الفصل الثاني عشر

2K 72 5
                                    

الرقصة الثانية عشر

رقصة أوتوكو مي*

*رقصة يابانية تراثية، يلعب فيها الرجل دور البطولة


أنا أحبك بروحي، والروح لا تتوقف أبداً ولا تنسى – مولانا جلال الدين الرومي

قطب صخر: ماتيو ميلر؟ ما الذي تفعله هنا؟
قطب ماتيو هو الاخر: انا من عليه ان يسأل هذا السؤال.... ما الذي تفعله هنا سيد ساكر؟
(قبلها بساعتين) ..
لينتهي العالم وعمره عند هذه اللحظة.. لتتوقف الأرض عن الدوران وليتوقف قلبه.... لتُخّلد هذه اللحظة.. لتبقى زنبق قريبة منه هكذا.. تتداخل به مثل ألوانٍ في لوحة تجريدية... لتمتزج بروحه.. لتختلط بنبضه، لتصير جزءاً من جسده وكلَّ قلبه... لينسى الحقد، لينسى الإنتقام... لينسى كل ما يجعل حبه لها مستحيلاً... وليبقيا هكذا الى الأبد ..... رجل وامرأة والحب ثالثهما! ...
تحطمت امنياته على وقع رنين هاتفه، اجفلت قليلاً بين ذراعيه.. لكنه ثبت وجهها بين يديه .. مصراً ان يتجاهل الرنين المزعج... رافضاً ان يعود الى الواقع.. وتعود معه زنبق الى حقيقتها ويعود هو الى انتقامه..
سكت الهاتف في جيبه قليلاً ثم عاد يرن بإلحاح... اضطر هذه المرة ان يقطع خيط الحلم.. تركها لاهثاً: اللعنة
بينما تراجعت هي متسعة العينين تنظر اليه بدهشة وغرابة وتلمس شفتها بإصبعها.. هدر قلبه من حركتها .. من تعابيرها المرتبكة..
اخرج الهاتف من جيبه ونظر الى المتصل .. قطب واجاب على الهاتف: تحدث دايفس
-لقد هربت ميراندا..
-متى؟
-منذ قليل،، رجالي يتبعونها كما امرت..
ادار ظهره لزنبق ومشى ليلتقط سترته من على الاريكة .. القى عليها نظرة اخيرة وكانت لا تزال في اوج ذهولها لكنها تنحت عن الباب حين تبينت نيته في الخروج ..
ابعد الهاتف عن اذنه وقال بصيغة آمرة: لا تخرجي لأي مكان ..
وخرج
****
بعد عشر دقائق كان صخر يجلس في سيارته، اعطى تفاصيل وجهتهما للسائق... ودارت الذكريات في عقله من جديد...
كان يمارس احدى زياراته الترهيبية على زنبق .. وحين فتحت له الباب كانت تبكي بشدة وهي تمسك جريدة في يدها ..
سألها مقطباً حاجبيه محاولاً ان يسيطر على قلبه الخائن الذي وخزه لرؤية دموعها: ما الامر
شهقت باكية: جو .. جوزيف ميلر زوج انجل..
-ما به؟
-لقد اصيب.. وهو في المستشفى.. الخبر منشور في الجريدة
-اتصلي بأنجل وتأكدي
-أنجل مسافرة
-من فعلها؟
-مذكور في المقال انها المجندة التي حاولت قتله سابقاً... لقد صورتها احدى كاميرات المراقبة
تجهم وجهه.. ميراندا اذن من فعلتها...
همست زنبق: علي ان اذهب الى المستشفى..
هز رأسه موافقاً،، بالتأكيد لم يكن ليمنعها من زيارة جوزيف ميلر... لقد حماها جوزيف من وليد.. قدم لها مأوى وحذره من ان يقترب منها.... ورغم ما بينه وبين زنبق من احقاد .. لكنه يحترمه لشهامته ولحمايته ودفاعه عن زنبق دون اي مقابل... .. هذا بالإضافة لما عرفه من ميراندا .. جوزيف ميلر رجل نادر الاستقامة .. ويستحق كل اعجاب
خرج بعدها من شقتها ليتصل بديفس
-أريد المكان الذي تسكن فيه ميراندا
-هناك عنوانان سيدي.. عنوان مسجل في ملفات الشرطة على انه مكان اقامتها وآخر تقيم فيه احياناً
-الاخر
فكر ان الشرطة بالتأكيد ستبحث في العنوان المسجل في الملفات لكنهم قد لا يعرفون السكن الآخر.. ميراندا ماكرة،، يعترف بهذا
بعد قليل أرسل له دايفس العنوان.. وبدوره اتصل بالشرطة من هاتف عمومي يبلغهم بالعنوان دون ذكر هويته....
خلال ساعات.. كانت الاخبار تملأ وسائل الأعلام حول إلقاء القبض على ميراندا.....
مع هذا فقد رأى انه من الأفضل لو انه راقب سير التحقيقات .. وطلب من ديفس الذي له علاقات جيدة بالسجن ونزلائه ان يجد له امرأة من داخل السجن تراقب تحركات ميراندا لحين الحكم عليها....
وها قد اتت خطته بنتيجة .. إتصلت المرأة بديفس واخبرته انها قد سمعت ميراندا تتحدث الى امرأة اخرى عن الهرب.. لم تستطع المرأة ان تعرف الكثير من التفاصيل.. لكن هذه المعلومة وحدها كانت كافية ليزرع صخر عيونه حول السجن في حال نجحت خطة ميراندا في الهرب..
لقد كاد جزيف ميلر ان يفقد حياته بسبب هذه المرأة .. وها هي تحاول الهرب .. ولربما تسبب ضرراً اخر لجوزيف ميلر وعائلته.. وهذا ما يجعله يشعر بالمسؤولية... لم يكن يستطع ان يتصل بأنجل التي عادت الى البلاد بعد اصابة زوجها... ما الذي كان سيقوله لها مثلا؟ " مرحباً انا اعرف ميراندا لأنني اشتريت خضوع زنبق بسركما .. وهي على وشك الهرب"
وها قد نجحت خطة ميراندا بالهرب.. لكنها لم تكن تعرف ان رجاله يتبعونها... حالما املى عليه رجاله العنوان الذي اخذت اليه ميراندا وهو عبارة عن مخزن محاط بالرجال .. استغرب.. هل تتعامل ميراندا مع عصابات؟ ولكن لماذا الاستغراب... مما عرفه عنها .. فمن الممكن ان تفعل اي شئ...
عندما وصل الى الطريق الرئيسي الذي يبعد قليلاً عن المخزن الواقع في طريق فرعي.. امر سائقه بالتوقف.. نزل من السيارة ليجد رجاله بانتظاره.. في الحقيقة ليسوا رجاله بالضبط بل الرجال الذين يعملون في طاقم الحماية لدى شركة والده ..
احاطه الرجال من كل جانب واتجهوا نحو المخزن .. من بعيد لمح صخر اربع رجال يحرسون المدخل .. اشتبك رجاله مع الرجال الاخرين .. وحققوا فوزاً سهلاً.. اقتحم رجاله المخزن وهو يتوسطهم...
في وسط المخزن جلست ميراندا مقيدة على كرسي خشبي..وامامها رجل يقف متأهباً وقد فاجئه الإقتحام.. اقترب... وهمّ رجال الرجل ورجاله بالشجار لولا ان صاح الرجل بصوت مألوف: انتظروا
تقدم صخر مقطباً حاجبيه.. وارتسمت علامات الذهول على وجهه .. أليس هذا ماتيو ميلر؟ ما الذي يفعله هنا؟.... ترجم افكاره الى سؤال: ماتيو ميلر؟ ما الذي تفعله هنا؟
قطب ماتيو هو الاخر: انا من عليه ان يسأل هذا السؤال.... ما الذي تفعله هنا سيد ساكر؟
لكن ميراندا لم تمهل كليهما وقتاً للاجابة اذ تدخلت قائلة بإستهزاء: هل تعرفان بعضكما؟ .. رائع ... أرى أنني لستُ عدو ميلر الوحيد
تجهم وجه ماتيو .. انقلبت ملامحه لتصير حادة .. التفت نحو ميراندا.. اختفى الرجل ذو الملامح العبثية وحل محله رجلٌ بملامح مخيفة : ما الذي تعنينه بالضبط ؟
ضحكت ميراندا.. اوه سأخبرك فقط لأرى تعابيرك ... أترى هذا الرجل؟ لقد اشترى مني منذ شهرين سر اخوك وزوجته
التفت ماتيو بحدة اليه.. ثم ودون تردد استل مسدسه من خلف ظهره .. وجه رجاله اسلحتهم نحو ماتيو ميلر فرفع صخر يده بحركة محذرة.. فأرخو اسلحتهم
-لم افعل شيئاً للضرر بعائلتك.. لقد احتجت فقط الى ... لنقل ... ورقة تهديد
-وضح ..
-ربما علينا ان نتكلم بعيداً عنها
بدا وكأن ماتيو يقيم الوضع.. اخيراً مشى مبتعداً عن سمع ميراندا.. مصوباً المسدس نحوه ..
حالما ابتعدا اعاد عليه الطلب بحدة: قلت وضح
-لقد احتجت لشئ ضد اخوك اهدد به زنبق لتتزوجني
اتسعت عينا ماتيو وهتف: ماذا تقول ايها الوغد
ابتلع صخر الإهانة ... في الحقيقة حسد ماتيو على صبره لو كان مكانه لكان انقض عليه يضربه..
وضع يده في جيبه ووضح: لم يكن بإمكاني ان اتزوج زنبق وهي تحت حماية اخوك.. كانت ستلجأ اليه لتتقي الزواج بي.. لذا هددتها بفضح سرّ اخيك .. وهكذا ......
ترك جملته معلقة..
تقدم ماتيو منه وصاح به : ايها السافل المبتز .. لا تقل لي انك قد تزوجتها
وهمّ ليضربه .. لكن صخر تجنب الضربه ببراعة ..
-هذا السافل المبتز قد تزوج زنبق فعلا.. وهو ذاته من اخبر عن ميراندا...
تجمد ماتيو في مكانه: ماذا قلت؟
في بضع جمل مختصرة حكى له صخر القصة ..
مرت انفعالات كثيرة على وجه ماتيو .. لكنه في النهاية بدا وكأنه يصدقه
فلم يملك الا ان يقول: اعتقد ان علي ان اشكرك اذن ..
-اعتقد هذا
نظر اليه شزراً: لكن حساب فعلتك مع زانباك لم ينتهي
تجاهل صخر جملته ليسأل: وماذا تفعل انت هنا؟ كيف عرفت بهروبها؟
-لأنني المخطط له
حسناً.. ماتيو ميلر رجل لا يُحزر.. هذه مفاجئة ومن العيار الثقيل..
-ولماذا؟
قال ببساطة: ولماذا علي ان اشاركك بهذه المعلومة مثلا.. ؟
-لربما حتى لا ابلغ الشرطة مثلا؟
صمت ماتيو قليلاً ثم نطق اخيراً: كانت ستخرج بكل الأحوال.. بعد سنة او اثنين... وكانت ستعود لتنتقم .. كما فعلت الان... وأنا لن اخاطر بحياة أخي مرة أخرى.. على هذه المرأة ان تموت ليتخلص اخي من كابوسه
اتسعت عينا صخر .. هذا ما لم يتوقعه ابدا من ماتيو ميلر الرجل المعروف بعبثيته
-هل تنوي قتلها؟
ابتسم ماتيو بسخرية: لنقل انني انوي ان أتاكد انها لن تؤذي أخي
إستغرب صخر من هذه الحمائية العالية التي يملكها ماتيو تجاه اخيه... ما هذه العائلة... هل الحمائية صفة مشتركة بين جميع افرادها؟ لكن ان يقتل امرأة وان كانت مجرمة فهذا امر لن يسمح به
قاطع حديثهما احد رجال ماتيو ، اقترب منه وهو يقول: سيدي عن اذنك دقيقة
اعتذر ماتيو ولحق برجل وانخرطا في نقاش يبدو انه لم يكن ساراً لماتيو.. في تلك اللحظة ارسل صخر رسالة لديفس يطلب منه ان يتصل بالشرطة ويعطيهم عنوان المخزن... خلال دقيقتين.. كان ديفس يرد : تم الأمر
حين عاد ماتيو .. قال صخر:
-اعتذر سيد ماتيو اعتقد انني سأضطر لأقف بوجهك.. القتل ليس بالأمر الهين
-هل تعرف كم مرة قتلتنا هذه المرأة؟
المرارة التي نضحت من صوته اجفلت صخر داخلياً... في الحقيقة لم يتوقع من رجل مثل ماتيو هذه النبرة أبداً.. نبرة يعرفها جيدا.. انها نبرة رجل يتعذب..
-ما أعرفه ان ما تفعله خاطئ..
-لقد صوبت اخي (اشار الى قلبه) هنا .. انها المرة الثانية ..
-الثانية؟
-لقد صوبته في قلبه سابقاً يوم أختطفت زوجته .. هي لن تكف عن انتقامها .. لذا عليها ان تموت .. لأتأكد أنها لن تؤذيه ابداً
الكثير من التعاطف عبر قلب صخر.. جزء منه عذر ماتيو لخوفه على اخيه ورغبته في حمايته... لكن الجزء الأكبر منه كان رافضاً لفكرة قتل ميراندا
-مع هذا لا استطيع ان اسمح لك بقتلها.. دع القانون يحاسبها..
وقبل ان يجيب ماتيو ...صاحت ميراندا من خلفهما : اريد ان اذهب الى الحمام
نظر اليها الرجلين نظرة كره .. وضع ماتيو مسدسه خلف ظهره من جديد: دعنا نتناقش بعد ان احل هذا الأمر..
واستدار نحو ميراندا.. وصل اليها وفك وثاقها المحكم حول الكرسي.. وصاح بها : امشي
عشر دقائق وعادا ..في تلك الاثناء .. حصلت جلبة كبيرة وصوت صافرة سيارة الشرطة طغى على كل الاصوات الاخرى.. التفت ماتيو اليه هاتفاً بغضب: هل انت من بلغت؟
لم يجب صخر اذ ان كل شئ حصل بسرعة بعدها.. استغلت ميراندا الفوضى .. استلت المسدس من ظهر ماتيو الملتفت نحو صخر.. ووجهته اليه .. وصاحت به : اظنك بالنهاية ستصير المقتول لا القاتل..
غير ان صخر لم يمهلها لتقول المزيد.. استل المسدس من جعبته المعلقة على صدره تحت سترته .. ودون تردد اطلق النار عليها .... لتصيح بقوة هي تسقط على الأرض دون حراك...
نظر ماتيو نحو صخر مذهولاً... هدر صدر صخر ... لقد قتل لتوه إمرأة... لكنه ليس بنادم ... لأنه إن لم يفعل كانت ستقتل ماتيو...
منذ لحظات فقط كان ضد فكرة قتلها.. واذا به يصير قاتلها .... يا لسخرية القدر
وسط الضجة التي احدثها دخول عناصر الشرطة .. تقدم ماتيو نحو صخر وما زال الذهول يسكن قسمات وجهه وقال له : لقد انقذت لتوك حياتي !

رقصة سما(الجزء الثاني من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن