سترةٌ بلونٍ رمادي من غير أكمام. يُزينُ أذنه اليُسرى بحلقٍ داكن، و تُحيطُ برقبته قِلادةٌ معدنية لامعة. أما عيناهُ الرماديتين الناعستين فكانتا تُحدقان ناحية النائب بشيء من القلق، و سُرعان ما أفصح عن ما يشغله.


-ألم تتسرع بمغادرة المشفى يا دُراكين؟ أنت لم تقضي هناك سوى أسبوعٍ واحد.


حَول دُراكين إنتباههُ إلى صاحب الشعر الفِضي القصير، و إرتسمت إبتسامةٌ صِبيانية واسعة على ثغره حين رد عليه بِثقة:

-لا تقلق، ميتسويا! لقد شُفيتُ تماماً بفضل التمرين المُستمر، حتى أن الطبيب كان مُنبهراً من سُرعة التِئام الجُرح!

و لكي يزيد من مِصداقية كلماته، قام بسحب طرف قميصه الأبيض الفضفاض للأعلى، ليكشف عن عضلات بَطْنِه، و يظهر أثرُ الإصابة على شكل ندبة واضحة فوق جِلده.

سَمَاءٌ بِلَوْنِ الصَّيْفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن