١٥. وَكَأَنَّها لَمْ تَكُنْ

9 0 0
                                    



عندما التقت عيناي بعيني جنان، لم أصدق ما أراه.. ظللتُ واجمةً أنظر لها حتى سمعتها تطلق ضحكةً لم أسمع مثلها منذ زمن، وقالت بسرورٍ ظاهر "صفية؟!.. أنتِ آخر من توقعت رؤيته هنا.. ما الذي أتى بك إلى الحرَّة؟"

ثم أضافت متأملةً ملابسي "يبدو أنك قمتِ بالحيلة ذاتها التي قمتُ بها لأفلت من قبضة أبي.. كيف تمكنتِ من الوصول إليّ وحيدة؟"

كانت جنان تبدو بحالٍ غير الذي توقعتها عليه.. وجهها أكثر صحةً وجمالاً، رغم الرحلة الشاقة التي خاضتها كما فعلنا.. ورغم ارتدائها ملابس رجالية كما فعلتُ أنا، لكن ذلك لم يطغَ على ملامحها ولم يجعلها أقل فتنة..

صحتُ بها وأنا لا أصدق ما أراه "جنان؟.. وكأني أرى شبحاً أتهيأ وجوده أمامي.."

قالت جنان بضحكة "شبحاً سعيداً على الأقل.."

كنت قبل ساعةٍ من هذا اللقاء أجول في طرقات المدينة بحثاً عن أثرٍ يدلني عليها والضيق يشتد بي لكل ما جرى بين شهاب وحاتم.. كنتُ في الواقع أجول غائبة الذهن ولم أنتبه لما حولي حتى وجدت شخصاً يستوقفني بدهشة قائلاً "صفية؟.. ما الذي جاء بك لهذه المدينة؟"

التفت له بدهشة، فأنا لا أعرف أحداً في هذه المدينة، لأرى آخر من أتوقع رؤيته في الحرَّة.. كان ذلك بكّار، رجل عثمان الموثوق.. ما الذي أتى به للحرَّة؟.. هل كان يتتبع أثراً من جنان؟..

شعرت بشيء من القلق.. لو أنه عثر عليها، هل سيعيدها لعثمان لتواجه مصيرها؟.. لكنه أدرك ما بذهني، فربت على كتفي مهدئاً وقال "لا تخشي شيئاً.. لم آتِ للحرَّة بحثاً عن جنان، بل أتيتُ بها للقاء شهاب.."

ارتفع حاجباي بصمت وصدمة دون أن أعلق وأنا لا أكاد أستوعب ما قيل.. فوجدته يشير لي لأتبعه، ولم أجد بداً من ذلك.. قادني عبر عدة أحياء قبل أن يصل بي لدارٍ صغيرةٍ متداعية آثار الحرب واضحةٌ عليها، أخبرني أنه قد استأجرها من أصحابها الزاهدون بها بانتظار لقاء شهاب، ولم يتوقع قط رؤيتي في المدينة بدلاً منه.. لما ولج الدار، دخلت خلفه بشيء من التردد وأنا متشككةٌ بحقيقة ما سمعته.. حتى لمحتها تقف أمامي.. جنان.. الفتاة التي قضيت أيامي سعياً خلفها.. ها هي تقف أمامي ترتدي ثياباً لا تختلف عن تلك التي أرتديها.. وتبتسم في وجهي بمزيج الدهشة والعجب.. ولما طال صمتي، سألتني بصوتٍ ملهوف "هل أتيت برفقة شهاب؟.. هل جاء للحرَّة بحثاً عني؟"

تمالكت صدمتي، وأجبت "بلى.. جئت برفقته ورفقة حاتم.. لكني لا أعلم أين ذهب ولا ما جرى له.."

سألتني بدهشة "ماذا تعنين؟"

أجبت زافرة "لا أدري.. فلننتظر عودة حاتم به لنفهم ما جرى.."

حكاية - الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن