الخاتمة

2.1K 85 14
                                    

الخاتمة




ما كان بإمكانه ان يحلم بأكثر من هذا .... ها هي زنبق ... ترتدي الأبيض لأجله.... الطرحة الشفافة تنساب فوق شعرها الحر بأناقة.... ثوبها الخالي من اي رتوش اظهر قوامها الصغير ... زينتها بسيطة عدا الكحل الذي زين خضرة عينيها .. حين دخلت عليهم يرافقها جوزيف وانجل دخل معها الضوء الى داخله..... لقد مر شهرين تماماً على عودتهما معاً..... بعد انتهاء حفلة زفاف وليد وتينا... عادا الى شقتها.... وهناك فتحا كل اوراق الماضي.... واجها كل ذكرياتهما... وكلاهما ادرك ان الضرر الذي احدثه الحب فيهما كان جسيماً.... لكنهما اصرا انهما قادران على تجاوز هذه المحنة معاً... قادران ان يعيدا للحب رونقه .. وان يعمّرا كل ما سعيا لتحطيمه في بعضهما........ لم تكن رحلة سهلة .. وما زالا حتى هذه اللحظة في بداية الطريق....... الخطوة الأولى كانت ان يقدم زنبق لعائلته بشكل رسمي... استقبلتها عائلته بشكل رائع.... فكل ما اراده والده ووالدته هو ان يكون سعيداً.... وقد بدا لهما واضحاً أن زنبق هي محور سعادته كما كانت محور المه...... اما اخوه الصغير مراد فقد استقبلها بوجه واجم وقاطعها لأسبوع كامل رافضاً التعرف عليها اذ انه علم بشكل ما انها المرأة التي انهار هو بسببها باكياً أمامه.. ولم يستطع ان يغفر لها بسهولة فعلتها هذه.......... لكنه في النهاية تقبلها ..... وكسبت زنبق قلب اخيه من اول جولة تعارف...... وها هو يقف مرتدياً بذلة رسمية ويحمل باقة العروس ويدور في انحاء المكان متفاخراً بوسامته........
-صخر
جاءه صوتها المنخفض اللذيذ فقطع تفكيره.....
ابتسم وهو يلتفت نحوها: زنبقتي
رمشت بعينيها... ثم ابنلج الصبح من شفتيها بإبتسامة مضيئة.......
تعلقت بذراعه وقربت نفسها منه .. كأنها تحاول ان تصدق بأنه موجود هنا... حقيقي وملموس....... شعر بغصة في قلبه..... لقد عانيا كثيراً وصارا يخافان من لحظات السعادة هذه كأنها ستختفي فجأة .........
وعد نفسه انه سيهزم يوماً ماضيهما حتى يعيشا كل لحظة سعادة دون خوف.......
همست له:
-ألن نرقص؟
-سنفعل....
ثم اشار بيده للفرقة الموسيقية .. فتبدل اللحن في خلال دقائق.... وعرفته على الفور... انه لحن اغنية "سواي" ... الاغنية التي رقصا عليها في عيد رأس السنة الوحيد الذي قضياه معاً
التمعت عيناها سعادة ... بينما اخذ يدها وقربها اليه ... وهو يتمتم:
-اجعليني اتمايل...
برق العسل في عينيها وهي تسترجع همسه بذات العبارة في تلك الذكرى البعيدة... تمايلت معه على الحان الاغنية....
-قلت لي يومها بأنني تعبيركَ عن الحرية... وأنا أقول لك الآن بأنك انت تعبيري عن الحرية حبيبي..... لقد كنت لسنوات مسجونة بين ذنب وغضب.. واليوم.. انا لست اسيرة ايٍ منهما.... لقد تصالحت معهما معاً بحبك ...
قبل جبينها بقوة ... وشعرت بأنفاسه الحارة تضرب مقدمة رأسها... اغمضت عينيها تستمتع بهذه اللحظة الرائعة .. وشكرت الله داخلها ....... كانت حياتها عبارة عن بحر بأمواج هائجة اخذتها من تشرد الى آخر... وها هي الآن تجد مرفئها....... تنهدت وهي تفكر : ما أجمل المرافئ...
من بعيد كانت انجل تجلس على طاولة واحدة مع "العصابة" كما تدعوهم والمكونة من تينا، ارورا وكيرا ....
نظرت أنجل الى صخر وهو يقبل جبين زنبق وقالت:
-لا اعرف لماذا لا احب هذا الرجل... انظروا اليه انه غارق في حبها ومع هذا لا أحبه
تدخلت تينا: ذلك لأنكِ تغتاظين من سجله الاجرامي السابق
ضحكت كل من ارورا وكيرا.....
قالت ارورا وهي تنضم الى صف تينا: اوافق تينا.. انكِ تتصرفين مثل والدة العريس في فلم "مونستر إن لو" ....
صفقت كيرا بيديها قائلة: تشبيه رائع أرورا... انظري انجل عزيزتي سينتهي بكِ الحال لوضع السم في طعام صخر ...........
اعترضت انجل: هاااااي لست بهذا السوء
قالت تينا من بين ضحكاتها: بل أسوء ... كم مرة تدخلتِ في ترتيب القاعة والطاولات ثم من طلب من صخر ان يسجل شقة بإسم زنبق.... كادت زنبق ان تصاب بنوبة قلبية حين سمعت ما تقولين
قطبت انجل: كنت احاول ان امن مستقبلها
صححت كيرا: بل تدميره
انفجرت ارورا ضاحكة بطريقة لا تشبه تحفظها المعتاد: يا الهي كلما تذكرت وجه صخر حين قلتِ له ان عليه ان يأتي ليطلبها منكِ لا استطيع ان امنع نفسي عن الضحك......
دافعت انجل عن نفسها: اسمعي نحن عرب.. هذه عادات مهمة... الفتاة ليس لديها عائلة .. انا عائلتها لذلك كان عليه ان يطلبها مني بالتأكيد
تمتمت تينا بسخرية: اعترفي ان السبب ليس عروبتك حبيبتي بل رغبتكِ الدفينة والملحة بتعذيب الرجل ...
تدخل في تلك اللحظة جوزيف الذي اقترب من الطاولة والتقط مناوشات الفتيات مع زوجته:
-دعوها تعذب صخر افضل من ان تعذب زوجها
التفت انجل وسط ضحكات الفتيات ورفعت حاجباً نحو زوجها:
-انت تشتاق للأريكة حبيبي.. اعترف بهذا هيا...
ارتسمت ملامح الرعب الكاذب على وجه جوزيف:
-لا لا كل شي الا الأريكة... ألست زوجكِ حبيبكِ فلماذا تعامليني مثل معلمة صارمة تعاقب تلميذها بالوقوف قرب الباب على قدم واحدة
نظرت الى الفتيات وقالت مشيرة الى جوزيف
-اشهدن يا فتيات على ما اعانيه مع هذا الرجل
لم تقل الفتيات شيئاً بل رمقنها جميعاً بنظرة تقول "اخرسي".... فأنفجر جوزيف ضاحكاً.... نهضت انجل من مكانها وهي تقول بحنق: "خائنات"...
تعلقت بذراع زوجها وهي تجره بعيداً قائلة:
-تعال نتجادل بعيداً عنهن....
****************
(بعد مرور سنتين)
-احبكِ...
همس ماتيو وهو يحيط خصر كيرا بذراعيه.... اخيراً ها هو قد تزوج من سليطة اللسان عديمة الذوق هذه ...
عرض عليها الزواج بعد عرس زنبق بعدة شهور ووافقت على الفور.. لكنهما قررا الزواج بعد تخرجها... لم يكن يريد ان يضغط عليها.. كان عليها ان تكبر اكثر وان تعزز ثقتها بنفسها اكثر... لذلك لم يكن لديه خيار سوى الصبر ... وها هي ايام الصبر قد انتهت ... وصارت عروسه..
هذه الفتاة العنيدة ... التي رفضت ان تترك عملها في الشركة واخذت تسدد كل المال الذي دفعه لأجل علاج اختها وديون دانيال رافضة رفضاً قاطعاً ان يتجاوزا الموضوع ... قبل عرسهما باسبوع دخلت عليه باخر دفعة من المال ... وضعت على طاولته رزمة من الاوراق النقدية وقالت:
-هذه اخر دفعة لكنها اكثر بعشرين دولار .. لم اجد فكة .. لذلك انت مدين لي بعشرين دولار
يومها نظر اليها بدهشة ثم انفجر ضاحكاً لجنونها.. فما كان منه الا ان اعاد لها العشرين دولار على شكل فكة من فئة الدولار الواحد ..
...........
خرج من افكاره وهو يقول...
-حسناً أريد ان اقول شيئاً لكن لا تقتليني
بدت ملامح الشك على وجهها
-ما هي المصيبة ؟
ضحك:
-لا اعلم ان كانت مصيبة او لا .. انها تعتمد على رؤيتكِ للأمر
-دون مقدمات لو سمحت
اجلى حنجرته:
-حسناً لقد اشتريت لكِ هدية زفاف
رفعت حاجبها:
-هذه ليست مصيبة
استطرد: لا .. المصيبة هي انها محل حلويات... فكرت بأن اهديكِ مكاناً تؤسسين به عملك المستقل
نظرت اليه للحظة دون ان ترمش.. وصارت ملامحها مغلقة فصعب عليه قرائتها
همس لها: كيرا؟
عندها فقط سقطت دمعة من عينها واحتضنته بكامل قوتها كأنها تريد ان تدسه بين اضلعها
-شكراً مات
وفهم ان هذه الـ "شكراً" ليست لأجل محل الحلويات.. بل لأشياء اكبر واعمق...
لفد يديه حولها معتصراً جسدها الغض بين يديه:
بل شكراً لكِ كيرا....
بعد لحظة قالت : حسناً وانا لدي شئ لك.. هدية شهر العسل..
-هل هناك هدايا شهر العسل؟ ماذا؟ ثوب نوم شفاف؟
ضحكت وهي تضرب ذراعه بخفة:
-كلا ايها الأحمق....
اتجهت نحو طرف الخزانة الذي وضعت فيه ملابسها في وقت سابق واخرجت منه قميص رجالي عليه اشجار وببغاءات والوان فاقعة... اتسعت عينا ماتيو وهو يرى كمية البشاعة التي يضمها هذا القميص.. ابتلع ريقه وهو يسأل بوجل
-ما هذا حبيبتي؟
نظرت اليه نظرة شريرة: هذا القميص الذي سترتديه عندما نتنزه على شواطئ المالديف...
صاح بهلع:
-لاااااااا
ضحكت:
-بل نعم... سيلائمك تماماً حبيبي
قطب:
-لن اسمح لكِ بإصابتي بعدوى حسك البشع في الموضة
ارتفع صوت ضحكتها وهي تحرك القميص امامه مثل قطعة قماش حمراء تتحرك امام ثور
-ستكون رائعاً
تقدم منها واخذ القميص ورماه على الأرض ورفعها من خصرها بين يديه
-ايتها الماكرة... سأرتدي ما تشائين... فبعد كل المرات التي لطختِ بها بذلاتي سيكون من الافضل أن ارتدي الهلاهيل هذه حتى لا أشعر بطعنة الم كلما اسقطتِ شيئاً على ملابسي... وعلى ذكر البذلات والكريما...
سار بها نحو الجانب الاخر حيث يضع ملابسه... فتح باب الخزانة واشار الى ثلاث بذلات محفوظة في غلافها ...
-انظري هذه الثلاث بذلات تحمل اثار اعمالكِ الاجرامية ... لم ارسل اي واحدة منها الى التنظيف... أردتها ان تبقى هكذا .. ملطخة ببصامتك... تلك البصمات التي غيرت حياتي كلها....
احاطت رقبته بيديها... وانحنت تقبله وهي تهمس من بين شفتيه:
-احبك
بعد لحظات انزلها واتجه نحو علبة "سبريه" .. حمل العلبة وخضها امام عينيها المتسائلتين
سألها: خمني ما هذا؟
قطبت:
-هل تنوي ان تصبغني؟
ضحك:
-لا .. احب لون بشرتكِ كما هي.... (عاد يرج العلبة واكمل) هذه كريما...... لقد عاهدت نفسي ان اغطيكِ يوماً بالكريما واتناولكِ بشراهة كما كنتِ تتناولين قطع الكاب كيك في ذلك اليوم المشهود
تمتمت بعدم تصديق: انت لن تفعلها.... لن تفعلها
ضحك وهو يتقرب منها: سنرى
*******************
دخل كايل مثل المجنون الى الحمام بينما كانت ارورا تلف المنشفة حول جسدها
هتفت أرورا: ما الامر كايل؟
حدقتاه المتسعتان كانتا شديدتا الزرقة وصدره يلهث
-هل انتِ حامل
ضربت الارض بقدمها: سأقتل تينا.. هل أخبرتك
تقدم منها بسرعة وجمع شعرها الثائر حول وجهها بيد واحدة وابعده عن ملامحها الجميلة ودون اي كلمة قبلها بقوة .....
كان يلهث بقبلته وكأنه يركض لأميال... حين ابتعد اسند جبينه على جبينها
-يا الهي أرورا... سأصير أباً.. تخيلي..
تلمست بأطراف اصابعها لحيته الخفيفة:
-ستكون اباً رائعاً حبيبي..
-لقد منحتني الان اجمل هدية أرورا... لا أعرف ما علي ان افعل لأعبر عن امتناني الكبير لوجودك في حياتي..... لقد اعدتِ بنائي ارورا.... واكملتِ كل قطعي الناقصة....
-ما اعرفه ان النساء يصبحن عاطفيات اثناء فترة الحمل وليس الرجال
ضحك وهو يحاول السيطرة على نبرة صوته المتأثرة:
-اخرسي
اقتربت من شفتيه وهمست بإغواء: اعرف طريقة جيدة لأخرس
ابتسم لثانية ثم انحنى يخرسها بقبلته...
***********************
-الياس انزل ابنتي عن ظهر البقرة والا قتلتك
هددته سماء بصوت حانق وهي تراقب الياس يضع ابنتهما على البقرة
ضحك الياس:
-اصمتي انا احاول ان اعلمها الركوب
اعترضت سماء وهي تضع يديها على خصرها في وقفة احتجاجية
-المفروض ركوب الخيل لا ركوب البقر
-وما بها البقرات يا بقرتي؟
صاحت به: لا تقل لي بقرة امام الطفلة ... ثم انزلها لأن لدي خبر مهم اريد ان اقوله لك
انزل الياس طفلته من على ظهر البقرة ووضعها على كتفه واخذت تطوح يديها في الهواء ضاحكة
-ما هو
قالت ببساطة:
-انا حامل
صاح مستغرباً:
-ها؟ حامل..... هل انتِ أرنب؟ منذ ثلاثة اشهر فقط انجبنا طفلنا الثاني...
رفعت حاجبها: لقد حذرتك يا رجل انني اريد عائلة كبيرة وانت وعدتني
ضحك الياس بعد ان تجاوز لحظة الصدمة السريعة .. تقدم نحوها واحاط خصرها بيد واحدة ورفعها عن الارض قليلاً بينما يثبت بيده الاخرى ابنته ذات السنتين على كتفه..
-مبارك حبيبتي... سأحول اسمك من بقرة الى ارنبة
شدت شعر لحيته فتأوه
قالت له: قلت لك لا تناديني بقرة امامها
-اعتذر اعتذر
-احسنت.. هيا يا ابو العيال .. الغداء جاهز
*************************
كان وليد ينتظرها خارج الكنسية بعد ان انهت صلاتها...
دخلت الى السيارة وهي تقول:
-اسفة هل تأخرت
-لا حبيبتي لكن يبدو انكِ كنتِ تصلين لكل البشرية اسماً اسماً
اعترضت:
-هاي عندما تصلي التراويح في رمضان لا اعترض
ضحك:
-مجرد دعابة يا ذهبية
لان وجهها المضئ وهي تجيبه:
-اعرف هذا ... هل تأكد سفرنا الاسبوع القادم؟
-نعم حبيبتي.. لكن ما زلت اتمنى ان تراجعي نفسك وان تتمهلي في الامر... الرحلة التطوعية السابقة مرضتِ وكدت اخسر نصف عمري خوفاً عليكِ.... انا اخشى عليكِ من الهواء تين
ابتسمت له بحنان وهي تمسك بكفه بين يديها
-ويل... اعلم ان الامر ليس سهلاً عليك... لكننا كنا قد قررنا منذ زواجنا ان نمد يد المساعدة للجميع... نحن نتطوع لننقذ ارواح الاخرين.... نحن المعجزة التي يمكن ان تحصل لأي شخص ... الا ترى كم عظيم ان تكون معجزة؟
-أنا لا اريد ان اكون معجزة احد ان كان يعني ان اخاطر بمعجزتي الشخصية... أنتِ معجزتي تين
-وأنت يا حبيب تين.. تميمتي.... لن يمسني سوء وطبيبي الرائع دائماً معي.... ثق بي ويل... انا اريد ان اذهب معك... ارجوك
اشرقت ابتسامة على وجهه من خلف غمامات القلق
-أنا أثق بك تين.. اثق بكِ
********************
كان جوزيف يسير مع انجل في ساحة المدرسة... هذا اليوم هو يوم اولياء الأمور...
بحثت عيناه عن ادم ومايا بينما تعلقت يده بيد انجل...
كان يدرك تماماً للأعين الفضولية التي ترمقه هو وزوجته... فهما الثنائي الأكثر شهرة من بين كل اباء وامهات هذه المدرسة.... حانت منه التفاتة نحو انجل وسألها:
-هل تدركين ان الجميع ينظر الينا
ابتسمت:
-أظنها طاقتنا التي تجذبهم
-بل عينا الغزال...ايتها الغزالة العراقية
من بعيد سمعا صوت مايا عالياً تتجادل مع مجموعة من الطلاب الأكبر سناً منها...
تقدما بسرعة لكن جوزيف توقف على بعد خطوات موقفاً انجل ايضاً حين سمع مايا تقول:
-عار عليكم جميعاً لماذا تجتمعون عليه... الا ترون انه نحيف وضعيف ولا يستطيع مجاراتكم
ابتسم جوزيف:
-أنظري لإبنة والدتها وهي تطلق غرائزها الحمائية
ابتسمت انجل بفخر:
-انها حنون بالفطرة... هذه الفتاة ستكسر قلب رجلها بحنانها وسترى
قطب:
-رجل من؟ لا رجال في حياة ابنتي حتى تتجاوز الثلاثين
رفعت انجل حاجبها:
-ما رأيك ان ندفعها لتصير راهبة ايها الاب الغيور
-فكرة "كوليش زينا"
تأففت انجل وهي تصحح له
-كلش زينة.. ك ل ش زي ن ة.... ارحمني حبيبي
راقبا معاً مايا وهي تنحني نحو صبي في حوالي الخامسة عشر وتسأله بإهتمام
-هل انتَ بخير
كان الصبي هزيلاً ومنزوياً على نفسه وكأنه يستعد لأن يعاود الاولاد الهجوم عليه .. عيناه الزرقاون وحدهما كانتا تلمعان بغرابة
-اجل.. شكراً
ابتسمت له وهي تمد يدها بمنديل ورقي تمسح عن وجهه حبات العرق وتطمأنه بصوت حنون:
-لا تقلق لن يتعرض لك احد..
ارتجفت ابتسامة مريرة على وجهه النحيل:
-يوماً ما سأنتقم منهم جميعا
قطبت مايا معترضة وكأنها لم تحب طريقة كلامه ... وفي هذه الاثناء تقدم جوزيف وانجل
قال جوزيف مقاطعاً حديثهما:
-مايا
التفتت وهي تهتف بفرح:
-دادي... مامي
وتقدمت نحوهما... داعب جوزيف ضفيرة ابنته وهو ينظر الى الصبي وسأله:
-هل من مشكلة؟ هل تحتاج الى مساعدة؟
نهض الصبي النحيل ونظر بعينيه اللامعتين نحو جوزيف ثم انجل ثم مايا واستوعب المشهد العائلي الدافئ...
انغلقت تعابيره اكثر وهو يجيب بخفوت:
-لا.. شكراً
ومشى مبتعداً عنهم......
حمل جوزيف ابنته قائلاً:
-تعالي يا اميرة والدكِ لنبحث عن اخوكِ ....
بجانبه مشت انجل تشبك يدها بيده الاخرى ... دون ان يدرك ثلاثتهم زوج العيون اللامعة التي كانت تراقبهم من خلف الشجيرات القصيرة
**************************
في المساء كانت انجل تقرأ كتاب شعر في غرفة المكتب بينما ملامح الحزن بادية على وجهها .. كان جوزيف في هذه الاثناء يقوم بإرسال بعض الرسائل الألكترونية المهمة لكنه ترك ما في يده حين لاحظ الوجوم على وجه انجل... سألها:
-ما الأمر أنجل؟
رفعت رأسها عن الكتاب وهي تجيب:
-انا أقرأ ديوان شعر بعنوان "على بحر يافا" لرجل يدعى آدم أحمد..... انا اعرف هذا الرجل... ليس شخصياً... لكنه زوج ابنة وزير النفط الذي سجن بتهمة فساد..
-ما به؟
-زوجته توفيت بمرض السرطان... انها الفنانة يافا احمد.. هل تذكر لوحة شجرة التفاح التي اردنا شرائها مرة في لندن ورفضوا بيعها لنا لأنها للعرض فقط؟ انها هي الرسامة ... اخبرني الدليل في المعرض ان الرسامة عراقية شابة توفيت بمرض السرطان.... شعرت يومها بالالم عليها
هز جوزيف رأسه: اجل اتذكر ذلك اليوم.. كنتِ متأثرة لدرجة عدم تناولكِ شئ طوال اليوم
ابتسمت بحزن: لا اعلم يوسف.. اظنني املك حزناً خاصاً تجاه النساء اللواتي يفقدن حياتهن في عمر مبكر كما فقدت ماريا حياتها.....
حدقت في الكتاب للحظة ثم عادت تقول:
-زوجها كتب عنها الكثير من القصائد.. ليتني استطيع ان اترجمها لك .. لكنها ستفقد معناها.... ان هذا الرجل يبكي على الورق.. اكاد اشعر بألمه... أكاد المسه.... انه يشبه نوعاً ما المك في اول فصول من رواية "هِبة"....... ألم الفقد والوحدة..
نهض جوزيف من مكانه واتجه حيث تجلس انجل... مد يده وانهضها من مكانها ليجلس على المقعد ويجرها لتجلس في حضنه ...
داعب شعرها وقال:
-لقد انتهت تلك الايام انجل... اجل لقد كنت أتألم ... لكنني احب ان ارى ان كل الامي كانت دفعة مقدمة لسعادة كبيرة تنتظرني.... وقد كنتُ محقاً ... لقد كنتِ الضوء في اخر النفق..... أترين كم انا محظوظ...
قبلت خده وهي تهمس: انا المحظوظة بيننا
******************
-اوركد ... تعالي الى عند بابا حبيبتي...
ركضت اوركد ذات السنة ونصف بحذائها الأبيض وفستانها الوردي المنفوش الى حضن والدها... رفعها صخر بضحكة سعيدة ورماها في الهواء فأنطلقت ضاحكة هي الاخرى بينما دخلت زنبق الى الغرفة لتشهق:
-صخر ألم أقل لك الف مرة ان لا ترميها في الهواء.. ماذا لو سقطت
قبل صخر خد ابنته وهمس لها:
-ماما جبانة
ضحكت اوركد وهي تتمسك بشعر والدها وتجره ببراءة فصاح متوجعاً...
قالت زنبق بشماته:
-تستحق.. أحسنتِ حبيبتي
حدجها بنظرة معترضة ثم التمعت عيناه لا ارادياً وهو يشمل فستان السهرة الاسود ومكياجها الثقيل على غير عادتها بعين التقدير
-تبدين فاتنة زنبقتي
اقتربت منه فرمت اوركد نفسها على والدتها التي تلقفتها بحنان
وضعت رأسها على حافة كتفه وحدقت الى انعكاس اشكالهم في المرآة
-انظر الينا صخر... نحن عائلة سعيدة....
احاط كتفيها بذراعه وحدق الى صورتهم هو الاخر بينما كانت اوركد مشغولة باللعب بخصلات شعر والدتها
-لقد نجحنا زنبق..... لقد حققنا ما تعاهدنا عليه في ذلك اليوم...... لقد انتصرنا على اشباحنا اخيراً
ابتسمت لصورتهم الدافئة.... اجل لقد فعلا.....
حبهما كان يشبه طريقاً متعرجاً.... مليئاً بالصخور والمطبات... ولقد تعثرا كثيراً وسقطا كثيراً... لكنهما في النهاية نجحا ....
وامام صورتهما الخلابة همست وهي تندس في حضن صخر واوركد بين ذراعيها، بكلمات لجلال الدين الرومي:
"بعضهم يسمونك حباً
أما أنا فأسميك مليك الحب
فأنت وراء كل خيال
تأخذني لأماكن لم أكن احلم بها
فيا حاكم قلبي
أينما ذهبت
لا تذهب بدوني"

🌺 تمت 🌺

كونوا بالقرب مع الجزء الثالث من سلسلة حـــ"ر"ــــب تحت عنوان "إيحاء الفضة"

🎉 لقد انتهيت من قراءة رقصة سما(الجزء الثاني من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملة 🎉
رقصة سما(الجزء الثاني من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن