الرقصة الثامنة عشر
رقصة الموت*
*رقصة تعبيرية يتمثل فيها الموت على شكل هيكل عظمي يقود الاخرين الى قبورهمهذا العالم غارق في الآلام والمآسي من رأسه إلى قدميه، وﻻ أمل له في الشفاء إﻻ بيد الحب. – مولانا جلال الدين الرومي
-ايتها المجنونة صاحبة رأس الجزرة
صاح الياس وهو يدخل سماء الى غرفة نومهما الجديدة.....
خطت الى الداخل وهي ترفع احدى رجليها تنزع عنها فردة حذائها تبعتها بالاخرى وترميهما بعدم اكتراث
-لا تقل لي رأس الجزرة... أكره هذا اللقب
-رأس الجزرة .. رأس الجزرة... رأس الجزرة... رأس... آآآآخ
صاح حين ضرب طوق الورد صدغه قريباً من عينيه
هتف: هيا هيا... ضعي علامتكِ على الحاجب الآخر.... فالمرحومة امي استغنت عن ابنها لحضرة جنابك.. لقد تزوجت من مجرمة
-لِمَ كل هذا الصراخ ايها الفلاح الهمجي.... لقد خربت عرسي
اتسعت عيناه وقال بإعتراض: انا؟ أنا خربت العرس؟.... من التي سددت قبضتها على صدري وسط المسرح امام كل المعازيم
-وتستحق أكثر.... لقد تسببت في فسخ خطبتي وهذا جيد... لكن ان تنتظر كل ذلك الوقت لتكسب حبي فهذا سئ للغاية... بالطبع لقد كنت مشغولاً بالعبث مع السمراوات
اقترب منها بخطوات اجرامية: أيتها البقرة الغبية... وهل انا من ركضت خلف وليد وكدت اقتل نفسي
اعترضت: لا تذكرني بهذا
-وهل انا معجب بالتذكر.... تدعسين على ذيل القط وتعترضين اذا قال مياو...
صاحت وقد توهج شعرها الأشقر الناري تحت ضوء الشمس الغاربة المتسللة من النافذة
-نعم نعم لا تقل مياو
اقترب منها خطوتين حتى بات لا يفصلهما الا بضع سنتمترات قليلة واطل عليها بطوله الفارع
-عااااااااو.... ها أعجبك؟
رفعت رأسها تنظر اليه متحدية: عاو ونص وخمسة عليك ايها الهجمي
رفع عينيه بملل الى الأعلى ثم اعادها الى وجهها: ألن تسكتي ابداً؟
قالت بنبرة قاطعة مغيظة: لا
-حسناً
مد ذراعه يحيط خصرها وبأطراف اصابعه ضغط على ظهرها ليدفعها ببساطة وبحركة واحدة نحوه.. فإرتطمت بصدره،، وقبل ان تعلم ما يحصل... كان ينحني فوق وجهها سارقاً شفتيها بقبلة مباغتة ...
تصلب جسدها للحظات تحت وقع هجومه العاطفي المباغت ... ثم ما لبثت ان استرخت بين يديه ... رافعة يديها بعفوية لتحيط وجهه ....
همس بصوت اجش من بين قبلاته: قولي.. اسفة.. زوجي.. حبيبي... على.. ضربك.. علناً
ردت عليه وهي تلهث بين قبلة واخرى: لست... اسفة... زوجي... حبيبي ... على... ضربك .... علناً
أحاطت ذراعه الأخرى خصرها.. فأشتبك اصابعه خلف ظهرها ليسجنها بين صدره ويديه....
-ايتها ... البقرة... العنيدة ... المجنونة ....
-اح....بك
توقف عن تقبيلها .. افلت شفتيها ورفع وجهه قليلاً لينظر اليها بعينين غامتا بتعبير عاطفي عميق
-قوليها مرة أخرى
ارتفع صدرها بقوة وانخفض وكررت بهمس ضعيف وقد اوهنتها عاطفتها
-احبك الياس
وضع جبينه على جبينها: مرة أخرى
-أحبك الياس
عبّ من انفاسها المتسارعة واستنشقها... فدخلت رئتيه مثل لفحة حارة اذابت ثلج جفائها الماضي...
ارتعش جسده الضخم ... تأوه وامسك بوجهها بين يديه.... طبع قبلة قوية على جبينها وقال دون ان تفارق شفتيه جبينها
-لقد انتظرتها طويلاً... طويلاً...
سحبت وجهها من بين يديه... ثم ابتعدت قليلاً ...
نظرت اليه بعينيها الياقوتيتين نظرة فاضت حباً خطف قلبه
-أتعلم ماذا أدركت؟
اجابها بصوت مرتجف: ماذا؟
-أنني أحفظك منذ طفولتي عن ظهر قلب..... أذكر كل تفاصيلك وادقها....
... تخللت اصابعها شعره الكثيف وهمست
-أعرف أن لون شعرك الفاحم السواد يتحول الى بني غامق تحت ضوء الشمس.. يشع بلمعان .... وكلما رأيت أمرأة جميلة ... تخللته بأصابعك.... كنت في كل مرة ارتدي فستاناً جديداً واريد ان اعرف ان كان جميلاً.. أتعمد المرور أمامك... ان مشطت شعرك بأصابعك اعرف حينها ان مظهري جميل....
ازداد عمق عينيه سواداً حين تكاثفت عاطفته : وكم مرة فعلت هذه الحركة؟
ابتسمت له بهيام: في كل مرة ... في كل مرة ......
تركت اصابعها شعره... ومرت على الجرح في حاجبه....
-أعرف مثلا أنك اخذت ثلاث تقطيبات بسبب هذا الجرح.... لم اعلم يومها ان قلبي اصبح بثلاث تقطيبات ايضاً
انزلقت يدها نحو لحيته ثم عبرتها لتسير اصابعها على رقبته والعرق النابض فيها يمنحها فكرة عن مقدار ما يشعر به من انفعال....
اقتربت بوجهها من رقبته... واستنشقت عطره... وهمست: اعرف انك لم تغير عطرك الـ"بلو" ....(أخذت نفساً عميقاً وهي تستنشق عطره) .... مزيج من العنبر والبخور ولسعة من الزنجبيل مع حرارة النعناع ولذعة التوابل........ عطر يشبه شخصيتك الجذابة المركبة
قرب فمه من أذنها وقال بصوت مرتعش: ما الذي تفعلينه بي؟
انزلت يدها الى ذراعه تتحسس الوشم على ذراعه اليسرى وهو عبارة عن تسعة خطوط في كل خط مثلثات صغيرة سوداء
نظرت اليه مبتسمة: لقد وشمت هذا الوشم وقد ظنه الجميع مجرد مثلثات عادية... لكنني أعرف انها أسنان سمك القرش.... أذكر ان والدتك رحمها الله اخبرتني يوم شكوتك لها ان اهددك بأن اجعل سمك القرش يعضك مثلما كانت تفعل هي في صغرك .. وقالت ان التهديد ما زال يجدي نفعا حتى وانت في هذا السن.. لقد وشمته في الفترة التي تلت موت والدك ومحاولة الجميع النيل منك لتخسر المزرعة .... يومهاعلمت انك قررت ان تكون سمك القرش الذي يخاف الجميع اسنانه ... وانك ستكسر كل مخاوفك وستحارب لأجل املاك عائلتك
ارتد قليلاً وقد راعه كم تعرف عنه .... اتسعت عيناه بذهول: كيف تعرفين كل هذا ؟
-أظنني يا الياس قد أحببتك دوماً.... وهذا سبب نفوري منك ومحاربة كل صديقاتك.... لقد كنت اريدك لكنني ارفضك كذلك... كنت فلاحاً همجياً وسليط اللسان ... لا تشبه بيئتي في شئ
غامت عيناه وقال بأسى: بينما وليد يشبهها
هذه المرة هي من احاطت خصره وشبكت اصابعها خلف ظهره
-لا.... لا يشبهني في شئ.... لقد اكتشفت انني لا أشبه أحداً سواك ...
وقبل ان يعلق تصنعت تقطيبة وهي تلتفت نحو السرير وقالت بوقاحة: هاي ألن ندخل أم سنعيش اخوات يا روح مامتك؟
اتسعت عيناه وهتف: انها المرة الأولى التي تطلب فيه العروس من عريسها ان يدخل بها.... اين الحياء يا عديمة الحياء
رفعت حاجبها: حياء من يا حبيبي؟..... لقد فات عمري وعمرك... فلنلحق القطار... وننجب طفلاً
فغر فمه: وحق الله ما رأيك أمرأة بوقاحتكِ... تحشمي
ارخت يديها عنه وامتدت اصابعها نحو قميصة تحل اول زرين وهي تقول: هيا هيا لا وقت... ما زال ورائنا عيال ينتظرون القدوم الى هذا العالم
امسك بيدها يوقفها عن عملها ... رفعت نظرها اليه وحين رأت التعبير على وجهه اختفت عن وجهها ملامح المرح الساخر...
قال بجدية: أنا احبك سماء... ولا اريد ان المسكِ فقط او اقبلكِ فقط .. أو آخذ حقوقي منك كاملة..... بل اريد ايضاً أن أمتلك كل نفس يخرج من صدرك... كل نبضة تصدر عن قلبك ... كل فكرة تخطر في بالك.... اريد ان اكون والد كل طفل حلمتي به في اي مرة خلال كل تلك السنوات.... اريد ان اشق صدري وادخلك فيه... امزجك بي... بروحي وقلبي ودمي
الياقوت في عينيها اعتم ... وشعر بجسدها الغض يرتعش ....
همست له اخيراً: أنت تمتلك كل هذا أساساً الياس... انت تمتلكني كلي....
حملها بين ذراعيه.. ووضعها برفق على السرير... التقت عتمة عينيه بزرقة عينيها.....
همس: كم طفلا تريدين؟
رفعت اصبعاً امامه: واحد
ثم رفعت اخر: او اثنان
ثلم رفعت اخر: أو ثلاث
ثم رفعت كلتا كفيا فاردة اصابعها امام وجهه: او عشرة
ضحك: سأبني حظيرة جديدة
عبست بأعتراض: ايها الفلاج الهمج.....
قاطعت قبلته شتائمها... تأوهت بضعف وهي تستجيب له .......
حين أتى الصباح... كانت سماء .. ملك الياس الشيخ... قلباً وجسداً....!
....................
*********
تأوه ماتيو وهو يخرج من ظلام لا وعيه الى الصحو... حاول ان يرفع يده ليتحسس الألم في رأسه لكنه لم يستطع تحركيها لأنها موثوقة خلفه .. يبدو انه حين اصيب سقط على الأرض فارتطم رأسه بحجر سبب له فقدان وعي مؤقت .. هناك ألم في كتفه يكاد يمزقه.... ما زال يشعر بقطرات السائل الساخن تسيل على جسده.... رمش بعينيه محاولاً فتحها ... وبعد بضع محاولات فاشلة فتحها اخيراً... لتهتز الرؤية أمامه ... عقله المشوش بدأ بإستجماع الذكريات.....
همس بصوت مقطوع الانفاس: كيرا
جاءه صوت دانيال صادحاً بنبرة ساخرة
-ها قد استيقظ البطل الهمام..... انظري اليه جيداً
كيرا التي كانت تجلس موثوقة اليدين على الأرض الترابية، نظرت بجزع الى ماتيو الذي اخذ منظره المصاب نصف عمرها
هتفت بلهفة وهي تراه يفتح عينه: ماتيو...
حين سمع صوتها ارتفع وجهه قليلاً... وجالت عيناه حتى وجدتها.... انقبضت ملامحه بوجع وهو يراها مقيدة على الأرض وكدمة زرقاء تغطي مساحة خدها الايمن....
-كيرا... هل.. أنت... بخير
هزت رأسها كاذبة: اجل...
قاطعهما صوت دانيال وهو يصفق بيديه: يا لهذا العرض الرائع....
التفت نحو كيرا: أهذا الذي عشقته وطلبتي من اجله الطلاق؟ انه لا يساوي دون ماله شئ...
صاحت به كيرا: أخرس ايها المجرم.. لا أصدق أنني تزوجتك ... لا أصدق انك صرت بهذا القبح
ضحك بسخرية: لقد كنتِ مشغولة بالتفكير بهذا الفتى المدلل عن الانتباه لما يجري
نضحت خيبة الأمل من وجهها: متى تحولت لتصير بهذا السوء؟
اسودت ملامح وجهه: متى؟ انا لم اتحول ابداً كيرا....
وقبل ان يكمل حديثه استرعى انتباهه ماتيو وهو يجاهد للنهوض من مكانه مستغلاً غفلته فما كان منه الا ان اطلق رصاصه مرت من جانب وجه ماتيو فندت عن كيرا صرخة مرتعبة...
صاح بماتيو: إياك ان تفكر حتى..... (ثم لوح بهاتفه) وهذا معي أيضاً...
صاح ماتيو من بين اسنانه: ايها الوغد سوف أقتلك.... دعها تذهب وسأعطيك كل ما تريد
-سنأتي لهذا الجزء عزيزي لا تستعجل.... لكن دعني انهي حواري مع زوجتي اولاً...
ثم عاد يوجه كلامه لكيرا وهو يحك ذقنه بفوهة مسدسه ...
-اين وصلنا؟ اه نعم .. أنا لم اتحول ابداً... لقد كنت دوماً هكذا... لكنكِ لم تريدي ان تري... لنقل انكِ صدقتي كل ما قلته لك حول الاعمال الشريفة البسيطة التي اقوم بها لأعيلنا...
اقترب منها خطوة واعتم وجهه بألم: لقد فعلت كل شئ لأجلنا انا وانتِ كيرا.... لقد كنتِ ابنتي قبل ان تكوني حبيبتي..... كنت مستعداً لفعل أي شئ لأجلك....
صاحت به: لم تفعل اي شئ لأجلي... لقد كنت اعمل ليل نهار لأعيل نفسي... لقد بعت خاتم خطوبتنا لأجل ديونك .... لا ترمي اخطائك علي دانيال
وضع يده في جيبه بينما الاخرى تمسك بالسلاح: حسناً لقد قلت انني كنت مستعداً لفعل اي شئ ... لكنني لم أفعل.... أنتِ محقة كيرا..... كان عالمهم مبهرجاً بكل أنواع الخطوط الحمراء التي أحببت عبورها.... القمار والكحول والنساء والمخدرات...... كانت متعة عبور الخط الأحمر تستحق صرف كل ما اجنيه عليها
احترق صدر كيرا غضباً وهي ترى حقيقة الرجل الذي ظنته اقرب الناس اليها... والذي تزوجته طمعاً بالحماية ....
نظرت الى ماتيو والتقت عيناهما.... عيناه الذئبية كانت منطفئة... شعرت بالألم لفكرة أنه يتألم... تجاوب جسدها مع وجع جسده فدب في اوصالها الوجع هي الأخرى وتأوهت........ اعتذرت عيناها منه .... هو هنا بسببها .... بسبب حبها له......
صاح دانيال الذي كان يراقب تعابيرها: لا تنظري اليه هكذا... لا تنظررررري
اقترب منه بحركات سريعة وسدد له كلمة على وجهه ارجعت رأس ماتيو الى الوراء بينما صاحت كيرا مذعورة: توقف ارجوك
سال الدم من فم ماتيو... تكورت يداه بقبضتين وصارت ليتخلص من وثاقه متجاهلاً ألم كتفه
قال له بحقد: لو كنت رجلاً لكنت حللت وثاقي .. لكنك مجرد جبان..
امسك داني بيده الحرة ياقة قميص ماتيو ورفعه قليلاً مما تسبب لماتيو بألم بالغ جاهد معه ان لا يتأوه
صاح دانيال: وهل كنت رجلاً حين اخذت زوجتي مني
نظر ماتيو بعيني دانيال.. وقال بثقة تامة
-أنا لم اسرقها منك... لقد اخرجتك من السجن لتحميها... لو كنت اعلم انك حقير ووضيع الى هذه الدرجة.... لكنت فعلاً أخذتها منك...
ثم ابتسم احدى ابتساماته اللعوب: لكن لا تقلق .. سأخذها منك حتماً
لم يحتمل دانيال سخرية ماتيو فوجه فوهة مسدسه الى جبينه وسط صرخة كيرا .. ونظرة ماتيو الساخرة
رعد صوته: سوف أقتلك
ببرود اجابه ماتيو: افعل ان شئت
وكان يعني ما يقول، يكفيه من هذا العالم أنه حاول تطهير ذنوبه السابقة، وان كيرا تحبه.... لكن مهلاً لا... لا يكفيه ابداً..... عليه أن يأخذها من دانيال... ان يخلصها منه .... وهذه المرة وبعد ما حدث الان ... لن يشعر بأدنى ذنب وهو يتزعها منه.....
من خلف دانيال كانت كيرا تتوسل دانيال ان يبعد مسدسه : ارجوك اتوسل اليك ... ابتعد عنه.. ابتعد عنه
ابتعد دانيال قليلاً ونظر الى زوجته بألم....
ثم سألها: لماذا أحببته ؟ لماذا؟ لماذا أردتي ان تتركيني لأجله؟
وقبل ان تجيب التفت الى ماتيو وقال بكره: لم أفهم في البداية سبب رفضها لي حتى وانا زوجها.... لكنني فهمت لاحقاً.... شرودها المستمر... توترها كلما نطقت اسمك... ثم فترات بكائها الطويل في الحمام ظناً منها أنني لا اسمع.... وكانت القشة القاصمة البارحة حين دخلت الى البيت ووجدتها تمسك مجلة تحتل انت غلافها وتحدثك بكلمات حب لم اسمع ربعها منها طوال حياتي..... وحين واجهتها بأنني سمعت صارحتني بأنها تريد الطلاق لأنها لا تستطيع خداعي اكثر
خطى نحوها بسرعة وامسكها من شعرها ورفعها وصاح وهو يثبت المسدس على عنقها: ايتها المخادعة الكاذبة...
صاح به ماتيو: أتركها والا مزقت وجهك
نظر اليه بسخرية: أرني ماذا تستطيع ان تفعل
ثم نظر الى كيرا نظرة غريبة ارعبتها كما ارعبت ماتيو ... نظرة شهوانية .... طرق قلب ماتيو بشدة وتضرع (يارب ... لا ... لا)
تملصت كيرا من بين ذراعيه لكنه امسك بها من شعرها جيداً....
ثم قال بلهجة منتصرة: الان عرفت كيف سأنتقم انتقاماً ساحقا...
نظر الى ماتيو: لربما مالك يكفي للهرب والعيش برفاهية.... ولربما قتلك سيريحني ... لكنني سأفعل ما يجعلكما تحترقان معاً...
ابتسم بخبث..
صاح ماتيو وهو يستوعب ما يقصده: لااااااااا.. اياك ... اياك .....
حاول النهوض مرة اخرى لكن دانيال وبكل بساطة اطلق على ساقه النار... صاح ماتيو متألماً... بينما شقت صرخة كيرا صدر الليل....
-ماتيوووو.. ماتيو ... لا لا...ايها الوغد الحقير اتركه .. اتركه ..
تلوت بجنون بينما انتزع بضع خصلات من شعرها بقبضته الحديدية التي تحد من حركتها....
همس قرب اذنها: ما رأيك بعرض سخي لحبيبك؟
صاح ماتيو بضعف وهو على مشارف فقدان الوعي: سأقتلك.. اتركها....اتر..كها.... سأ.. قتلك
لكن دانيال لم يهتم... بل رمى كيرا على الأرض ليعتليها بينما تصارعت صيحات ماتيو الغاضبة مع صيحات كيرا المرتعبة...
هتف ماتيو بقهر وهو يحاول الزحف نحوها دون ان ينجح: اتركهاااااا... اتركهااااااااااا
صوت تمزق قميصها مزق قلبه ورجولته .... طفرت دموع القهر من عينيه... وهو يستجمع اخر ذرات طاقته ليزحف ببطئ على احدى ركبتيه بينما ساقه المصابة تعيق عمله
دفن دانيال وجهه في رقبة كيرا وهو ينتهكها بأبشع الطرق.... صرخاتها تحولت الى عويل... والتفت وجهها المعذب اليه ... التفت نظراتهما....
عيناهما دامعتان... يعيشان معاً احساس القهر والوجع والانتهاك.... هي تنتهك جسدياً وهو يُنتَهك فيها...
صاح بعذاب وغضب: اتركهااااااااااا
لكن دانيال كان مستمراً في انتهاك حرمتها.... يطبع شفتيه انّى تسنى له ذلك ... يضحك بين قبلة واخرى .. بين لمسة واخرى.... ضحكة شيطانية منتصرة... بينما احدى يديه تثبت المسدس على خاصرتها....
امتدت ذراعه نحو كيرا وهو يزحف ببطئ قتل روحه ... فمدت يدها اليه هي الاخرى لكن دانيال كان قد غرس اسنانه في لحمها بحركة ماجنة... فصاحت وجعا وغرست اصابعها المتطاولة اليه في التراب تخربشه قهراً والماً....
عيناها الدامعتان ... جسدها المنتهك.... اصابعها التي كانت تمتد اليه ثم حُفِرت في التراب تقاوم هذا العذاب...... علقت كلها في عقله المشوش بوضوح تام... وضوح سيظل يعذبه حتى اخر عمره.....
صاح كأسد جريح.... كبطل سقط غدراً في ساحة المعركة...... ثم اخيرا وصلت يده الممتدة الى طرف قميص دانيال فتمسك به كمن يتمسك بالحياة وجره بما تبقى من قوته المتلاشية بعيدا عن كيرا.....
تدحرج دانيال وقد كان غافلاً عن ماتيو غارقاً في حلاوة كيرا التي منعتها عنه كل هذه المدة....
امتدت يد ماتيو نحو اصابع كيرا المغروسة بالتراب وانتزعها منه كمن ينتزع نبتة عن جذورها واخذها بين اصابعه .. وشد عليها بضعف.... نظرت اليه باكية... فأزداد اصابعه تشبثاً بها
نهض دانيال وهو يصيح هائجا وركل خاصرة ماتيو... صاح ماتيو لكنه لم يفلت اصابع كيرا التي ارتعبت ملامح وجهها لكنها لم تقوَ حتى على الصراخ ...
شتم دانيال: ايها الحقير السافل الـ.....
قاطعه صوت قادم من بعيد: ارمي سلاحك
التفت فوجد رجلاً يحمل سلاحاً يوجهه اليه ..... تعرف اليه الى الفور... من لا يعرف جوزيف ميلر... الأخ الأكثر شهرة في عائلة ميلر
وجه دانيال سلاحه نحو ماتيو وهو يصيح: اذا اقتربت سوف أقتله...
رفع جوزيف حاجبه: حسناً
في الثانية التي بعدها كان صوت رصاصة ينطلق ليصيب كف دانيال الممسكة بالمسدس.... سقط المسدس من دانيال وهو يصيح متأوهاً...
بخطوات سريعة كان جوزيف يعبر المسافة بينه وبين دانيال ليسدد له عدة لكمات متوالية ... انتهت بضربه على رأسه بمؤخرة مسدسه ليفقد الوعي....
صاح برعب وهو يرى حال اخيه: ماتيو هل أنت بخير؟
وراح يتفقد اخوه برعب ويحل وثاقه ... وهو يقول: الشرطة في الطريق... سأطلب الاسعاف.... واستل هاتفه بسرعة متصلاً بالاسعاف..
كان وجه ماتيو يحاكي الاموات شحوباً... لكنه همس: كيرا
التفت جوزيف نحو كيرا التي استفاقت من صدمتها ونهضت بصعوبة....
نزع جوزيف سترته ... وغطى بها جذع كيرا بعد ان تمزق قميصها.... ارتعش جوزيف خوفاً وهذا المنظر يذكره بمنظر انجل يوم خطفها مايسون... حل وثاقها هي الاخرى .. فأتجهت على الفور نحو ماتيو... انحنت عليه وهي تتلمس وجهه بجزع: ماتيو.. ماتيو ..
نظر اليها وقال بنفس مقطوع: انا اسف.... لقد سددت بك اخر ديوني
ونظر الى اخيه نظرة ذات مغزى ثم غاب عن الوعي.....
صاح جوزيف وكيرا في نفس الوقت بإسمه.... في تلك اللحظة جاءت الشرطة ... فنهض جوزيف كالمجنون وهو يصيح: أخي مصاب.. لقد طلبت الاسعاف لكنهم تأخروا
انتشر عناصر الشرطة والقوا القبض على دانيال الذي حين استفاق من ضربة جوزيف وجد نفسه مكبلاً وفي سيارة شرطة ....
بعد عشر دقائق وصلت سيارة الإسعاف.... واخذت ماتيو بينما رافقته كيرا لتطبيب جروحها ولحقهم جوزيف بالسيارة.... شكر الرب لأنه كان موجوداً في الشركة في ذلك الوقت المتأخر لإكمال بعض الأعمال فوجد ماتيو يدخل مسرعاً بوجه شاحب... شرح له ماتيو الموضوع بإختصار.. لم يستطع ثني اخيه عن الاقدام على هذه المخاطرة ولم يسمح له ماتيو كذلك بمرافقته خصوصاً وهو يتشبث بعقدة الحمائية العالية نحوه ونحو أنجل........ لم يرتح كثيراً لما يجري... اتصل به بعد نصف ساعة ولم يجب ثم مرت نصف ساعة اخرى وعاود الاتصال ليجد الهاتف مغلق... عندها دق ناقوس الخطر لديه.. اتصل بالشرطة واختصر لهم الحادثة وتعقبوا بدورهم مكان ماتيو من اشارة هاتفه الذكي... لم ينتظر ان تأخذ الشرطة دورها فقط... خوفه على ماتيو دفعه ان يذهب هو الاخر ليصل قبل الشرطة نظراً لسياقته التي تخطت حدود السرعة المسموح بها... وقد كان محقاً فيما فعله اذ انه وصل في الوقت المناسب تماماً........
كان يقود السيارة لاحقاً بالاسعاف مرتعباً... صلى ان يكون اخوه بخير.... فهو لن يحتمل ان يمسه شئ....شعر بوجع قاتل وهو يتذكر ما قاله ماتيو لكيرا بأنه سدد بها اخر ديونه ..... لقد كان يشير الى حادثة انجل ومايسون... والتي يرى ماتيو انه مسؤول عنها لأنها ارسله الى الحرب في المقام الأول.. ولولا الحرب لما قابل مايسون.... لكن أخوه الأحمق لم يفكر أبداً بأنه لولا تلك الحرب لما تعرف على انجل كذلك....... كيف يستطيع ان يقنع اخوه ان يترك عقدة الذنب التي تنتابه..... امتلأت عينا جوزيف بدموع لم تنزل... هذا الأحمق.. الا يعرف بأنه سامحه منذ زمن بعيد.. وأنه يفديه بروحه لو تطلب الأمر
همس جوزيف بتوسل: يارب ليكن بخير............
**********
نزل كايل من سيارته وهو يفرك عنقه... كان يوماً طويلاً في العمل.... ولكن أرهاقه الشديد لا يعود لإجهاد نفسه في العمل بل لإجهاد فكره في أرورا....... غداً ستكون جلسة طلاقهما..... منذ أن قررت أرورا انها تريد الطلاق عجز هو عن تحديد مشاعره تجاه مطلبها.... جزء منه كان لا يريد هذه النهاية لهما... ليس بعد ان اكتشف دفئها وجمالها الخاص... ربما تبدو أمرأة باردة عند النظرة الأولى لكن كلما امعن النظر اليها... وكلما امعن التفكير فيها وجد انها في الحقيقة ليست باردة على الإطلاق.... لقد جرب بنفسه اي دماء حارة تحمل في اوردتها.... ولقائهما البارحة اثبت لنفسه كم ان أرورا تعنيه.... حين نظر اليها... الى عينيها الزرقاوين الهادئتين ووجهها الخالي من الزينة وشعرها المصفف على شكلي ضفيرة طويلة زادته حنيناً ولوعة للمس شعرها.... لقد ادرك حينها كم انه مشتاق اليها.... وحين قبلها... اغمض عينيه يستذكر تلك اللحظة الأثيرة وتأوه بصوت خفيض.. لكم كانت جميلة... لكم كانت طرية وغضة ... لكم كانت مقاومتها لذيذة كإستسلامها بالضبط .. وكهمسها بإسمه بتلك الطريقة التي تخترق فيها عظام صدره لتنفذ مباشرة الى قلبه.......
انه يريد أرورا في حياته... ولا يريد تطليقها....ادرك هذا منذ اللحظة التي دخل فيها غرفته بعد غيابها بأيام وضاق ذرعاً بها.... وهي تعيد عليه شريط الذكريات... فما كان منه الا ان فتح خزانته ليلتقط قميصاَ نظيفاً يرتديه ويذهب للإقامة في شقته الخاصة.... لكنه حين هم بأخذ القميص المعلق وقعت عيناه على ثوب نومها الأسود الذي تركته صباحاً كدليل لجريمتها العاطفية..... جرت يده فوق القماش الرقيق متذكراً شكله على جسدها الجميل.... ودون تفكير استل الثوب... واخذ حقيبة صغيرة وضعها فيه مع بعض عطوره واشياءه الخاصة... والتقط مفاتيحه... وهرب.....
عاد من ذكرياته الى الواقع.... كان المصعد خالياً الا من وجوده... فرد يده ليتأمل علّاقة مفاتيحه ... لقد صنع من الدمية الصغيرة التي اشتراها علّاقة مفاتيح .... وتذكر كيف نظرت سكرتيرته الى الدمية بذهول وقد لمحتها تستقر على سطح مكتبه ... فقال كاذباً : انها هدية من مايا... عندها هزت السكرتيرة رأسها مقتنعة بتفسيره خصوصاً مع علم الجميع بتعلقه الشديد بإبنة اخيه
فكر بأنه في وضع لا يحسد عليه... من جهة فهو على علاقة بإمرأة احبها وأثارت جنونه لكنها متزوجة بالاجبار رجلاً اكبر منها بخمسٍ وعشرين عاما... ومن جهة أخرى فهو متزوج من إمرأة لأجل مصلحة عمل وفجأة وجد نفسه ينجذب اليها دون ان يستطيع ايقاف نفسه.... اذا كان ينجذب لأرورا فكيف يحب تارا؟ واذا كان يحب تارا فكيف ينجذب لأرورا؟ ....... هل حان الوقت ليعيد حساباته مع تارا؟ حتى وان كانت جلسة طلاقه غداً؟!!!!
خرج من المصعد.. ومشى بخطى ثقيلة نحو شقته في اخر الممر.... فتح باب الشقة واستشعر على الفور شيئاً غريباً... وسرعان ما ظهر هذا الشئ الغريب على شكل امرأة زرقاء العينين وسوداء الشعر
قال باستغراب: تارا
تقدمت اليه تارا ورمت نفسها على صدره وقبلته دون مقدمات..... بالعادة كان يحب تصرفاتها المجنونة ... وكان سيبادلها القبلة بأقوى... لكنه هذه المرة وقف مبهوتاً وذراعاه مرخيتان الى جانبيه وشفتاه لم تتحركا لتبادلها القبلة....
ابتعدت عنه وهي تقول بمرح: مفاااجأة
سألها: متى أتيتي؟
-قبل ساعتين... لم احجز في فندق .. جئت فوراً الى عشنا... طرقت الباب فلم اجدك... بالتأكيد خمنت انك ما زالت تقتل نفسك في العمل... من الجيد انني املك نسخة مفاتيح والا بقيت على العتبة انتظرك (تعلقت برقبته وهي تقول بغنج) ولم أكن لأمانع بالتأكيد
ثم عادت تقبله....... احساس غريب انتابه.... لا يشبه احساس الشوق الذي يعتريه بالعادة ولا احساس الاثارة.... احساس يشبه الضيق... ابتعد عنها وهو يقول: كان من الأفضل لو اتصلتي بي قبل ان تأتي
-لقد فعلت لكنك لم تكن تجيب على اخر ثلاث اتصالات..... (ثم حولت صوتها لنبرة عاتبة) ... ألم تعجبك المفاجأة
-ليس هكذا... لم اكن اتوقع حضوركِ هذه الفترة.... كيف سمح لكِ زوجكِ بالحضور؟
-هنا الاخبار السارة
صفقت بيدها بحماس وهي تقول: لقد قدمت اوراق طلب الطلاق.....
لربما لو سمع هذه العبارة منها قبل بضعة اشهر لكان طار فرحاً... لكن احساسه الان لا يمت للفرح بصلة...
-كيف حدث ووافق؟
-اوه لقد امسك عليه دليل تلاعب مع احد شركائه.... فكان سكوتي مقابل منحي الطلاق مع كافة حقوقي
اخذت وجهه بين يديها.. ونظرت اليه وقالت: أخيراً سأصير حرة.... وستصير حراً.... ويمكننا ان نكون معاً والى الأبد
شعر بالذنب لأنه لا يشعر بالسعادة.... نظر الى عينيها المكحلتين العاصفتين .. ولم يستطع الا ان يقارنها بعيني أرورا الهادئتين وكأنهما بحر في يوم صيف مشمش.... تفحص وجهها المثقل بالزينة وتذكر مجبراً وجه أرورا الشاحب بالفطرة الخالي من اي مواد تجميل.....
عادت تقبله... بجوع وبقوة .... وحاول ان يتجاوب... ان يذكر نفسه بأنها تارا التي احبها والتي عصى اوامر والده لأجلها... تارا التي قام معها بكل الأشياء المجنونة وتشاركا لحظات حب حارة.... رفع يديه لوجهها محاولاً مجاراتها... اصابعه تسللت بين خصلات شعرها القصيرة..... فاعادته ذاكرته بحنين الى خصلات شعر أرورا الطويلة جدا... الشقراء جدا.....
فشل في محاولة تجاوبه... فإبتعد..... استشعرت هي بروده فقطبت بعدم فهم...
ارتبك وقال معتذراً: اعتقد بأنني مرهق جدا... ربما سأكون افضل بعد حمام سريع...
ابتسمت بإشراق وقد ارضاها تفسيره: ولِمَ لا....
هرب من امامها... وبعد حمام سريع لم يساعده الا في منحه مساحة تفكير اكثر ارهاقاً وهو عاجز عن تفسير ما يحصل له ....
كانت تجلس على الأريكة تشاهد التلفاز.... حين رأته داخلاً... وضعت كفها على المكان الفارغ بجانبها وقالت له بغنج: تعال ايها الوسيم
ارتبك قليلاً وقال: ما رأيك لو تناولنا طعاماً خفيفاً
قفزت من مكانها: حسناً حضر الطعام بينما اخذ حماماً سريعاً....
هز رأسه ودخل الى المطبخ يحضر الطعام.... في تلك الاثناء كان يسمع صوت تحركاتها وهي تدخل الى الحمام وتخرج منه وسمع صوت مجفف الشعر... مختلطاً بدندنتها.... كل ذلك كان يحصل واحساس بالضيق يتعاظم داخله......
سمع طرقاً على الباب... طرقة واحدة فقط .. لكنه كان محتاجاً لأي شئ يلهيه... فأسرع نحو الباب وفتحها... ليقف فاغر الفم وهو يواجه أرورا .... ارتبك أمامها.. لا .. لا يمكن ان يكون حظه سيئاً الى هذه الدرجة... كيف عرفت مكان شقته؟ ولماذا اتت؟ ولماذا بهذا الوقت بالذات؟
نطقت هي اولاً: كايل
تزحلق اسمها من فمه مضطرباً: أرورا؟
ثم حدثت الطامة الكبرى.... سقط قلبه وصوت تارا يأتي من خلفه:
من على الباب حبيبي؟
نظر الى الصدمة على وجه أرورا... وشعر بضيق مخيف في صدره... وكان أحدهم امسك رئتيه وعصرهما وسد عنهما دخول الهواء....
التفت حيث كانت تنظر.... لكن الصدمة التي تلقاها كانت اكبر حتى من الوصف... كانت تارا ترتدي ثوب نوم أرورا.... اغمض عينيه بعذاب.. وود لو يهرع الى تارا وينزع عنها الثوب... كيف فتحت خزانته ووجدته؟ وكيف تجرأت ولبسته؟ هل ظنت انه اشتراه لها ؟ بالطبع! لا بد انها فكرت بهذا الشكل... فمن عادته ان يشتري لها الملابس..
عاد ينظر الى وجه أرورا الذي صار اكثر شحوباً من طبيعته.... ابتلع ريقه وتمنى ان تنشق الأرض وتبتلعه..... لا بد انها تظن الان بأنه منح ثوب نومها لتارا التي كانت غافلة او تتغافل عما يحدث اذ تقدمت نحوهما بابتسامة جميلة ومدت يدها تصافح أرورا قائلة: لا بد انكِ أرورا... مرحبا..... انا تارا.. تفضلي ، تفضلي
غلى دم كايل... وزحف سواد الغضب على وجهه... تارا تتصرف بوقاحة مدروسة مغلفة باللطف.... تقول لأرورا بصراحة انها صاحبة المكان ولها الحق في ان تدعوها اليه....
تلّبس وجه أروراالبرود.... قناعها المفضل لمواجهة المصاعب... اخفضت بصرها ثم اتسعت حدقتاها قليلاً وهي تلمح خاتم زواج تارا.... نظرت الى الخاتم ثم اليه وقرأ رأيها على وجهها بصراحة..... لقد كان وجهها ينضح احتقاراً .... وكم شعر لحظتها بالعجز والخجل والعار....
حولت نظرها عنه لتوجهها نحو تارا وقالت بابتسامة ثلجية: هذا صحيح انا أرورا، زوجته... (ثم ازدادت ابتسامتها صفاراً وبرودة) ولا بد انك عشيقته ....
نظرت اليها نظرة محتقرة... جعلت وجه تارا ينقلب من ملامح الترحيب الى الحقد...
فما كان من تارا الا ان قالت بنبرتها المرحة الخبيثة: هذا صحيح وزوجته قريباً بعد ان نتطلق كلينا...
عدا حركة عضلة فكها المتوترة لم يهتز شئ في ملامح وجهها وهي تحافظ على ثلجية تعابيرها: مبارك مقدماً... (ثم وجهت نظرها الى كايل وقالت بنبرة محتقرة) تليقان ببعضكما.... (ثم عادت تنظر الى تارا وتأملتها من فوق الى أعلى وقالت) ثوب نومي ناسبكِ تماماً...
بدت الصدمة على وجه تارا وهي تحول نظرها الى كايل الذي كان يتمعن في وجه أرورا بمزيج من الاحساس بالعار وبالهزيمة...
قالت له أرورا ببرود: أحببت ان اشكرك بنفسي على ما فعلته لأجل والدتي... اليوم فقط عرفت....
ثم استدارت عنه ماشية: اراك غداً في المحكمة... الى اللقاء تارا
...........
ما ان استقلت المصعد حتى سقط عنها قناع قوتها وفقدت توازنها... انهارت تجلس على الأرضية وهي تنفجر باكية.... لقد كانت ترتدي ثوب نومها ... هل وصلت به الصفاقة ليفعل هذا؟ ... تأوهت بتوجع وبصوت مسموع وهي تتلوى مكانها كأنها تعاني من ألم جسدي... لقد رأت لتوها المرأة التي تحتل قلب زوجها.... المراة التي قال لها في اول لقاء بينهما انه يحبها وهذا امر ثابت وابدي... وقد كان محقاً فهي جميلة جدا... تمتلئ طاقة وحياة... ووجهها مزين بدقة ... وشعرها مصفف على آخر موضة....... كانت عكسها تماماً... بينما تبدو هي شاحبة وجامدة بدت تارا مشعة وحيوية..........
خرجت من المصعد غير قادرة على درأ دموعها.... لم تهتم لحارس المبنى الذي رمقها بتعجب وهي تتعثر وتبكي بصوت مسموع.... عبرت الشارع دون ان تهتم ان كانت هناك سيارة مارة او لا.....
ثم سمعت صوته يناديها من خلفها... التفت على الفور فوجدته يركض نحوها... لم تهتم حتى بمسح دموعها او كتم نحيبها... لم تكن في حالة تسمح لها بفعل ذلك.. او فعل اي شئ آخر
وصل اليها لاهثاً وحين رآى حالتها تقلص وجهه ألماً
قال بصوت اعتذار وأسف: أرورا أنا........
لكن صوت صفعتها وهي تحط على وجهه اسكتته....
وقف مذهولاً.. لا يصدق انها صفعته فعلا
قالت له من بين دموعها
- كنت اظنكَ رجلاً حقاً... لا أصدق انني كنت حمقاء لهذه الدرجة
وضعت يديها على صدره تدفعه نحو الشارع بعيداً عن الرصيف
-لقد كنت الرجل الأكثر مثالية على هذا الكوكب بالنسبة لي.... كيف سمحت لنفسك ان تسقط من نظري الى هذا الحد
نظرت الى عينيه بعينيها المتورمتين: متزوجة؟ متزوجة يا عديم المبادئ.... وبثوب نومي؟
امسك بيديها واوقفهما عن دفعه وقال
-اقسم لم اعطها الثوب... لقد وجدته.. لم اعلم انها ارتدته
نظرت اليه بإحتقار: أتعرف كايل... أنا أعتذر لك
ظهرت الحيرة على وجهه فأكملت
-أعتذر لك لأنني لسنوات وسنوات أحببتك.... انت لم تستحق
شهق كايل متراجعاً فصاحت به
-ماذا هل اخافتك الكلمة... اوه نعم لقد احببتك كالبلهاء.... كان بإمكاني ان اختار رجلاً آخر لأتزوجه ... لقد خيرني ابي بينك وبينه ..... لكنني اخترتك.... وقد ظننت..... (ارتفع صوتها أكثر) ... أنك تستحق... ثم اكتشفتكَ بارداً وقاسياً لدرجة ان تصارحني بحبك لأخرى في أول لقاء لي معك
لكمته في صدره بقسوة بينما كان لا يزال مذهولاً من تصريحها
-لولا والدتي لكنت اطعمتك كلماتك مع السم.... ونفضت الطاولة في وجهك ونهضت..... (لكمته مرة أخرى) .... لقد طلبت لي طبق مأكولات بحرية وانا لا احبه .... طلبت بعدم ذوق.... كان علي ان اعلم من يومها اي رجل انت
نظرت اليه وما زالت دموعها تنهمر: لقد حطمت كل احلامي الوردية.... منذ الرابعه عشر وانا لا ارى سواك... كايل ميلر الرجل الأنيق الرائع... الرجل الرزين الهادئ... والذي كنت ارى في عينيه آثار عاصفة تلوح دوماً لكنها لا تهب........ لقد أردت أن اكتشف عواصفك واشاركك اياها..... لكنك كنت حقيراً بما يكفي لتصرح لكل من في البيت عن طبيعة علاقتنا.... وكنت حقيراً بما يكفي لتجري ورائي فقط لأني سلمتك جسدي.... وكنت حقيراً بما يكفي لتمنح عشيقتك المتزوجة ثوب نومي
تقدم اليها وهو يحاول استيعاب القنبلة التي فجرتها في صدره لتوها: أرورا........
قاطعته: اخرس....
رفعت وجهها اليه بكبرياء يليق بها: سأشفى منك كايل ميلر، وحين اتطلق منك غداً... سأخرج من باب المحكمة لأبحث فوراً عن رجل يستحق حبي له.... رجل محترم بحق.....
ثم التفتت عنه وسارت نحو سيارتها بتعالي وكأنها لم تكن منهارة قبل دقيقة فقط... تاركةً كايل خلفها مصعوقاً بتصريحها ووعدها !
*******************
-يوسف استيقظ.. يوسف.... يوسف
تقلب جوزيف في فراشه وهو يقول بصوت مثقل بالنعاس: لا اريد
ابتسمت انجل لعينيه المغلقتين بإصرار رافضاً ان يستيقظ...
اقتربت بشفتيها من اذنه وهمست : يوووووسف
فتح عينيه على همستها المغناجة... فوجدها تشرف عليه
-حسناً لقد ربحتي.... هل هناك عرض اغراء ام أنني استيقظت على لا شئ؟
ضحكت وانحنت تقبل شفتيه فبادلها القبلة وقد طار كل اثر للنعاس
رفعت وجهها فعلق: ننتقل الان الى الغرض الاساسي... هيا قولي
ضحكت مرة اخرى ... هذا الرجل يفهمها اكثر من نفسها...
نهضت من مكانها.. وهي تقول: هيا انهض
قال بتكاسل: ما بدي
-سجل يا تاريخ جوزيف ميلر نطق كلمة عربية صحيحة
قطب في وجهها مدعياً الانزعاج: هااااي اتركيني فهالي
هزت رأسها متأسفة: سجل يا تاريخ فرحتي لم تدم اكثر من ثلاث ثواني... اسمها "حالي"
-اذا انتهى درس الـ"أرابي" دعيني انام
انقلب على الجهة الأخرى مولياً اياها ظهره... هتفت محتجة: عربي... عربي....من اين جئت بالـ أرابي هذه؟
لم يجبها وهو يحتضن الوسادة..فما كان منها الا ان سحبت الغطاء من على جسده بقوة ... واثناء سحبها له اختل توازنها وهبطت على الأرض جالسة بقوة ....
صاحت: آآآآآآخ
هبّ جوزيف من مكانه واقفاً على السرير بيده الوسادة التي كان يحتضنها وهو يهتف: ما الامر
ما ان رأته واقفاً على السرير ببجامته الحريرية الزرقاء عاري الصدر حتى انفجرت ضاحكة وهي تمسد نهاية ظهرها بيدها
-تبدو من طرزان
رمى الوسادة من يده معترضاً: لقد افزعتني.... هل أنتِ بخير
هبط من السرير وانحنى يحيط خصرها بيديه ويرفعها لتقف...
-انا بخير حبيبي.... في المرة القادمة لا تلف الغطاء حول جسدك مثلما يلف ورق العنب الرز...
-هل تقصدين بأنني دوليمااا؟
شملته بنظرتها وهي تتأمل جسده الرجولي وحركت حاجبيها على الأعلى والأسفل بحركة لعوب: في الحقيقة من موقعي هذا اراك "بقلاوة" وليس دولمة
سأل: وما هذه الـ"باكلاوااا"؟
-البقلاوة نوع من الحلويات المشهورة .. اما البكالاوا فهذا اسم جديد لقبائل من الهنود الحمر على ما اعتقد....
لوحت بذراعها نحو الباب : هيا تعال معي... كل هذا العرس لأجل ايقاظك
نظر الى ساعة الحائط ثم اليها
-اين ستأخذينني في الساعة الثالثة فجراً؟
-الى مكان مظلم واسلبك اعز ما تملك
رفع حاجبه: انت تسلبينه كل ليلة منذ خمس سنوات
اعترضت: هاااااي ليس كل ليلة .... من اين جئتني بهذه التهمة
-يا حبيبتي انها شهادة تفوق وليست تهمة
-هل ستأتي أم انادي بازونة وتكون الاريكة حصتك
فرك رقبته ونظرات ذعر كاذبة ترتسم على وجهه: لااااااا... الا الاريكة.... سآتي معكِ بالتأكيد جنرال انجل ميلر
رمقته بنظرة جانبية ولفت الروب حول جسدها وامسكت بيده وجرته خلفها....
نزلا الى الطابق السفلي واتجها نحو المطبخ
همس لها: ماذا؟ هل سنسرق مطبخ بيتنا؟
اجابته هامسة هي الاخرى: هه هه مضحك جدا
دخلا المطبخ .. فوقف على عتبته مذهولاً...
كان المطبخ يشتعل بشموع صغيرة ... وعلى طاولة المطبخ يوجد صحن ملئ بالدولمة
نظرت اليه وهي تبتسم برضا..... لقد فعلت هذا لأجل ان تقلل من توتر الايام السابقة الذي كاد يفتك به.... منذ اصابة ماتيو ويوسف يبدو هائماً على وجهه مثل روح تائهة... يمثل التماسك لكنها وحدها تعلم كم هو منهار داخلياً.... خصوصاً مع حديث ماتيو عن تسديد ديونه ... رغم انها ويوسف قد سامحا ماتيو ونسيا تقريباً كلما حصل.. وفتحا معه صفحة جديدة بعد ان تخطيا الأمر... لكن يبدو ان ماتيو ما يزال يعيش تحت وطئة الذنب.... وقد اثقلت قلب يوسف هذه الحقيقة.... الخوف الذي رأته في عينيه وفي توتره طيلة تلك الأيام جعلها تشفق عليه رغم انها كانت تماثله خوفاً وتوتراً... فماتيو جزء من عائلتها وهي تحب كل فرد فيها بشدة... ماتيو اللعوب الذئبي النظرات ... ماتيو المضحك المجنون... ماتيو الطيب والذي يعيش عقدة ذنب ازلية.... ماتيو اخوها ......
حين استيقظ اخيراً من العملية والتي استغرقت ساعات طويلة لاستخراج الرصاصتين وتعويض ما نزفه من الدم.... تنفس الجميع الصعداء... لكن الضغط لم يقل حتى صباح اليوم حين تحدث اليهم قليلاً... ثم اختلى بكيرا التي لم تفارقه ... عندها فقط عادت هي وجوزيف الى البيت... بينما عادت تينا الى شقتها كالعادة وفضل كايل ان يذهب الى شقته هو الاخر حيث اصبح يقيم فيها بشكل شبه دائم خصوصاً بعد طلاقه والذي صادف بعد يوم واحد فقط من حادثة ماتيو.....
دخل جوزيف الى المطبخ بقدمين حافيتين وصدرٍ عاري.. وتحت ضوء الشموع بدا اكثر كمالاً واكثر جاذبية.... خرجت روحها من جسدها تمتزج بروحه .... نظر اليها بعينين متأثرتين
-متى صنعتي الدوليما؟
ابتسمت: حين كنت نائماً...
-ألم تنامي؟
-لا.... فكرت انك ربما تحتاج لشئ مفرح بعد كل هذا الضغط
اقترب منها واخذ يديها بين يديه... التقت غابة الجوز ببحر الفيروز.... وابتسم لها ابتسامته الرائعة وارتفع طرف زاوية فمه اكثر من الطرف الاخر .... لطالما خلب لبها بهذه الابتسامة
-اتعرفين أنجل... كلما قلت انني وصلت للحد الاقصى في حبك.. أجد أنني احبكِ أكثر
افلتت يديها من بين يديه ومدت ذراعيها تعانقه.... تشبثت به وذقنها يستقر على كتفه
-أحبك جوزيف ميلر
هذه احد المرات النادرة التي تناديه بإسمه الأمريكي...
شد ذراعيه حولها
-أحبك ملاك رعد
وكانت هذه ايضاً احد المرات النادرة التي يناديها بإسمها العراقي...
ابتعد عنها اخيراً وهو يقول بمرح: لم يكن هناك من داعي للشموع.. الدوليما وحدها كانت ستخطف قلبي
ضحكت: ايها الأكول.... وتقول عن نفسك رشيق...
جرت يده على بطنه المسطحة : طبعاً انا راشيييييك
انحنت تقبل بطنه بحركة سريعه وعادت تستقيم بينما أظلم الفيروز بعينيه بعاطفة جياشة
قلدت طريقته كلامه: بالطبع انت راشييييك... هيا لنأكل... رائحة الدولمة اخترقت مشاعري
جلسا معاً يتناولان الدولمة ... ويتحدثان همساً خوفاً من ايقاظ العاملين.... لم يكن جوزيف سيرحب بفكرة ان يراه العاملون عاري الجذع حافي القدمين وزوجته هي الاخرى حافية القدمين بثوب نوم مختصر يستره روب طويل...
حين انتهيا قالت له: يوسف... لقد قررت شيئاً ما
-ما هو حبيبتي
-اريد ان اقوم بعملية تجميلية لـ....
قطعت جملتها لكنه فهم انها تعني اثار الجروح التي تسبب بها مايسون على صدرها وفخذها
-أتعلمين لماذا لم اطلب منكِ أن تقومي بعملية تجميلية من قبل؟
-لماذا؟
همس بوجع: حتى اتذكر في كل مرة أرى فيها جراحك بأنني لم اتمكن من حمايتك... هذا عقابي
امسكت بيده وشدت عليها وهي تقول وقد بدا على وجهها الالم: لا تقل هذا يوسف... لقد حميتني بروحك وما زلت تفعل...... انا لم افكر في اجرائها سابقاً لأنني لم اكن اريدك ان تظن بأن رؤيتها توجعني وان ذكرى ذلك اليوم تقض مضجعي... لكن...
نظرت الى عينيه الحزينتين وابتسمت: لكنني اريدها ان تختفي.... كأنها لم تحدث اصلاً... هكذا ليس علي ان اثبت لك ان ذكرى شئ لم يحصل من الاساس ما عادت توجعني..... كما انني مصرة اكثر الان... ان كنت ترى الاثار عقابك... فلن اسمح لك ان تعاقب نفسك على شئ لم يحدث....
-هل أخبرتك يا انجل بأن روحي تحبكِ جداً؟
-مرات ومرات حتى مللت
ضحك وقد التقط محاولتها لتغيير المزاج الحزين الذي اعتراهما
-الحق على من يخبرك..... روهي ياالااا
اعترضت: نعم نعم؟
-روهي روهي
ضحكت وهي تقترب منه وهمست قرب شفتيه وهي تفسر كلمته بغير تفسيرها: وانت هياتي هياتي
تنفس بصوت عالي وهو يقطع الشعرة الفاصلة بين شفتيهما.. ويقبلها...... بعد لحظات رفع رأسه قائلاً بصوت اجش: من الأفضل أن نصعد الى غرفتنا...
-من سيرتب هذه الفوضى؟
حملها بين ذراعيه: دعيني ارتب فوضى قلبي أولا... ثم انزل وارتب هذه الفوضى بنفسي.. اتفقنا
تعلقت برقبته: جداً
...................
***********
خرج صخر من مبنى الشركة يمشي ببطئ وهو يشعر بألم مخيف في ساقه..... كان شهر رمضان على وشك ان ينقضي.... صومه ادى الى تخلفه عن موعد دوائه في فترة النهار مما سبب له اوجاع يومية في ساقه المصابة....... كانت كل الأوجاع الجسدية لا تساوي شيئاً أمام وجع روحه.... دخل الى السيارة وأمر سائقه بأن يعود به الى الشقة..... القى رأسه الى الخلف.... واخذ نفساً عميقاً...
(زنبق .. آآآآه يا زنبق.... يا وجع قلبي ... يا قاتلتي وقتيلتي... يا اعمق أسراري... وأكثرها عتمة...... ايتها المرأة التي هزمتني دون اي جهد.... ماكان علي ان افعل لأنتزعكِ مني؟ ما كان علي ان افعل لأشفى منك... انا المريض دوماً بك... المجنون بحبك... العاشق لك.... ايتها المرأة التي تختصر تاريخ حقدي ورحمتي.... حبي وكرهي..... سعادتي وحزني.... يا امرأتي انا.....
كسرني حبكِ أمام نفسي... وما عدت أعلم كيف يمكنني أن أتعايش مع حقيقتك.... لكنني بت أعلم جيداً أنني لأن أستطيع ان اتعايش مع عالم لستي فيه........
لكم أحببتك.... وما زلت.... فلتضحكي كثيراً يا حبيبتي..... لقد كسبتي الحرب منذ النظرة الأولى ... وحتى النظرة الأخيرة)
قاطع حديثه مع نفسه صوت هاتفه... اجاب بصوت مرهق: هل من اخبار؟
كان قد طلب من مخبره ان يفتش في كل معارف زوجة جوزيف ميلر في العراق..... فالمنطق يقول انها هي من ساعدتها لتهرب ولا بد ان احد معارفها هناك استقبلها..... وقد توصل بالفعل الى البيت الذي كانت تسكن فيه انجل... لكن زنبق لم تكن تعيش هناك ... مع هذا طلب منه مراقبة المكان علها تزور البيت...
-سيدي لقد جائت السيدة لزيارة البيت... وقد لحقتها واخذت عنوان سكنها... تسكن في نفس المنطقة على بعد بضعة احياء
انتفض صخر غير مصدق .... وقال بسرعة: أرسل الي العنوان
وفي ظرف ربع ساعة كان صخر قد حجز طائرة الى العراق.... كانت فكرته عما سيفعل واضحة ...سيذهب اليها... سيأخذها بين ذراعيه... وسيقول لها بأنه يحبها أكثر من نفسه... ثم سيعود بها الى هنا
طوال الرحلة كان يشعر بألم في ساقه .. دلكها بإرهاق وطلب من المضيفة كأس ماء.... احضرته له فشرب دوائه... واطل بوجهه من النافذة..... كان يعلم انه يقوم بأصعب اختيار في حياته... اختيار بين القلب والعقل... بين رجولته وكرامته وبين المسامحة والمضي قدماً..... لكنها ما ان رحلت عنه حتى ما عاد يشك... لقد انتصر قلبه ومسامحته..... لا شئ في العالم يستحق ان يتعذب كل هذا العذاب وهو بعيد عنها..... لتكن امامه .... بين ذراعيه... تحت جناحه... زوجته امام الله .... وبعدها لا يهم اي شئ او اي احد... سيسعى لينسى معها كل الماضي.... سيبدأ معها من الصفر... ستنتهي اجراءات الطلاق مع صوفيا قريباً... ثم سيتزوجها قانوناً.... ويخرج بها الى الناس... سيخاطر بكل شئ لأجلها..... فقط كل ما يحتاجه هو ان ينظر الى عينيها الربيعيتين ويرى فيهما الحب الذي حاول كثيراً أن ينكره......
حين وصل أخيراً..... كانت بغداد التي لم يرها منذ سنوات هادئة جداً على غير العادة .... شعر بأنقباض في قلبه.... شئ ما لا يعرف له تفسير..... كان الرجل الذي يحقق في امر زنبق في بغداد ينتظر في سيارته ... وهو الذي تعرف عليه من صورة بعثها اليه المحقق في امريكا في وقت سابق.... اذ هتف: سيد صخر؟
تقدم نحوه ببطئ... والألم في ساقه جراء ساعات السفر الطويلة يزداد شدة....
مد يده مصافحاً: أهلا سيد رحيم
-اهلا بك سيد صخر....
بدا الرجل مضطرباً وبشدة
-هل هناك شئ؟
ابتلع الرجل ريقه وقال بنبرة أسف: لا اعرف كيف أقول لك هذا ...... لكن السيدة نور علي التي كلفتموني بمراقبتها.... دخلت البارحة ليلاً تجمع تجاري في الكرادة .... وقد حدث انفجار عظيم ادى الى قتل المئات واحراق المباني.... وقد وجدت هذه بين الاغراض التي تم عزلها للتعرف على الضحايا....
وقدم له بطاقة شخصية ملطخة بالدم... غير ان صورتها كانت واضحة جدا.... كأنها تتحداه ان ينكرها....
قال الرجل بصوت متعاطف: تعازيَّ الحارة سيد صخر...قراءة ممتعة..
يتبع...
أنت تقرأ
رقصة سما(الجزء الثاني من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملة
عاطفيةرواية بقلم المبدعة بلقيس علي(مشتاقة) الجزء الثاني من سلسلة حـــ"ر"ــــب حقوق الملكية محفوظة للكاتبة بلقيس علي