قصر ريتشموند –لندن- إنجلترا
24 أكتوبر 1568
منذ سنوات حياتها المبكرة تم إخبار إليزابيث تيودور أنها فتاة موهوبة جدا، لكنها لم يسبق أن علمت أن مواهبها كثرت لتشمل التمثيل أيضا، حتى الآن على الأقل.
مضى ما يقارب الشهرين على اتفاقها السري مع قريبتها ماري ستيوارت، وفي حين تعتبر هذه المدة قصيرة نسبيا إلا أنها بالنسبة لإليزابيث تعادل عقود طويلة نظرا لحجم ما عاشته خلالها.
بدا كل يوم وكأن لا نهاية له، وعندما ترفق بها الحياة أخيرا وتغرب الشمس في الأفق تتنهد إليزابيث براحة حالمة بسرير وثير ونوم هانئ، غير أن لياليها كان مسكونة من طرف عدو آخر، عدو لا تستطيع التخلص منه بالكلمات المعسولة أو الأوامر الصارمة لأنه كان جزء منها، أصبحت هي عدوة نفسها، عقلها سجن وأفكارها هي سجانها. عبثا حاولت التخلص منها لكنها ما فتئت تعود كل ليلة بعدد أكبر وحدة أشد مدعومة بأحداث اليوم.
كانت إليزابيث امرأة تفضل التنفيذ على التخطيط، وأكثر ما يثير حنقها هو جلوسها مكتوفة الأيدي بينما يقوم آخرون بالقتال الفعلي الذي ستكون هي الضحية أو المستفيدة الأساسية لنتيجته. كانت تملك من الذكاء ما يكفيها لوضع خطط متينة وقد تخلت عن تهورها منذ وقت طويل بعد أن تعلمت أن الإسراع بالفعل قبل التفكير لن يؤدي إلا إلى التهلكة، لكنها مع ذلك لا زالت تحب أن تنتهي من جزئية وضع الخطط بأسرع ما يمكنها حتى تقفز إلى تنفيذها حيث تشعر براحة أكبر عند التعامل مع الأمر الواقع مهما بلغ سوؤه بدل الصراع اللانهائي مع ملايين الاحتمالات.
لذا فالقول إن الأسابيع الماضية كانت جحيما بالنسبة لإليزابيث هو استهانة بالوضع. لم يهدأ عقلها عن التفكير ولو لثانية. بداية من اجتماعات مجلسها اليومية لمناقشة التطورات الأخيرة في البلاد من غضب الشعب وفتنة نوكس وأتباعه إلى خطط النبلاء الخبيثة للإطاحة بها حتى التهديد العسكري من إيرل موراي وقواته في الشمال. مع كل ساعة تمر من يومها يأتيها خبر سيء جديد حتى أنها بعد مدة أدركت أنها لا تذكر معنى راحة البال. وحين ينتهي اليوم أخيرا وينصرف مستشاروها تاركين إياها لوحدها، تتخذ أفكارها منحى جديدا مسافرة شمالا ليس باتجاه موراي هذه المرة بل باتجاه خلاصها الوحيد، ماري.
كانت الأيام التي قضتها إليزابيث دون سماع أي كلمة من ماري بعد أن هربت من قلعة بولتون أحد أسوء الأيام في حياتها، كانت تعلم أنها قد فعلت كل ما بوسعها ولن يمكنها على الإطلاق التدخل والحرص على وصول ماري بأمان إلى وجهتها وهذا ما كان يزعجها أكثر من أي شيء. غزت الأفكار المتوترة والتساؤلات القلقة حياتها حتى لم تعد تستطيع التركيز على أي شيء آخر وبدأت تشعر أن هذه نهايتها وأن عقلها سينفجر أخيرا مسببا موتها من كثرة الإرهاق.
أنت تقرأ
قصة ملكتين
Historical Fictionماري ستيوارت اليزابيث تيودور ملكتان... امراتان... مناضلتان شاءت الاقدار ان تكونا عدوتين لدودتين.. لكن ماذا لو لم تسر الامور بهذه الطريقة عندما تتعقد الاوضاع وتنتشر المؤامرات تكتشفان ان الكره تجاههما ليس بدافع الدين او الوطن او السياسة وانما كونهما ا...