ظلّ طوال الليل مُستيقظاً، يُقلِّبُ مواجعه.. ألمّ به الألمُ وغلّف روحهُ لحالِ سحر.. عيناهُ تسبحانِ في ملامحها وهي بين أحضانهِ..إفترقت الطُرق، وجزعت القلوب.. نفدت الحلولُ وبقيت العِلل.. ما عاد يعلمُ لسعادتها طريقاً.. غير أن يواسي نفسيهما بالصبر.. لا شيء أهمُّ عنده من وجودها بجانبهِ.. يكحلُ قلبهُ بنبضهِ لها.. ويشغفُ روحهُ بحبّه تجاهها.. فكّر كثيراً إنّه قد يكون تعجّل وأخطا.. لكنهُ يعود ليراجع فيجدُ شوقها وحنينها فضحتهُ عيناها.. لا تتردّدّ أو تهربُ منهُ إنْ زادت قبلاتهُ عنفاً لثغرها وشفتاها..
الأمرُ إذاً لا يتعلّقُ بعلاقتهما والمحبة التي تسودهما.. راجع من جديدٍ منذ أولّ يومٍ وطأت بيتهُ بقدميها.. كانت سِمةَ الإرتياح وضّاءةً على محياها..بل حتى إنّها ما حرمت نفسها من إستنشاقِ عطرهِ وتخبئته داخل رئتيها منذ حملها للعربة قبل ركوبهم السيارة التي تأخذهم لمنزلهِ..
مفارقاتٌ غريبة.. كُلّ تصرفاتها تدلّ على رغبتها ببدأ حياةٍ جديدة.. أين تكمنُ العِلةُ إذاً؟.. لِشدِّ ما آلمهُ قلبه ليلة أمسٍ ببعدها عنهُ وأنطوت روحه الخائبةُ تحاولُ تغطية روحها المنكسرةِ..لامَ نفسه كثيراً وزجر روحه وأستهان بنفسهِ إنّه السبب في مخاوفها...إحتار كثيراً بين تركها على راحتها دون الإقتراب حتى في عناقٍ صغير..أو بين الإستمرار بالحبّ والعطاء بحدودٍ تتقبّلها روحها..
فكّر إنّها قد تشعرُ بتغيّر مشاعره تجاهها قد تُخذل أو تشعر إنّها غير مرغوبٍ بها أو لا يِستحبُّ قربها...
إستقرّ رأيهُ على الملاطفات الصغيرة حتى لا تفكّر بأيّ شيء سلبي..
أعاد إلى ذاكرتهِ شريط حديثهم بعد أن هدأت..سألها مغيراً الموضوع:
-ما رأيكِ أن نذهب في نزهةٍ نحنُ الإثنانِ فقط؟..
أجابتهُ بلهفةٍ تسترقُ النظر لعينيهٓ:
-حقاً..أودُّ ذلك كثيراّ..لكن هل يخطرُ في بالكَ مكانٌ معيٌن؟
-لست متأكداّ كثيراً.. لكن عنتاب مثلاً.. ربّما تأخذكِ نسائمُ الشوق إليها؟..
-سيكون ذلك ممتعاّ.. سأعرفك على كل أحبائي هناك..
نظر إليها بطرف عينه والإنزعاجُ بادٍ..:
-أحبائك؟!.. أنا لا أقبلُ ذلك..
ضحكت لغيرته وقررت إكمال طريقها:
-لماذا؟.. أليس لدينا أحبّاءٌ طوال الطريق؟..
-بلى، معكِ حق.. لكنهم صحبةُ طريقٍ فقط.. أكتفي بي يا عزيزتي..
-أساساً أنا مكتفيةٌ بكَ..
*********♡♡♡♡♡♡♡
♥♥♥♥🖤🖤🖤🖤💜💜💜💜
وجدتهُ مستيقظاً قبلها.. يتأملها لكن ذهنه شارِد..:
-صباح الخير.. ألم تنمَ حتى الصباح..؟..
إنتبه لإستيقاضها وطمأنها بإبتسامةٍ من عينيهِ:
-لا تقلقي نمتُ قليلاً..
-هل... أخاف أن تكون منزعجاً..
-لن نفتح ذلك الموضوع ثانيةً.. كما أتفقنا...
-هذا صحيح.. لإجهز طعام الفطور إذاً..
سبقها يمان بمغادرة السرير كي لا تشعر بالحرجِ.. إلتقط بلوزاً من خزانة الملابس واخبرها إنّه سينتظرها..
*******♡♡♡♡
💜💜💜💜♥♥♥♥🖤🖤🖤🖤
نزلت السلم بنشاطٍ وخِفّة.. كانت ترتدي فستاناً أبيض اللون مزيناً بنقش الورودِ بطريقةٍ يدوية.. لتراها والدة يمان..:
-على مهلكِ.. على مهلكِ.. هل ستهربين لمكان ما؟..
ضحكت سحر:
-صباح الخير.. بالتأكيد لا يا خالتي.. انتم عائلتي الثانية ومحلّ سعادتي أيضاً.. سأذهب لإعدّ الفطور..
-الله.. الله.. ولدي أيضاً في المطبخ.. هيا.. سأنتظرُ طعاماً مليئاّ بالحب والرومانسية..
شرعا يطهوان الطعام ويرتّبان المائدة ويمان لا يفوته أن يبدي حِبّه وجمالها في الفستان وقد لاحظ سعادتها وروحها المنتشية حتى إذا ما أنهيا إعداد كل شيءٍ.. سرق قبلةً بجانب ثغرها:
-هٰذه قبل أن ترانا أُمّي.
********♡♡♡♡♡
🖤🖤🖤🖤♥♥♥♥💜💜💜💜
نظرت إلى هاتفها مترددةً علّ كيراز ترى الامور من منظورٍ آخر أو تبدد الخوف داخلها،سردت لها قلقها:
-لم انجح كيراز.. كلما تقدمنا خطوةً يا عزيزتي أجِدُ الماضي أمامي..
-لا تخافي.. تعلمين كم يحبّكِ يمان.. أرى أن تجمعا شتات بعضكما وتذهبان في نزهةٍ لعدّة ايّام سيزيدُ ذلك تقاربكما..
-ليس هذا ما يخيفني.. أنا قد أعتدتُ على إقترابه ووجوده تقريباً.. لكن..
-لكن ماذا سحر؟.. لو تخبرين يمان بذلك أو طبيبتكِ سونا..
-ينتابني الخجلُ حقاً.. تلك اللحظة التي شعرتُ فيها مكرهةٍ ومجبرة.. خُزِنت داخل عقلي.. كمطرقةٍ وسِندان..
-ايّ لحظةٍ سحر؟.. قلتِ للتو إنّك تحبين إقترابكما..
-عندما أستيقضت.. أجل بالضبطِ حين وجدتُ نفسي دون سترٍ او ملابس قبل سنوات..
شعرت كيراز بالأسى فيما تحاول سحر كتم بكائها على الهاتف..:
-ربّما لن تشعري بمعنى كلماتي بعد.. لكنني سأقولُ لكِ هاتان الكلمتان.. فكلُّ تصبيري ومواساتي لم تأثّر او تنفع كثيراً.. لكن ثقي..:
-(زوجكِ غطائكِ وردائكِ).. ستشعرين بذلك قريباً..وقريباً جداً..
*********♡♡♡♡♡♡♡..
💜💜💜💜🖤🖤🖤🖤♥♥♥♥
خرجَ الأربعةُ لتناول الغداء في الخارج قرب الشاطئ حيث الهدوء والعزلة إحتفالاًِ سحر وشفائها وتنفيساً للقائها صديقتها قبل سفرهما وإحتفاءً بحمل كيراز.. جلس كلٌّ جانب زوجتهِ..ويمان يشبكُ أصابعهُ بأصابع سحر:
-والله يا نديم ستصبح أباً..مباركٌ لكما...
-شكراً لك عزيزي يمان..
-من الجيد إنكما غادرتما المشفى قليلاً وشعرتما بنا..أردفت كيراز بإنزعاج..
ضحكوا على تقلب مزاجها..:
-لا تنزعجي يا صديقتي نحنُ النساء نستطيعُ الخروج بدونهم أيضاً..
لاحظ يمان إنّ نديم انكبّ على هاتفه خلال لحظات..خطرت في باله فكرةٌ....همس لسحر:
-انظري ماذا سأفعل؟...سنُحدِث شجاراً بين كيراز ونديم..
-ماذا تقول؟..يماان..كيراز حامل..
-لا تقلقي ليس شيئاً كثيراً..
أخذ يمان يرفع خصلات الشعر عن وجه سحر وهو يتأمّلها بكلّ حبٍ ويقرّبها من كتفه محتضناّ إيّاها ثم قبّل يدها..وهي مندهشةٌ وسعيدةٌ في آنٍ واحد..طالعتهما كيراز ثم نظرت إلى زوجها..ضربت كتفهُ بخفّةٍ..:
-سأطلبُ الطلاق..
رفع رأسهُ مدهوشاً..
فيما يمان همس لسحر بقلقٍ ..:
-لم اتوقع ان تقول ذلك..
-لا تقلق..لإنّها حامل..سيتغيّر مزاجها بعد قليل..
-ماذا حدث يا عزيزتي..؟هل أزعجتكِ في شيءٍ..ألم تأكلي كل السندويشات اليوم؟..
إنفجر يمان ضاحكاً على حال نديم..نظر أليه نديم:
-ستضحكُ الآن..لنرى ماذا ستفعل بك أختي سحر..
نظرت إليه وإبتلعت ريقها..شدّ على يدها يطمأنها..
-اللعين قلب الخطة عليّ..سمعت سحر همسهُ مع نفسهِ فضحكت عليه ك طفلٍ صغير..لاحظ سعادتها فهمس لها:
-أنتِ طفلتي المميزة..
********♡♡♡♡♡♡♡..
♥♥♥♥💜💜💜💜🖤🖤🖤🖤
في اليوم التالي إستمرت مراجعاتُ سحر لسونا..لم يرغب يمان بسفرهما قبل تأكّده من تقبّلها لتلك الرحلة بالكامل..لتمر الأيّام لِتطول إلى بضعة أسابيع..
-عزيزتي سحر..هنا يجب أن تنتهي جلساتنا..أنا أُقدِّرُ جداً التقدّم الذي أحرزتهِ..لم يتبقَ سوى أن تساعدي نفسكِ إذا قررتي ذلك..فسينتهي كل ماضيك في لحظات..
-شكراً لك أيتها الطبيبة..أنا فعلاً أشعرُ بفارقٍ كبير عن كل تلك الشهور..لا أعلم ماذا أفعل؟.. لولاكِ وإستماعكِ لي دون ضجرٍ أو نصب..اشكركِ مجدداً
-لا داعي لذلك عزيزتي..كما إنّ لزوجكِ الجانب الأكبر في دعمك...
*****♡♡♡♡
تجهّزا للسفر وفي رحلةٍ هادئة إنطلق معها..مرّت سيارتهم تتهادى فوق السهول وتحت الغيوم..وسط الأشجار الخضراء الممتدةِ على طول الطريق..ووسط قلبيهما..زهو الشتاء نقل سعادتهُ إليهما..فكرا في البقاء في منزل عائلة سحر القديم..حيث كانوا يقيمون بعد الحادث..جهّزه يمان بكلّ شيءٍ بمساعدة جينكار وتم تنظيفهُ قبل مجيئهما..
دخلت من البابِ مسرعةّ تستبِقُ زوجها..وتميلُ بعينيها في كامل أنحاء المنزل..:
-لقد إشتقت..إشتقتُ كثيراً..
-يبدو إن مجيئنا أثمر نفعهُ منذ اللحظةِ الأولى..
كان منزلاً متوسط المساحة ببناءٍ خشبي..واثاث متناسب جداً يوازنُ بين العصر الحديث والطابع التاريخي للمنزل.
أفرغوا أغراضهم..
لتتساقط الثلوجُ في الخارج..معطيةً إشارةً لسحر بالخروج..
-أين تذهبين؟..هل جننتي؟..
-أن الثلوج تتساقط هل تريدني أن اكتفي بمشاهدتها؟..تعال معي..
-سيبردُ الجو وتمرضين..
..خرج منزعجاً تحت إصرارها ولحق بها..دقائقُ قليلة تشبهُ سعادتهما حتى تغير مزاجه وبدءا يطفقان كرات الثلج نحو بعضيهما..حتى شعرا بالتعب..ليحملها إلى الغرفة ويدثّرها بالغطاءِ السميك..
هدأ الجو وأستكان..بقيت في المنزل أصواتُ قلبيهما تُسمع..تحت محاولة سحر سيطرتها على مشاعرها التي إهتاجت ويمان في كلّ مرةٍ يقترب بلمسةٍ او عناق وقبلةٍ ويكتفي بذلك..دون أن يعلم يشعلُ حريقاً داخلها
..قرب منزلهم جارةٌ قديمة...تعرفت عليها سحر وهي تحضر معها إبنتها..التي لم ترتاح لها سحر أبداً..
مرّ الأسبوعُ مليئاً بالدفء والتفاهم بينهما خلا محاولات تلك الفتاة الوقحة في خلقها الأعذار لدخول المنزل..حتى أثارت حفيظة سحر وإنتباه يمان..الذي كان قرر أن يلازم غرفتهما حين تأتي..
يزدادُ الجو برودةّ لتعاود ندفُ الثلج بالنزول..
-لو إننا نجلسُ أمام المدفأةِ..
-سأحضر القهوة إذاً..
-حسناً..هل اساعدكِ في شيء..تبدين مِتعبة..
-لا تُتعِب نفسك..
..شرعت بإعدادها حتى سمعت طرقاً على الباب
هل تكونُ تلك المُراهقةُ مجدداً..ماذا تريد؟..
سمعت صوت ضحكاتها ودلالها الخسيس يتعالى امام زوجها وهي تدعوهُما لحضور حفل زفاف أُختها..
أقتربت سحر من باب المطبخ وقلبها يكادُ يتقطّع وروحها تنهشها الغيرة.. كان يمان لا يسمحُ بأقترابها منه.. لاحظ وقوف سحر وهيأتها.. فعلِم بما يجتاحها من مشاعر.. قرر ان يُخرِج الفتاة.. لكن سحر سبقتهُ بلهجةٍ حادّة..:
-أرجو ان تتفضلي بالخروج..لقد وصلتنا دعوتكِ..شكراّ لكِ..في الحقيقةِ أنا وزوجي لن نحضر تلك الحفلة..نفكر في قضاء المزيد من الوقت بمفردنا..
لن تستطع الفتاةُ ردّاً وقد تبعثرت كرامتها وتلاشت حبائِلُ خداعها..لم تحتمل سحر وهي تكاد تميّزُ من الغضب والغيرة..إتّجهت إلى غرفتها تحت نداء يمان لها..لم يضيع وقتاً حتى لحق بها..:
-أذهب إليها...كما فتحت لها الباب..
-ما الذي تتفوهين به سحر؟..
-أخبرني آنّني مخطأة..أليست تلك المراهقةٌ اللعينة تنسجُ خيوطها حول بيتي..
حاول ان يهدأ ثورتها وهو خائفٌ من حالها..امسك بيديها وهي تنفضهُ عنها بقوةٍ وعبث..:
-إهدأي..أنت سيدةُ قلبي..ثم آنّكِ قلتِ بنفسكِ إنّها مجردُ مراهقة..
-وهل سأنتظرها حتى تكبر وتعِي حدودها جيداً.؟.
إحتضنها يمان وقد لاحظ إرتجافها حاولت التهرّب منه حيث لم يزلَ سخطها قائماً متولّداً بشدّةٍ.. لمح حرارتها العالية.. اخذ يهمسُ لها:
-يا سيّدتي..
لا تضْطرِبي مِثل الطّائِر في زمنِ الأعيادِ...
لن يتغيّر شيءٌ مِنّي...
لن يتوقّف نهْرُ الحبِّ عن الجريانِ...
لن يتوقّف نبضُ القلبِ عن الخَفقانِ...
لن يتوقّف حِجلُ الشِّعرِ عن الطيرانِ...
أنت تقرأ
المُذنبانِ
Lãng mạn💡قصة مكتملة 🚫ضياع🚫📍 لِقاءٌ في الماضي.. ذِكرى محفورة..ليلةٌ مليئةٌ بالخطايا والذنوبِ.. عذابُ أعوام طويلة.. ثمّ إجتماعٌ يتجدّدُ.. أكانَ صدفةً أم قدراً؟.. الحميع يلقى جزاءهُ.. 🖤♥ . . .