1

514 52 27
                                    

"التاسِع والعِشرون مِن يناير

صباحٌ مُمطِرٌ جديد ..

تناولتُ القليلَ وذهبتُ لعملي كالعادة .. زخّاتُ المطرِ تُزينُ وِجهة المقهى الزُجاجية بمشهدٍ أُحِبُه كما أُحبِ اختلاطِ رائِحة المَطرِ بخاصةِ قهوانا ..

هدوءُ الصباحِ وعدم تواجد أحدٌ غيري كان جيدًا؛ فكما اعتدتُ أنا أول من يصل ويبدأ بتجهيزِ كلّ شيءٍ تؤنسني مُوسيقى مُنتقاة بعنايةٍ لتُناسِب الأجواء ..

رُغم عدم تقبلي للبَشرِ وتعاملاتِهم عادةً إلا أن هذه الدقائق بالصباح الباكر المُتزينة بالقهوة تستحق ..

لا أرتدي سِوى قميصِ العملِ والمِئزر لكنّي لا أشعُر بالبردِ؛ فبالخارج الطقس أشدُ بُرودة ..

بدأتُ عملِي مُستمتِعًا بأجواءِ الشِتاء حتى عَلا صوتُ الرنّانة يُعلِن بدءَ البشرِ بالقدوم .. لاحظتُ بعد القليل فتاةً تدلفُ المقهى ذات مِظلةٍ زرقاء وملابِسٍ ليست بالثقيلة ..

كانت مرتها الأولى بالمقهى.

جلست وحدها على إحدى الطاولات البعيدة .. ولا يبدو أنها بمزاجٍ جيدٍ ربما ؟

تقدمتُ بهدوءٍ ولم أتخلَّ عن جمودِ ملامِحي لأسئلها عن طلبها ..

قالت بينما كانت مُقلتيها تتفحص قطرات المطر العالقة بالزجاج من الخارج أنها تفضل قهوةً مُثلجة ..

كانت البرودة قارِصة لكني لم أفكر حتى بمناقشة طلبها؛ فما شأني!

ما خرجَ مني كان سؤالها عن إن كان هناك شيءٌ آخر وقد نفت بحركة صغيرة مِن رأسِها.

أعددتُ قهوتها ونقشتُ أحرُفًا على الكوب كما اعتاد مقهانا ..

'يبدو أن الداخِل يُمطِرُ ثلجًا، هذا المكان الذي علينا الاحتماء بِه من الخارج بات أكثر برودةً مِنه ..
أشعلي نارًا تُدفئكِ وتُذيبُ ثلوجَ الداخِل .. كُلٌ يختار حَطبه'

وكالعادة أكتبُ ما أراه بعينَي صاحب الطلب، جيدٌ أنا بقراءتهم ودائمًا ما أُصيب، لذا كانت الكلمات تسعدهم أو تساعدهم ولو قليلًا .. وهذا كان جيدًا.

أعطيتها قهوتها وابتعدت لتتلاعب أناملها بِه بخفّة .. توقفت عن ذلك وثبتت نظرها على جملتي، لكن .. وجهها لم يُبدِ أي تعابير، يبدو أن الداخل مُثلِجٌ بالفعل!

بقيَتْ مدة ليست بالقليلة وبعدها نهضت بملامحها المُجهدة وذهبت .."

أغلقتُ دفتري حين انتهت استراحتي لأُتابِع عملي.

الطَاوِلة الخامِسةَ عَشرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن