البداية <٤

1.5K 86 63
                                    

نرى الكمال و لكن ليس فينا
رُبما في شخصٍ على الطريق الآخرِ يوازينا
لكن هل ستتقاطع طُرقنا يومًا أم ستبقى مُتوازية؟؟

العاشِرة و النِصف مساءً.
ذو الوجه العبوس يُقابل شاشة جِهازه المُضيئة
وسط ظلام غُرفته البارِدة يُقلِب في صفحات مُدونته الخاصة ، يقرأ التعليقات الساخِطة
على مِقالاته التي يكتُبها بأسلوبٍ لاذع
فيجعل الجميع يشتطُ غضبًا مِنه.

" حقًا؟؟ تغضبون مِن الحقائق فقط لِأنها لا تُرضيكم لكن بِصدق مَن يأبه لِهذا؟؟"

ضِحكة نصر تخرُج من بين شفتيه بينما
يُكمِل قِرآته لِتلك الردود فتقع عينيه على تعليقٍ
غيرَ مألوفٍ بالنسبةِ له "تروقُني مقالاتك اللاذِعة."

أطلق همهمة صغيرة بينما يعقِد حاجبيه ثُم ينقُر على مدوِنة صاحِب ذاك التعليق فـ يقرأ اِسمُها" شِفاء" ؟

"لِمَ لا يضَع اِسمه الحقيقي؟؟ ياله مِن شخص."

ناسيًا بِأنه هو الآخر لم يضع اِسمه الحقيقي أيضًا
فـ هو كما يُسمي مدونته " الصراحة أولًا! "
و هذا ما يفعلُه فتى ديسمبر الشاحِب
دون أن يُلقي إهتمامًا لِردود الآخرين.

أخذَ يقرأ في مِقالات مدوِنة الشِفاء بِـ تروٍ و هدوء يُراقب طريقة حديث صاحِبها ، رزينة و مُتزِنة
على عكسهِ فـ هو يكتُب أول الكلِمات التي تخطُر بِباله مع بعض الإستفزاز في كتاباته فهذه جُزء
مِن شخصيته اللّاذِعة.

بقي يتصفح مُدوِنة الشِفاء لساعاتٍ مُتتالية
دون أن يشعُر ، إلى إن وقعَت عينه على ساعة هاتِفه لِتكون الساعة الواحِدة بعد مُنتصفِ الليل
فيُغلق حاسبه المحمول و يذهب لِدورة المياه إستعدادًا لنوم ثُم يُلقي بِذاته على سريره
فـ لديه ما يفعله حينما يستيقظ.

السابعة صباحًا.
إنتهى بالفعل مِن روتينه الصباحي
و غادر شِقته ، يمشي في طريقه لِمحطة القِطار
مع ذاك العبوس الطفيف على وجهِه
جاعِلًا الجميع ينظُر إليه بِإعجاب
فجميع ما بِه يجعل الكُل يعتقِد بِأنه الفتى المِثالي لكنه يعلم بِأنه ليس كذلك و يعلم بِسوءِ ذاته.

إنهُ كـ جُرعَة سُمٍ جميلة اللّون
كُتِبَ عليها "لا تشربني" كـعِبارة تحذيريه
لكنك ستفعل وتتجرعه ثُمَ تندم على فِعلتك هذِه
فـ هو ليسَ آمِنًا بِالفعل.

وصل لِمحطة القِطار و إستقلَ الذي يقصدُ به وِجهته ليجلس على أول كُرسيٍ أمامه فيجد طِفلة صغيرة
و مِن الواضح على وجهِها أنها كانت تنوي الجلوس على المِقعد الذي سبقها هو إليه.

تنظُر بِبعض الحُزن إليه ، فيُميل رأسه ناظِرًا إليها
و كأنه يسأل ماذا تُريد مِنه الآن فتسأله
" أخي! هل يُمكِنُني الجلوس في مكانك؟؟"

"لا"

لِتتفاجأ الصغيرة و جميع من سمِعَ ذاك الردِ
المُباشِر دون أي تردُد في قولٍه
لكنه لا يكترث ، لِيقوم بِوضع سماعاته مُكمِلًا
"لا تسألي الناس ما ليسَ لكِ و هو مِلكُ للعامة."

"يالك مِن شخص! كيف تُحادث طفلة
بهذه الطريقة؟؟ "

نظر بِبرود لِتلك المرأة الغاضبة التي كانت تجلس بجواره.

"ماذا؟ هل ستدُلِلها الحياة أكثر أم ماذا؟
ثُم إن كُنتِ تريّن بِأني مُخطئ فـ دعيها تجلس
في مكانِك أيتُها الشابة"

أخرج كلِماته في شيءٍ مِن السُخرية ثُم قام بتشغيل سماعتيّه حتى يتجنب ما تبقى من الحديث
مع المُجتمعِ المُتعاطِف الذي بالكاد يُطيقه
إلى إن و صلَ لِمحطتهِ المنشودة و غادر.

نزعَ سماعتيّه حالما وصل إلى جامعتِه
جامِعته التي تهتم بِجميع أنواع الفنون
فـ هو في سنته الثالِثة ليكون هادِئًا حتى سمِعَ ذاك النِداء المُزعِج

"تتشوييي سسوببيننن"

فـ يتنهد و يُعيد سماعتيّه في أُذنيه حتى لا يسمع لكنه يحضى بِعناق حار مِن زميله و بِذلك ينتهي صباحِه الجميل.

أجل زميل و ليسَ صديق
فما تعريف الصداقة في قاموس سوبين؟
لاشيء.

-

البِداية
14/1/2022 , 1443/6/11
الجُمعة 13:22

زُجاجة رُوحـي ⌟✓⌜.  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن