الفصل الثالث عشر

6.3K 183 7
                                    

الفصل الثالث عشر

مقامرة القلوب

الأمر يستحق... هذا ما انفك كرم يذكر نفسه به بين كل لحظة وأخرى بينما يراقب بألم وجه زوجته المحتقن وعرقها الاخضر النابض فوق صدغها بألم ويديها المرتجفتان، بقوة يمنع نفسه من حملها وأخذها لشقتهم ليلفها بعباءة لهفته مهدهدا اياها بحضنه مقبلا ذلك النبض المنتفض مطمئنا اياه أن ليس من بعد صاحبته نساء!
كان يجلس على رأس المائدة فيما فاتنته العسلية تجلس عن يمينه وفاتنة "مستوردة" على يساره!! تقابله في الجهة الأخرى خالته حيث مكانها منذ سنين طوال يتربع على يمينها قرة عينها وبكرها أحمد تجاوره زوجته وعن يسارها آخر عنقودها متململا كارها لمكانه حيث "الرؤية صعبة" الا ان كان عليه ان يبقي رقبته معوجة ناحية اليسار! أما الثنائي المرح فبعد جدل طويل من خلف الكواليس جلس يوسف ملاصقا لها ومعتز أمامها بالضبط حيث وعلى حسب قوله "البث" أوضح من عنده!!
كانت غزل تراقب انبهار الشباب من حولها وقبضة يدها تجعد قماش فستانها بغل كبير، تذكر كيف وقف ثلاثتهم مبهورين مخطوفي الأنفاس فاغري الفاه عندما دخل بها كرم المنزل... تسابق ثلاثتهم وقتها بقلة حياء لتحيتها مستعرضين لغتهم وذوقهم "المستعار" أيضا!! نظرت بوقتها لسراب التي كانت تبادلها النظرات محركة فمها لاوية اياه يمينا ويسارا كما بعض كبيرات السن بحركة استعجاب وعدم اعجاب... فأين الصفار يا سراب وأين أعواد الكبريت!!
صاروخ... هذا ما نعتها به يوسف وهذا ما هي عليه فعلا بشعرها الأسود الطويل وجسدها البرونزي المتفجر التضاريس الظاهر من الفستان الأصفر والذي ترتديه مظهرة من خلاله أكثر مما تخفي... فستانا ترددت طويلا قبل أن تقرر ارتداءه لكن تذكرها لبعض مظاهر الانفتاح ليلة سهرت مع كرم حسمت الأمر... تأملت غزل عيناها اللتان أخذتا من فستانها بعضا من لونه، وكما ينسف الصاروخ مدنا وبلدان، فقد توقف هذه الفاتنة بعض القلوب فقط بمرورها من بينهم بعطرها المثير... فما بالك ان ضاحكتهم ومازحتهم كما فعلت مع هؤلاء الصبيان أو لامستهم كما قد تكون فعلت مع ذلك المنافق كرم!!
لقد اهتمت هي اليوم بأناقتها بشكل خاص علّ المقارنة لا تكون شديدة القسوة بينها وبين الأخرى، فارتدت لهذا النهار من الألوان زاهيها وهو ما لم تفعله منذ مدة طويلة وخاصة أمام كرم، ليكون كلّ ما تسمعه من ناكري الجميل البلداء الأنذال الثلاثة هو نظرة استنكار و "هدول همي النسوان مش انتوا" موجهة لها ولسراب... ما أنذلهم... وان كان هذا رأي الحقراء الثلاثة فكيف برأي زوجها من رأى من هن بجمال ماريا بل وربما أجمل... هذا ان توقف عند الرؤيا!!
لم تسمع كرم للأسف يزجرهم موبخا "شو بفهمكم بالجمال انتو... لسة بدكم فت خبز كتير ليصير عندكم شوية ذوق" كما ولا تدري انّه قد حاول ازدراد ريق غصّ في خبايا الحلق متعثرا بالكثير من الآهات المكبوتة بقهر رجولي صارم من بهاء طلتها التي غطت بأوجها على كل من حولها، لقد كادت عيناه تخرجان من محجريهما وهو يراها تتهادى أمامه بفستانها السكري المطرز بحرير تركوازي زاهي مزين ببعض رشات من الفضة والذي استقى من جمال عينيها بعضا من الألق... تلك العينان اللتان لن يكون مقتله يوما الا ذبحا بحدّ اهدابها التي ترتجف الآن فتغفوا بين كل حين وآخر على صفحة وجهها القمري فتهفوا معها نبضات قلبه التي ما عادت تعرف متى تنبض ولا كيف فأفسدت في حنايا جسده نظام دورته الدموية!
كانت غزل منغمسة في مراقبتها كيف تلوي كفها الناعمة بأظافرها المشذبة بجمال حول ذراع كرم... زوجها هي... ومتابعة رأسها بشعره الذي يداعب كتفيها وذراعيها باغراء موح بينما تقترب به كل حين من رأس كرم لتسأله حول شئ ما وقد كادت عيونها وعيون معتز الجالس بجانبها والذي قد سمعت ازدراد ريقه فعلا ستقفز من محاجرها بينما يرونها تميل بجسدها قليلا نحو الأمام ليظهر المزيد من انحناءات صدرها! ومن الجهة المقابلة سمعوا صوت سراب المتتبعة من موقعها لكل التفاصيل تقول موجهة كلامها لمعتز ويوسف مستغلة جهل ماريا للعربية: عمهلكم عحالكم.. كلها شوية لحمة مجففة اللي طلعت عينكم عليها!!
تناهت بعض الأصوات على الطاولة ما بين همهمات موافقة وأخرى للاعتراض فيما عجز زوجها عن كبح قهقهته متبوعة برأيه الدائم بها "مجنونة"... بينما تنحنحت أم احمد لتقول بصوت كانت رنة الضحكة المكبوتة واضحة فيه: ماما غزل.. كرم.. شو مالكم اليوم... انتبهوا شوي لضيوفكم
وقبل أن تفتح غزل فمها بحرف كانت يد كرم قد سبقتها وملأت لماريا المزيد من الأطباق التي زكّاها لها فقط لكونها المفضلة لديه هو بينما هي بالطبع قد قبلتها منه بكل صدر رحب وبينما كانت تائهة فيهم سمعت تقريع أمها للمرة الثانية: غزل ماما شوفي الشباب شو ناقصهم مش نافعة اليوم انت بالمرة!!
وبهمسة احراج وتحت نظرات ماريا المتفحصة ونظرة كرم المتعاطفة، سألت معتز الجالس بجانبها ان كان يحتاج شيئا تضيفه الى طبقه، ليجيبها بوقاحة تليق به بينما عيناه لا زالتا متمركزتان على ما ظهر من جسد ماريا: صدر... احم... قصدي أعطيني صدر الجاج!!
ليكمل عنه ما بدأ من وقاحة يوسف متمتما وهو يختلس النظرات على ساقي ماريا الظاهرتان له فقط من تحت الطاولة بينما يكتم قهقهته غامزا: لييييييش عاد والله الفخدة أحلى... قصدي أزكى

عيون لا تعرف النوم(الجزء الأول من سلسلة مغتربون في الحب) مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن