19¶ الحقيقة

703 67 98
                                    


Biter of Cold ¶
Frost Bite

......
....
...

-١٩-

غبارٌ تكدّس على عقلي المتجمد بذكرياته فقط، لا طريقًا يسير عليه نحو القُدُم، ولا سبيلَ للعيشِ بهناءٍ دونه.

كنتُ كمَن وضعوا مؤقّتًا للعمر في صدري، يدقُّ بعنفٍ ساعاتٍ محمَّلةٍ بالشقاء، معبَّأة اليأسِ بالشفاء.

اعتقَدُّتُ أني سأشعر بالندم، أو بالذنب، ولكن مابي لا أشعر سوى بالشوق، والحنين، هذا القلبُ غريب، يكاد يخرج من مطرحه ولكنه يتمسكُ بصدري بقوة، ويحترقُ بشدّة.. وهذا ما أعانيه.

بُتُّ أعتادُ على استضافته، ولكني لم أعتد بعد على خفقانه، هياجه، دفئه، والذي قد طُبِعَتْ أفعاله على ملامح وجهي القاسية فتُذيبها.

عيناي الحادة غارَ عليها الذُبول وطغى أطرافها، فتبدو ناعسةً مرهقةً وكأن التَوقَ مسكنها.

شفتاي التي كانت تعبِّر عن الرفض والقرف الدائم باتت متقوسة دائمة الارتجاف، ودائمة الطلب والاستنجاد.

قسوتي تكَسّرت، وكسرتني، فظهر لُبِّي ليّنًا مفضوحًا يميل لأي ذكرى تمُرّ على خاطري، وما أكثر ذكرياته معي.

ثمانية عشرة عامًا، كان يعيش بجواري، كظلّي الذي أشاهدُه دومًا مُظلمًا تحت قدماي بفعل طغياني، خفتُ إن أشرقَ قد يختفي عن ناظِرَي، ولكني لم أدركُ أنه كان شمْسًا وما أنا أمامه إلا ليلًا حالكًا.

لم يخفَ عني تبَدّل حالَ أبي، يناظرُ انطفائي بعينِ يخفي لمعانها، لم أعهده مهتمًا سوى بنفسه، ولكني الآن أراهُ شخصًا آخر.

وخاصةً عندما يأتيني ليلًا إثر بكائي ونحيبي، ينحني على ركبته أمام انزوائي على الأرض وأنا ألتصقُ بسرير ميونغسو أرثيه.

يحجبُ عني ضياء القمر لأظلِمَ بسواد هالته، فلا أرى سوى جبلًا يقابلني، ولكني أثبُتُ مكاني مذعورًا حين تمتدُّ يده القذرة، وتلامس صدري، لتتجمد الدموع في حلقي.

منذُ متى وأبي يواسيني!
فأشعرُ بكفّه تنسابُ بلطف وتُمسّدُ لي قلبي بهدوء، وماءٍ رطبٍ يسقطُ على كفّيّ المعانقةُ ركبتي.

ليست دموعي، بل شيئًا جديدًا أختبره، كانت دموعه المخبَّأة تحت ستار الليل. دموعه التي لم أعرفها قط.

يومها توقفت عن البكاء، ولم أعد أستطع استحضاره مطلقًا، كل ماهنالك أن هذا القلب الذي لمسه قد ثارَ أكثر، وكأنه ينفُضُ عقلي معه.. وزاد الحزن في جوفي وباتَ يأكلُ لي جسدي.

زمهرير | لدغة الصقيعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن