ظل يرتشف من خمرها المسكر والذي أطاح به، ظن أنه يعاقبها بفعلته ليجد ذاته أسير تلك اللحظة، يشعر وكأنها مغناطيس تجذبه نحوها دون أي جهد منها، ابتعد عنها بعد أن شعر بانقطاع أنفاسها، وهو لا يزال يغمض عينيه مستمتعًا بذلك المذاق الذي علق بشفتيه .
شعرت هي وكأنها تمارس هواية الغطس فغاصت لأميال إلى الأعماق وصعدت فجأة لتسترد نفسها الذي كاد أن يوأد بالقاع، لم تتحرك بمقدار إنش واحد، بل ظلت متجمدة كالتمثال الحجري المنحوت في جبل صلد، عيناها متسعة على اخرهما وثغرها منفرج بذهول وعدم تصديق لما حدث منذ لحظات .شعر بالقلق عليها من حالتها تلك، فقام بهزها برفق لعلها تعود للواقع الذي فصلت عنه، انتفضت بعنف وهنا عادت إلى رشدها لتفاجئه بردة فعل غريبة، إذ تخطته وخرجت إلى الصالة، جلست أمام التلفاز بأعين زائغة وقلبها يخفق كبندول الساعة، بداخلها زوبعة مشاعر متضاربة كقطبي المغناطيس المتشابهين يتنافران حين الالتقاء، وها هي تشعر بالمثل غضب وفرح، سعادة وحزن، بمنتصف كل شيء لا تعلم عند أي نقطة تمكث، وضعت يدها على وجهها الذي يشع سخونة وكأنه تعرض لشعاع الشمس للتو، فتوهج من شدة الحرارة التي سقطت عليه .
خرج هو خلفها ليرى أين هي بعد ردة فعلها، والتي أبهرته بشكل كامل، ليجدها تجلس أمام شاشة التلفاز بشرود وتخبط . أما هي ما إن رأته وثبت على الفور تنظر يمينًا ويسارًا تبحث عن مكان تختفي فيه، فليس لديها قدرة كافية لمجابهته الآن، فكم تود لو ترتدي قناع يخفيها عن عينيه فلا يراها، أو تكون غير مرئية في تلك اللحظة بالذات، ما إن همت لتركض جذبها من ذراعها ليهتف بنبرة هادئة :- فيكِ إيه أهدي .
عانقت عيناها الأرض تأبى تركها، بينما تعبث بأصابعها كطفل صغير، افتعل مشكلة وتم قبضه بالجرم المشهود، كما تحولت وجنتيها إلى بتلات ورود حمراء تسر الناظرين، رفع وجهها صوبه ليردد بلين ومشاغبة، فهي ليست كتلك التي تتحداه وتنظر في عينيه مباشرة دون خوف، بل يشاهد شخصية مغايرة تمامًا لما رآه طيلة تلك المدة التي مكثها معها تحت سقف واحد :- وه راح وين لسانك ؟ يكون كلته البِسة ؟ وريني إكدة أشوف .
وما كاد أن يقترب منها مجددًا، ضربته على يده قائلة بفزع :- هتعمل إيه يا قليل الرباية ؟
ضحك بملئ فيه على لسانها السليط ذاك، هدأت نوباته ليردف بعبث :- طيب زين كنت فاكر إن البِس كله وبلعه .
جزت على أسنانها بغيظ مرددة :- بِس يستاهل قطع الرقبة قليل الحيا .
ابتسم بتلاعب فهي فهمت مرمى رسالته الخفية، لذلك قرر إكمال اللعبة إذ ردد بمكر :- قصدك تقولي إن البِسة لسانها طويل وعاوز القطع، وكلمة كمان في حقه هيكرر اللي عمله من شوية .
نتأت مقلتاها بصدمة قائلة :- تقصد إيه بحديتك دة ؟
مط شفتيه وتابع بمراوغة :- وأنتِ مالك ومال البِسة هي قريبتك لا سمح الله !
أنت تقرأ
وجلا الليل
Romansaدراما صعيدي خيم الليل طويلًا على أيامها حتى تعودت عليه، وأتخذت من قمره ونيسًا لها تشكو له ما يجول بقلبها من أوجاع عاشتها ليال طوال، فهل سينجلي ليلها أم سينهي على المتبقي من عمرها ؟ دراما صعيدي