الفصل الرابع عشر

2K 79 10
                                    

الرقصة الرابعة عشر

رقصة:ذا رايت اوف سبرينغ (طقوس الربيع)*

*رقصة باليه تحكي قصة فتاة تقوم بالتضحية بنفسها لأجل إله الربيع..... الرقصة تمثل طقوس قتل الفتاة.


حتى وإن تناءت أجسادنا... ستبقى نافذة بقلبي تطل عليك.. منها أمطرك بالرسائل الصامتة.. تماما كما يفعل القمر. - مولانا جلال الدين الرومي

-بابا !........
تمتمت سماء بدهشة وقد توقف كل شئ من حولها ... لم تعي لإلياس الذي كان ينظر اليها بقلق ولا ايهاب الذي يراقب بحيرة.... تجاوزتهما ومشت نحو والدها بذهول..... احتوى عقلها بصعوبة منظر يد والدها المتشابكة بيد السيدة لاريسا.... واخترق الفهم غمامات حيرتها.... يا الهي... هل لوالدها علاقة مع هذه السيدة؟ منذ متى؟ هل تعرف والدتها؟
سمعت صوت الياس من خلفها: توقفي سماء...
لكنها لم تفعل بينما تسارعت خطواته لتلحق بها ويسير معها..... ان لم يستطع ان يمنع الكارثة من الوقوع فعلى الأقل ليكن بجانبها....
تجهم وجهه بشدة .. والغضب يعتلي ملامحه... لماذا عاد بعد كل هذه السنين... أما يكفي ما حصل؟!
حالما اقتربت نادت بذهول: بابا
استدار والدها بمفاجأة... شحب وجهه بقوة .. بينما افلتت السيدة لاريسا يدها عن يده بسرعة ...
همس بذهول يشابه ذهولها: سماء
-ما الذي تفعله هنا مع السيدة لاريسا؟
ابتلع والدها ريقه .... وشعرت بطعنة في قلبها.. من الصعب ان تتجاهل حقيقة انها اشتاقت اليه وانها وهي تراه الان فإنها ترى ايضاً سنوات الهجر الطويلة والنبذ والوحدة.. سنوات احتاجت فيها لحمايته ورعايته بينما هو كان بعيداً دائماً...حتى حين عاد الان الى امريكا لم يخبرها ولم يأتي لزيارتها.... هل هي عديمة الأهمية الى هذه الدرجة بالنسبة اليه؟
قبل ان يجيب... وقبل ان تعاود السؤال بإلحاح... سمعت صوت اقدام راكضة .. التفتت الى البيت فصدمها منظر طفل اشقر لم يتجاوز السادسة ربما.. يحمل علبة الوان صغيرة ويهتف: لقد وجدت ألواني دادي
شهقت متراجعة فإصطدمت بظهر الياس الذي اسندها بصمت بينما شعرت بصدره يرتفع وينخفض بسرعة ..
قالت غير مصدقة: لديك إبن؟
نظر اليها والدها بقلق.. بينما اخذت السيدة لاريسا الطفل الراكض وهي تقول له بلطف مخفية اضطرابها: تعال حبيبي لندخل الى السيارة
سأل الطفل ببراءة: من هؤلاء مامي؟
حولت سماء نظرها عن والدها الشاحب لتطالع الطفل... كان جميلاً بشكل آخاذ.. شقرة شعره الداكنه امتزحت بعينين عسليتين تشبهان عيني والدها بالضبط... هذا الشبه جعلها تدرك ان الطفل أخاها.... احساس غريب اعتراها.. لم تعرف كيف تشعر او بماذا يجب ان تشعر...
عادت تنظر الى والدها بينما دخل الصغير والسيدة لاريسا الى السيارة ... رفع والدها يده ليمسح وجهه بارتباك فلمحت خاتم الزواج .... اتسعت عيناها... والدها متزوج من هذه السيدة..... هل تعلم والدتها بالامر؟ منذ متى؟
هتفت بعصبية: أجبني... أجبني
اجابها بإرتباك: نعم سماء... لدي ابن.. انا متزوج من لاريسا
ارتجف جسدها.. اسنده الياس بقوة بين يديه وسأل قلقاً: هل انتِ بخير؟
بينما كان ايهاب يقف متفرجاً من بعيد وقد رأى انه من المحرج جداً ان يتدخل في موضوع لا يعرف أبعاده وقد يزعج تدخله سماء التي تبدو في حالة غريبة جداً
حاولت ان تقف ثابته وهزت رأسها بـ نعم اجابة على سؤال الياس
ثم نظرت الى والدها بغضب وقالت بسخرية: وهل اعتنيت بإبنتك لتنجب اخر..... هل والدتي تعلم؟
احساس الذنب فاض من وجه والدها ونظر سريعاً الى الياس ثم عاد ينظر اليها .. اجاب بصدق: نعم تعلم
صرخت: ألم تفكرا في اخباري.... لقد ظننتك في آخر الدنيا.... متى تزوجت؟ متى انجبت؟ متى عدت؟ أم تراك لم تغادر ابداً....
انفعلت سماء وارتفع صوتها بينما تغالب دموعها.... والدها لديه عائلة... عائلة سعيدة... لديه طفل اخر.. يختصه برعايته ومحبته وتواجده.... بينما نبذها هي .. لطالما ظنت ان والدها رحل لأنه لم يكن يريد العيش في ظل قيود العائلة... لكن ها هو اعتقادها يتحطم امام عينيها.... والدها فعلا لديه عائلة .. وهي ليست احد افرادها...... تدرك الان انه ليس لم يكن غير راغب بأي عائلة... بل لم يكن راغباً بها هي ووالدتها كعائلة له .....
نزف قلبها .. وشعرت بطعنة تستقر في صدرها.... ما الذي فعلته حتى لا تليق بأبوته.... لقد احبته كثيراً... لقد كان بطلها... فلماذا لم يحبها؟ ولماذا لم تكن هي اميرته...
تقدم والدها منها: دعيني اشرح لكِ...
التصقت أكثر بإلياس كأنها تحتمي به وهتفت: ما الذي تشرحه؟ انك لم تردنا انا وامي؟ انك نبذتنا بينما كونت عائلة اخرى...
همس والدها: سماء.. انا
وضعت يديها على اذنيها رافضة ان تسمعه وصاحت مقاطعة اياه : لا اريد ان اسمع شيئاً.... اكرهك .. أكرهك
انسلت من الحماية التي وفرها الياس بجسده الضخم وهربت راكضة الى البيت
وقف الياس ينظر الى والد سماء بغضب اسود وهدر صوته : لقد حذرتك أن تعود مرة أخرى.... حذرتك ان تؤذها أكثر... ألم تكتفي؟
وقبل ان يجد والدها ما يقوله... رفع الياس سبابته مهددا: هذه اخر مرة اراك فيها هنا... والا سأحطم انا كل ما بنيته أنت .......
ترك والدها شاحب الوجه .. وسار لاحقاً بسماء وقلبه يتوجع لحالها.... بينما لحقه ايهاب
سأله ايهاب: هل هذا عمي رأفت؟ كنت صغيراً حين رأيته اخر مرة .. لا أذكره جيدا
كز إلياس على اسنانه بقوة: انه هو بعينه...
ارتبك ايهاب: اذن يجب ان اسلم عليه
نظر اليه الياس بغضب: افعل ما تشاء .. ما كان ينقصني سواك
وواصل مشيه الحثيث تاركاً المعفن خلفه...
حالما دخل البيت جاءه صوت سماء مجلجلاً
-هل كنتِ تعرفين بزواجه من لاريسا بونيت؟
اجابتها والدتها بترفع: نعم سماء كنت اعرف...
هتفت سماء باكية: منذ متى؟ منذ متى؟
-اكتشفت علاقتهما حين كنتي في العاشرة... ثم تطلقنا وسمعت انه تزوجها بعد ذلك
اتسعت عينا سماء بدهشة.... لهذا كانت والدتها تكره لاريسا بونيت.... ولهذا ايضاً تطلقت من والدها..
صاحت سماء بهستيريا: ألم تفكري ان من حقي ان أعرف
نهضت والدتها وهي تقول بغضب بارد: والدك مات بالنسبة لي منذ ان عرفت بعلاقته.... لم تكن ستفيدك هذه المعرفة يا سماء..... لقد اختار والدكِ.... ونحن لم نكن خياره...
انفجرت سماء باكية: هل تعرفين بأن له إبن
هتفت والدتها: ماذا؟
صاحت سماء: له ابن ... ابن يشبهه ... لدي اخ
صاحت والدتها تنهرها: لا تقولي أخ ... ليس لديكِ اخوة... اللعنة عليه وعلى ابوه
تجاوزتها والدتها وهي تأمرها : توقفي عن كل هذه الدراما....
دخل الياس الى الصالة في اللحظة التي خرجت منها والدة سماء... رمقها بغضب... يا لمشاعرها المعدومة .. الا ترى ان ابنتها تتألم؟
خفق قلبه حين حول نظره الى سماء ووجدها غارقة في بكائها تجلس منهارة على الآرض... هتف من كل قلبه: سماء
وركض نحوها يرفعها بيديه ليجلسها على الأريكة ....
بكت بلوعة وهي تشكو اليه: هل رأيت ابنه؟ ابي لديه عائلة ... ابي تركنا لأنه لا يريدنا وليس لأنه لا يريد عائلة.. أتعتقد أنني السبب
توجع قلبه لأجلها وشعر بغضب قاتل نحو والدها ورغب في العودة اليه ولكمه حتى تختفي ملامحه...
همس برقة عاكست كل افكاره الهوجاء: سماء... الذنب ليس ذنبك..
هزت رأسها رافضة التصديق
-الكل يتخلى عني.. الكل.... أبي تركني .. ربما لم يجدني ابنة تليق به.... أتراه ملّ من دراميتي كما تقول امي..... وليد ايضاً تركني.... وانت
شهقت بقوة ودموعها تجري دون حساب: انت .. انت اكثر من أوجعني نبذه لي... لقد كنت تعلم أنني احبك ومع هذا تركتني ... تركتني بأكثر الطرق قسوة ... وعلى الملأ
وجهها المحمر.. عيناها المتورمتان... صوتها المقهور والمتقطع .. ملامحها المعذبة..... كان تشبه سكاكين حادة تطعن روحه....... لقد تمنى كثيراً ان يسمع أعتراف سماء له بالحب.... ولم يتخيل انه سيشعر بهذا الكم من التعاسة حين يسمعه....... لقد فعل ما يفعله الجميع بها.... عاقبها ونبذها...... لم يحاول فهمها... ولم يمنحها فرصة ان تشرح له....... لقد رد لها لعبتها بلعبة...... أهذا هو الحب؟
انعكس وجعها على ملامحه ...
همس: سماء... أنا اسف.. أنا .. أنا
لكن سماء كانت منهارة جدا لتسمعه ... غارقة في بؤسها وغضبها ومرارتها...
امسكت بياقة قميصه بكلتا يديها وصاحت بوجهه باكية: لماذا نبذني ابي وانا احبه..... لماذا نبذتني انت وانا أحبك ....
ضربت صدره وصاحت: لماذا؟ ها؟ لماذا؟
امسك بذراعيها موقفاً ضربها المستمر على صدره ونظر اليها بعذاب وقال بمرارة: لأنني لم أعرف أنكِ تحبينني... لأنني ظننتُ أنكِ تلعبين لعبة الإنتقام... لأنني خفت ان تكسري قلبي
صاحت به : فسبقتني وكسرت قلبي
ابتلع ريقه وقال بنبرة متهدجة: أنا اسف
انخفض كتفاها بقهر.. ونضحت المرارة مع الدموع من عينيها... وهمست : لكنني أحبك الياس... احبك... لماذا تركتني
.... اخذها بين ذراعيه بقوة ... محيطاً إياها بأمان صدره .. صانعاً من نفسه درعاً يحميها حتى من جنونه ...
وقال بإنفعال: لن اتركك سماء.. أعدكِ..
مرغت وجهها في صدره وما زالت تبكي...
مسح على رأسها بحنان بينما يغلي صدره كمرجل، بمزيج من الغضب والحب والمرارة والاحساس القاتل بالذنب
طبع قبلة على شعرها: أحبك سماء

رقصة سما(الجزء الثاني من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن