الخاتمة

6.1K 169 31
                                    

الخاتمة

:- تعرفين بأنني لا أثق به
قالها صلاح بجفاف فردت عليه بهدوء :- أعرف
:- تعرفين أيضا بأنني أرفض تماما عودتك إليه
:- أعرف هذا أيضا
نظر إلى وجهها الجميل .. المزين بإتقان لم يشوه فتنته الطبيعية ... كانت تبدو في سعادة لم يرها عليها منذ عرفها ... حتى سعادتها لم تكن تقليدية .. كانت مجسدة على شكل إطار نوري من الطمأنينة والسلام ... منذ اتصلت به قبل أسبوعين ... تخبره بثقة بأنها عائدة إلى نديم ... وهو يكاد يقول ( وما الذي أخرك حتى الآن ) ... رغم نفوره من الرجل .. والناتج عن سنوات طويلة من القتال المستتر والمنافسة غير الشريفة ... إلا أنه ليس غبيا ليغفل عن تأثيره في حياة شقيقته ... عندما عادت فارديا إلى منزلها ... واستعادت حياتها ... تابعت عملها ووثقت علاقتها مع عائلته ... إلا جزءا منها كان يبدو مفقودا ... حتى وهو يجهل فارديا القديمة التي كانتها ... هو قادر على تمييز الحزن .. الفراغ ... والوحدة ... فقد عاصرها كلها طويلا خلال حياته ... ولن يعجز عن التعرف إليها عبر ملامح فارديا ..
كما أن صلاح لا يستطيع إنكار امتنانه للرجل افتدائه شقيقته بحياته ... لقد كان موجودا عندما رأى الرجل يرمي نفسه عليها ليتلقى الرصاصة عنها ... تصرف كهذا يتطلب قوة كبيرة ... شجاعة كبيرة .. وحبا كبيرا .. نديم فهمي يعشق فارديا ... حتى وهو يخطبها من صلاح ( مرغما كما بدا ) .. خلال زيارة قام بها إلى مكتبه قبل اثني عشرة يوما ... لم يطلب يدها ... لقد أحاط صلاح علما لا أكثر بأنه سيستعيد فارديا زوجة له .. وأنها قد وافقت بشرط أن يراه ... وأن يعتذر منه على كل ما عانته العائلتان من وراء الماضي .. وصلاح لم يستطع منع نفسه من الإعجاب بالرجل ... نديم فهمي كان كتلة من السلطة .. من رأسه حتى أخمص قدميه ... إلا أن امرأة كفادريا ... هي الكفيلة بإخضاعه ...
قالت لندا وهي تنهي حديثهما :- حسنا ... لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب ... صحيح ؟الرجل سيكون هنا خلال دقائق لاصطحابها إلى منزله ... حيث تجتمع عائلته كلها للاحتفال بزفافهما ..
أكمل صلاح بلهجة لاذعة قبل أن يمنع نفسه :- للمرة الثانية ...
استحق هذه المرة أن تدفعه لندا إلى خارج الغرفة ... فرفع يديه مستسلما وهو يخرج بعد أن ألقى نظرة أخيرة على شقيقته في فستان الزفاف الأبيض الذي كانت ترتديه ..
أغلقت لندا الباب وهي تقول زافرة :- الرجال ...
قالت فارديا متوترة :- إنه قلق لا أكثر ...
:- وماذا عنك أنت .... قلقة ؟؟؟
نظرت فارديا إلى المرآة ... تتفحص صورتها الخيالية بالفستان الأسطوري الذي اختاره نديم خصيصا لها ... لقد كانت تبدو كالحلم ... شعرها الأشقر مرفوع فوق رأسها بإتقان ... بينما اقتصرت زينتها على قلادة وحيدة أحاطت بعنقها ... بينما تدلت النصف رمانة فوق صدرها العاري ... براقة ... قانية بحبيباتها الحمراء .. مناقضة بشكل صارخ لبياض الفستان الناصع ... ثم تذكرت نديم ... القادم لأخذها ... فارتعشت بقوة شوقا وإثارة ... وهي تذكر نفسها بأنها لم تره منذ جاء إليها قبل أسبوعين ... بعد إرساله الثوب .. والقلادة بقليل ... تذكر نفسها باللحظة التي فتحت له فيها الباب ... لم تكن ترتدي الثوب الزفاف الأبيض ... لم تكن سهلة إلى هذا الحد ... لقد ارتدت فستانا بسيطا أسود اللون ... كي يتضارب لونه القاتم مع حمرة القلادة التي زينت عنقها ... فتحت له الباب .. فالتقت نظراتهما طويلا .. كما كانت هي تلتهمه بنظراتها ... تتفحصه من رأسه حتى أخمص قدميه ... تشعر بشوقها يلتهب ويزداد حريقا داخلها وهي تستشعر التغييرات التي أصابته خلال الأشهر السابقة .. كانت نظرات الشوق والعاطفة العميقة المطلة من عينيه تأكلها قطعة قطعة وهي تتجول فوقها .. والفستان الأسود الرقيق لا يزيدها إلا فتنة وإغراءً في عينيه ...
الجو كان باردا في الخارج ... إلا أنها لم تشعر به رغم رقة فستانها وهي تقف عاجزة .. متلاحقة الأنفاس .. تنتظره فلم يخيب أملها .. خطا إلى الداخل فتراجعت وهي ترفع رأسها نحوه .. تراقبه لاهثة وهو يغلق الباب وراءه ... ثم وبدون مقدمات يمسك بها ويسحبها نحوه .. يقبلها بدون رقة .. بشوق فج صدمها وجعل جسدها يرتعد استجابة ... للحظات ظلت ضائعة في قبلاته ... حتى نبهها جزء صامد من عقلها بالقرارات التي اتخذتها في اللحظات التي سبقت وصوله .. حرر شفتيها فور أن أحس بتراجعها .. إلا أنه لم يتركها ..ظل ينظر إليها بعينين محمومتين وهو يقول :- أنت لم ترتدِ ثوب الزفاف
قالت بصعوبة وأنفاسها تجاري سرعة نبضات قلبها :- لا .. عندما أرتديه ... سأفعل كي يراني العالم بأسره وأنا أزف إليك عروسا حيقية ... لا رهينة انتقام أسود ...
شحب وجهه بينما اختفت ابتسامته مرة واحدة مما جعلها تندم على تذكيرها بثأره ... قال بخفوت :- سيفعل ... سيراك العالم كله كعروس نديم فهمي المتالقة ... الرائعة الجمال .. التي يفخر وسيفخر دائما لكونها زوجته ..
ثم رمش بعينيه بإدراك مفاجيء ... قال حابسا أنفاسه :- أهذا يعني أنك قد سامحتني فارديا ...
ارتبكت ... وهي تنظر إليه عاجزة ... وكأن جزءا منها يأبى أن يسامحه بشكل تام ... ارتسم الجرح في عينيه .. وارتخت أصابعه الممسكة بها ... فأحست بالألم يعتصر قلبها لأجله .. مدت يدها تمسك بيده التي اعتلت كتفها الأيمن وقالت :- أريد أن أسامحك نديم ... انا أحتاج فقط لبعض الوقت .. قد ترد علي بأنك قد منحتني من الوقت الكثير .. إلا أنها لم تكن كافية ... لأنني خلالها كنت أستعيد نفسي .. إلا أن جزءا منها .. لم أستطع إيجاده .. لقد كان ....
صمتت باضطراب فألح عليها :- كان ماذا ؟؟
:- لقد كان معك ...
بدون أي كلمة .. ضمها إلى صدره ... يحتضنها بحنان .. وكأنه يؤكد لها بأنه قد شعر خلال أشهر بالمثل .. دفنت وجهها بين طيات قميصه .. تشعر بالأمان .. بالراحة .. بالاكتمال .. فأكملت :- ربما إن حاولت مجددا .. بعد أن ألملم أجزائي كلها معا .... وجدت طريقي نحو النسيان ..
قال بصوت أجش :- ستفعلين ... أعدك بذلك ...
لامست أصابعه ذقنها كي يرتفع رأسها فتلتقي أعينهما ... قال بشغف :- متى فارديا .... متى تعودين إلي .. متى تشفينني من عذابي .. متى تمنحينني الفرصة لأعوض لك كل ما فعلته بك ..
نظرت إليه مليا ... قبل أن تحني رأسها وعينيها تبرقان بمكر :- حسنا ... لدي بعض الشروط كما تتوقع بالتأكيد ...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 13, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

زهرة في غابة الأرواح(الجزء الثالث من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن