الفصل العاشر

6.3K 200 7
                                    

الفصل العاشر

زفاف... أم .... ؟

ليلة الحناء
في مدينة العقبة، بعيدة عن أخوتها بمئات الكيلومترات، تحمل داخلها قلبا قريبا لهم بدمائه يتلوى عليهم حقدا، كيف لا وقد كانوا السبب بهجر ذلك الحبيب، كيف لا وقد استكثروا عليه تلك الحبيبة، خطفوا منه أحلامه وقذفوها بحضن ذلك العاصي ابن الأميريكية، فضّلوه على أطيب أبناءها وأبرّهم فكيف يستبدلون الثرى بالثريا!!
تذكر أم عماد مشاجرتها منذ قليل مع زوجها والتي ما هي الّا اتمام لوصلة مشاجرات كانت طوال الأسبوع، فهو لا يفهم كيف لها أن لا تشارك أخوها وأختها فرحتهم بزواج أبنائهم، لا يفهم أنّها لا تستطيع ان تراهم دون أن تتذكر ابنها الغائب فما بالك بأن تراهم سعيدين فرحين ناسين أو متناسين نكبتها!
يقول زوجها انّها حقودة، قلبها من حجر فأخاها مريض وكان ليكون سعيدا لو رآها، ستذهب وتزوره وتراه ولكن ليس اليوم ولا غدا ربما فيما بعد ، نست أم عماد وقتها انّ الموت لا يطرق الأبواب مستئذنا، كما ونست قولا مأثورا لأعرابية سئلت عن زوجها وولدها وأخيها فقالت: "الزوج موجود والأخ مولود أما الأخ الحنون فمن أين يعود!"!
.................................................. .................................................. .................
كانت غزل الحاضر الغائب في حفل الحناء، حاضرة الجسد غائبة الذهن، بفعل حبة مهديء أعطاها اياها زوجها رقصت وغنت حتى أنّها تمايلت مع الأغاني الفلوكلورية القديمة المتوارثة من أجداد أجدادهم والمتناغمة مع دقة الطبلة رافعة سدر الحناء فوق رأسها والذي وصلها بعد تنقله بين النساء الكبيرات عمرا واللواتي كنّ أغلبهن يرتدين الأثواب الفلسطينية بتطريزاتها الحريرية الدقيقة.
ابتسمت حتى أنهكت وجاملت حتى ملّت، فعيون كثيرة هي التي سلطت عليها فمنهن من يجهلنها فتبحث لولدها عن عروس ومنهن من تتسائل أن كيف لمن بجمالها أن يتركها زوجها هاجرا اياها سنين فتلعن الرجال وفراغة أعينهم، ومنهن آخريات يجزمن ويؤكدن أن لا بدّ أنّه قد غشّ بالبضاعة ليلة زفافه فوجدها معيوبة!
ومن بين أقاويلهن التي كانت، مع قبلة كرم التي لم تكن، واتصال تلك الماريا التي لا تعرف من تكون، وجدت غزل لدموعها نفاذا بين كلمات أغنية غنينها النسوة متقصدات بها انزال دموع العروس وأمها و التي تتناسب مع هذه الليلة التي يطلق عليها الكثير من الناس ليلة الوداع والمضحك المبكي بالأمر أنّ كثيرات من اللواتي يغنين غالبا ما يشاركنهن أيضا بالدموع
رغم أنّ سراب كانت الليلة في قمة السعادة وقد تم عقد قرانها أخيرا على أحمد اليوم ظهرا الّا أنّ معدتها لم تتوقف عن الانكماش فهي لم تكن تختلف عن أي عروس تخشى من مجهول ينتظرها في حياة جديدة تختلف اختلافا كليا عن حياتها الحالية وما تسمعه الآن من النسوة بينما يحنين يديها اعتصر قلبها بألم لفراق أهلها وخاصة والدها الصامت كدرا على فراقها منذ أكثر من أسبوع...
سبّل عيونه ومد ايده يحنوله..........وش هالغزال الذي راحوا يصيدونه
يامي يا يامي وشديلي مخداتي......... واطلعت من البيت وماودعت خياتي
يامي يا يامي وشديلي مناديلي........واطلعت من البيت وماودعت انا جيلي
.................................................. .................................................. .................
اليوم التالي... يوم الزفاف
كانت سراب في صالون التجميل ترافقها غزل كل منهما سارحة بأفكارها بينما العروس مدلله بين يدي أفضل خبيرة تجميل هناك، كانت سراب تعاني من شد وجذب لشعرها بينما أفكارها سارحة بمكان آخر وابتسامة بلهاء مرتسمة على محياها
تذكرت دخوله بمنتصف الحفلة أمس ووقوفه أول ما دخل بينما ابتسامة رائعة راكزة تزين وجهه الوسيم، تذكر أول ما نطق به أول دخوله حيث وقف يتأمل تفاصيلها الرقيقة الناعمة وفستانها العرائسي الأصفر والذي يبدوا أن ما تزايد من قماشه من الأسفل قد أخذ من المنطقة العلوية منه!!
" ما شاء الله" هذا كان أول ما نطق به أول ما نطق بينما يكمل رحلته الاستكشافية يتفحص كل ما ظهر منها بينما هي تقف أمامه بضحكة سعيدة يتوشحها القليل من الحياء
أخذ يدها لاثما ظاهرها والباطن ليضعها قريبا من القلب ويزين الجبين بلثمة اعزاز، حافظ على الهيبة والوقار حتى استفرد بفراشته المشرقة بغرفة خالية الا منهم ومن مصورة فوتوغرافية أخذت لهم صورا أقل ما يقال عنها أنها أنهكته! قضى وقته فيها يبتلع ريقه ويرشف من كأس من الماء بينما سراب تمرر على وجهه منديلا تجفف له عرقا يتزايد يفعل أناملها
وما أن خرجت المصورة استدارت سراب بنية اللحاق بها واذ بيدين تتمسكان بذراعيها توقفان تقدمها بينما وجهه يدفن بين طيات الشعر مداعبا النبض مستنشقا أريجها وكأن روحه معلقة به!
أدارها لتواجهه ونظر بعينيها الكحلاوتين مدة برقة لا متناهية دارسا اختلاجاتها قبل أن يضمها الى صدره ضاغطا عليها بقوة بقدر ما آلمتها أسعدتها فقد شعرت أنه يريد أن يزرعها زرعا بين الضلوع فلا تفارقه الا بفراق الروح، ثم أمسك وجهها بكفيه برقة بينما صراع واضح يجري في عينيه، كلما اقترب قليلا برأسه منها عاود النظر لعينيها بتردد متسائل مكسوا بلهفة واضحة، تلهف داعب الأنثى بها ونادى القلب العاشق الساعي لقرب الحبيب، لتقطع عليه سراب تردده فتقترب بشفتيها منه بشوق طاغ...
أما تلك الكسيرة بجانبها فقد كان ذهنها غائبا بما قد كان أوشك على الحدوث أمس، الغريب أنها عندما تذكر تلك القبلة التي أوشكت أن تكون تشعر بتسارع غريب بنبضات القلب لا علاقة لأسبابه برعب ولا بخوف، لا تفهمه ولا تريد أن تفعل
كل ما تتشوق لمعرفته ولفهمه هو من تكون تلك الماريا التي قضى كرم نصف الطريق لبيت العروس يتحدث معها بينما يسوق، شوق وراحة هما ما تخللا نبراته بينما يتحدث معها وضحكات رجولية صاخبة، وكل ما استوعبته بنهاية الحديث أنّ تلك الماريا قادمة خلال أسبوعين هنا... الى عمان!!!
.................................................. .................................................. .................
صخب هائل كان يصدر من الطابق الثاني حيث شقة كرم قد اجتمع فيها العريس واخوانه وبعض الأصدقاء، فقد عرض كرم أن يتم حمام العريس في بيته هو، وهكذا قد جرت العادة أن يستحم العريس ويتحضر في بيت أحد الجيران أو الأقارب...
كان أبو كرم جالسا بين يدي الحلاق الذي أحضر خصيصا لتجهيز العريس وأخوته بينما يمازحه طالبا منه أن يتوصّى به أكثر من العريس نفسه فاليوم ستكون زفته هو لا ابنه!
قمة الراحة والرضا أن ترى أولادك تغمرهم السعادة وضحكاتهم الرجولية تملأ الكون كما كانت الآن حيث أنهم قد اجتمعوا في الحمام يشرفون على استحمام العريس بأنفسهم وقد كان يوسف ومعتز قد أغرقا أرض الحمام بالشامبو تحسبا لأي هروب منه عندما يضربونه بمزاح رجولي خشن كي يكون مستعدا لعروسه "كما جرت العادة أيضا" بينما يقوم كرم بفرك جسده بليفة قاسية وبقوة فهو على حسب قوله سيجعله اليوم يطغى بلمعانه على لمعان العروس!!
كل ذلك وصراخ أحمد واعتراضاته تلملأ الحمام بينما يقوم بطردهم والتذمر من خشونة كرم ويستحلف لهم أنه سيردها لهم ذات يوم بينما يغيظه كرم قائلا أنه قد تزوج وانتهى الأمر!
وفي ذات الوقت كانت أصوات زغاريد النسوة تصلهم من الطابق الأرضي ودقة الطبل مترافقة مع كلمات أغانيهن الخاصة بحلاقة العريس
احلق يا حلاق بالموس الفضية
تمهل يا حلاق لا تتيجي الاهلية
إحلق يا حلاق بالموس الذهبية
تمهل يا حلاق لا تتيجي الاهلية
إحلق يا حلاق ومسح بشاشاتو
تمهل يا حلاق لا ييجو عماتو
إحلق يا حلاق ومسحلو بكمو
تمهل يا حلاق لا تيجيلو امو
احلق يا حلاق احلقلوا لحالو
تمهل يا حلاق تا ييجوا خوالو
احلق يا حلاق ونعملو على خدو
تمهل يا حلاق لييجو ولاد عمو
إحلق يا حلاق ونعملو شعراتو
تمهل يا حلاق لييجو رفقاتو
أحلق يا حلاق تنشوف حالاتو
تمهل يا حلاق تييجو خياتو
.................................................. .................................................. .................
كانت أم أحمد تراقب زوجها سعيدة، فهو منذ يومين وصحته أفضل بكثير ولولا عظامه البارزة لظن الرائي أن ليس به مرض، رأته وقد استحم وتجهز للحفل بأبهى حلة وتعطر بأجمل العطور شاهدته بينما ينطر لها بمشاكسة اشتاقت لها منذ وقع صريعا لذلك الخبيث بينما يقول: شو هالحلاوة طالعة أحلى من بنت أختي... لولا الفستان الأبيض كان فكروك أنت العروس اليوم!
ابتسمت ام أحمد وشعورا بالسعادة يراودها رغما عنها فالأنثى مهما كبرت يبقى بداخلها ذلك الغرور الأنثوي ينتظر لينتشي طربا بأي كلمة من الحبيب، نظرت له وحب عارم بتمدد داخل قلبها حتى ليكاد يمزق الأضلع متفرعا غارسا جذوره في أعمق نقطة في الروح، قالت له: لو عشت غير هالحياة مية ما بختار غيرك في كل مرة يكون الي حبيب و وليف
ابتسم أبو كرم واقترب منها بينما يقاوم وهنا بدأ يتسلل في قدميه مخلفا وراءه برودة وقال: الله يرضى عليك ويسعدك زي ما أسعدتيني في كل حياتي... قلبي وربي ان شاء الله رضيانين عليك
لم تقاوم دمعتين من الانفلات رغم صخب الفرح الذي يصلهم من خارج باب الغرفة بينما تسمعه يقول: نادي الولاد اذا جاهزين خلينا نوخدلنا صورة مع بعض كلنا!
.................................................. .................................................. .................





عيون لا تعرف النوم(الجزء الأول من سلسلة مغتربون في الحب) مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن