٧. كَيْفَ السَّبيلُ إِلَيْهِ؟

11 0 0
                                    



بعد حادثة شهاب، ووقوفه أمام دار التاجر عثمان، طاشت الإشاعات وسرت كالنار في المنازل والدور.. في هذا الحي وفي أحياءٍ أخرى لم تسمع بالحكاية قبل الآن.. تزايد أعداد المتحدثين بها، وأبدى الكثير منهم استياءه لما يقال رغم أنهم يرددونه بالدرجة ذاتها وبالمتعة نفسها.. وأبدى بعضهم خيبة ظنه بالتاجر عثمان الذي ظنوه رجلاً مشهوداً بالصلاح والتقوى، ليفاجؤوا بالعار الذي لحقه والنتن الذي فاح من منزله.. وكلها اتهامات ظالمة لم يعبأ الكثيرون بترديدها دون التأكد من صحتها.. ودون أن يتفكروا ولو للحظة بالأذى الذي سيلحق عائلةً بريئةً لا ذنب لها فيما جرى..

وبذا، تأكدت مخاوف عثمان من قدوم شهاب إليه، وصار غضبه أشد مما جرى.. احمرت عيناه سهداً، وغزا الوجوم وجهه ليتحول لعبوس فور أن تقع عيناه على ابنته التي كانت أحب الناس إليه.. الآن، لا أشك أنه يتمنى لو لم تولد قط.. لو كان منقطع الخلفة لا ولد له لكان ذلك أهون عنده مما يسمعه ويراه في أعين أقرب الناس إليه.. من أصحابه من التجار لزبائنه وجيرانه.. وطال الأمر بعض عمال الوالي وخاصته والذين لم يتحرجوا في سؤاله عن صحة الأمر.. وبينما بذل عثمان الكثير ليرفع سمعته وينال حب سكان المدينة، فإن كل ما استلزم للإطاحة بكل ذلك مجرد شائعةٍ لا صحة لها.. وبدا أن تلك الطيحة قد أثرت بعثمان فوق ما نتصور بغفلةٍ منا..

زاد التوتر عن حده في منزل عثمان، وأصبحت جنان منزويةً في غرفتها وشحوبها يزداد حتى لا يكاد الناظر إليها يتعرف في وجهها على جنان الجميلة التي عهدناها.. أقول (الناظر) مجازاً ففي الحقيقة لا يتعدى من يقترب منها ويراها أن يكونا اثنان.. أمها وأنا.. وأنا أصبحتُ ألازمها جل ساعات نهاري، دون أن أعبأ بمحاولاتها إبعادي أو بمحاولات أمها إقناعي بالرحيل شفقةً علي..

لم أعتقد ولو للحظة أن مثل تلك الحادثة يمكن أن تطالني، حتى وجدت أبي يستوقفني في يومٍ من الأيام قبل انطلاقي لمنزل جنان كعادتي في الأيام الأخيرة.. وقفت بنظراتٍ متعجبة أنتظر ما سيقوله، فسمعته ينطق بنبرة استياء خفيفة "ابنتي.. أتمنى ألا تكثري من زياراتك لجنان في الأيام القادمة.. ربما هي بحاجةٍ لتخلو لنفسها وتستعيد عافيتها.. وربما كان وجودك......"

قاطعته باندفاع ودون مراعاة لأدب الحديث معه "ربما وجودي قربها قد يلطخني بالإشاعات الباطلة.. أهذا ما تخشاه يا أبي؟.."

كَفّ عن الدوران حول تلك النقطة بعد مواجهتي له، وقال "أليس هذا بديهياً؟"

قلت بشيء من الضيق "وهل تصدق ما يقال عنها يا أبي؟.. جنان البريئة الطيبة.. جنان التي تربت في جنبات منزلنا وبرعايتكما بقدر ما عاشت في منزل أبويها.. أيمكن أن تقنعك بعض الشائعات الخبيثة بما لم تَرَه بعينك؟"

حكاية - الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن