٨. أيْنَ المَهْرَبُ مِنْها؟

12 0 0
                                    



ما زلت غير مصدقٍ ما سمعته فجر هذا اليوم.. ظللت أراقب شهاب المتوتر يلملم متاعه وأنا لا أكاد أعرف ما عليّ فعله.. يدهشني إصرار شهاب على محاولاته نيل رضى رجلٍ تنطق عيناه بالكره له.. ويدهشني إطاعته لتلك الفتاة دون بادرة شك بما قالته.. وبينما قضيت الساعات أحاول إقناعه بالرحيل عن سينار، فإن كلماتٍ بسيطة من صفية بشأن جنان قد دفعته ليعدّ عدته للرحيل بسرعة البرق وهو يقول لي بتوتر "علينا الانطلاق الآن قبل رحيل قافلة عثمان.. لا نريد المزيد من الشائعات أن تحاك ضد جنان لو غادرنا في اليوم ذاته.."

ظللتُ جالساً أنظر له مقطباً دون تعليق.. كيف لي أن أجاري شهاب انفعاله وأنا غيرٌ راضٍ عمّـا ينتويه؟..

والأمر الأكثر إدهاشاً بالنسبة لي مما أراه من حال شهاب، ما سمعته من تلك الفتاة وإدراكي أنها تحاول الجمع بين شهاب وجنان.. ما الذي جرى؟.. كيف تبخر حبها المزعوم؟.. لكني بالفعل رأيت نظراتها تجاه شهاب تنطق بالأسى والحسرة، ورغم ذلك لم تتنازل عن موقفها، ولم ترضَ بطعن رفيقتها غدراً.. فهل أصفها بالحماقة أم بالوفاء؟.. يدهشني أمرها.. ويشعرني بالغيظ بالقدر ذاته..  لكني حِرتُ في تفسير سبب غيظي ذاك.. أهو لأنها تعيد شهاب للخوض في وحل هذا الحب بالقوة رغم محاولاتي إبعاده عنه؟..

أم لأنني أرى لمحةً من نفسي في عينيها؟..

لمحة من حبٍ أصبح محرماً عليّ بعد أن وقع فيه صاحبي..

لمحة من هوى نفسي الذي حُرمت منه أبكر مما تمنيت..

❖ ❖ ❖ ❖ ❖ ❖ ❖ ❖

لم تكد الشمس تبرز من مطلعها حتى كنا نودع سينار ونقطع الفيافي المحيطة بها.. رجوت في نفسي عندها أن يكون ذلك آخر لقاءٍ لنا بسينار.. فقد أصبح مرأى هذه المدينة يذكرني بما صار إليه شهاب، وأصبح اسمها بالنسبة لي مرادفاً للذل والهوان.. لذا كرهت حتى الهواء الذي أستنشقه منها.. وكدت أزفر زفرة راحةٍ فور أن غمرتها الكثبان الرملية وأخفتها عن عيني..

علمنا أن قافلة التاجر عثمان سترحل بعد يومين، لذا لم نكن بحاجةٍ لقطع مسافةٍ كبيرة في انتظارها، ولم نكن بعجلةٍ من أمرنا.. قطعنا عدة فراسخ في الطريق المؤدي إلى جرْول، وهي مدينةٌ لم نرها قط رغم معرفتنا لموقعها، ثم تخيّرنا موقعاً نخيّم فيه بانتظار وصول القافلة إلينا.. وعندها، عدت لمحاولاتي إثناء شهاب عما ينتوي فعله.. هوّلتُ من رد فعل التاجر عثمان وتصرفه تجاهه، وحاولت إثارة كبرياءه أملاً أن يصرف النظر عن هذه الخطة الهزيلة التي عرضتها صفية..

لكن هيهات.. بُعدنا عن سينار لم يباعد بين قلب شهاب وجنان ولو قدر ذرة.. بل، للأسف، أصبح أكثر جنوناً بها.. يحدثني عنها في صمت الصحراء.. يصف لي خفقات فؤاده، واضطراب عقله.. يتوغل بي في تلافيف عقله.. يريني إياها بعينيه وبقلبه.. وأنا أستمع له صامتاً..

حكاية - الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن