الفصل الرابع والعشرون

4.6K 122 5
                                    

الفصل الرابع والعشرون

قصة لم تنتهي


:- لابد أنك قد جننت ... ابتعد ... إياك أن تقترب مني
هتفتها بسخط ممزوج بالذعر وهي تتراجع أمام نظرات التصميم القاسية في عيني ساري الذي بدا فاقدا تماما لأعصابه وهو يحاصرها بينه وبين الجدار ... أرادت أن تهرب .. أن تتلوى هاربة من قبضته متجاوزة إياه إلى خارج الشقة ناجية بنفسها .. إلا أن شيئا في أعماقها نبهها إلى أن فعلتها هذه لن تزيد غضبه إلى جنونا ... فبقيت مكانها تتشبث بما تبقى من أعصابها وهي ترفع رأسها مواجهة إياه قائلة بثات :- أنا لم أتفق معك على شيء ... أنا لم أرغب أصلا بالزواج منك .. وقد أوضحت لك مرارا بأنني لن أكون أبدا هدفا لنزواتك ..
قال من بين أسنانه :- بل فعلت أسما ... فعلت عندما استغليتني لإثارة غيرة نضال .. عندما استعملتني وسيلةً لاستعادته من جديد .. عندما ذبت بين ذراعي في كل مرة قبلتك فيها مؤججة رغبتي للمزيد منك .. أنت دخلت بإرادتك لعبة النار هذه .. وأقسم بأنني لن أكون الوحيد المحترق فيها ..
عندما اقترب منها .. انكمشت هاتفة بذعر :- لا .. لا ساري أرجوك .. انت لن تؤذيني متعمدا .. أنت لن ترغمني على فعل ما لا أريده
:- المشكلة أنك تريدينه أيضا .. هذا ما يقهرني أسما ... تريدينني إلا أنك تحبينه هو ... ترغبينه هو .. ذلك الحقير .. ما الذي يمتلك ولا أفعل أنا .. أخبريني !
تلاحقت أنفاسها والقهر يلون صوته .. فقالت بصوت أجش :- أنا أخبرك بأنني لا أنوي العودة إلى نضال ... هو أيضا لا يفكر بالعودة إلي .. أنت أسأت الفهم تماما
أطلقت صرخة ألم مجفلة عندما قبضت أصابعه على كتفيها تدفعها ضاربة ظهرها بالجدار بقسوة وهو يصيح فاقد العقل :- أجيبي عن سؤالي وتوقفي عن العبث معي
كانت ترتجف خوفا واضطرابا بين يديه ... تتحاشى النظر إليه لئلا تفقد تماسكها .. لئلا تنهار مستسلمة لسلطته عليها ... تمتمت بصوت مكتوم :- تريد أن تعرف ما يمتلكه نضال وتفتقر إليه أنت ... حسنا .. نضل يمتلك الشرف .. أتعرف معنى هذه الكلمة ساري؟؟ .. الشرف ؟؟.. ربما خدعني فيما مضى موهما إياي بالحب دون أن يبادلني إياه .. إلا أنه لم يسعى لاستغلالي قط .. الرجل الشريف .. لا يجبر امرأة على منحه جسدها دون إرادتها
أحست بأنفاسه تزداد عنفا وهو يقول :- إن أخذت ما أريده منك الآن أسما .. فهو لن يكون اغتصابا .. لأنك ستكونين أكثر من راغبة ..
ترقرقت الدموع في عينيها وهي تصر على رفضها للنظر إليه ... بينما تحس بحرارة جسده على بعد سنتيمترات منها .. يداه الممسكتين بكتفيها تحرقانها حرقا .. رائحة عطره الليمونية تذهب بعقلها .. تمتمت :- ربما جسدي يريدك ... إلا أن عقلي يرفضك ... قد أستجيب للمساتك .. إلا أنني لن أتوقف عن الصراخ بلا ..
اشتدت أصابعه قسوة حتى أحست بها تنغرز في عظامها ... كبتت صيحة ألم أخرى وهي تسمعه يقول من بين أسنانه :- هل تظنينني أهتم ؟؟ أنت قلتها .. أنا عديم الشرف .. ما الذي يمنعني من أخذ ما أريده الآن والرحيل عارفا بأنك ستتابعين حياتك من بعدي .. في النهاية هذا هو القرن الواحد والعشرين .. والعذرية باتت سلعة تشترى من أقرب جراح رخيص الضمير ... أنا سأرحل راضيا .. وأنت ستحملينني في ذاكرتك أبد الدهر .. قد ينالك غيري ... يتذوق جمالك غيري .. إلا أنني سأظل دائما الأول بالنسبة إليك ..
سالت دموعها وهي تهمس :- أنا لا أريدك أن تكون الأول ..... فحسب
أحست بأصابعه ترتخي .. بأنفاسه تتثاقل .. فأكملت مدركة بأن لا مجال أمامها للخداع والتلاعب .. ما عادت قادرة على التظاهر أكثر .. همست مكملة :- أنا أريدك أن تكون الأول ... والأخير ...
:- مـ .. ماذا ؟؟
قالها مضطربا .. نازعا يديه عنها .. فتعالت شهقتها وهي تقول :- إن منحتك ما تريد ... رحلت دون عودة .. وأنا لا أريدك أن ترحل ..
لامس ذقنها بأنامله مجبرا إياها على النظر إليه أخيرا ... فتمكنت من بين دموعها من رؤية الصدمة في وجهه الشاحب :- ما الذي تقصدينه أسما ؟؟ أنت تحبين نضال .. أنت تريدين نضال
:- لا ... أنا أريدك أنت .. أنا أحبك أنت ..
قال بخشونة وجسده يرتعد :- كاذبة .. أنت كاذبة .. لماذا تفعلين هذا بي ؟؟
نظرت إليه بعينيها الغارقتين بالدموع .. شفتيها الناعمتين ترتعشان ضعفا وتوسلا ... مدت يدها تلامس صدره الصلب حيث كان قلبه ينتفض خافقا بعنف وقالت بصوتها الباكي :- أنا لا أكذب .. أنا أحبك .. وليتني لا أفعل .. لأنني اعرف بأنك لن تبادلنني مشاعري هذه أبدا .. أحبك .. ولا أعرف ما علي فعله كي تصدقني ..
كان مصدوما .. إنما غاضبا في الوقت ذاته ... أطلقت شهقة مجفلة عندما أمسكت يداه وجهها ترفعانه إليه بقسوة بينما جسده يلتصق بها ناقلا حميمه إليها وهو يقول بخشونة :- تحبينني ... أتحبينني حقا أسما ... لم لا تثبتين هذا لي ؟؟ .. أثبتي لي الآن بأنك تحبينني ..
قبل أن تتمكن من النطق بكلمة أحنى رأسه يكتم أنفاسها بقبلته الضارية .. قبلة كما كانت قاسية .. متطلبة .. كانت مشبعة بشيء آخر .. كان هناك لهفة .. ضياع .. توسلا إلى حبها الذي أعلنت عنه بشجاعة قبل لحظات قليلة ... لم تدم مقاومتها طويلا .. كانت أضعف من أن تقف في وجه عاطفة عاصفة كتلك التي اكتسحها بها ساري ... وأقوى من أن تخذل الرجل الخائف داخله ... كانت تستشعر رهبته من اعترافها .. رفضه له ... خوفه من مبادلتها إياه ... فوجدت نفسها تعترف له مجددا بأفعالها ... أحاطت عنقه بذراعيها تضمه إليها ... فأحسته يرتعد وهو يحرك يديه من وجهها لعنقها ... لذراعيها .. ثم ينزلق بهما إلى خصرها الدقيق يحملها بدون تردد .. لم تشعر بقدميها ترتفعان عن الأرض .. أو بجسدها يحط فوق الأريكة المخملية الداكنة اللون .. أحست فقط بثقله فوقها .. وبيداه تجتاحانها بحاجة بدت يائسة .. أطلقت شهقة ضياع وهي ترى السقوط رؤى العين قبل حدوثه ... هتفت مذعورة وكأنها تستنجد به منه :- ساري ...
أنجدها بقبلاته .. تذهب بخوفها بعيدا ... وتترك مكانه مرارة الاستسلام .. سالت دموعها وهي تشعر بقبلاته تحرق عنقها فهمست بيأس :- أحبك ساري ... أحبك ..
تجمدت يداه فوقها .. فتمكنت بصعوبة وسط غيابها به أن تدرك التغير الذي طرأ عليه فجأة ... نظرت إليه لترى الذهول في عينيه الداكنتين ... اللتين مازالت الإثارة تشعلهما ... انتفض جسده مرتفعا فجأة من فوقها ... راقبته مضطربة وهو يتحرك جارا جسده المرتعد بالرغبة بعيدا ... رفعت نفسها لتجلس وهي ما تزال ترتجف ... هامسة بضياع :- ساري
نظر إليها من وراء كتفه ... فضربه مظهرها المثير ... لا .. لم يكن مثيرا فحسب .. شعرها الكستنائي شديد النعومة كان منسدلا حول وجهها وكتفيها بفوضوية سببتها يداه ... وجهها الجميل كان متوردا ... عيناها البندقيتين كانتا تنظران إليه باتساع ... تسألانه متوسلة التوضيح ... لقد كانت ضائعة .. وكانت تستجديه أن يدلًها .. أبعد عينيه عن أزرار قميصها المحلولة ... عما ظهر من مفاتنها التي ظل يحلم بها لأشهر ... تلك التي مازال كل جزء منه يصرخ مناشدا إياه أن يعود لينهل منها .. ليشبع جوعه الذي أدرك بأنه لن يزول أبدا إليها ... وقال باقتضاب :- أصلحي مظهرك أسما
بيدين مرتعشتين ... أصلحت هندامها ... دون أن تتوقف عن التحديق به مذهولة .. قبل أن يقول :- أنت محقة ... هذه العلاقة لا مستقبل لها ... ما كان علي أن أورطك بها منذ البداية
همست ذاهلة :- مـ .. ماذا ؟؟؟
:- لم يكن من حقي أن أحاول إقناعك بالتخلي عن مبادئك ... أنت حرة الآن في البحث عمن يستحقك أسما ... عن شخص يحمل في داخله ما يكفي من الشرف .. والشجاعة .. ليمنحك ما تريدين .. الحب الحقيقي ... الحب الصادق النبيل .. وأنا عاجز عن منحك إياه أسما ..
هزت رأسها غير مصدقة وهي تقول :- أتعاقبني على كلماتي السابقة ساري .. أتترك كل شيء وترحل بهذه البساطة ؟؟
قال بخشونة :- أليس هذا أفضل من أن أرحل لاحقا .. بعد فوات الأوان ؟؟ ربما أنا أريدك بشدة أسما .. إلا أن الأمر لا يستحق مني تضحية كتلك التي كدت أقوم بها ... ضميري .. عائلتي التي لن تسامحني إن آذيتك .. أريدك .. ولكن ليس إلى هذا الحد
شحب وجهها وهي تقف بصعوبة فوق ركبتيها الهلاميتين ... كانت تشعر وكأن قلبها النابض داخل صدرها قد أصيب في مقتل بسهام كلماته القاسية ... لم تشعر في حياتها أبدا بكل هذا الكم من الألم ... حتى عندما خطب نضال امراة أخرى ... لأنها أبدا لم تحب نضال ... كما أحبت ساري
قالت بخفوت :- هل ستعود إليها ؟
التفت نحوها مجفلا وهو يقول :- إليها !!
:- تلك المرأة التي كنت تتحدث إليها هاتفيا ... تلك التي ناديتها بحبيبتي
أطلق ضحكة ساخرة .. مشبعة بالمرارة وهو يقول :- آه ... تعنين إيفا ... أتعلمين ما يميز إيفا ... أستطيع أن أناديها بجميع أنواع تعبيرات الغرام .. إلا أنها أبدا لن تتوهم أو تأمل في أن تنال مني أكثر من جولة عشق فوق سرير أحدنا ... هذا هو الحب الذي ابحث عنه أسما .. لا حبك الساذج الذي تدعين ... اذهبي لتختبئي بين أحضان عائلتك ... وحاولي في المرة القادمة أن تحسني الاختيار .. فما أكثر الذئاب الشبيهة بي خارجا .. طفلتي !!
بإرادة من حديد ... منعت أسما نفسها من البكاء أمامه .... بهدوء وثبات مثيرين للإعجاب ... نزعت خاتم الخطوبة ... ووضعته ببطء فوق منضدة القهوة الخشبية أمام نظراته الجامدة والخالية من التعبير ... وبدون أن تقول أي كلمة ... غادرت شقته إلى الأبد

زهرة في غابة الأرواح(الجزء الثالث من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن