٢٢. طَيْفُهَا الَّذي لَمْ يَزَلْ

13 0 0
                                    



سينار.. من كان يتخيل أن تذهلني مشاعري فور أن لمحت خيال المدينة عند الأفق؟..

سنةٌ كاملة مرت منذ وطأت قدماي أرض هذه المدينة.. سنةٌ كاملة مرت منذ قررتُ ألا أسمح لنفسي أن تسوقني إليها.. ولم تمضِ تلك السنة حتى وجدت طريقي يقودني مرغماً إلى سينار..

ما الذي أعادني إليها؟.. عيد الربيع اقترب، ومعه عادت لي مشاعر تلك الأيام.. بحدتها وحرقتها وشغفها وحزنها.. عادت وعدتُ بشوقٍ لأستعيد أمراً ما فقدته إلا بجهلٍ مني.. جهل بالمدى الذي احتلته صفية في حياتي، وقد كان أكبر مما توقعت..

أمضيت شهوراً وأنا موقنٌ أن ما بقلبي سيتلاشى.. وأن طيفها سيرحل ولن يتمثّل أمامي ليلي ونهاري.. لكن مع حلول عيد الربيع في سينار، أدركتُ بؤس ما وضعت نفسي فيه.. وأدركت عجزي عن التحكم بما يريده عقلي وفؤادي..

سرت في طرقات سينار بغير الحال الذي أتيت به في المرة الماضية.. غابت جرأتي وثقتي بنفسي وأنا أشعر أني أدنّس حرمة هذه الأرض.. لا لشيء، إلا لأني عاهدت نفسي ألا أطأ مدينةً تقيم صفية فيها.. لذا شعرت أنني أكسر وعداً قطعته على نفسي، وأنني أدخل أرضاً لستُ في حلٍّ من دخولها..

لم يكن هذا لبغضٍ أشعر به تجاه صفية.. بل نقيضاً لذلك..

لأنني لا أطيق فكرة وجودي قريباً منها دون أن أسعى لأراها..

لا أظنني أصبر على لقياها لو سرتُ في الطرقات ذاتها التي تسير هي فيها..

ولا أظنني سأتصرف بالتعقل الكافي لو رأيتها حقاً..

ما شعرت به تجاه جنان أول ما وقعت عيناي عليها ربما كان وهماً.. ولم يكن قط بالقوة التي أشعر بها تجاه صفية الآن.. لجنان حكايةٌ لا تشملني.. وإنني، الآن، سعيدٌ بأنني لم أكن كذلك..

ولكن.... لصفية، كذلك، حكايةٌ آخرى.. لكن..... للأسف ظننتُ لوقتٍ طويل أنني لستُ جزءاً من تلك الحكاية..

لستُ فارسها.. وليست أميرتي..

وربما لن يجمعني بها أي مصيرٍ حتى الممات..

ظننت لوقتٍ طويل أن البُعد عنها سينسيني إياها.. ستغدو باهتةً في عينيّ.. وسيصمت فؤادي في جوفي ولن تختلّ ضرباته لرؤية طيفٍ مشابهٍ لطيفها..

لكني كنت واهماً.. فها هو فؤادي يرنو في الطرقات يميناً ويساراً باحثاً عنها.. عن طيفها.. عن خيالٍ كخيالها..

ورغم توبيخي له للضعف الذي يُبديه، لكنه يجبرني على الالتفات كلما سمعت اسماً يشبه اسمها..

حكاية - الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن