الفصل الرابع عشر

4.3K 116 7
                                    

الفصل الرابع عشر

وبدأت .. المعركة !!

وقفت فارديا لدقائق أمام باب غرفتها .... تنظر إلى المقبض بجمود ... وكأنها تستجمع ما لديها من قوة لتتمكن من الخروج .... كانت ثلاثة أيام قد مرت منذ عرفت بوفاة والدها ... ثلاث أيام مرت عليها دون أن تشعر بما حولها .... تقريبا ... إذ أن نديم بدا وكأنه رافض لتركها وشأنها خلال الأيام السابقة ... خلال إصراره على تعاطيها المنتظم للمهديء ... والذي أجبرها على الغياب في حالة من عدم الوعي كانت تتخللها لحظات نادرة من الصحو حيث كان دائما هناك .... قريبا منها ... لم تمتلك أبدا ما يكفي من القوة لتكره وجوده ... فهي إن بدأت بتعاطي الإحساس .. فإن شعورها بالألم سيبدأ بتعذيبها مجددا ....
الآن ... وقد توقفت عن تعاطي الدواء بعد أن انتفت الحاجة إليه .... واستيقظت لتجد الغرفة خالية إلا من حطام روحها ... تمكنت فارديا من استعادة شيء من نفسها المشتتة ... نظفت نفسها ... وارتدت ملابس الحداد الداكنة ... مشطت شعرها جامعة إياه على شكل كعكة متهدلة .... نظرت إلى نفسها في المرآة ... فتمكنت من تمييز الروح التي أطلت من عينيها ... لقد كانت روح أمها
عرفت هذا من تلاشي الألم .... تلاشى ليحل محله الصمت التام وكأن قلبها قد توقف عن الخفقان وعقلها توقف عن التفكير ... عرفت هذا من تلك العزيمة التي اشتعلت داخلها ... من تلك الرغبة في القتال .. في الصمود ... في الانتقام ...
لم تعرف ما تستطيع فعله للثأر لنفسها من نديم فهمي ... إلا أنها تستطيع على الأقل حرمانه من رؤية عذابها ... أن تقابل جنون انتقامه بالبرود والصمود ... سيكون هذا سلاحها حتى تخرج أخيرا من هذا المنزل بلا رجعة
فتحت الباب ... وخرجت أخيرا ...
كانت العائلة مجتمعة على الشرفة هذه المرة .... إفطارا خفيفا وضع على المائدة المستديرة التي أحاطت بها نساء العائلة ... الجدة ... كوثر المشرقة والفرحة على غير العادة .... غروب المتجهمة .... أسما المنكمشة وكأنها تحاول تحاشي النظر إلى أي أحد ... أحلام الساخطة ... لا وجود لنديم لحسن الحظ ... أو نضال مما زاد من ارتياحها
ساد الصمت في الشرفة عندما أحس المتواجدون بحضورها ...التفتت الأعين لتنظر إليها بمزيجمن التوتر والقلق ... بينما أسرعت الجدة تشير لها :- تعالي يا عزيزتي .... اجلسي إلى جانبي ... أسما ... صبي لفارديا قدحا من الشاي
تحركت فارديا بصمت وهدو لتجلس في الكرسي المجاور للجدة ... كانت مدركة لمظهرها الشاحب ..... والجامد ... إلا أنها لم تبالي ... وعندما سألتها أحلام برقة :- كيف تشعرين الآن فارديا ؟؟؟
قالت فارديا بجفاف وهي تقابل نظرات المرأة الرقيقة :- بخير تماما .... في الواقع أشعر بالجوع الشديد .. وكأنني قادرة على ابتلاع بقرة كاملة
ارتبكت أحلام وكأن هدوء فارديا قد فاجأها ... بينما قالت كوثر بنعومة :- آسفة لخسارتك غاليتي ... أقدر مدى صعوبة الأمر عليك
قالت فارديا وهي تلتقط قدح الشاي من أسما :- لقد مات أبي .....وهو ليس بالأمر الجلل مقارنة بخسائر هذا المنزل ...صحيح ؟؟؟ على ما أذكر الموت حدث عادي جدا في العائلة
شحب وجه كوثر لقسوة كلمات فارديا .... بينما عقدت غروب حاجبيها باهتمام ... في حين قالت الجدة بسرعة :- الفطائر شهية جدا يا عزيزتي ... لم لا تتذوقينها ... لقد كنا نتحدث عن خطوبة أسما وساري... سيتم احتفال صغير لأجل المناسبة بعد أيام ... القليل فقط من المدعويين بدون موسيقى احتراما لخسارتك
نظرت إلى أسما التي تململت بضيق ... ثم إلى أحلام التي احمر وجهها غيظا وإحباطا ... ثم قالت :- أليس ساري هو خال نضال ؟؟؟؟ لا يبدو الأمر منطقيا .. أعني الانتقال من مطاردة ابن العم إلى مطاردة خاله
ساد الصمت ثقيلا في الشرفة ... بينما امتقع وجه أسما وهي تقف متعثرة لتقول باضطراب :- بالإذن ..
لم يجرؤ أحد من الآخرين على التعليق على ملاحظة فارديا الفظة ... لم تعرف إن كان السبب افتقار أحدهم للكلمات المناسبة ... أم لإدراكهم حاجتها لإفراغ غضبها بطريقة ما
ظهر نضال في هذه اللحظة ... تردد للحظات عندما رأى فارديا ... ابتعدت عيناه عن عينيها فورا وهو ينحني ليقبل جبين أمه ... ثم ينتقل ليقبل كف جدته قائلا :- لدي موعد مستعجل .. سأحاول ألا أتأخر
دوى صوت فارديا القاسي وهو يقول :- أهي فتاة جديدة تخدعها نضال ؟؟؟ أم تراك قد أقلعت عن نشاطاتك الجانبية وقد حققت مراد ابن عمك
التفت الجميع نحوها بتوتر بينما شحب وجه نضال القلق ... نظرت فارديا ببراءة مصطنعة نحو الجميع قبل أن تعود لتواجه نضال قائلة :- ما الأمر ؟؟؟؟ ألا تعرف عائلتك بأك قد خدعت شقيقتي وابتززتها كي أقبل الزواج بنديم ... لم أكن أعرف
صدرت ضجة مزعجة عن كرسي غروب وهي تزيحه بفظاظة أثناء قفزها عنه ومغادرتها الشرفة بخطوات شبه راكضة وهي تتحاشى النظر إلى وجه نضال الذي ارتسمت الصدمة على ملامحه وهو يراقب ابنة عمه تختفي في الداخل قبل أن يلاحظ نظرات الجميع المذهولة به ... تراجع قائلا بصوت مكتوم :- بالإذن
عندما غادر الشرفة .... نهضت فارديا قائلة بجفاف :- لا أظنني جائعة
ثم غادرت الشرفة بلا استئذان


زهرة في غابة الأرواح(الجزء الثالث من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن