١٦. قَلْبُ الْمُحِب

9 0 0
                                    



ما جرى، وما عرفته من شهاب بعدها، أنه سار بمعيّة قافلة العبيد عبر التلال الصخرية متخفياً كرجلٍ من رجال النخّاس.. استنفذ أغلب ما بقي معه من مال لإقناع النخّاس بأن يعبر به حدود مملكة كَلَدة دون أن يفتضح أمره.. فسار مع القافلة دون أي تردد أو تفكير بالحال التي تركنا عليه بعده.. ودون تفكير بكيفية عثوره على جنان بعد عبوره الحدود بالفعل..

لم يبقَ على الحدود الفاصلة بين المملكتين إلا مسافة فرسخٍ واحد، كما أخبره النخّاس الذي سار على حصانه قربه في مقدمة القافلة.. كان يكثر من سؤال شهاب عن أحواله، وعن سبب تسلله عبر الحدود، وعن من تركهم خلفه من أهل وأصحاب.. وقبل وصولهم للحدود بقليل، تناول شهاب قربة الماء المعلقة في سرجه وقد بلغ به العطش مبلغه بعد الحديث الطويل ذاك.. لكنه لم يكد يرفعها حتى أدرك أنها خالية من الماء.. نظر لها بحيرة وقد فوجئ بالأمر.. فهو لم يغادر الحرَّة إلا بعد أن تزود بما يكفيه من ماءٍ وطعام تحسباً للرحلة التي لا يعلم كم ستطول به.. سمع النخّاس القريب يقول له "لا بد أنك لم تتزود بما يكفي من ماء.. وهو أمرٌ غير محمود في هذه الرحلات.. فلن تجد من يشاركك الماء بنفسٍ راضية.."

ثم وجده يمد يده بالقربة خاصته مضيفاً "لكنك ضيفي رغم ذلك.. لذا لن أبخل عليك بالماء هذه المرة.."

حاول شهاب أن يرفض رغم عطشه، لكن النخّاس كان مصراً إصراراً كبيراً على هذا العرض الكريم.. لم يجد شهاب بداً من قبوله، وفتح فم القربة ليتناول بعضاً من الماء الذي طغت عليه رائحة الجلد المدبوغ.. لكن شهاب ذاق طعماً آخر فيه.. طعمٌ لاذعٌ رغم خفوته.. ولاحظ في الآن ذاته نظرات النخّاس التي راقبته بتمعّن وترقب.. لم يكن شهاب أحمقاً، لذا رمى القربة أرضاً وبصق الماء من حلقه على الفور وتوجسه يزداد من ذلك العرض السخي.. لكن ضربةً قويةً أصابت رأسه أوقعته عن ظهر حصانه، وسمع صوت النخّاس يقول "لا داعي لاستخدام العنف.. فهو قد شرب بعض الماء بالفعل.."

حاول شهاب النهوض وهو يقول بغضب "ما الذي تفعله؟"

قال النخّاس بضحكةٍ مسرورة "ما الذي أفعله بظنّك؟.. أستزيد العبيد الذين أملكهم واحداً آخر.. لابد أن أحصل على مالٍ أكثر من بيع شابٍ قوي الجسد يتقن مهاراتٍ كالتي تتقنها.. من برأيك أصلح ليكون سيداً لك؟.. هل أبيعك لأحد رؤساء المدن القريبة أو أحد ساداتها؟.. أم أصطفيك لعلّ قائد جيش المملكة يعجب بك فيشتريك مني بمبلغٍ أكبر؟.."

نهض شهاب واستلّ سيفه، لكن وجد رجلاً من رجال النخاس ينزعه من يده بسهولة.. نظر شهاب ليده بدهشة، فرأى أصابعه ترتجف ولا تكاد تمسك بالسيف بالقوة التي يعهدها في نفسه.. ثم سمع النخاس يضيف "لو كنتَ قد شربت الماء بكميةٍ كافية، لفقدت وعيك خلال لحظات ولم تستفق إلا والسلاسل تقيّد يديك وقدميك، ووشم العبيد يزيّن صدرك.. لكن ما شربته كافٍ ليسلبك قواك في الدقائق القليلة التالية.. ورجالي سيتولّون الباقي.."

حكاية - الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن