9_المفاجاة

1K 29 0
                                    

ارتجفت اصابع كارولين وهي تدير قرص التلفون
لقد انتصف اليوم وخلا المنزل الا منها ومن الخدم اما العمة رينا فقد ذهبت ومعها الطفل فيتو لتزور بعض صديقاتها ولا يتوقع احد عودتهما الا في ساعة متاخرة من بعد الظهر
وكانت كارولين مدعوة ايضا ولكنها رفضت الدعوة اذ كان لديها خطط اخرى تريد تنفيذها
_اهذا انت يا جيفري؟ انا كارولين
_كارولين يا عزيزتي ! كم هو جميل ان تحديثيني تلفونيا
_هل انت مرتبط اليوم بشيء معين؟
_لا شيء , هل تمضين اليوم معي؟
_اذا لم يكن لديك مانع؟
_ارتدي ملابسك يا عزيزتي, ساكون عندك بعد عشر دقائق؟
اسرعت الى غرفتها واختارت ثوبها الاخضر وحذائها الابيض وحقيبة يد ملائمة, وبدت جميلة وفاتنة عندما فتحت الباب لجيفري
وهي لم تنسى تعليمات دومنيكو بعدم السماح له بالدخول اذا حضر ولهذا اسرعت في اتمام زينتها لتفتح له الباب بنفسها عند وصوله
تذكرت نبرة دومنيكو العنيفة وهو يملي عليها شروطه, لقد ازداد اصرارها حتى انها قررت في النهاية الاسراع الى التلفون قبل ان تضطر الى التراجع
قادها الى سيارته وانطلق بها في انحاء روما, كانت هي المرة الاولى التي ترى فيها روما على حقيقتها
ولسوء الحظ راى جيفري في الاماكن التي تستحق المشاهدة يختلف تماما عن رايها, فلم يكن يهمه ابدا سبعة وعشرين قرنا قد مضت على بناء ام المدن
فانطلقت سيارته وهي تمر بسرعة امام الصروح المشيدة والنافورات الملونة والكنائس الفخمة وصالات عرض الصور الفنية وانزلها من السيارة امام مطعم كستلو دي سيزاري اي قلعة القيصر
والتفتت اليه كارولين عابسة الوجه وقد خاب رجاؤها فيه وهو يدفعها الى داخل المطعم
واعترضت قائلة
_ولكن يا جيفري ظننت اننا سنرتاد الاماكن التي تستحق المشاهدة, هناك اشياء كثيرة ارغب في رؤيتها مثل الكولوسيوم وحمامات كركلا
_لكن يا عزيزتي هذه الاماكن الاثرية لا يخشاها الا السياح, ولا اظنك تريدين الانضمام الى افواج من الاجانب يثرثرون بلغات مختلفة ويصوبون الات التصوير في جميع الاتجاهات
_لم لا ؟ انني اجنبية ولا اتكلم الايطالية ولن احس بغربة وانا وسط هؤلاء السياح, انت تعلم كم اتوق الى مشاهدة كل عجائب روما والان وانا في قلب المدينة انطلقنا بسرعة ثم انحرفنا في النهاية الى داخل مطعم
وضع يده تحت ذراعها ودفعها برفق عبر باب المطعم قائلا
_اعدك بان اصطحبك غدا في جولة سياحية اذا وافقت الان على دخول المطعم سنقابل بعض الاصدقاء
فوافقت على عرضه واجابها بسرعة انه عند وعده
وبعد فترة قصيرة تدفقت الدعوات عليها لاستضافتها لكنها راوغت المضيفين بحجة انه يجب عليها اولا ان تراجع دومنيكو
,ورفضت ان تترك نفسها تفكر في رد فعل دومنيكو عندما يكتشف انها عصت اوامره, كان كافيا ان تعيش وتمتع نفسها
وذهلت عندما اخبرها جيفري بان الوقت حان للعودة ولكن قبل ان يسمح لهما بالانصراف صمم صديقان لجيفري على ان يحصلا على وعد من كارولين بحضور حفلة تنكرية يقيمانها الليلة
في السيارة تذكرت انه ليس لديها ثوب تنكري ترتديه في الحفلة وقالت
_تذكرت الان فقط ! انني لا املك ثوبا تنكريا
_اتركي الامر لي ساستاجر لك ثوبا مناسبا بمجرد ان اوصلك الى الدار
_ولكن من اين لك ان تعرف مقاسي؟
نظر اليها في مكر ليحدد مقاسها ثم اطلق ضحكة وهو يلحظ ارتباكها , وطلب اليها الا تقلق لانه سيختار ثوبا على مقاسها وسيكلف الشركة التي تؤجر الثياب ارساله الى منزلها
وبعد ان وصلت العمة رينا الى المنزل بوقت قصير احضرت الطفل وسلمته لادلينا ليستحم ويتناول الطعام قبل ان ينام
وما كادت تفعل حتى دق التلفون فرفعته العمة لترد وسمعتها كارولين تقول
_حسنا يا دومنيكو , اذا كان من الضروري ان تفعل ذلك فافعله , ولكني هيات نفسي لان اتناول العشاء في الخارج هذا المساء وهذا يعني اما تصحبني كارولين فينتابها الضجر من الاستماع لكثير من الذكريات عن صديقاتي الحميمات واما ان تبقى لتتناول العشاء بمفردها , اني اعتقد بان معاملتك لها سيئة
واغلقت التلفون بعنف تاركة دومنيكو على الخط مشمئزة من تصرفه  والتفتت الى كارولين قائلة
_هل سمعت؟
_نعم ولكن ارجو الا تقلقي من اجلي ,اني مدعوة الى حفلة هذا المساء فيمكنك ان تخرجي وتمتعي نفسك
_ان ذلك رائع يا عزيزتي, ولكن من سيكون رفيقك؟ ان دومنيكو مرتبط برفيق عمل كل السهرة
_سيصطحبني السيد غراهام اتعرفينه؟ انه صديق كنديدا
وعبرت وجه العمة رينا سحابة عند ذكر اسم جيفري وظنت كارولين بانها ستسمع شيئا من الاعتراض على رفيقها
الا ان العمة ابتسمت وقالت
_انه شخص ساحر للاسف ان دومنيكو لن يكون في الحفلة ,لن يتغير الا اذا شعر بالغيرة الحقيقية
اسرعت اليها كارولين وقبلتها
_انك حقا عجوز ماكرة يا عمتي , وانا احبك من اجل ذلك
وبادلتها السيدة العجوز القبلة ودفعتها الى اعلى السلم لتستعد للحفلة,وفي طريقها الى الطابق الاعلى تقابلت مع ادلينا اثناء نزولها وطلبت اليها نقل الصندوق الذي كانت تنتظر وصوله الى غرفة نومها
استمتعت كارولين بحمام طويل وعندما عادت الى غرفة نومها كانت سعيدة
ورات صندوقا كبيرا فلما فتحته وقفت مشدوهة اذ اشتمل على بضعة خيوط من النايلون وزي على الطراز البكيني مرصع بالترتر وله حمالتان للكتفين مرصعتان بالجواهر وخمار مع مجموعة كبيرة من الحلى الزجاجي البراق وحاولت ارتداءه وهي ممتعضة
ووقفت امام المراة وقالت
_انه زي همجي لا بد ان يكون جيفري مصابا بجنون لا يمكنني ارتداء هذا الزي؟
وقفزت عندما رن التلفون ومضت نحوه لترد فدوى صوت دومنيكو يسال
_العمة رينا؟
_لا , انا كارولين, عمتك خرجت
_ ليس في الامر اهمية ساتصل بها في ما بعد هل انت وحدك؟
_نعم.
وانتظرت متمنية ان يقول لها انه سيعود الى المنزل حتى لا تبقى وحدها هذا المساء الا انها وهي تنتظر ذلك سمعت صوت كنديدا تطلب منه ان ينهي حديثه
فاثار كارولين ما بدا في صوتها مما يدل على انها متمكنة منه , حاول دومنيكو ان يضيف شيئا الا انها وضعت سماعة التلفون واتجهت الى منضدة الزينة
وعندما فعلت ذلك لم تنظر مرة ثانية الى المراة اذ ازعجها الثوب الذي كانت ترتديه ولم تشا ان يعوقها اي شيء عن تنفيذ خطتها, ووضعت المعطف الذي كانت ترتديه وبمجرد ان رن جرس الباب نزلت الدرج وخرجت
_هل كان الثوب مناسبا يا كارولين؟
_طبعا يا جيفري انه ممتاز
_انك متحررة قليلا يا كارولين, لو كنت رفضت ارتداء هذا الثوب لما قلل ذلك من قيمتك في عيني ليس لانه زي غير ملائم وانما لان بعض الفتيات يفتقرن الى الثقة بالنفس ولا يرتدينه بالاضافة الى انني قمت بعمل جبار حتى اجعلك تبدين هكذا
وعندما وصلا الى المنزل الذي تقام فيه الحفلة وجداه متالقا بالاضواء فدق قلب كارولين بسرعة اذ توقعت مفاجات سعيدة عندما سمعت صوت الموسيقى والضحك
سارا من خلال الباب الواسع المفتوح وحياهما مضيفاهما اللذان كانا يرتديان ملابس تمثل انطونيو وكليوباترا, وعندما نظرت كارولين حولها شعرت بان الخجل زايلها, فبالمقارنة بالازياء التي راتها في الحفل كان ثوبها اكثرها احتشاما
واندفع حشد سعيد عاصف بكارولين ولم تر جيفري الا قليلا, اذ كان زيها الغريب وعيناها اللا معتان ووجهها المتورد مقصد ذلك الحشد من الحاضرين, وللمرة الاولى شعرت بانها حرة تماما
بعد فترة جاء جيفري وقد بدت عليه علامات السخط لانها كانت تبدل الرجال في كل رقصة, فاتخذ طريقه وسط المعجبين وقد ارتسمت على وجهه نظرة هادفة وقال
_هذا كثير, فقد احضرت الى الحفلة اكثر نساء روما جاذبية ومع ذلك لم اتمكن من الاقتراب منها انصرفوا عنها وليبحث كل منكم عن رفيقته, الرقصة التالية ستكون لي
رقصت كارولين مع جيفري واثناء دورانها في حلبة الرقص اصطكت الصنجات النحاسية في صوت مرتفع وتوقفت الموسيقى فجاة ثم سمع صوت قائد الفرقة الموسيقية
_سيداتي سادتي الرجاء الانتباه
فصمت الجميع وهم في انتظار ما سيعلنه
_الرقصة القادمة ستكون رقصة الغرامات
هللت المجموعة في سرور وقام جيفري بشرح تلك الرقصة لكارولين الحائرة ومؤداها ان يسير رجل في اتجاهات معينة بين الراقصين وعند توقف الموسيقى يطلب من الراقصين اللذين عن يمينه الاجابة عن سؤال فاذا عجزا عن الاجابة طلب منهما تادية غرامة
وبدات الفرقة الموسيقية تعزف وكان الراقصون الثائرون يحاولون تفادي الرجل الذي كان يخطو بخطوات كثيرة ناحية اليمين وخطوات اخرى ناحية اليسار
وكان كارولين وجيفري غارقين في متعة الرقص حتى نسيا الحذر فكانا الراقصين اللذين استحقا الغرامة
وكان السؤال الموجه اليهما اصعب من ان يجيب عنه استاذ في الجامعة, حاولا الاجابة وقد اخذتهما رهبة المفاجاة , لكنهما فشلا
وسر اصدقاء جيفري عندما طلب منه ان يرقص الرقصة المزمارية وقد اداها بتقليد متقن, وكانت غرامة كارولين ان ترقص رقصة تتناسب مع الزي الذي كانت ترتديه
فاعترضت قائلة:
_لا استطيع.
الا ان المجموعة صممت ودفعها جيفري الى وسط الحلبة, واخذوا يصرخون تشجيعا لها ويصفرون باصوات تشبه عواء الذئاب وهم يترقبون الرقصة وبدات الفرقة تعزف او بالاحرى الات النفخ, وكان الجو يذكر بحياة جواري في القصور في احقاب التاريخ القديمة
وبهزة من كتفيها ثبتت كارولين الخمار على وجهها وخطت داخل دائرة المتفرجين الضاحكين وبدات تتمايل مع الموسيقى التي تكاد تؤثر في الحاضرين تاثير التنويم المغناطيسي
وكانت وهي ترقص تتذكر صوت مدرسة الرقص القديمة يدوي في اذنها قائلة لها:
_استمعي الى الموسيقى,انسي نفسك في الايقاع الموسيقي واجعلي جسمك يحكي القصة التي تريد الموسيقى ان تعبر عنها استرخي يا فتاتي
وجرفها سحر الموسيقى ولما توقف العزف فجاة استوقف انتباهها عينان سوداوان تنظران اليها في احتقار, فوقفت فجاة وكانها تسمرت
ولم تقو على النظر في عيني دومنيكو الغاضبتين الذي سارع الى الاختفاء عن الانظار بينما احتشد المهنئون من حولها, واندمجت في وسطهم شاكرة
وحاولت ان تخفي شعور الرعب الذي استولى عليها عندما علمت بوجود دومنيكو وحاولت ان تختفي في الزحام لكن لم يدهشها ان وجدت يد كالفولاذ تقبض على مرفقها وتدفعها نحو الباب في عنف
ولمحت الذعر في وجه جيفري عندما تبين ان دومنيكو هو رفيقها , ولكنها لم تجد فرصة للتحدث معه
رافقها دومنيكو بتجهم الى سيارته وانطلق بها سريعا, كان الطريق طويلا وكانت واثقة من انه ليس الطريق الى المنزل وبدا الذعر يتسرب اليها
وفجاة توقف الى جانب الطريق واخذ يتفحصها ولم يترك جزءا من زيها الذي بدا الان رخيصا مبهرجا فخفضت عينيها وتوردت وجنتاها الما عندما شعرت باحتقاره لها
_هل تفضلين بان تشرحي كيف نسيت نفسك وجعلتني اضحوكة امام اصدقائي وموضوع اشفاق من جانب عائلتي؟ لماذا خالفت تعليماتي الواضحة التي نهيتك فيها عن مقابلة جيفري؟ اغرورقت عيناها بالدموع فالتفت اليها قائلا:
_الدموع لن تفيدك الان يا كارولين فاحتفظي بها لما هو ات ,انا واثق من انك ستحتاجين الى صمام امان عندما انهي الامر معك!
وسالته مذعورة
_ماذا تعني؟
_اعني ان الوقت قد حان لكي تدفعي دينك يا كارولين! ساخذ منك شيئا مقابل العار الذي لحق بي بسببك وساخذه الليلة
واندفعت السيارة صاعدة بين الكروم والفيلات المنعزلة خطر لها ان تدفع باب السيارة وتقفز منه وانتابتها قشعريرة من الخوف فحاولت ان تتحكم باعصابها واخذت تؤكد لنفسها بان دومنيكو هو قبل كل شيء رجل نبيل
وبدت السيارة تتباطا ثم توقفت امام فيلا محاطة بورود وشجيرات, وانتظرت في هدوء ولم تتحرك الا عندما فتح دومنيكو الباب وقادها الى الردهة
وتوترت اعصابها عندما قال لها في اقتضاب:
_ادخلي هنا واجلسي بينما احضر القهوة
تبعته الى غرفة مؤثثة تاثيثا ينم عن ذوق سليم, واستقرت راضية في اريكة قرب نافذة كبيرة تطل على الحديقة
فتح الباب ودخل دومنيكو الغرفة يحمل صينية القهوة ووضعها على منضدة وبدا يسكبها وجلس الى جانبها وقدم لها قدحها فانسكب قليل من القهوة على معطفها فبادرت الى نفضها قبل ان يلمسها, وتدفق الدم في وجهها عندما ابتسم ساخرا وقال:
_ سنرى الان اذا كنت قادرة على المقاومة؟
كانت عيناه مثبتتين على وجهها تتقدان بضوء غريب فارتبكت وحاولت الوقوف لكنه مد يده ليمنعها فابتعدت عنه بعصبية وانزلق معطفها من فوق كتفيها لكنه ادركها وامسك بها وجعلها عاجزة عن المقاومة واخذ يجذبها الى ذراعيه
شعرت بيديه تقبضان على حلقها وانفتحت عيناها في الوقت المناسب لترياه وقد انتزع منها القلادة الزجاجية البراقة التي كانت تحلى بها
وبدات تقاوم والغضب الشديد يستولي عليها وزايلتها موجة العاطفة التي استيقظت فيها عندما ادركت قصده
ضاقت حلقة ذراعيه من حولها تمسك بها كاسيرة , ولم تؤد مقاومتها الا اصرارا على ابقائها في قبضته
قالت:
_ارجوك يا دومنيكو الا تفعل
_ولم لا افعل؟ هل انا من الحماقة بحيث اسمح لكل رجل اخر بان ينعم بك اما انا فمرفوض دائما؟ انت زوجتي, هل تذكرين؟ هل توقعت حقا ان اقف مكتوفا وانا اراقبك تغازلين اي رجل تميلين اليه دون أن تشعري بوجودي؟
_لم اغازل اي شخص يا دومنيكو ذهبت الليلة الى الحفلة الراقصة مع جيفري لاني شعرت بوحدة رهيبة ولانك حاولت السيطرة علي بالفرمان السخيف الذي اصدرته بان اكون سجينة البيت, قطعا لم تتوقع مني ان احمل هذا القول محمل الجد؟ فنحن لا نعيش في العصور المظلمة, ولا بد انك لم تتوقع مني الامتثال لهذا الطلب السخيف
_لا اريد ان اسمع اكثر من ذلك, كنت تعلمين ان ما تفعلينه يغضبني ويمكنك الان ان تحصدي ثمار هذا الغضب انك مجموعة من المتناقضات يا كارولين!
فمنذ اليوم الاول الذي قابلتك فيه وانا عاجز عن معرفة حقيقة امرك, واي الفتاتين انت فمن ناحية , ارى الام الصغيرة السعيدة مع طفل يحبها ثم تزعجينني بقولك انك لم تحبي فيتو وهو ما يوحي بالاعتقاد بانك امراة منحلة, وادهشتني مرة اخرى عندما قلت انك تقبلين هدايا من الماس من اصدقائك كتامين ضد الفقر, واصابني الخزي عندما رقصت كبنات الهوى امام كل من يعرفني في روما, واكثر ما يدهشني هو اسلوبك في الفوز بالحظوة لدى عمتي وكنت دائما اقول انها وحدها هي التي ستدرك حقيقتك
وفي اللحظة التالية رفعها وحملها الى الاريكة وهو يعانقها كانت في حاجة شديدة اليه وكان يريدها بقوة وللمرة الاولى في حياته , ان يحظى بشخص يكون له وحده, شخص لا يشاركه فيه احد كما شارك فيتو في امه وكما شارك فيتو زوجته وطفله توقفت عن مقاومته واغمضت عينيها
وربتت على عنقه وهي تبكي وهمست وعيناها مغمضتان
_فيتو يا حبيبي اني احبك كثيرا
كان دومنيكو ساكنا تماما حتى فتحت عينيها, وبدت عليه امارات الحيرة وهو يحاول أن يعرف منها الحقيقة كاملة
وسالها بفتور:
_هل كنت تحبين فيتو؟
_نعم , واظن اني ساحبه دائما
ذعرت لصمته وافزعها ثباته واغرورقت عيناها بالدموع والتفتت براسها لتخفي عنه عينيها وهنا عرف الحقيقة رفع يده الى خديها ومسح دموعها برفق
وابعدت راسها بعصبية عن ملمسه وصاحت
_لا تلمسني.
وسحب يده بسرعة وابتعد عن الاريكة وحدق الى النافذة وعندما التفتت اليه كان وجهه صارما
_تعالي يا كارولين, ساخذك الى المنزل
ولم يسالها لماذا كذبت عليه بالنسبة لشعورها نحو فيتو اعتبر هذا الامر حقيقة واقعة, وادرك انها نطقت بهذه الحقيقة في فورة العاطفة وهي بين ذراعيه مما ذكرها بفيتو باعتباره الرجل الوحيد الذي تحبه فعلا
اعانها على الوقوف واحاط كتفيها بالمعطف وفي اثناء ذلك مستها اصابعه برفق فسرت في جسدها رجفة اعتبرها من اثار رد الفعل المفاجىء ونظر طويلا الى عينيها المعذبتين وتنهد قائلا:
_لا داعي للقلق لن افرض عليك عاطفتي ما دمت لا ترحبين بها,ارجو ان تقبلي اعتذاري لسلوكي في الماضي, ولو كنت اعلم انك احببت فيتو الى هذا الحد لما حدث ذلك ابدا, هل تغفرين لي؟
لم يعد لديها من الثقة في النفس ما يسمح لها بالكلام وانهارت تماما
واحاطها بذراعيه وقادها الى السيارة
كانت الرحلة الى المنزل سريعة وهادئة, وفي الساعات الاولى من الصباح توقفا امام منزل العمة رينا, لكن الاضواء كانت ما زالت تتالق من النوافذ, وبعد ان ساعدها على الخروج من السيارة صعد سريعا الى السلم ورن الجرس
فتح ايمانيويل الباب وعندما راهما على العتبة رفع ذراعيه
_شكرا لله.
_ما هذا يا ايمانيويل؟ هل حدث شيء للعمة رينا؟
_انه السيد فيتو جاءنا خبر بانه حي وهو في طريقه الى البيت! ان السيدة تكاد تطير من الفرح وقد ارغمناها على النوم لان الصدمة كانت شديدة على قلبها لكنها سعيدة جدا, كما اننا سعداء جميعا
والتفت دومنيكو الى كارولين فراى وجهها المفعم بالحيوية يشع بتعبيرات السرور وهي لا تصدق الخبر
وسالها بانزعاج
_وماذا يكون الامر بالنسبة الينا يا كارولين ماذا سنفعل الان؟
لم ينتظر جوابها لكنه اسرع الى غرفة عمته, وببطء صعدت الى غرفتها وقد اصابها الدوار
لقد صدمها انها وعت تماما كل ما قاله ايمانيويل , وتملكتها فكرة وحيدة هي ان فيتو سيحضر الى البيت وان عليها ان ترحل قبل وصوله وقبل ان يعرف الجميع انها كاذبة
كان مروعا ان تفكر في بقائها لمواجهت حنق دومنيكو عندما يكتشف كذبها وبدات وهي شديدة الانفعال تعد حقيبة ملابس صغيرة تحتوي على اللوازم الاساسية لتعود الى انكلترا
لكنها ستحتاج الى نقود لدفع اجرة سفرها, وحساب البنك الذي فتحه لها دومنيكو لم تمسه حتى الان, ثم ان البنوك لا تفتح الا متاخرا وهي لا بد ان تذهب حالا ولكن كيف؟
نظرت الى التلفون وتذكرت جيفري وباندفاع اتصلت به تلفونيا
_جيفري؟ انا كارولين ,احتاج الى مساعدتك, ارجوك يا جيفري هل تساعدني لاصل الى انكلترا؟
فاكد لها انه سيفعل كل ما يستطيع على الفور, ثم سالها:
_هل تريدين ان اخذك الان؟
_نعم, ساكون مستعدة عندما تصل لا تحدث اي صوت ساسمع سيارتك واخرج, اشكرك يا جيفري انك صديق حقيقي
ارتدت ملابس السفر والقت نظرة اخيرة على غرفتها وانسلت الى اسفل الدرج
ظلت اعصابها متوترة حتى سمعت صوت سيارة جيفري تقف فاسرعت الى حيث كان ينتظرها وبسرعة انطلقت السيارة بهما
قال جيفري
_لم يكن لدي وقت لاتصل بالمطار يا كارولين,اعتقد انه من الافضل العودة الى مسكني لتناول الفطور ثم نتمكن من اجراء بعض الاتصالات عن اول رحلة ممكنة, ماذا تقولين؟
وافقت على اقتراحه وقالت
_لا اعرف ماذا كنت افعل بدونك يا جيفري؟ من الصعب علي ان اطلب شيئا من احد ولكن لا بد ان احصل على بعض النقود ثمن بطاقة السفر ايمكنك ان تقرضني بعضها؟ ساردها اليك عندما اجد عملا
_ماذا تعنين بقولك الى ان تجدي عملا؟ اظنك لا تعنين ان زوجك سيسمح لك بالعمل وهو من اغنى رجال روما؟
_لن يعرف دومنيكو اني تركته الى الابد ! لا اتوقع ان اراه ثانية
وبعد تناول الفطور قال لها
_حسنا قصي على العم جيفري كل ما حدث
_ لدي الشيء الكثير الذي ارويه الا انني لا اعرف من اين ابدا اليس من الافضل ان تتصل بالمطار تلفونيا فلعلنا نجد مقعدا خاليا اليوم, يجب ان ارحل يا جيفري اذ انني لو بقيت في روما واكتشف دومنيكو انني تركته فسيعثر علي بالتاكيد
_وهل تعتبرين هذا شيئا فظيعا؟
نعم فظيع جدا الى الحد الذي اعتقد انه ليس في استطاعتي تحمله اتصل بالمطار ثم هز راسه وقال :
_هناك مكان شاغر على طائرة تقلع الساعة الثامنة وقد حجزت لك.
ثم قال لها في حزم
_الان هل لك ان تقصي علي معنى كل هذا؟ امامنا الكثير من الوقت لاخذك الى المطار يمكنك ان تبداي الحديث من اوله هيا انطلقي
وبدت مترددة ثم قصت عليه كل ما حدث ابتداء من يوم جنازة ابيها الى ان خرجت معه من المنزل هذا الصباح
فالقى عليها نظرة رثاء وهو يقول
_مسكين يا دومنيكو العجوز لم اعتقد ابدا انه سياتي اليوم الذي اشعر فيه بالاسف نحوه, انت يا كارولين وضعته بين شقي الرحى, تريدين ان تقولي انه بعد زواجك منه ما زال يعتقد انك تحبين ابن عمه؟ يا للغبي المسكين
_اه لا تقل هذا يا جيفري! الا تعتقد انه كان علي ان افعل ما فعلت؟ لم استطع ان اتركه ياخذ الطفل مني, كان لا بد ان اجعله يعتقد انني دورندا, ثم تعاقبت الاحداث بسرعة وفي النهاية وقعت في شرك من الخداع! والان الا ترى انه يجب علي ان اذهب؟
_ولكن هل انت واثقة من انه سيكون غاضبا كما تعتقدين عندما يكتشف خدعتك؟ لعل حبه الكبير لك يجعله يتغاضى عن تلك الخدعة ولماذا لا تكلمينه على الاقل قبل مغادرتك روما؟ اعطه فرصة الاستماع الى وجهة نظرك في الامر كله قبل ان يصل فيتو الى المنزل, قولي له الحقيقة انت بنفسك يا كارولين
_لا! لا! لا يمكنني , يجب ان ارحل!
اخذها الى السيارة وانطلقت بهما, واخذت تنظر الى معالم روما, وعندما فكرت في السنوات الطويلة التي ستعيشها من غير دومنيكو احتقن قلبها حتى الانفجار
وصلا الى المطار وبعد ان اشترى جيفري التذكرة ذهبا الى القاعة وشعرت بقلقه عليها فنظرت اليه قائلة:
_لا تنزعج يا جيفري اني ادرك ما انا مقدمة عليه, ارجو الا تقلق من اجلي
_لا استطيع يا عزيزتي, ماذا سيحدث لك عندما تصلين انكلترا! اين ستقمين؟ وكيف يمكنني ان ابقى على الاتصال بك؟
_ساكتب لك حالما اتمكن, وشكرا على كرمك, لدي ما يكفي من النقود الى ان اصل الى منزل صديقتي
_ما دمت متاكدة من ذلك فانني ساتركك تذهبين ولكن تذكري يا عزيزتي اذا احتجت الي في اي وقت اخبريني وساحضر في الحال
ثم تركها وذهب الى احد المحلات حيث اشترى لها علبة كبيرة من الشوكولاتة ورزمة من المجلات
ولمح عنوانا في احدى الصحف الانكليزية فاخذها اليها وهو متجهم وقال:
_ترحلين في الوقت المناسب يا كارولين, الصحيفة هنا تقول انه من المتوقع وصول فيتو اليوم الى هذا المطار وانه سيحضر مع زوجته قولي لي ما هو اسم اختك؟ هل هذه هي صورتها المنشورة في الجريدة؟
اخذت الجريدة منه فرات وجه دورندا الباسم تحدق في شاب اسمر يبدو بلا شك انه من عائلة فيكاري وقد ابرزت العناوين الخبر بشكل مثير بان رفيقة هذا الايطالي لم تكف عن البحث عن اي خبر عنه وتتبعت كل اثر له حتى نجحت في العثور عليه في مستشفى ارسالية وسط غابة افريقية
وكان يعاني من فقدان الذاكرة واعراض اخرى, وحولت الصحيفة هذه الواقعة الى قصة مشوقة وكتبت تفاصيل عن الزواج الذي تم في افريقيا
اغرورقت عينا كارولين بدموع الفرح وهي تقرا هذا الخبر , واكثر ما افرحها أن طفلها المحبوب سيكون اخيرا في كنف والديه
بعدما سمعت النداء على رقم رحلتها:
_وداعا يا عزيزي جيفري, هذه احسن هدية بمناسبة سفري كان في وسعك تقديمها الي , وقد اقتنعت الان بالرحيل اذ هناك عضوان من اسرتي على الاقل يعيشان في سعادة هما دورندا والطفل, هل تعدني يا جيفري بالا تذكر لدومنيكو اين ذهبت؟
_اعدك بذلك ودائما يا عزيزتي ساظل اذكرك الى الابد

في قبضة الاقدارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن