1_ "أولى ليالي الشتاء الباردة "

119 10 8
                                    

«أخبرني بقصةٍ قبل النوم، أبي»

قالت ذو الخمسة أعوام و هي تتسطح على الفراش بينما أنا أقوم بلف الغطاء حول جسدها جيدًا خوفـًا من أن تلتقط بعض البرد ثم جلست بجانبها.

نظرتُ لها مبتسمـًا ثم مددتُ يدي لأجلب الكتاب الخاص بالقصص الأطفال من على الطاولةِ التي بجانب الفراش.

«أبي، قُم أنتَ بقص عَليّ قصة من صُنعكَ»
تركتُ الكتاب مكانه و نظرتُ لها، فقُلتُ :
«لكن صغيرتي أنا لستُ جيد بألقاء القصص..»

أمالت رأسها قليلًا و قالت بصوت لطيف :
«أبي، أرجوك.. أرجوك~»

يا إلهي فقط إن لم تَكُن لطيفة لذلك الحد !
هي تعلم كيف تُأثر عَليّ.. ماكرة !

تنهدتُ، فأخذت تُصفق بيدها دالة على سعادتها، قهقهتُ ثم أخدتها داخل أحضاني و لفتتُ الغطاء حولنا.

ماذا أقول.. حقًا أنا سيء بهذا، أغلقتُ عيني و تنهدتُ ..
«كان هناك فتى صغير يعيش مع عائلته، كان سعيد برفقتهما و كان يحظى كثيرًا بأجمل الليالي برفقتهما التي يملئها الدفء .. »

شعرت بها تنظر لي بإهتمام تَحُثني على الأكمال، نظفت حلقي و أكملت:
«لكن ذلك لم يَدُم طويلًا رغم رغبته الشديدة بذلك، مَرِضَ والده و أصبح يراه متسطح على الفراش لكثير من الأوقات و عين والدته تملئها الحزن الشديد و الدموع الغامرة و مع ذلك كانا الوالدين البائسين ساعيين على أن تَظل لياليهم الشتوية دافئة. »

نظرت لها حيث كانت ملامح وجهها حزينة لتأثرها و صمتُ قليلًا و قُلتُ بعد أن تنهدتُ :

«و بأحدى الليالي الباردة غادر والده و ترك صغيره المتعلق به باكيـًا و حل مكانه الحزن و أصبح صديقه الملازم له، لكن والدته رغم ألم فؤادها لم تجعل الحزن صديقـًا و ظلت محتضنة ذلك الفتى الصغير بحُبٍ و دفءٍ. »

لاحظتُ أن جفونها بدأت بالإنغلاق و هي تحارب كي تستمع لي حتى تعلم نهاية القصة.

« كَبر ذلك الفتى و أصبح شابـًا طويل لكنه كان بمفرده ! ..
شعر أن الظلام يحاوطه حتى أنه تدريجيـًا أصبح جزءًا منه، لكن ظهور فتاة جميلة غَير كل شيء، فهي قد ساعدته قبل أن يتملكه الظلام كاملًا، و أنتشلته من الظلام قبل أن يغرق بهحتى أنه شَعر أنها ساحرة!
فهي قد بَدلت الظلام الذي حوله بألوانٍ زاهية ..»

«و ماذا حدث بعد ذلك أبي؟ »
قالت و هي تتثاءب.

« ظلا سويـًا ينعمان بحياة جميلة، تلك هي النهاية صغيرتي.»
و مع نهاية جملتي أغلقت جفونها، ذاهبة إلى عالم الأحلام الوردي.

أنتظرت قليلًا حتى أن تأكدت أنها غَفَوت تمامـًا ثم ابعدتها برفق و ذهبت إلى الشرفة.

ما كان عَليّ ذِكر تلك القصة، لقد فَتحت أبوابـًا من الآلام من جديد داخل فؤادي خاصةً و النهاية ليست مُكتملة أو ليست حقيقية !، فتلك النهاية ما اعتقداها أنا بالبداية و لكن طرفٌ آخر تدخل و كان له رأي مُختلف ..!

الجو بات قارص البرودة لدرجة لا يحتملها المرء و ها أنا أستقبل أولى ليالي الشتاء هذا العام الباردة الخالية من الدفء داخل أعماقي.

خرجت من الشرفة مُتوجه إلى غرفتي و لكن وقفت قبل أن أُكمل طريقي ناظر لصورتها التي تملأ كل رُكن بالمنزل، كانت مُبتسمة و وجهها يَشُع البهجة و الفستان الأبيض يجعلها تبدو كالملاكِ ..

جميع ليالي الشتاء أضحت باردة قاسية حينما رَحل دفؤكِ.

••

و يتبع..

زهرة الأقحوان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن