الحلقة الثالثة عشرة

358 14 64
                                    

"أحيانًا تضطرك الحياة لأن تكون شخصًا آخر غير الذي كنت عليه من قبل، تجعلك شخصًا غريبًا غير الذي اعتدت عليه دائمًا، تُخفي ما بداخلك وراء قناع جَلفٍ من البرود واللامبالاة، من يراك يرى شخصًا باردًا كالصقيع ذو قلبٍ قاسٍ لكنه وللأسف لم يرَ ما بداخلك أبدًا، لم يُكلف نفسه حتى أن يعلم لِمَ أنت هكذا؟!
وما السبب الذي جعلك بكل تلك القسوة؟!
لم يُكلف نفسه لمعرفتك جيدًا، لأن الجميع دائمًا يأخذون بالمظهر أمامهم ولا يُحملوا أنفسهم عناء معرفة ما بداخلنا أبدًا، ربما قلبك يأن من الألم ويصرخ طالبًا للسكينة والمساعدة؛ ليخرج من الظلام الذي جعلك العالم تغوص به ويحترق من كثرة الآلام به، لكن من يعلم بكل هذا؟!
للأسف لا أحد..."
بلندن وبمكان قريب نوعًا ما من الغابة نرى أمامنا قصرًا مهيبًا على الطراز الإغريقي، تُحيط به الأشجار بكل مكان سوره عالٍ كثيرًا يرتفع عن الأرض بخمسة أمتار، فناءه شاسع على مساحة كبيرة مليئة بالأشجار العالية والنخيل وبوابته الخارجية ذات ارتفاع شاهق يصل لسبعة أمتار، والتي دلفت منها سيارة مارك وأيشا التي انبهرت بجمال تصميم هذا القصر.

كانت سيارتهم تسير على ممر من الرخام والذي يُوجد على جانبيه طريق مائي واسع، كانت أيشا تلتفت حولها بانبهار شديد لا تعلم ماذا سترى من كثرة جماله، رأت على جانب القصر الأيمن مبنى آخر كبير أيضًا ولكنه يُعتبر نصف حجم القصر، جدرانه من الحجر الهاشمي الأبيض ولكن تم تجميل بعض جدرانه ونوافذ بالزجاج غير الشفاف، ليبدو بمظهره الخارجي كأنه مبنى من الكريستال، والذي أخبرها مارك أنه مكان تدريبهم لتبتسم برضا وتنظر أمامها لهذا القصر الكبير والذي من يراه يشعر بالرهبة من ارتفاعه ولكنه رائع، مكون من ثلاث طوابق مبني من الحجر الرملي باب مدخله مكون من أربع دِرَف من الخشب المتين ذو اللون البني، ومدخله مؤكد بأربعة أعمدة إغريقية تأخذ شكلًا دائريًا على نصف دائرة لسلالم المدخل.

بمجرد وصولهم للقصر التفت بهم السيارة بممر دائري حول نافورة من الماء كبيرة يُحيط بها بعض الشجيرات، توقفت السيارة ليهبط منها مارك وأيشا التي مازالت تنظر أمامها لهذا الصرح الكبير، اتجهوا نحو الداخل ومارك يُريها كل مكان بالقصر كما أنه خصص لها وحدها جناحًا كبيرًا بالأعلى، به حمام سباحة كبير خاصًا لها لتأخذ راحتها دون إزعاج أحدهم، وبعد أن انتهوا نزلوا للأسفل وأمر الخدم بترتيب ملابسهم بغرفهم، وجلس هو وأيشا بغرفة المعيشة ليتحدثا سويًا عن الأيام القادمة ليبدأ مارك الحديث قائلًا لها:
_ أيشا!! أتمنى يكون القصر عجبك.
نظرت له ومن ثم ابتسمت قائلة:
_ جدًا ده روعة.
ابتسم لها ومن ثم أردف بجدية قائلًا لها:
_ دلوقتي يا أيشا احنا هنبدأ النهاردة وعاوز أفهمك على كل حاجة قبل ما نبدأ.
أومأت له أيشا بإيجاب ومن ثم قالت له بتأكيد:
_ تمام.

استكمل مارك حديثه قائلًا لها:
_ أولًا حابب أقولك بما إنك هتكوني شخص من فريقي وهتنضمي للمافيا فلازم تكوني شخص تاني غير اللي اتعودت عليه، يعني عواطفك لازم تشيليها لأن شغلنا مفيهوش عواطف لازم تكوني شخص من غير قلب، ميكنش عندك نقطة ضعف متتأثريش بأي حاجة تحصل قدامك، دي أول حاجة تاني حاجة التدريب هنا هيكون صعب جدًا لأني هدربك على كل حاجة يعتبر عاوزك بعد كده لما تتضربي من عدوك ميأثرش فيكي، تكوني زي الأسد قدامه واعرفي دائمًا إن وقت ما تقعي أو تيأسي عدوك هيقوى، فعاوزك مهما اتعرضتي لضربات تفضلي ثابتة، واهزمي عدوك وأنتي مبتسمة اوعى تبيني خوفك لأي حد تمام؟
أومأت له أيشا بإيجاب وهي تقول له بهدوء:
_ تمام موافقة.

استغرب مارك من إصرار تلك الفتاة على قرارها لا يُثنيها شيء، حَقًّا إنها لفتاة قوية رغم ما تتعرض له إلا أنها مازالت ثابتة كالجبال لا يُزعزعها شيء مهما كان، ليهز لها رأسه بموافقة ومن ثم يقول لها:
_ تمام يالا اطلعي غيري هدومك وانزل علشان ناكل ونبدأ.
_ تمام.
لتتركه وتذهب لغرفتها وتغتسل وترتدي ملابس رياضية للتمرين وحذاء رياضي وتهبط للأسفل، لتدلها إحدى الخادمات على مكان غرفة الطعام فتذهب إليه لتجده يجلس على مائدة طويلة، يرتدي تي-شيرت ذو لون أسود وبنطلون من الجينز ويرفع شعره بقصة جذابة، ابتسمت له فحَقًّا كم هو وسيمًا ولكنه لا يستهويها، اتجهت نحوه وجلست بجواره على المائدة ومن ثم أحضر الخدم الطعام ليبدئوا بتناول طعامهم حتى يذهبوا لبدء تمرينهم
*******
بقصر الجارحي اتجه حسام بغضب نحو تلك التي تشبثت بأحضان رعد وكأنها تحتمي به منه، شعر بقلبه يحترق بمجرد رؤيته لها هكذا وعندما وصل إليها أمسكها من يدها وهو يقول لها بغضب:
_ أنتي إزاي يا هانم تحضني واحد كده ها قولي لي؟
فغرت فاهها مما يهذي به هذا ما به؟! ولِمَ يفعل هذا؟!
حَقًّا هي لا تفهمه لو كان يُحبها لحلقت للسماء من كثرة سعادتها بغيرته، ولكن هذا ليس صحيحًا فهو لا يُحبها ولا سيُحب غير تلك الفتاة التي تقف خلفه فهذه الفتاة تبغضها وتتمنى لها الشر، هذه الفتاة التي تزوجها ولم يعلم عما تُكنه له من حب وعشق منذ الطفولة، لم يُلاحظ رغم أن العالم لمح مدى حبه على وجهها ولمعان عينيها التي انطفأت الآن عندما كانت تراه، لم يُلاحظ كل هذا والآن يُحاسبها على شيء لا دخل له به، ليفور بركان غضب بداخله لو أُطلق له العنان لأحرقه بموضعه من هو ليفعل هذا؟!

كانت ستُجيبه برد لاذع إلا أن رعد الذي حاوط خصرها وقربها منه، ونظر لحسام بتحدٍ وقال له ببرود لا يظهر إلا عند ضيقه:
_ امم وأنت مالك تحضن وإلا لا؟! مين أنت علشان تسألها؟!
بهت حسام من إجابته كان ينتظرها هي لتُجيب حتى يُخرج تلك الحمم التي تفور بقلبه عليها، لكن هذا الرعد هو من أجابه وضربه بإجابته تلك بالصميم من هو حَقًّا بالنسبة لها ولِمَ يفعل هذا؟!
ولكن أكثر ما أغضبه هو تطويق هذا الرعد لخصرها وتشبثها به حَقًّا أصابته بمقتل، ليقول له بارتباك:
_ أنا صاحب أخوها وفي مقام أخوها لأن متربي معاهم، فمن واجبي إن لو شفتها بتحضن راجل غريب أمنعها.
ابتسم رعد بمكرٍ ومن ثم قربها منه بشدة مما جعل حسام يغضب بشدة، وكان سيقترب منه ليضربه ولكن تحكم بنفسه بصعوبة ليقبض يده بشدة، ليقول له رعد:
_ ومين قال لك إن أنا غريب!! أنا رعد ابن عمها.

ارتاح حسام قليلًا ولكن هذا لا يُعطيها الحق لتحتضنه هكذا، ليقول بدون وعي لمن حوله ولا بتلك التي نظرت له بذهول من تصرفاته:
_ برضو أنت ابن عمها مش محلل لها إن تحضنك كده.
نظر له رعد بملل ومن ثم قال له ببرود:
_ برضو ده ميدكش الحق إن تتكلم واحدة وابن عمها إيه دخلك أنت؟!
كان سيقترب منه حسام للكمه وإفراغ غضبه منه إلا من أخمد غضبه صوت آدم وهو يقول لهم:
_ خلاص يا شباب تعالوا علشان ناكل.
التفت له حسام بتعجب منه ليقول له آدم بغضب دفين وبعينيه شك سيجعل حسام خاسرًا إذا أطلقه:
_ وأنت يا حسام مفيش حاجة رعد مقرب من هاجر جدًا، ويُعتبر صديق طفولتها وأخوها ومفيهاش حاجة لو حضنته تمام؟!

غضب حسام من نفسه لِمَا فعله والذي زرع الشك بقلب صديقه وزوجته التي تنظر له بغضب، ليُومئ برأسه بإيجاب غير واعٍ لحديث آدم ولا يتردد بعقله سوى "مقرب من هاجر جدًا"، قلبه يحترق عليها لكنه عاجز عن فعل أي شيء فهو ليس له الحق بهذا، ليقول لصديقه:
_ اه تمام.
_ تمام تعالوا.
اتجه حسام لمقعده وجلس وهو يُراقب هذا الشخص وهو يُواسي هاجر ويُربت على ظهرها، وما جعل الأمر يتعقد هو تقبيله لها من رأسها حَقًّا يحترق قلبه لا يجب أن يبقى هنا طويلًا، فإن بقي هنا بالكاد سيتحكم بنفسه وسيقتل هذا الرعد لا محالة.

التفت آدم لرعد واتجه نحوه بسعادة ليحتضنه بشدة بعد أن خرجت هاجر من أحضانه، ليقول له بشوق:
_ رعد وحشتني والله يا ابني ليه الغيبة دي كلها؟!
خرج رعد من أحضانه وربت على كتفه قائلًا:
_ وأنت كمان والله أعمل إيه الشغل بقى.
وهنا جاء دور هاجر لتتحدث قائلةً له بعتاب:
_ شغل!! شغل إيه يا رعد اللي يخليك تبعد عننا عشر سنين كده هونت عليك تسيبني؟
أحاط رعد كتفيها وقال لها بتبرير:
_ والله يا حبيبتي غصب عني أنتي عارفة إني سافرت مع ماما علشان أكمل تعليمي في ألمانيا، ولما خلصت كان لازم أهتم بشغل بابا فمعرفتش أجي فسامحيني علشان خاطري.
نظرت له هاجر بحزن فكيف ستقول له أنها كانت تحتاجه بجانبها بأكثر وقت كان عصيبًا عليها؟! كيف ستقول له أنه الوحيد الذي تحكي له كل ما بقلبها وليس شقيقها فهو من يفهمها؟!
لتقول له بهدوء:
_ تمام.

أدرك رعد أنها مازالت حزينة ولم تُسامحه كما أنها ليست كما بالسابق، حيويتها اختفت ومشاغبتها أيضًا ابتسامتها مصطنعة وعينيها انطفأ بهما المرح تُرى ما به حبيبته؟!
نفض تلك الأفكار جانبًا وأجلها لوقتٍ آخر عندما يكونا سويًا ليعرف كل ما بها، أفاقه من شروده صوت مقرب لقلبه كثيرًا وهي تقول له بعتاب:
_ امم بقى كده يا رعد تنسى سميرة حبيبتك ماشي أنا زعلانة.
التفت لها وقال بطريقة درامية وهو يُبعد هاجر عن طريقه برفق ويضع يده على خده:
_ يا لهوي عليك يا رعد أوعى يا بت كده، بقى أنا أنساكي يا سمسم ده أنتي الحب الأول ليا هاتي حضن لحبيبك بقى.
ضحكت سميرة على طريقته فهو مهما كبر سيظل هذا الشخص المرح الذي كان عليه قديمًا، لتقول له بشوق:
_ تعالى يا حبيب قلبي.
ليرتمي بحضنها بشوق وهو يقول:
_ وحشتيني قوي يا سمسم ووحشني حضنك.
ربتت على ظهره وهي تقول له بحنان:
_ حبيبي وأنت كمان.

خرج من حضنها وقال بمرح وهو يدور برأسه حوله لتقع عينه على مائدة الطعام:
_ امم ووحشني أكلك برضو عادي.
لتنفجر سميرة وهاجر بالضحك عليه لتقول له سميرة:
_ اقعد يا حبيبي وأهو أديك جيت وهتاكل من ايدي كل يوم.
ابتسم لها رعد ومن ثم قال:
_ امم حبيبتي والله بس هو فيه حاجة أنا للأسف مش هعيش هنا يا سمسم.
أردفت هاجر قائلةً:
_ نعم!! وليه بقى إن شاء الله هتروح فين؟!
التفت لها وهو يقول لها:
_ اهدي وعرق الغباء عندك متخلهوش يطق كده اصبري.
_ أهو أديني صبرت قول.
_ بصي يا ستي أنا هعيش أنا وماما في فيلا اشتريتها وهتكون قريبة من شغلي تمام؟! ومتخافيش يا ستي هاجي لك كل يوم حلو كده؟!
قالت له هاجر على مضض:
_ تمام.

اتجه رعد نحوها وأمسكها من يدها وقال لها وهو يجرها خلفه:
_ متزعليش بقى وتعالي ناكل علشان ريحة أكل سمسم هتموتني وأنتي عمالة ترغي وأنا جعان، لأن خرجت من المطار وصلت ماما عند خالتي وسبتها وجت لك على طول فاقعدي بقى واتهدي.
ضحكت هاجر ومن ثم قالت له:
_ تعال يا حبيبي كل يالا.
جلس الجميع وجلس رعد وبجواره هاجر وبدأ الجميع بتناول طعامه، ولا يخلو الجو من مشاغبة رعد وهاجر ليجعلها تعود لشخصيتها السابقة ولو قليلًا، وحسام يكاد ينفجر من الغيظ منهما غافلًا عن تلك التي تجلس بجواره وتنظر لذاك الوسيم الذي يترأس المائدة.
********
بفيلا الكيلاني كان الوضع مختلف عندهم بغرفة علا كانت تجلس حزينة مما فعله يزيد معها اليوم، وهو يقف أمامها يُحاول محادثتها وأن يُرضيها ولكن لا حياة لمن تنادي فهي قد أخذت قرار معاقبته بأكثر شيء يكره، قال لها بإلحاح:
_ يا علا ردي عليا يا حبيبتي بقى بالله عليكي، سامحيني بقى.
لم تُجيبه لينفخ بضيق وهو حزين على حزنها ليقول لها بهدوء:
_ طب بصي أقولك زعقي فيا أو عاتبيني بس بلاش تسكتي، أنا مش بحب أشوفك ساكتة وحزينة كده بالله عليكي كلميني كلمي يزيد حبيبك.
كان جوابها هو الصمت نفسه لينظر لعينيها بحزن ويقول لها:
_ طب إيه هتخليني أنام زعلان كده وكمان لسه مأكلتش علشان أنتي مأكلتيش أنام كده وأنا جعان؟!

نظرت له بعينين دامعة ونطقت أخيرًا قائلةً له بعتاب:
_ ليه كده يا يزيد متاكلش يا أخي مش مهم زعلي بس متعملش كده في نفسك.
كور وجهها بين يديه وهو يقول لها بحنان:
_ حبيبتي أنتي عندي أهم من أي حاجة حتى نفسي، أنا مش بحب أشوفك زعلانة بالله سامحيني علشان أرتاح لأني كده بموت من زعلك ده.
عادت خيمة حزنها تُسيطر عليها من جديد ولكن هذه المرة قالت له ببكاء:
_ يزيد أنت زعقت لي وأنت عارف إني بخاف من الصوت العالي، ومع كده زعقت أنا بقيت بخاف منك مع إنك كنت الوحيد اللي بطمن له.
احتضنها يزيد فورًا وشدد على حضنها وقال لها وهو يُقبل جبينها:
_ حبيبتي أنا آسف بالله عليكي سامحيني مكنش قصدي أعمل فيكي كده، بس مكنتش عاوز صورتك قدام حد تتشوه لكن ردي فعلي كان غصب عني غلط سامحيني يا قلب أخوكي.

ارتفعت شهقاتها ليُشدد من ضغطه عليها وقال لها بحزن:
_ خلاص يا حبيبتي أنا آسف متعيطيش عياطك بيقتلني يا علا.
ظل يُربت على ظهرها ويُهدهدها كالطفل الصغير إلى أن هدأت، وخرجت من حضنه وهي ترفع عينيها له لتقول له ومازالت دموعها تهبط:
_ يزيد بالله عليك ما تعمل كده تاني لأن المرة الجاية مش هكلمك خالص.
هز رأسه بإيجاب قائلًا:
_ حاضر يا حبيبتي مش هعمل كده تاني خالص.
لتمسح علا دموعها بملابسها كالأطفال وأردفت قائلةً له:
_ طيب ماشي هات لي بيبسي واندومي بقى يالا روح.
فغر فاهه وجحظت عينيه من هذه الطفلة ليقول لها بغيظ:
_ نعم هو مش أنتي كنتي زعلانة دلوقتي؟! وبعدين أول مرة أشوف واحدة بتحب الحاجات اللي بتضرها مش عارف إيه ده؟
نظرت له بغيظ وقالت له:
_ يعني تزعلني ومش عاوز تدفع ده إيه الأخ ده صحيح الاخوات في أجازة.

لمعت عينيه بسعادة وقال لها بلهفة:
_ طالما هزرتي يبقى سامحتيني صح؟!
ضحكت علا على مظهره وقالت له بحب:
_ أكيد يا حبيبي هو مين لي غيرك ده يزيد حبيب قلبي.
صرخ بسعادة وحملها من موضعها وظل يدور بها، فأخيرًا قد سامحته بعد مدة طويلة، قال لها بسعادة:
_ أخيرًا سامحتيني الحمد لله بت أنا بحبك قوي.
ابتسم علا وهي بين أحضانه قائلةً له:
_ وأنا كمان بحبك قوي يا أفضل أخ في العالم ده، ربنا يديمك ليا يارب.
قبل جبينها بحب ومن ثم أنزلها وهو ينظر لها بسعادة لتقول له:
_ يزيد بالله هات لي بيبسي واندومي علشان خاطري أنا مش بجيبه إلا مرتين في الشهر.
تنهد بقلة حيلة وقال لها بنفاذ صبر:
_ حاضر هجيب لك بس تتنيلي تخلي بالك وأنتي بتعمليه أحسن لو أمك شافتك هتمرجحنا أقسم بالله.
لتقول له بثقة:
_ عيب عليك ده أنا أحسن مين يخبي آثار الجريمة.
أجابها بسخرية:
_ اه أنتي هتقولي لي آخر مرة قفشتك كنا هنموت فيها وأبوكي كان هيقتلنا.

ضحكت علا بشدة عندما تذكرت ما حدث لتقول له بضحك:
_ صح ووقتها قالت لنا ابقى شوفوا مين هيعشيكم ونامت ومأكلناش وقتها بابا كان هيموتنا، وعقابًا لنا دخلنا عملنا الأكل.
ضحك الاثنان بشدة على جنونهما واحتضن يزيد شقيقته بحب، لتخرج من حضنه بعد فترة وتنظر له بنصف عين ليقول لها بشك:
_ طالما بصيتي كده يبقى فيه مصيبة استر يارب عاوزة إيه؟!
وضعت يدها على خدها وقالت له وكأنها تستمع له:
_ يالا احكي.
_ أحكي إيه؟!
قالت له بضيق:
_ لا مهو مش هتعمل غبي عليا، قول واعترف يدل ما تعترف غصب عنك.
_ يا بنتي أنتي هبلة أعترف بإيه؟!
تنهدت بضيق لتقول له بصراحة:
_ يزيد أنت بتحب فاطمة؟!
بُهت يزيد من حديثها هو نفسه لا يعلم ولم يعترف بهذا هو يدق قلبه بجنون بمجرد رؤيتها، لكنه لم يكن يعلم ما هذا؟!
أيقظه من شروده صوتها وهي تقول له:
_ للدرجة دي الإجابة صعبة؟!
انتبه لها يزيد لينظر لها بتيهٍ وهو يقول:
_ مش عارف يا علا للأسف، بحب أشوفها قدامي على طول، بزعل لما بشوفها زعلانة أو تعبانة، قلبي بيرقص من الفرحة وبيدق بجنون لما بشوفها، بحب هدوئها وحيائها بكره دموعها قوي، بحب قوتها وبكره ضعفها لو ده حب فأنا بحبها.

نظرت له علا بسعادة وقالت له:
_ وإيه غيره.
انصدم من إجابتها ليعود بضع خطوات للخلف وهو لا يُصدق أيعقل أن يكون قد أحبها؟!
وما غير ذلك فبالماضي كان يعشق التواجد معها وكان يُخطط للزواج منها بمجرد أن يكبر، ولكنه عندما ابتعد عنها وكبر وبدأ عمله نسي كل هذا، وقال أنه ربما كانت هذه مشاعر مراهق تجاه فتاة صغيرة كانت تُعتبر صديقته الوحيدة، ولكنه بمجرد أن رآها من جديد فار قلبه بمشاعر شديدة اتجاهها، وقلبه وروحه تعلقت بها وأصبح يُريد رؤيتها دائمًا ووجودها بجواره وما هذا سوى أنه يحبها؟!
قالت له علا بهدوء وهي تضع يدها على كتفه مؤازرة له:
_ يزيد حبيبي أنت بتعشق فاطمة مش بس بتحبها بلاش تضيعها منك كفاية كل السنين اللي بعدت عنها فيها دي الحقها قبل ما تروح منك.

نظر لها يزيد بحيرة ومن ثم قال لها:
_ بس هي مش هتسامحني إن بعدت عنها بعد ما وعدتها إني هفضل جنبها مش هتسامحني أبدًا.
ربتت علا على كتفه وقالت له:
_ هتسامحك بإذن الله وياريت تكلم جاسر في أسرع وقت علشان متروحش منك، وهو هيقنعها ووقت ما تكون مراتك حاول تقرب منها وهي هتسامحك.
أومأ لها يزيد بإيجاب ومن ثم قال لها:
_ تمام.
عادت علا بضع خطوات للخلف ومن ثم قالت له:
_ يالا بقى روح هات لي الحاجات اللي طلبتها أديني عرفتك مشاعرك أهو.
نظر لها بضيق ومن ثم قال:
_ ده أنتي عيلة فصيلة أبو شكلك.
لترفع له حاجبيها وهي تقول له:
_ طب يالا يا أخويا من هنا مش فاضينلك ورانا مشاريع عاوزين نخلصها.

صمتت قليلًا ومن ثم أدركت ما بها لتصرخ بجنون قائلةً:
_ هار أبيض ده أنا عندي مشروع هسلمه بكرة يا لهوي عليا وعلى سنيني الحقوني يا ناس.
ظلت تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا وهي تولول على نسيانها ليضع يزيد يده على رأسه منها، فقد أفقدتها كليتها عقلها ليقول لها بضيق:
_ يا بنتي أنتي هتجننيني مش أنتي خلصتيه امبارح وأنا كنت معاكي وإلا إيه؟!
توقفت قليلًا لتستوعب ما هي به لتقول له:
_ اه صح.
لطم يزيد على خديه بقلة حيلة وقال وهو يندي حظه:
_ يا مجنونة يا بنت المجانين جننتيني معاكي كشفت راسي ودعيت عليك منك لله منك لله.
_ مالك يا ابني اهدى الله!!
كتم يزيد غيظه ومن ثم خرج وهو يقول لها:
_ يالا يا مجنونة يا هبلة منك لله.
بعد خروجه ضحكت بصخب عليه فمظهره كان مضحكًا وهو يولول ويندب حظه لتقول بابتسامة:
_ امم هربت منى باللي عملته ده بس على مين ده أنا تربيتك يا حضرة الرائد.
ومن ثم ضحكت بشدة وجلست لتبدأ بالمذاكرة ريثما يأتي ليتناولا العشاء سويًا، وهى تدعو الله أن يسعده بحياته وأن يسعد صديقتها معه وأن تستعيد حبها، فهي تعلم مدى حب الاثنين لبعضهما منذ الطفولة.
*******
عند أيشا
كانت مع مارك بمبنى التدريب وهي تفعل بعض التمارين لتستعد قليلًا، كانت تفعل تمارين الضغط ولكن بشكل مختلف فقد كانت رأسها ويديها بالأسفل وقدميها بالأعلى والتي يُمسكها مارك لتثبت ولا تقع، كانت تهبط وتصعد بتوازن ونفسها يعلو تدريجيًا ولكن حاولت الصمود، شعر بها مارك ليقول لها:
_ أيشا لو تعبتي ممكن تقفي عادي.
قالت له وهي مازالت تُكمل تمرينها:
_ يعني شوية.
_ طيب اقفي شوية وبعدين نكمل.
_ تمام.
لتهبط للأسفل ويُساعدها مارك بالاعتدال لتقف ويذهب هو باتجاه مائدة موجودة بالقرب منهم، ليلتقط زجاجة من الماء ويُعطها إياها لتأخذها منه وتشرب بعض الماء ليقول لها:
_ أول مرة أشوف حد عنده إصرار يكمل كده رغم تعبه.
ابتسمت أيشا له ومن ثم قالت:
_ الدنيا علمتني كتير قوي وهدفي اللي بيحركني مش أكتر فعلشان كده بكمل.
أومأ لها مارك بإيجاب ومن ثم قال:
_ تمام يالا نكمل.
_ يالا.
لتبدأ بإكمال تمارينها لتفعل الكثير منها الضغط والملاكمة ورفع الأثقال والمبارزة وغيرها، إلى أن انتهت وهي تتنفس بسرعة من شدة التعب لتصعد لغرفتها وتغتسل وتنام بتعب.
******
عند رعد كان عائدًا لمنزله بعدما جلس طويلًا مع هاجر وكل منهم يحكي للآخر ما مر به بتلك السنوات، عندما عاد للمنزل نام من كثرة التعب.
مرت تلك الليلة على الجميع البعض سعيد والبعض حائر والبعض الآخر حزين، ولكنها كأي ليلة مرت بحلوها ومرها.
******
بالصباح وبكلية الهندسة دخلت علا لتتجه نحو الكافتيريا لتُقابل صديقتها، وصلت لها لتجدها تجلس بمكانهما المعتاد تنتظرها لتتجه نحوها بشغف، وعندما وصلت إليها أحاطت كتفيها بيدها وهي تقول لها بحب:
_ حبيبي اللي وحشني موت.
وضعت آلاء يدها على يدي علا لتقول لها بحب:
_ وأنتي كمان يا حبيبتي اقعدي يالا طلبت لك العصير اللي بتحبيه.
جلست علا أمامها وهي تأخذ كوب العصير قائلةً لها بسعادة:
_ حبيبتي والله يا لولو.
ابتسمت آلاء لها ومن ثم قالت لها:
_ تعرفي عرفت إن هيجي لنا دكتور جديد بدل دكتور محمد.
قالت لها علا باهتمام وهي تشرب عصيرها:
_ امم وليه كده ومين هو؟!
أجابتها آلاء قائلةً:
_ لأن دكتور محمد تعبان فده هيدينا بداله وهو مين معرفش اللي عرفته إنه كان في ألمانيا ولسه راجع من السفر.
_ امم تمام استر يارب كل دكتور بيجي لنا بيكون أسوء من اللي قبله.
_ يالا، المهم يالا ندخل علشان هو عندنا أول محاضرة ومش عاوزين نطرد.
_ تمام يالا.

ومن ثم اتجهتا نحو المدرج الخاص بهم وعندما كانت علا تسير بسرعة لتلحق بمحاضرتها إذا بها تصطدم لأحدهم، لترتد للخلف وهي تتألم قائلةً:
_ هار أبيض عليا وعلى سنيني اتخبطت في حيطة وإلا إيه لا وكمان وأنا متأخرة الله عليا بجد.
رفعت رأسها لترى من اصطدمت به وليتها لم ترفعها فعندما رأته شلت حركتها وثبتت مكانها، كان أمامها شخص ذو جسد رياضي يرتدي حلة سوداء لامعة زادت من وسامته، وعينيه بنية حادة كالصقر لتُخفض رأسها بخجل وتهمس بكلمات استطاع من أمامها أن يسمعها:
"_ لا أنا خبطت في حيطة فعلًا"
لتقول له بخجل وسرعة:
_ أنا آسفة جدًا مأخدتش بالي.
وتركته وذهبت ركضًا نحو مدرجها وعندما وصلت وجدت دكتورها لم يأتِ بعد لتتنفس العداء وتجلس بمكانها، أما الآخر فكان يقف كالتمثال من غرابة تلك الفتاة ولكنه لم يُعطِ بالًا لهذا وذهب باتجاه المدرج.

بالمدرج كانت علا تجلس على بوردتها تنظر أمامها لنقطة وهمية، لتجد القاعة قد هدأت فجأة وشخص ما يدخل ووقف أمام السبورة، لترفع رأسها بهدوء لتجحظ عينيها فجأة وهي تنظر لهذا الشخص فقد كان هو من اصطدمت به بالخارج، لتُخفض رأسها بتوتر وهي تهمس:
"_ يا لهوي عليا ده هو الدكتور استر يارب ومشيلش المادة دي السنة دي يخربيت لساني استر يارب"
كان ينظر لها بتقييم ويرى توترها ليبتسم بجانبية والتفت للجميع قائلًا بهدوء معرفًا بنفسه:
_ طبعًا زي ما أنتم عارفين إني هاخد مكان دكتور محمد وهدرس لكم بداله السنة دي بإذن الله، أحب أعرفكم بنفسي أنا دكتور رعد الجارحي معي دكتوراه في الهندسة من جامعة ميونخ التقنية بألمانيا.
نظرت له علا بتعجب فهي أيضًا كانت بتلك الجامعة قبل أن تنتقل لهنا ولكن لِمَ لم تره؟!
أكمل رعد حديثه قائلًا وهو مازال ينظر لها:
_ حابب أتعرف عليكم فعلشان كده كل واحد يقول اسمه.
بهتت علا مما قال فهو يُريد معرفة أسمائهم إذًا هي هالكة لا محالة، لتقول بسرها:
"_ هو يوم مش فايت موتى خلاص يا علا"...
يُتبع
بقلمي/ علا جبريل محمد
***********
ازيكم يا حلوين أخباركم أتمنى يكون الفصل عجبكم ومنتظرة آرائكم اللي بتشجعني دائمًا، حاجة كمان بإذن الله الرواية هتقف علشان امتحاناتي وهنبدأ فيها بإذن الله في شهر 2 أكون خلصت امتحانات، وأفضى لها وممكن بإذن الله الفترة دي أنزل لكم فصل واحد لو لقيت وقت فاضي وبعدها هتقف طول شهر 1 تمام هتوحشوني جدًا😍😊
*********
كالعادة الفصل pdf وهسيب لكم لينكه في قسم المحادثات على صفحتي:
https://drive.google.com/file/d/1jwujIJ2bEuwR5ONlq781suq4rfmKLxWH/view?usp=drivesdk

أتمنى لكم كل التوفيق والنجاح أجازة سعيدة😊

قاتلة ولكن...؟! الجزء الثاني (سلسلة ملحمة العشق والانتقام) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن