عرجت إلى غرفتها تفكّرُ إنّ هذا الأفضل بالتأكيد..الطبيبة النفسية ستفضي لها بمكنونها..سيتحدّثان إمرأةً لأمرأة..
دون ان يقاطع مخاوفها احد..او يطلع على اسرارها دخيل..
أخذوا أوّل موعدٍ في المشفى الذي يعملُ فيه يمان ذاتهُ.. طلبت منهُ سحر أن ينتظرها ويذهب لعملهِ دون إن ينشغِل بالهّ معها.. لكن يمان لا يفوتهُ قطعاً أن يتّفق مع زميلتهِ الطبيبة لفتحِ مكالمةٍ في الهاتف يعرفُ خلالها مدى الخوف المُتمكِّن من سحر.. وأفضلُ حلٍّ لها بناءً على كلامها وملاحظة سونا...
ما إن دخلت مكتبها حتى تغيّرت ملامِحها.. تماسكت وجلست بعد أن رحّبت بها.. لم تستطع دون أن تسأل.. مع إنّها لم تلفظ إسمهُ منذ سنوات:
-ألستِ تذكُرينني؟.. إيتها الطبيبة..
-سحر كريم أوغلو-سابقاً-.. بلى عزيزتي.. كيف حالُ عائلتكِ؟..
-إنّهم بخير.. هل يمكنني ان اسألك؟..
-بالطبعِ تفضلي..
-هل تزوجتِ زميلك؟.. أقصدُ.. س.. سليم..
لم تنتبه سحر إنّ سونا تُلاحِظ كل شاردةٍ ووارِدة منها.. كيف تلعثمت حين لفظت الاسم الأخير.. لِما عادت إلى ذاكرتها من تلك النقطةٓ؟..
-عزيزتي سحر.. ألامَ تُلمّحين؟..
لم ترد سونا أن تمرّ سحر بأزمةٍ.. هي فعلاً لم تكن تعلمُ الشائعات التي ظهرت عنها... ولم تُحِبّ سليم يوماً.. إذا هذا من سبب لها الخوف.. لكن ماذا فعل؟..
أكملت وسط تفكيراتها:
-في الحقيقةٌ لم يحصل بيننا نصيب.. ولّى الحُبّ مع أهلهٌ مذ غادرتي...
أخذت سونا تحاول إقناع سحر بالحديث.. حتى قررت سحر في النهاية أن تخبرها ما تخشاهُ بإنّهُ على لسانِ-صديقتها-..
((لم يتملّكني سوى الإحساسَ بالخوف، غشِيني هولُ المنظر وأعمى عن عقلي نور الطريقَ.. الشعور بإنّني لن أستطيع النظر في وجه عائلتي من شدّة العار الذي وُصِمتُ بهِ.. لمجرّد مخالفتي لتنبيهِ والدي وأمرهِ القطعي.. تحميل قلبي بالذنوب.. الذنوب جميعها تتوالى على كِلمي وجروحي.. ما تسأمُ أن تُعاوِد الهجوم على كياني فَتُحطّم كل شيءٍ نويتُ بنائهُ أو الإحتفاظ بهِ..-أخذت توحي بتفصيل مخاوفها واحداّ واحداً-..
صرتُ أخافُ السعادة وأهابُ وجود الطمأنينةِ...
-حتّى ازفرت من فرط ألمِها -.. آهٍ.. ليت قلبي يعودِ لِتلك الأيّام.. يمحو ما مضى..-وإحساسها بالذنب الآخرِ-
يتآكلني الجرمُ في حالة والدي الصحيّة المتدهورةٍ.. وجرمٌ آخر أشدُّ إيلاماً لإنّني خيّبتُ ظنون عائلتي.. ماذا عن والدتي؟.. أخرجت آهةً ثانية..وجرّت نفساً ضعيفاً لِتُكمِل.. أرهقتُها لإربع سنين.. لكنّ أعتى تلك الذنوب..-وإذ إنّني أعترِفُ-.. هو إنّني لم أعُد أستحِقّ السعادة...أخافُ الخيبة..
-أخذت تبكي -.. أرى أنّني لا أستحقّ ان يحبّني أحد..لا احد يعلمُ إحساس أن يتغيّر كلّ شيءٍ خلال ساعات..
أن أجد نفسي مُعرّاةً من أيّ ملابس دون أن اتذكر أيّ شيء...أو إنّ هناك على مقربةٍ من مسامعي من يتحدثُ عن شرفي وأخذِ عرضي..أخرجُ للطريقِ فأفقدُ شعوري إلاّ من غرقي وسط دمي... زادت شهقاتها حتى أشفقت لها سونا وجلست أمامها تشدّ على يديها وظهرها..تخبرها بالإرتياح قليلاّ إن رغبت...))
هو الآخر لم يستطع تمالك نفسهِ بسهولةٍ... كانت كلماتها تشتتُ سلامهُ الداخلي.. تُحيط حبّه بالخوفِ.. أو تجعلهُ أكثر إصراراً على البقاء بجانبها...خرج من المكتب.. من الممر وتجاوز كل الردهات.. غادر المشفى بأكملهِ وأتصل بنديم أن يعيد سحر إلى المنزل عوضاً عنهُ..
ساق السيارة لا يهتدي لطريقٍ أو يأمل توقّفاّ..يفكّ رباط القميص ويفتحُ الأزرار..ونوافذ السيارة..كلا، لم يعد هواءُ المدينةِ بأكمله يُجدي!!..
أوقف سيارته بعد أن أعياهُ التعبُ لساعاتٍ..ترجّل منها وصرخ..صرخ للجبال العالية...للأرض الآنية..حتى حنّت الطيرُ لحالهِ وأنّت الروحُ لمآلهِ...
********♡♡♡♡♡♡
♥♥♥♥🌸🌸🌸🌸💜💜💜💜
إفتقدت غيابهُ في المنزل..فترددت ما بين الاتصال بهِ أو تركهِ..تفاجأت حين رأت نديم يقلّها..أيكونُ هذا أوّل خطواتِ التركِ لها؟!..كما توعدُ نفسها دائما(لا تثقي بأحدٍ)..
لكنّها شعرت وكأنّ حملا إنزاح عنها بعد تلك المراجعة النفسية وهي تتذكّر ما ترسّخ في عقلها((لا تمنحي ذنوبكِ سنواتٍ أطول..ولا تأسي على ما فات..زوجكِ يحبّك دعيه يثبت لكِ ذلك... ودعي الأيّام تختارُ العوض الأفضل لكِ...))...
حلّ المساء..عاد متأخّراً..لمح باب غرفتها مفتوحاً قليلاً..إذاً كانت تنتظِرهُ...دخل فوجدها ملاكاّ نائماً..يحدّثُ نفسهُ ليجد حجةً للإقتراب:
-تأخرتُ على التمارين..قد تكون نسليهان غفلت عن إحداها..لكنّه إستدار فجأةً وقرر الذهاب لغرفتهِ..
أخذ حماماً دافئاً وأطفئ الضوء ورمى جسدهُ على السرير..لم يشعر ألا برائحتها الأنثويةِ..وهي تدخل من الباب تمشي بعكازاتها:
-لقد عدت..أين تركتني اليوم هكذا؟..
-هل خفتي علي؟..أو هل أيقظتكِ؟..
-كيف لا أخافُ عليك..او ينشغل بالي..ألست زوجي؟...
قال عباراتها وهي توقف دموعها..أحتار يمان وهو سعيدٌ بتقبّله لزواجهما.. ولم يعرف ماذا يفعل غير ان يقول:
-زوجكِ متعبٌ..أقتربت من حافة السرير ورمتَ عكازاتها..حاولت دخول السرير برفقٍ.. فسحبها نحوهُ وهو لا يصدّقُ هذه اللحظات السعيدة أو مجيئها أليه..ضمّ ظهرها لصدرهِ...
قالت معاتبةً:
-لماذا تردّدت عن عمل التمارين قبل قليل؟!..
-سنفعلها معاً كل يومٍ أعدكِ..
سمعها تقول لِتبرّر مجيئها وسط خجلها:
-شعرتِ إنّك تحتاجُ لوجودي..
-كِلانا..نحتاجُ لهذا الأمان..صغيرتي♡.
********♡♡♡♡♡♡♡
💜💜💜💜♥♥♥♥🌸🌸🌸🌸
يولدُ الإنسانُ مرّتين.. هكذا تحدّثت مُبتسِمةً لِصديقتها كيراز، بادلتها الأخيرةُ السعادة، إكتملت حياتها وعمرها الفتيّ في خبرٍ واحد.. طارت بقدميها بعد أن تماثلت للشفاءِ.. أيامٌ مضت وهي في منزلِ كيراز. ووالدتها. تُعيدُ نشر سعادتها.. أضحت ملامحها أجمل من الطبيعة وقلبها أكثر نبضاً للحياةِ.. ما بقي سوى أن تُعيد لهُ خبراً...
********♡♡♡♡
💜💜💜💜♥♥♥♥🌸🌸🌸🌸
-عاقبيني لكن لا تتركيني.. هذه الكلمات لا يدفعُ بأسها وعُنفها لدى يمان إلاّ أن يهنأ بوجهِ حبيبتهِ ويطيبَ لهُ الوِدُّ.. إستيقظ فزِعاً.. لم تزلَ تنامُ بِحضنهِ.. أخذ يتذكّرُ حديث أمس:
-سحر..
تُجيبهُ بهمهمة وقد إستدارت نحوهُ:
-اممممم..
-ما الذنبُ الذي لا تغفرينهُ؟..
إستغربت سؤالهُ..:
-فيمَ تفكّر؟..
-أريدُ إجابتكِ فقط..
لتقول بإسى يظهرُ في نبرةِ صوتها:
-ذنبي..
كادت أن تنهض من حضنهِ لولا إنّ يمان تمسّك بها
وهو لم يتوقّع هذه الإجابة،أخذ يدها يلثمُها (يقبّلها) بلطفٍ ليقول:
-لكن صغيرتي بريئةٌ من كُلّ لِبسٍ (غموض) أو ذنوب..
-لستُ أدري..تمرّ مصائبُ على الإنسانِ لا يحتمِلُ عواقبها..
سأل يمان وقد لاحظ عدم تهربها في حديثهم:
-أليس بإمكانهِ أن يتعالج من هذه العواقب؟..
-ربّما...لكن..حتى لو...سيبقى أثرها محفوراً في صدى الأفكارِ وزوايا الروح...
-هل يمكنُ أن تغفري لي ذنبي؟..لو علمتِ إنّ لي ذنباً؟!..
إلى أيّ مدى تصِل طيبةُ قلبكِ في أمرنا؟..
رفعت نظرها إلى عينيه لينظر إليها بدورهِ أيضاً:
-ذلك يتوقّفُ على مقدار اللهيب داخل روحي...
هنا شعر يمان بوخزةٍ داخل قلبهِ..وسمع سحر تتابع:
-لكنني أثقُ بكَ..لِتُكمل جملتها بهمسٍ وخجل لأن والدتي قالت لي(لن تجدي الطمأنينة في مكانٍ غير حضنه)..♡
ليقول بحسرةٍ بعد أن غافلها النومُ:
-ليتني كذلك..
....
بقي الحلمُ يصدعُ في رأسه..نهض من السرير بهدوءٍ كي لا تلحظ إستيقاضهُ..إتّجه إلى الحمام والحلم وتوسلاته يصدحُ صداها في أُذنيه..ليردد بخوفٍ.. وهو يغالبُ نفسهُ ليصِل للأمانِ ويهدأ له البالَ..:
-يتحتّمُ عليّ إخبارها....
********♡♡♡♡♡♡♡
🌸🌸🌸🌸♥♥♥♥💜💜💜💜
أنت تقرأ
المُذنبانِ
Roman d'amour💡قصة مكتملة 🚫ضياع🚫📍 لِقاءٌ في الماضي.. ذِكرى محفورة..ليلةٌ مليئةٌ بالخطايا والذنوبِ.. عذابُ أعوام طويلة.. ثمّ إجتماعٌ يتجدّدُ.. أكانَ صدفةً أم قدراً؟.. الحميع يلقى جزاءهُ.. 🖤♥ . . .