الفصل الحادي عشر
بذرة لم تغرس و... لن
هاقد مرّ أسبوعان، أسبوعان مند زفوه الى قبره، أسبوعان منذ فقد منزلهم عبق دفئه، أسبوعان منذ آخر مرة التفوا حوله طالبين قربه، أسبوعان وتلك التي تحولت من زوجة الى أرملة بين لحظة وأختها تصحو كلّ يوم تبحث عن عبقه في طيّات ملابسه التي اكتساها لزفاف كان مدركا جدا أنه لن يحضره، تنام وهي تحتضن وسادته العابقة بآخر أنفاسه بدلا منه، تغرق نفسها في بخاّت مقتصدة من عطره لعلّها تشعرها بقربه، تجلس على كنبته الأثيرة تشاهد برنامجه المفضل، وتبكي كل ليلة تدعو الله جاهدة أن تراه ولو طيفا يبرد قليلا من نار شوقها الحارق!
أسبوعان مرّا على زفافهما، سعيدان هما... سعادة تشابه بحلاوتها الشوكولا الفاخرة بطعم القهوة التركية لاذعة المرار! أسبوعان وهو يدفن فيها حزنه صباحا ومساء بينما تمتصه هي بكل رحابة صدر مخففة عنه الضيق ، ترسم في حياته بريشة حبها ألوان الطيف السبعة بدلا من الدخاني الشاحب الذي كان، تنسيه بابتسامتها الدافئة ليلا والمتوارية طوال النهار كلّ ما به من همّ وحزن...
لكم يشفق عليها من فرحتها المبتورة التي تجاهلتها توقع منها سخط طفولي على حظها العاثر، توقع قلة صبر على ظروفهم الشائكة، توقع شكوى من الغمزات الملصقة بوجهها كلمة نحس ناسين أنّ الموت علينا حق مكتوب في موعد ثابت لا يتغير... وعلى العكس من كلّ توقعاته، أظهرت نضجا صدمه... فخور هو بها...
كلّ يوم يتعلق بها أكثر ومخاوفه تتزايد أكثر فأكثر... ولا يدري كيف سيمضي عليه هذا اليوم بنهاره وليله بعيدا عن حضنها الدافئ ورؤية وجهها الصبوح، فاليوم أول يوم يغادرها فيه للعمل وعليه أن يناوب طوال الليلة في المستشفى... وهنا عاوده الانقباض لاعنا ظروف عمله الصعبة التي تضطره الى الابتعاد توقف عند باب غرفة أحد المرضى الأطفال اللذين يشرف عليهم وأرسل لها الرسالة الخامسة لهذا النهار يخبرها بها عن شوقه الذي لا ينضب لها، وككل المرات لم يتلق منها ردا...ودخل بعدها للغرفة بقلب منكمش بينما يتذكر استياءها منه في هذا الصباح... كانت قد استيقظت كأي زوجة مثالية لتعدّ له افطاره قبل مغادرة المنزل... لا في الحقيقة كان هو من أيقظها ولكن ليس لتعدّ له افطاره بل لتشحنه بطاقة تصبّره على الفراق، ويترك لها ما يشعل تفكيرها به لوقت اللقاء
بعد أن استحمّا وبينما يناولها لقيمات الطعام بمداعبة رقيقة، طلبت منه أن تذهب الليلة للمبيت لدى بيت أهلها حيث أنّه سيكون غائبا ولا شيئ لها لتفعله طوال اليوم، فكل في بيت خالها لاهٍ بما يشغله، غزل بجامعتها مشغولة جدا في فصلها الجامعي الأخير نهارا أما مساءا فهي ظل لا يتجزأ من خالتها... يوسف فما بين عمله وأصدقاءه، وعمر يرافق كرم يوميا بالدوام بالشركة منتظرا نتائج الثانوية بتوتر واضح، أما زوجة خالها أم أحمد ففي عالم آخر بعيدا عنهم تتجرّع آلام الفراق... ورغم أنها تمضي معها أغلب اليوم الا أنها بالكاد تكلمها أو تكلم أي أحدا في المنزل... وهي مشتاقة جدا لوالدها الذي تكاد لا تراه، فبسبب العدة التي تقضيها حماتها، يكتفي بايصال أمها تقريبا بشكل يومي لعندهم
وهو رفض... رفضا قاطعا بالواقع... أخبرها أنّه لا الليلة ولا بأي ليلة أخرى سيرتضي أن تبيت خارج منزلهم ان ناوب في المستشفى ليلة أو عشر، فلتعتد هي على ذلك، وخرج من المنزل رافضا اعطاءها أي من التوضيحات أوالأسباب... دون أن ينسى قبلة الوداع!! بعد أن انتهى أحمد من فحصه الشامل للطفل وحواره المطول معه ومع ذويه انتقل لغرفة أخرى ولطفل آخر... يعلم أنه بارع في مهنته بشهادة أكبر أطباء أميريكا واللذين قدموا له عقد عمل رائع رفضه هو دون ندم....
يعشق الأطفال وما اختص بجراحتهم الا من حبه لهم وكم يؤلمه أن يرى طفلا يعاني المرض... ولشدة ما يهفو لطفل من صغيرته... ولا يملك الا أن يتساءل ...ترى أغرس البذرة في أحشاءها وسيرى برعمها قريبا
تمشّى أحمد بأروقة المستشفى يفكر بطريقة يسترضي بها فراشته الهائمة، ثم أخرج جهازه النقال من جيبه باحثا عن "روحي" وضغط اتصال...
كانت سراب في الطابق السفلي تلهي حماتها عن الانغماس في أحزانها طالبة منها أن تعلمها الطبخ كي تعد هي وجبة الغداء لهذا اليوم بدلا من غزل التي تعود من جامعتها مرهقة وتباشر عادة باعداد الغداء للجميع، فأم أحمد لا زالت متقاعسة عن روتين الحياة اليومي استطاعت سراب بتفنناتها الطبخية العجيبة وتطبيقاتها الحمقاء لتوجيهات زوجة خالها أن تجعلها تضحك دون جهد يذكر وبالنهاية وبعد أن يئست منها باشرت هي بالطبخ لتعلمها قولا وفعلا، وفيما كانت سراب تغسل ما اتسخ من أدوات الطبخ سمعت هاتفها يصدح بالرنة الخاصة بزوجها...
مسحت سراب يديها وأمسكت هاتفها بينما عقدة بين الحاجبين والقلب تغير من ملامحها السمحة، تذكرت جدالهم الصباحي ورغم العدد الكبير من الرسائل النصية التي أرسلها لها والتي كانت سعيدة بها جدا، ذلك التشوش الذي يحيط بها لم ينقشع ومنعها من التجاوب معها، تود لو تفهمه ولكنها تبدو لها مهمة شبه مستحيلة خاصة وهو قليل الكلام معها ما لم يكن كلام الغزل والشغف الرقيق الذي يغرقها فيه مغيبا اياها فيه في ملكوت عشقه
بدأت بهمسة شاحبة: آلو وصلتها همسته الرجولية التي تعشق: دخيلو أنا هالصوت اللي بدبح
أنت تقرأ
عيون لا تعرف النوم(الجزء الأول من سلسلة مغتربون في الحب) مكتملة
عاطفيةرواية بقلم الكاتبة المبدعة والمتألقة نيفين ابو غنيم.. الجزء الأول من سلسلة مغتربون في الحب حقوق الملكية محفوظة للكاتبة نيفين ابو غنيم..