ذِكْرَى الغّد

1K 91 100
                                    













كان يُدركُ في قرارة نفسه أن ردة فِعله المُتسرعة ستثيرُ الشكوك، بَيْد أنهُ و في خَضم الصدمة التي شَلّت تفكيره، لم يجد مفراً سوى الإبتعاد. جُلّ ما رغب به تاكيمِتشي حين واصل دفعَ ساقيه للأمام بقوة ليزيد من سُرعة جَريه، هو الإختلاءُ بنفسهِ لبعض الوقت.

'مهلاً! تاكيمي-تشي! ماذا دَهاك!؟'

كان صوتٌ مايكي يفضحُ إستهجانه، و يُظهر بوضوح كيف خاب ظنهُ.

'تاكيمي-تشي! توقف حالاً!'

'لا، أنا التي ستلحقُ به يا دُراكين، أظنُ أن مُشكلتهُ -أياً كانت- لها علاقةٌ بي'

من حالت دون لحاق دُراكين به، هي 'كاواميني سورا' بلا ريب، أتقولُ أنها ستفعل ذلك نيابة عنه؟ هذا آخرُ ما يرغبُ في حدوثه في الوقت الراهن، كان عليه التركيزُ على الإبتعاد قبل أن تُدركه، تجاهل ملامح الدهشة التي إرتسمت على وجوه من مَر بمُحاذاتهم، و عبر البوابة الرئيسة للنُزل، ثم قرر الإنعطاف يميناً بدل مواصلة الجري على الطريق المرصوف المُفضي للأسفل، فقادتهُ قَدماهُ لبُقعة تحدُها الأشجار من الجانبين، و لم يكن واعياً بما يكفي لينتبه لمُحيطه.

كانت ليلة مُقمرة، لذا كان تَلمسُ طريقه هيناً بين الأشجار الشامخة التي يتخللُ ضوء القمر المُنير أغصانها، الأرضُ مفروشةٌ بالعُشب الندّي تحت قدميه و كان السكون مهيمناً إلا من لُهاثه، لذلك إستطاع سَماع صوتها بوضوح من مكان ما خَلفهُ:

-تاكيمي-تشي! مهلاً! لنتحدث-

هل إستطاعت اللحاق به حقاً؟ إستدار تاكيمِتشي ليُلقي نظرة من وراء كتفه ليفاجىء بالفتاة تركضُ بمُثابرة لتُقلص المسافة بينهما، كانت ضئيلة الحجم و لكن سُرعتها أذهلته، باتت على بُعد أقدام قليلة منه، فحاول عَبَثًا أن يُضللها بأن إنعطف في أول مُفترقٍ للطرق و تابع تقدمهُ على غير هدى، ليصل إليه صوتها الذي حمل نبرة التحذير حين صرخت فيه:

-إنتبه! أمامك سلالِم!

ردة فِعله جاءت متأخرة، و لم يكن بوسعه تفادي الوقوع من فوق العتبات الخشبية، ليتدحرج للأسفل و هو يضُم ذراعيه أمام وجهه، و حين لامس ظهرهُ الأرض أخيراً، شعر بثِقلٍ في جَفنيه و إبتلع السوادُ وعيهُ تدريجياً، ليستعيد عقلهُ الباطنُ بعضاً من ذِكريات زيارته الأخيرة للمستقبل البعيد.


----------------


-ذِكْرَى بعد اثنتي عَشرة سنة-

وصل الشابُ تاكيمِتشي مُبكراً إلى المكان الذي حددهُ شريكهُ في آخر رسالة نصيّة إستلمها منه، سحب هاتِفهُ الذكي من جيب بنطاله ليتفقد الساعة، كانت تُقارب العاشرة صباحاً و تنهد بخفوت حين أدرك أنه لا يزالُ هناك متسعٌ من الوقت. سببُ إستعجاله هو نفادُ صبره، فقد قضى الأيام الماضية مُتلهفاً لسماع أي جديد يخصُ موضوعاً معيناً طلب من شريكه أن يتحرى عنه.

سَمَاءٌ بِلَوْنِ الصَّيْفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن