الفصل التاسع والعشرون والأخير

6K 132 6
                                    

الفصل التاسع والعشرون والاخير

رمانة

دقيقة كاملة مرت دون أن تجرؤ فارديا حتى على التقاط أنفاسها ....
كانت تنظر إليه مصدومة برؤيته ... تنتفض من رأسها حتى أخمص قدميها وهي تلتهم بعينيها كل جزء من جسده الطويل ... كان يبدو أكثر نحولا مما تذكر .. يرتدي قميصا أبيضا وسروالا من الجينز الداكن .. كان يبدو مختلفا ... ومعالم الإرهاق تبدو على وجهه الأسمر الوسيم .. بينما ظلل اللون الداكن ذقنه النامية فمحى كل أثر للتمدن من مظهره ... أحست بجسدها يرتعد باستجابة فطرية فرضتها عليها ذكرى كل لحظة حميمة جمعت بينهما ... بينما تخبطت معدتها وتسارعت أنفاسها وتلك الحاجة الغامضة تتصاعد داخلها حتى باتت أشبه بضربات طبل صاخبة ...
عيناه السوداوان كانتا تلمعان بشدة بينما تتأملان كل جزء من مظهرها الرقيق الجمال ... سروال من الجينز ... وكنزة رقيقة زرقاء اللون ... كلون عينيها بالضبط ... شعرها كان منسدلا خلف ظهرها بتلك الطريقة البرية التي كان يفضلها ... بينما لم تبد قط أكثر جمالا مما هي الآن ... وهي تنظر إليه واسعة العينين .. مبغوتة برؤياه ... هشة وقد أخذها على حين غرة بظهوره على عتبة بابها .. إلى متى ظنت بأنه سيبقى بعيدا ؟؟؟
بيدين مرتعشتين ... تركت الأزهار من يدها ... ثم مسحت كفيها بجانبي فخذها وهي تنظر إليه متوترة ... مضطربة ... ضائعة كما في كل مرة يكون فيها قريبا .. بحضوره أو حتى بذكراه .. كان قلبها يخفق بقوة حتى خشيت أن يصل صدى خفقاته إلى مسمعه .. كان تأثير وجوده عليها عنيفا .. كما توقعت لحظة قررت تحاشي رؤيته .. لقد كان ما يعصف داخلها مزيج من الخوف والقلق ... والشوق ..
هتفت بفظاظة في محاربة فطرية للفكرة الأخيرة :- لماذا جئت ؟؟
رد بهدوء على الفور وبدون تردد :- لقد كنت تتوقعين مجيئي .. فأنا مازلت زوجك إن كنت قد نسيت ..
قالت بخشونة :- ليس لوقت طويل
:- أهذا طلب رسمي بالطلاق ؟؟
صمتت ... وقد أربكتها الفكرة ... إذ أنها حتى في المرات التي ناقشها فيها صلاح في أمر الطلاق كانت تستبعد الأمر تماما دون حتى أن تترك لنفسها الفرصة بالتفكير به .... كان الجزء المتعقل منها يرى أن اتخاذ القرارات الحاسمة في وضعها الحالي .. تصرف متهور ... إلا أنها الآن وهي تواجه السؤال منه ... أدركت بأنها تؤجل الأمر ليس أكثر ... بأنها مازالت في داخلها .. تلك المرأة التي روضها نديم وسيطر عليها بمزيج قسوته وحنانه ... هتفت فورا كرد فعل ... فخرج صوتها مقهورا .. يائسا :- ربما
هز كتفيه قائلا :- من الأفضل ألا يكون كذلك .. لأنك لن تناليه ... بالاتفاق على الاقل ..
أحست بصدرها يضيق وهي تقول متوترة :- لماذا ؟؟ ما عاد من سبب يدفعك للتمسك بي .. ليس بعد أن عرفت الحقيقة .. بأن الثأر العقيم الذي استخدمتني لأجل تحقيقه قد كان وهما ..
امتقع وجهه فجأة ... وانسحب ما تبقى فيه من لون مرة واحدة مما جعل القلق يعتريها فجأة .. مذكرا إياها بإصابته ... فسألته قبل أن تفكر بشيء من الحدة :- ما الذي تفعله خارج سريرك على أي حال ؟ هل تريد لحالك أن تنتكس بسبب إهمالك وتهورك ؟
قال بسخرية مريرة وهو يخطو عبر الباب إلى الداخل :- وكأنك تهتمين ... ربما كنت تتمنين لو أنني قد قضيت نحبي برصاصة أنور ... ففي النهاية لقب أرملة .. أفضل بكثير من لقب مطلقة ..
أحست بغصة تعلق في حلقها وهي تقول بصوت مختنق :- هل نسيت بأنك قد تلقيتها عني ؟؟
:- هل نسيت بأنها قد وجهت نحوك بسببي في المقام الأول ؟؟
ارتعشت شفتاها ... واتسعت عيناها وهما تغرورقان بالدموع وهي تقول :- لا ... أنت لم تكن السبب الوحيد
قطب قائلا :- ماذا تقصدين ؟؟
أشاحت ببصرها عنه .. شاتمة نفسها على زلة لسانها ... إلا أن الجزء الذي سهر ليالي طويلا مرددا تلك الفكرة في أنحاء عقلها لم يترك لها الفرصة للتراجع ... تمتمت بصوت مكتوم :- أنا كنت مذنبة .. أنا عرفت بأن أنور كان يطاردك قبل أيام ... أنا تركته يسرح ويمرح مستغفلا إياك دون أن أحذرك منه .. تركته حتى تمكن من انتهاز الفرصة لإيذاء الجميع ... كان علي الاتصال بك إلا أنني لم أستطع .. لقد خشيت .. رباه
فاضت الدموع من عينيها وهي تتذكر كل شيء .. خطف أنور لها خلال محاولته قتل نديم .. ثم تلك المواجهة التي انتهت بنديم شبه ميت .. انتفضت مذعورة من نوبة الضعف الحمقاء التي أبت أن تصيبها بعد أسابيع من التماسك إلا في حضرته ... استدارت بدون أي كلمة وهي تدخل عبر باب جانبي يؤدي إلى غرفة تخزين صغيرة .. أخذت تمسح دموعها بسرعة بينما صوته يقول من ورائها بقلق :- فارديا
هتفت وهي تمنحه ظهرها :- ارحل .. أرجوك ...
لم يقل شيئا ... إلا أنه لم يتزحزح من مكانه أيضا ... كانت تشعر بوجوده يزحم الحجيرة الصغيرة ويقلص مساحتها الضيقة أصلا .. بحضوره .. بغضبه .. بألمه ..
غريب كيف عرفت بأنه يتألم .. وكأن ذبذبات القهر التي شعت منه عبر هواء الغرفة المكتوم قد تشبع داخل رئتيها مع كل نفس كانت تستنشقه ... تمتمت بخفوت :- لماذا جئت ؟؟
قال بجفاف :- لماذا تظنينني جئت فارديا ؟؟
قالت بخشونة :- لا أعرف ... مادمت ترفض أن تطلقني فربما تفكر بإعادتي إلى منزلك .. وهذا لن يحصل أبدا
:- أنا لم آت لإعادتك ..
التفتت نحوه هاتفة بصوت مختنق :- ما الذي تريده إذن ؟؟ ما الذي تريده مني بعد ؟؟ ألا يكفيك ما فعلته ؟؟ ألا يكفيك الدمار الذي سببته بي .. لم يبقى بي شيء آخر تأخذه نديم ... أرجوك .. إذهب ... إذهب ولا تعد ..
رأته يسند جسده الطويل إلى إطار الباب ... صدره يعلو ويهبط مع أنفاسه السريعة بينما ارتسم الألم الشديد على وجهه .. تسارعت أنفاسها خوفا عليه .. إلا أنها لم تجرؤ على السير نحوه .. على لمسه كما تتوق يداها لأن تفعل ... أن تستنشق رائحته كما تصرخ حواسها أن تفعل ... أن تضربه .. وتضربه .. حتى يضمها بين ذراعيه فيستحيل دفاعه عن نفسه شغفا .. أخفت وجهها بين يديها وهي تصدر أنينا طويلا .. رباه ... متى أشفى ... متى أشفى منه ؟؟
قال بصوت مكتوم :- أنا لم آت لأفرض عليك شيئا فارديا ... لقد أتيت لأتحدث إليك .. مرة أخيرة على الأقل .. لأعتذر .. وأنا أعرف بأن اعتذاري الآن لا يساوي شيئا .. لأطلب منك الصفح وأنا أعرف بأنك لن تمنحيه لي ... ما فعلته بك ... لا يغتفر .. وأنا لا ألومك إن كرهتني .. إن تمنيت موتي .. إن رفضت رؤيتي ما حييت ..
تمتمت :- لماذا تتعب نفسك إذن ؟
اعتدل في وقفته .. وكأنه يستعيد ثباته ... وقال :- لأنني لن أمضي قدما في حياتي إن لم أفعل ... لن أسامح نفسي ما حييت إن لم أواجهك بأخطائي ... وأعترف أمامك بأنني بالفعل .. رغبت باستعمالك كوسيلة للنيل من صلاح النجار ... إلا أن الأمر قد انتهى بي أنتقم منك بدلا منه ... لأنني عندما أدخلتك منزلي ... لم أتخيل قط بأنك أنت ستكونين لعنتي ... الوحيدة والأبدية ...
أحاطت نفسها بذراعيها .. وأخفضت رأسها عاجزة عن النظر إليه .. بينما تابع بصوت أجش :- لم أرغب قط بأن يتطور الأمر بيننا إلى زواج حقيقي .. لم تكن تلك خطتي أبدا قبل أن أجد نفسي مدفوعا برغبتي المرضية بامتلاكك .. أنت كنت أجمل مما ينبغي .. أقوى مما ينبغي .. كنت برية إلى حد جعل إغراء ترويضك .. تذوق ضراوة روحك ... أقوى من قدرتي على التماسك .. أنا أغويتك .. إلا أنني لم أقصد أبدا أن أستعمل الجانب الجسدي بيننا كوسيلة إذلال لك
قالت بصوت جامد :- إلا أنك فعلت
:- فعلت ... لأن الأمر قد صدمني كما صدمك ... لأنني خفت أن ينقلب السحر على الساحر .. لم أعهد نفسي من ذلك النوع من الرجال الذين يفقدون قواهم أمام سحر امرأة .. إلا أنني كنت واحدا منهم أمامك ...
قالت وهي تهز رأسها رافضة كلماته :- أنت لم تكن ضعيفا قط .. أنت كنت جبارا ... ظالما ..
أظلمت عيناه وهو يقول :- ألا تعرفين الفرق حقا بين رجل جبار .. وآخر ... يتجبر كي يُقَنِع ضعفه .؟؟
رمشت بعينيها وهي تنظر إلى وجهه الجامد .. بينما كان يقول :- ألا تميزين رجلا لم يعرف مدى تمسكه بامرأته حتى رآها تهرب مع رجل آخر ؟؟ فجن جنونه غيرة وغضبا ؟؟
قالت معترضة باستنكار :- أنا ما هربت مع جمال ... أنا هربت منك .. جمال كان وسيلتي للخروج من منزلك
أكمل عنها :- من منزلي .. ومن حياتي .. إلى الأبد فارديا .. إلى الأبد ... وأنا ما كنت لأسمح لك بذلك ..
هزتها الذكرى وهي تقول بصوت مرتعش :- أنت جلدتني بحزامك ..
:- لسعات حزامي أدمتني قبل أن تلمسك .. وأنا كنت يائسا ... عاجزا عن السيطرة عليك .. عن الاحتفاظ بك
ضحكت بمرارة وهي تقول :- وقد نجحت في النهاية ... لقد نزعت كل مافي داخلي من مقاومة .. لقد حولتني إلى شبه امرأة .. عاجزة عن العيش .. عن التفكير .. عن التنفس .. إلا تحت ظلك ..
قال بهدوء :- ألهذا رفضت الاتصال بي ؟؟؟ رفضت زيارتي أو السؤال عني ؟؟ لأنك خشيت أن تبقي ؟؟ أن أستغل سلطتي عليك فأبقيك دون رغبتك ؟؟
كان كلامه مستفزا ... إلا أنه حقيقي ...معرفة أنه قادر بقليل من الضغط على أن يضعف مقاومتها ويذيب إرادتها أصابتها بالذعر .. لقد جبنت عن مواجهته .. لمعت الحقيقة في عقلها مرة واحدة وكأنها ألف شمس ساطعة ... تجاهلها له ... ابتعادها عنه ... تظاهرها بعدم وجوده ومتابعتها حياتها كما لو أنه لم يدخلها لم يكن قوة ... لقد كان جبنا .. وهروبا ..
سألته رافعة ذقنها مخفية ذعرها :- هل كنت ستفعل ؟؟
هز كتفيه قائلا :- ربما ... لا اعرف .. لم أستطع قط التكهن بردود أفعالي نحوك ... إلا أنني لم أستطع أيضا توقع ردود أفعالك .. أنا تركتك ترحلين فارديا .. عندما عرفت أن خطرا يتربص بك في منزلي ... عندما أخبرتني أن الأشباح التي رأيتها في الغابة كانت ذات وجود مادي ... أنا تركتك ترحلين عارفا أن شقيقك سيستغل الفرصة فورا لانتزاعك بعيدا وقد عرفت بأنه يراقبني ... عندما اتصل بي أنور .. مخبرا إياي بخططه لأجلك ..
صمت للحظات فأحست بالغضب الأسود يظلل عينيه الداكنتين وهو يكمل :- تعهدت لنفسي أن أعتقك مني فور أن أنقذك من بين يديه .. سأحررك من كل رابط يجمعك بي .. أنتزعك من حياتي فلا أعيدك أبدا جزءا منها ..
تمتمت :- لماذا غيرت رأيك إذن ؟؟
:- باقة السوسن !
رفعت رأسها إليه وهي تقول متوترة :- لا أفهم ما تعنيه ..
قال بهدوء :- تعرفين جيدا ما أعنيه فارديا ... باقة السوسن التي أرسلتها لي دون أن ترفقيها ببطاقة تعريف ... اختيارك السوسن بالذات ... عنى أنك قد أردت أن أعرف بانك أنت من أرسلها .. وحقيقة أنك قد أرسلت لي الأزهار ... تعني شيئا .. حتى لو رفضت الاعتراف بهذا لنفسك ..
قالت بخشونة :- انت مخطيء ... الباقة لا تعني شيئا ... إنها ... إنها ...
اقترب منها فتراجعت بعينين متسعتين وقد هددها حضوره القوي ... قال بهدوء :- إنها ماذا ؟؟
قالت بعصبية :- هدية شكر ...وماذا يمكن أن تكون غير ذلك ...أنت أنقذت حياتي .. لقد كدت تموت بسببي ... أنا ..
تراجع خطوة وهو يقول بحزن :- لا تضطربي فارديا ... لن أفترض أي شيء من الأزهار .. ما أعنيه ... هو أن رؤيتها قد أنعشت داخلي أملا كبيرا بان تسامحيني ذات يوم
رددت بتوتر :- أسامحك ..
:- نعم .. تسامحينني ... هل أطلب الكثير ... عندما اطلب منك الغفران فارديا ..
تمتمت باضطراب :- أنت أخبرتني بأن الغفران قوة لا أمتلكها ... لماذا تفترض بأنني أفعل الآن ؟
قال بهدوء :- ربما لا تمتلكينها ... الآن ... إلا أنك ستفعلين ... إن كان ثمن استعادتك كل ما سلبتك إياه يوما هو خروجي من حياتك إلى الأبد سأفعل .. إلا أنني لن أطلقك .. ليس الآن .. سأمنحك الوقت فقط لفعل ما عجزت عن فعله طوال الأسابيع السابقة .. لتجدي القوة على المجيء إلي ... إلى مكتبي .. تدخلين شامخة .. قوية .. كما فعلت في لقاءنا لأول في مكتب نضال .. وترمين غفرانك في وجهي .. حينها فقط .. أنا سأطلقك فارديا ..
هذا ما تريده بالضبط ... صحيح ؟؟ هذا ما دفعها لاستنكار إصرار صلاح على طلاقها من نديم .. لقد أرادت أن تأخذ حقها بيدها ... أن تنتزع حريتها بيدها هي ... لا بيد صلاح ... أن تخرج من حياة نديم كما دخلتها ... بوفارديا ربيعي .. الفتاة التي ما كان شيء في الوجود بقادر على سلبها إرادتها ...
لماذا تحس بالألم يعتصر قلبها بأنامل من فولاذ إذن ؟؟
تمتمت :- أهذا ما تريده مني فقط ؟؟ أهذا ما جاء بك إلى هنا ؟؟
:- هذا ما أنا مستعد لفعله لأجلك .. إلا أنه ليس ما أريد فارديا .. ولا أظنك ترغبين حقا بمعرفة ما أريده منك ..
قالها بسخرية مريرة .. ذكرتها بحاله عند وفاة عمته اماني ... ذكرتها بالانسان وراء قشرة القسوة التي كما استعملها هو إخفاءً لوحدته .. وألمه .. وحاجته إلى الآخرين .. استعملتها هي .. لتتمسك بنفورها منه .. بغضبها وحقدها على الشخص الذي استحالت إليه بسببه ..
عندما استدار ليغادر .. لم ترَ الرجل الذي أذاها وعذبها لأشهر ... رأت طفلا .. تعلم منذ سنوات طفولته لأولى معنى الفقدان ... معنى أن يفقد أما .. وأبا ... وعمة غالية ... دائما بالطريقة الصعبة ... رأت رب عائلة معقدة .. ملعونة بتاريخ أسود .. تحتاج دائما لمن يقودها من قلب العتمة نحو النور .. رأت رجلا وحيدا .. اعتمد عليه الجميع دون أن يجد هو من يعتمد عليه .. رأت رجلاً شرب المرارة منذ الطفولة .. ترعرع تحت ظل الغضب .. وجعل من الانتقام هدفا وغاية ليبرر لنفسه هذا الغضب .. كما تفعل الآن .. إذ تستسلم لمرارتها .. وغضبها ... تاركة إياه يمتلك اليد الطولى مجددا ... يلقي بالكلمة الأخيرة تاركا إياها أكثر ضياعا مما كانت ..
هتفت من وراءه دون أن تفكر :- أريد أن أعرف ...
تسمر مكانه .. ثم استدار نحوها ببطء فقالت بخشونة :- أريد أن أعرف ما تريده ..
أطلق ضحكة قصيرة مريرة وهو يقول :- وما الفائدة .. فما سأقوله لن يعجبك ...
اختفت ضحكته عندما شاهد التصميم في ملامحها ... فقال بخفوت :- أتريدين معرفة ما أريده حقا فارديا ... ما أريده هو أنت .. أنت فقط ..
أحست كيانها كله ينتفض مع عبارته .. فتراجعت مرتجفة بينما كان يقترب ... ينظر إلى عينيها الواسعتين بإصرار وهو يقول بحزم :- أنا أريدك في حياتي فارديا .. أريدك لا كما كنت ...بل زوجة حقيقية .. شريكة حقيقية ... شريكة روح وجسد .. وإياك أن تنكري بأن اليسير الذي تشاطرناه خلال وجودك في منزلي .. لا يستحق مني عناء التشبث به أملا بالمزيد
التحدي في كلماته جعل الخوف يعتريها ... الذكريات اجتاحتها بعنف جعلها تقول بصوت أجش :- لا
:- ربما تكرهينني .. إلا أنك لا تستطيعين نسيان الطريقة التي كنت تذوبين فيها بين ذراعي .. تكرهين الطريقة التي أكملك فيها ... تلك التي أحفز فيها الجانب الضعيف داخلك .. تلك التي تذكرك بأنك امرأة .. وأنك في النهاية بحاجة إلى رجل في حياتك .. يدعم جانبك ذاك .. يمنحك القوة ... ولا أعني بالقوة قوة الذات .. بل قوة اخرى .. تلك المستمدة من اعتمادك على شخص آخر ... ثقتك به .. منحك إياه حياتك .. روحك .. قلبك .. عارفة بأنه سيصونه بين أضلعه .. وكأنه أثمن ما يمتلك ...
هزت رأسها بعنف هذه المرة وهي تقول بصوت مكتوم :- لا ... لا ....
حاولت تجاوزه ... إلا أنه تحرك في الوقت ذاته ... فتلامس جسداهما ... لمسة واحدة سريعة ... جعلت كل منهما ينتفض مبتعدا وقد مرت تلك الصاعقة بينهما حارقة .. مدمرة ...
نظر كل منهما إلى الآخر مبهور الأنفاس .. وقد علا صوت خفقات قلبيهما حتى كاد صخبه يطغي على الصمت الذي خيم بينهما ... فور أن رمشت فارديا بعينيها مجاهدة لاستعادة توازنها ... مد نديم يديه نحوها يجذبها نحوه بدون مقدمات .. وسرعان ما كانت شفتاه تغطيان شفتيها بقبلة ضارية ...جائعة متلهفة وعنيفة ...
المفاجأة أضعفت حصونها ... وجعلتها تستسلم بشوق مؤلم إلى حد علا معه أنينها .. وهي تشعر بذراعيه القويتين تضمها بقوة إلى صدره الصلب ... رائحته الرجولية تسكر حواسها .. رائحة مألوفة أغرقت عينيها بدموع الهزيمة .. خشونته تدغدغ أنوثتها ... بالطريقة التي كان في أشد لحظاتها تمردا .. يروضها بها ..
أحست به يرتعد وهو يحرك يديه فوقها وكأنه غير مصدق لوجودها بين ذراعيه .. لهفته أرضتها .. أشبعت غرورها .. أسكنت وجعها .. أذابتها عندما دفعها لتلتصق بالجدار محاصرا إياها بجسده ... منحتها القوة لترفع يديها نحو صدره وتدفعه .. مبعدة وجهها عنه وهي تقول لاهثة :- لا ..
أهة ألم أفلتت من بين شفتيه دفعتها لنزع يديها على الفور وهي تقول باضطراب :- آسـ ... آسفة ..
ضحك بمرارة ووجهه ما يزال يحمل آثار الألم :- لا تعتذري فارديا .. إنه جزء يسير جدا مما سبق وفعلته بك .. أي ألم تكونين أنت مصدره .. أنا أرحب به تماما ..
تورد وجهها وقربه ما يزال يفعل بها الأفاعيل ... يهدد بأن تنهار مجددا إن حاول أن يعاود لمسها .. إلا أنه لم يفعل ... ظل ينظر إليها من علو ... أنفاسه الحارة الثقيلة تلفح كيانها .. عينيه الجائعتين تلتهمانها حية ... فابتعلت ريقها وهي تجاهد لتهدئة خفقات قلبها قائلة :- لقد سبق وأخبرتك ... أنا لن أعود إليك .. لن أسمح لك بابتزازي جسديا من جديد
قال بحسم :- لقد سبق وأخبرتك بأنني لن أفعل فارديا ... أنا لن أعيدك إلى منزلي .. أنا أبدا لن أحاول إرغامك على العودة إلي ..
رمشت بعينيها متوترة وهي تنظر إليه متساءلة عما يريده إذن ... فقال إجابة عن تساؤلها الصامت .. بحزم بينما بنظر إلى عينيها مباشرة :- سأمنحك أربعة أشهر فارديا ... أربعة أشهر تستعيدين فيها قواك ... تعيدين خلالها بناء فارديا القديمة التي تفتقدين ... تلك التي لم تشوهها أفعالي ... أربعة أشهر ابتداءا من اليوم لا أعدك بأنني سأقطع أي اتصال لي خلالها بك ... وبعدها ... ستسمعين مني إحدى كلمتين ..
رددت حائرة ... متلاحقة الأنفاس :- كلمتين !!
:- إما أن تأتي إلى مكتبي ... كما سبق وأخبرتك ... لتطلبي مني مباشرة أن أحررك .. فأرميك بكلمة الطلاق بدون أي لحظة تردد أقنعك بها بالعدول عن رغبتك ..وإما ألا تأتي ... فأعرف بأنك في انتظار الكلمة الأخرى ..
خفق قلبها بقوة ... بينما أحست بحرارة دموعها وراء مقلتيها وهي تسأل :- وما هي الكلمة الأخرى ؟؟
ابتسم ... ابتسامة جانبية ماكرة ... إنما كانت تبدو في تلك اللحظة رائعة الجمال وقد قلبت ملامحه رأسا على عقب وهو يقول بخفوت :- عليك أن تستحقيها .... لتسمعيها فارديا ...
بدون أي كلمة إضافية ... اعتدل واقفا محررا إياها من طغيان جسده .. واستدار مغادرا المكان تماما .. تاركا إياها وحيدة ... أكثر ضياعا ووحدة مما كانت في يوم من الأيام ..

زهرة في غابة الأرواح(الجزء الثالث من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن