الفصل الثالث

7K 210 10
                                    

الفصل الثالث

محاكمة مبكرة

جالسان وحدهما بغرفة المعيشة.... أحمد يكتم ضحكته في داخله من منظرهما.. هو جالسا على ركبة واحدة يحضن كاحلها بين كفيه فوق ركبته الأخرى يتحسّسه بدقة... هي وجهها محمرا بشدة .. تهرب بعينيها الدامعتين منه من شدة الألم... شفتاها الرقيقتان مزمومتان و ... أنفاسها متلاحقة!
زفرت سراب الهواء بقوة من بين شفتيها.. سألها أحمد: بتوجعك هيك؟
أحرجت سراب بشدة من سؤاله فسايرته قائلة غير بعيدة عن الحقيقة: آه بتوجعني كتير!
ماذا تقول له؟ أتقول أنها لم تعد تستطيع احتمال لمساته رغم حرفيتها فوق كاحلها؟ أتقول له أن الشوق أضناها لقربه؟ تشعر بأن دموعها تخنقها من ألم عشقها له.. لا تكاد تشعر بألم كاحلها رغم تورمه الشديد! جلوسه هكذا أمامها أثار فيها شوقا جارفا أحرجها جدا.. فهي واثقة أن وجهها قد فضحها باحمراره.. وهي التي نادرا ما تحمر!!! في الحقيقة هي تتساءل بينها وبين نفسها عن تلك الجرأة التي تمتلكها أين اضمحلت! وماذا عن خططها للايقاع به؟! غبية... غبية وجبانة!
قال لها أحمد باهتمام دافئ: هلأ بدهنلك إياها وبلفها وان شاء الله بخف الوجع و راح أكتبلك على مسكن قوي عشان تعرفي تنامي الليلة
" من وين بدّه ييجيني النوم بس!" هكذا فكرت سراب لتغافلها إحدى دموعها فعلا قافزة من بين رموشها ... لم تفت هذه الدمعة أحمد ليقول ممازحا ظنّاً منه أنها تبكي من الألم: لا لا ليش هيك؟ شايف لساتك عيوطة و دلوعة زي زمان! بعدين تعالي هون في وحدة قدامها دكتور أمور وجنتل وحليوة قاعدلها على ركبة ونص وبتعيط؟!!
غالبت سراب نفسها لتكبت دموعها حتى لا تحرج نفسها أكثر و فرضت على نفسها ضحكة صغيرة ناعمة لتنهي الموقف بينهما .. دفء غريب تسلّل إلى نفسه عند رؤيته لتلك الضحكة المقهورة! شعر بالحنين لطفلة تتشبث بظهره بعنف تسكب نهرا من الدموع تستجديه أن يسمح لها فقط أن تحبه.. أرادت أن تعطي و تعطي وتعطي .... ويا الله كم هو محتاجا لياخذ!
لاحظ أحمد كيف بدأت تتململ في جلستها وقد زاد احمرار وجهها لتهمس بصوت مخنوق: بدي أروح أشوف إذا بدهم مساعدة بالمطبخ عشان الغدا
لينتفض أحمد وقتها جزعا ملاحظا كيف تعلقت عيناه بتلك الدمعة اليتيمة عالقة كقطرة ندى فوق زهر شفتيها وأصابع يده قد تباطأت فوق كاحلها وأنفاسه قد... تثاقلت! تنحنح محرجا بشدة ليقول لها مستغفرا الله بينه وبين نفسه: يفضل ما تتحركي كتير عشان الكاحل يرتاح ويخف تورمه

.................................................. .................................................. ..............................

ما إن حضر بقية المدعوين من المقربين من العائلة حتى وضعت الوليمة الفاخرة التي استمتع بها الجميع بجو من الصخب والمرح و أكثرهم فرحا كان أبو كرم الذي ضمّ ولديه بين جناحيه بعد أعوام من البعد.
كانت الوليمة ولكثرة العدد قد قسمت لجلستين.. مجموعة كبيرة جلسوا على طاولة السفرة الفخمة بالصالة الواسعة وخاصة الكبار منهم؛ أبو كرم كان يجلس على رأس الطاولة وعلى يمينه جلست أم احمد رغم أنهما كلاهما لم يأكلا حقا هو بسبب مرضه و عدم قدرة معدته على أداء مهمتها الوظيفية بكفاءة وهي بسبب انشغالها بالاهتمام بضيوفها بشكل عام وضيفي الشرف بشكل خاص! جلس معهم على الطاولة العمة و زوجها وكنتها حسناء... وبالطبع أم مجد لم تتوقف عن الكلام والضحك وإثارة البهجة من حولها، عائلة خالهم أبو خالد كانوا أيضا مدعوين في هذا اليوم المميز وذلك لتميزه في قلوب أولاد أخته لما يفرضه شخصه من هيبة واحترام، فيما بالجلسة الأخرى الأرضية تصدر كرم و أحمد الجلسة حولهما اخوانهما و بقية الضيوف، أما سراب وغزل فقد فضلتا تناول طعامهما على طاولة الطعام في المطبخ.، وطبعا غزل كأمها لم تتناول حقا الغداء بينما هي تلبي طلبات المدعوين الكثيرة!
قبل أن ينتهوا تماما من تناول غداءهم استيقظت سارة ابنة مجد من النوم وملأ المكان بكاءها الصاخب وقبل أن تتناولها أمها من كرسيها أخذتها غزل قائلة: كملي غداك أنا بسكتها
ابتسمت حسناء محرجة وقالت: لأ خلص مش مشكلة تعودت عليها لازم تصحى وقت الأكل تقولي عاملة تنبيه!
أصرت عليها غزل: والله ما بتوخديها أصلا أنا شبعت
غادرت غزل الغرفة تاركة وراءها نقاشات أمومية حامية حول عادات الأطفال وأوقات استيقاظهم غير المناسبة في كثير من الأحيان و ... زوج من العيون السوداء الحادة!!

عيون لا تعرف النوم(الجزء الأول من سلسلة مغتربون في الحب) مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن