الجزء الثالث و الاخير من قصه جِنان

1.9K 100 37
                                    



الجزء الثالث من قصه جِنان يوميات مجنونه

فتح باب المنزل و دلف و هو يتوقع أن يراها فى المطبخ كما رأها أخر مره حين كانت تعد له الإفطار
لن ينكر أنه أشتاق لمتابعة تفاصيلها
يعلم أيضاً أنه سيقابل الصمت لكنه صمت مختلف يحمل الآمان الأولفه و الدفىء ... رغم غيابه كل تلك المده و عدم رؤيته لها إلا أن لمساتها فى ترتيب غرفته بعد أن أصبح يلقي ملابسه فى كل مكان حتى حين يعود يرى لمساتها فى غرفته و ترتيب ملابسه ورائحتها المميزة التى يظل أثرها بين جنبات غرفته
لكن ما قابله هو صوت صرخات مكتومه حينها أنتبه إلى خفها المنزلي الملقى أمامه بأهمال و أيضا قميصه الملقى على مسافة منه و صوتها المكتوم يعود من جديد ليركض إلى الأعلى سريعاً ليصدم بذلك الجسد الضخم لرجل ملثم يقيد جِنان الملقاه على السرير بيد واحده يمسك كلتا يديها فوق رأسها و قدميه تقيد قدميها و بيده الأخرى يحاول تمزيق ملابسها ولا يعلم بسبب أنها تتلوى بجسدها الضعيف بسرعة ليدفعها على وجهها ليرى ذلك المنديل الذي يكمم فمها ليصرخ بإسمها
- جِنان
لينظر له ذلك الملثم بصدمه ليتركها و يتوجه إليه فى نفس اللحظة الذي هجم فيها كِنان عليه دون أن يلاحظ تلك الآلة الحادة الذي أخرجها من جيبه و قبل أن يقوم كِنان بأي حركة كانت تلك الآله تخترق معدته أكثر من مره ليسقط كِنان أرضًا ليركض ذلك الملثم خارج المنزل سريعاً توجهت جِنان إليه و هى تنادي عليه بخوف
- كِنان بيه .... كِنان بيه ... لالالا لا فوق أوعى تغمض عينك
وضعت يديها على مكان الطعنات لتتلون يديها بدمائه و دون أن تشعر وضعت يدها فوق قلبها لتترك أثر دمائه فوق قلبها مباشرة
كانت أنفاسه متلاحقه .... لا يتحرك عينيه نصف مغلقه لتتحرك سريعاً ترتدي إسدالها و ركضت خارج المنزل و هى تصرخ على حارس العقار أن يتصل بالإسعاف
و بالفعل خلال دقائق كانت سيارة الإسعاف تقف أمام البناية و المسعفون يحملون جسد كِنان و هي تسير جوارهم الدموع تغرق و جهها و تشعر بالخوف الشديد
*******************
طوال ذلك الوقت كان الحج مرسال يتصل بكِنان الذي لا يجيب عليه و ذلك زاد من خوفه
يعلم أن براء لن يقوم بشىء مفيد فزوجته هى من لها الكلمة العليا لذلك أتصل برامي الصديق المقرب من كِنان
الذى تحرك من فوره إلى بيت كِنان و هناك أكتشف كل شىء وذهب سريعاً إلى المستشفى
و لم يستطع هو البقاء و الأنتظار ... فقلبه يخبره أن هناك أمر خطير قد حدث و إن جِنان ستكون بحاجته
*******************
حين وصل إلى هناك صدم من الأخبار و من حالة كِنان الخطيرة لكن حين وصل إلى الطابق الخاص بغرفة العمليات الذي يضم صديقه وقف مكانه مصدوم من تلك الطفلة الصغيرة التى تجلس على إحدى المقاعد تضع يديها فوق خافقها تتمتم بشىء ما
أقترب منها بهدوء وجهها الشاحب عيونها الغارقة فى بحور من الدموع .. جعلته يدرك من هي
وقف مكانه يتذكر كلمات صديقه عنها قبل حدوث كل هذا بدقائق و كأنه كان يحفظ لديه سر كبير أو كان يشعر بحدوث كل هذا
- عارف يا رامي رغم أنى تقريباً مش فاكر ملامحها لكن تفاصيلها محفوره جوايا ... ترتيب البيت لمستها الرقيقة على كل ركن ... ريحة البيت ريحة البيت نفسها أتغيرت يا رامي
صمت قليلاً ثم أكمل بابتسامة صغيرة
- مفيش أحلى من إحساس إنك ترجع البيت فى أى وقت تلاقي أكل بيتي يجنن سخن و متجهز ليك مخصوص
ضحك بصوت عالي ثم أكمل
- أنا بقيت أحب أرمي هدومي فى كل مكان علشان أشوف ترتيبها للأوضه أشم ريحة إيديها على هدومي بقيت أعشق أنام على سريري علشان هى إللى بترتبه
كان رامي يستمع لكلماته بصدمه و عدم تصديق حاجبيه مرفوعان إلى منابت شعره ... فمه مفتوح و عيونه جاحظة من هذا الذي يتحدث بتلك الطريقة الحميمية عن أنثى
من هذا الذي يبتسم كالأطفال ... و يشاغب مثلهم ... و من تلك الفتاة التي قلبت حال صديقة بتلك الطريقة
لتجيئه الإجابة دون أن يسأل من الأساس
- رغم أنها بنت بسيطة جداً ... مش متعلمه بس عقلها و قلبها كبير ... حنينه و قلبها طيب تحسها أمك تحسها وطن واسع حنون كريم و معطاء رقيييييقة و ناعمة رغم أن الهدوء و الصمت متغيروش بوجودها إلا أن أنفاسها بالنسبه ليا أحلى و أجمل ضوضاء فى الدنيا
رفع رامي ذراعيه و كأنه عازف كمان يمسك بين يديه آلته المميزة و يعزف أجمل الألحان
- تيراااااا را تي رارارا
لينظر إليه كِنان بشر ليقول رامي سريعاً
- أنت وقعت و لا الهوا إللى رماك
- برائتها هى إللى جابتني على بوزي
أجابة كِنان بأقرار و هو يبتسم إبتسامة صغيرة سعيدة ليصفق رامي و هو يقول
- أيوا بقى يا كِنان و أخيراً لقد هرمنا من أجل تلك اللحظة
عاد رامي من أفكاره و هو يدرك الأن ما كان يقصده صديقة
أخذ نفس عميق و هو يفكر بتمعن حالتها تبكي الحجر صمت ، خوف ، قلق يرتسم على محياها و ضياع مخلوط بوحده قاتله
إذًا هو بحاجه إليها ... هي الوحيدة القادرة على طمئنتها
أخرج هاتفه و أتصل بها و أخبرها بأيجاز بما حدث و طلب منها الحضور
أغلق الهاتف و أعاده إلى حسب بنطاله و أقترب منها ظلت نظراتها ثابته تنظر أرضًا بشرود
- أطمني
لينتفض جسدها بخوف و هي تنظر إليه باستفهام و خوف ليرفع يديه أمامها و هو يقول سريعاً
- متخافيش أنا رامي صاحب كِنان
ظلت صامته عيونها خائفة ليشعر بالشفقه عليها و لكنه يريد أن يفهم سبب ما حدث
ليجلس على ركبه واحده أمامها وهو يقول بقلق
- أيه إللى حصل ؟
ظلت صامته تنظر إليه بتشتت و كلمات ذلك الرجل تعود لتتردد فى أذنها
- ده أنتِ طلعتي مزه حلوه ... صحيح لوجين صاروخ بس أنتِ حتة قشطة على ذبدة فلاحي غرقانه فى العسل الأبيض ... هى قالتلي أضربك على دماغك وأقلعك و أنام جنبك على السرير علشان أما البيه يجي يشوف المنظر يطلقك ... بس أنا بقى يا حلوة عايز أدوق و لا أنتِ أيه رأيك
رفعت عيونه إليه وقالت بصوت مختنق و ضعيف
- نطمن عليه الأول و بعدين تعرف إللى حصل
شعر أن هناك سر كبير ... و شىء خطير لكنه أيضاً لا يستطيع إجبارها على الحديث خاصة و هي على تلك الحالة من الخوف و القلق ... وقبل أن يعتدل واقفاً لاحظ تلك العلامات الحمراء على يديها و التي تصل لحد الجروح البسيطة أيضاً لاحظ تلك الكدمة على وجنتها أسفل عينيها مباشرة
ليشعر بالقلق أكثر لكن أصوات خطوات تقترب جعلته يوجه إنتباهه إلى صاحبتها التى تقترب و القلق و التوتر يرتسم على ملامحها بوضوح
وقفت أمامه و عيونها تحمل الكثير من الأسئلة ليرفع كتفيه بمعني لا يعلم
ثم أشار بعينيه على جِنان لتومىء له بنعم ليقول هو بصوت هادىء
- أعرفك شيرين خطيبتي
رفعت جِنان عيونها إليهم لثوانِ أومئت بنعم و عادت تنظر أرضاً بشرود مره أخرى
لينظر كل منهم للآخر بحزن و قلة حيله
لكن ليس بيدهم شىء يفعلاه الأن ... جلست شيرين جوارها بصمت و وقف رامي أمامهم يستند على الحائط و عقله سارح فى الأفكار
مرت أكثر من ساعة و لايعلمون شىء عن كِنان الموجود داخل تلك الغرفة المخيفة
وصمت جِنان أجبرهم على الصمت ... مرت ساعة أخرى و خرج الطبيب لتركض إليه جِنان لحقها رامي و شيرين ليقول الطبيب
- الحمد لله أحنا قدرنا ننقذ باشمهندس كِنان صحيح الحالة لسه مش مستقره بس إحنا هنعمل كل إللى نقدر عليه
و عاد إلى غرفة العمليات من جديد ليعود الصمت  بين ثلاثتهم
لكن صوت خطوات لحذاء ذو كعب عالي كسر ذلك الصمت و كان السبب فى حدوث ما لم يتوقعه أحد
فتلك القطة الصغيرة ... الخائفة ... التي كانت ترتجف الان خوفاً كطفلة تائه من والديها تتحول إلى قطة كبيرة شرسة لها مخالب جارحه تستطيع ان تخدش بها كل من يحاول اذيتها او اذيه من يهما
فلقد توجهت إلى لوجين بغضب و قوة و أمسكتها من ملابسها و هى تقول بغضب كبير
- بقى أنتِ تعملي كل ده ... الغل و الحقد إللى جواكي يوصلوكي إنك تبعتي حد يعتدي عليا و يقتل كِنان بيه أنتِ أيه شيطان
كانت لوجين تصرخ بخوف و هى تحاول أبعاد يد جِنان عنها و هى تقول
- أنتِ يا بتاعه أنتِ أبعدي عني أنتِ أتجننتي تمسكيني كده إزاى و أيه إللى أنت بتقوليه ده
أقترب رامي سريعاً و هو يقول بغضب مكتوم
- أنا عايز أفهم فى أيه ؟
تجاهلت جِنان كلمات رامي و رفعت أصبعها فى وجه لوجين و قالت بتحذير
- أصبري بس لحد ما كِنان بيه يفوق و هو هيعرف يتصرف معاكى و لو فاكره إنك قادرة تخوفيني و لا حتى تأذيني تبقي غلطانه أنا شوفت من الدنيا إللى يخلي جلدي صخر يكسر سنان إللى عايز ينهشه
وأقتربت خطوة منها و قالت
- كنت ضعيفة و مسكينة و وحيدة وقدرت أنهش لحم إللى فكر يمد إيده عليا تفتكري مش هقدر أقف قدامك دلوقتي وأنا مرات كِنان الصوالحي
قالت إسمه بفخر و قوة و أنف مرتفعه ليبتسم رامي إبتسامة صغيرة بأعجاب لكنه أيضاً لا يستطيع تجاهل كلمات جِنان
لم يقف مكانه حين تراجعت لوجين مبتعده عن مكانهم ليخرج هاتفه و أعطى أوامره الذي يعلم جيداً أنها ستنفذ كما يريد و أفضل
و كأن التى كانت تقف أمامهم إنسانه أخرى عادت حِنان لتجلس مكانها بصمت من جديد
مر اليوم و هي على نفس حالتها صامته لم تتناول الطعام رغم كل محاولات رامي و شيرين التي حاولت التعرف عليها و جعلها تتحدث و تخرج ما بداخلها لكنها ظلت صامته
من داخلها الكثير و الكثير من الكلمات و لكنها لم تتعلم يوماً أن تعبر عما بداخلها و كيف ذلك و هى وحيدة طوال حياتها
خرج الطبيب من غرفة الرعاية ليوقفه رامي و هو يقول
- أخبار كِنان أيه ؟
إبتسم الطبيب إبتسامة صغيرة و هو يقول
- مين جِنان ؟
رفعت جِنان عيونها له و قالت بصوت ضعيف
- أنا
نظر إليها الطبيب و قال
- المريض طول الوقت بينادي عليكي و من الواضح أنه محتاجك علشان كده هسمحلك بخمس دقايق بس
وقفت سريعاً و هى تومىء له بنعم ليشير لها أن تلحق به
دلفت إلى غرفته بعد أن أرتدت الملابس المعقمه ظلت واقفه لثوانِ جوار الباب تنظر إليه و تجمعت الدموع فى عيونها من جديد حيث عادت إليها نفس اللحظات حين حاول ذلك الرجل الإعتداء عليها بعد أن ضربها بقوة و عنف و طعناته لكِنان بوحشيه و دون رحمه و نظراته لها قبل أن يغمضها
أقتربت من السرير و نظرت إلى جزعة العاري المغطى بتلك الضمادات البغيضة التى تحاوط كل خصره أثر كل تلك الطعنات القاسية
جلست على الكرسي الموجود بجانب السرير و نظرت إلى كل تلك الأسلاك الواصلة به
مدت يدها حتى تمسك يديه لكنها تراجعت عن ذلك ثم نظرت إلى وجهه و قالت
- طول عمري عايشه لوحدي حتى وقت ما كانت أمي عايشه ديماً كنت بحس بالخوف الوحدة الضياع لكن من يوم ما دخلت بيت الصوالحي لأول مره فى حياتي أحس أنا ليا ظهر و سند الحج مرسال بحنانه و قلبه الكبير الأب إللى كان نفسي فيه طول حياتي و أنت بقوتك و خوف كل الناس منك كلمتك إللى محدش يقدر يكسرها و الحق إللى ديماً معاك خلاني أغمض عيني و أنام براحة و أمان
صمتت لثواني سارحه فى أفكارها غير منتبهه لذلك الصوت الذي بدء فى العلو من ذلك الجهاز المجاور لها لتكمل كلماتها
- مش هنكر أنى بخاف منك رجلي مش بتشيلني قدامك ... بس وجودك يعنى كل الأمان
عادت للصمت لعدة ثوانى ثم قالت و هى تنظر إلى وجهه
و قالت بألم
- وقت ما أتهجم عليا الراجل ده ... قاومت بكل قوتي قاومت وصوتي كان بيصرخ رغم أنه كان كاتم صوتي لكن قلبى كان بيصرخ بأسمك كنت بتوسل ليك إنك تيجي و كنت متأكدة إنك هتلحقني
عيونها زائغه فى كل مكان تحول منع دموعها من الهبوط لكنها لم تعد تحتمل ... ليرتفع صوت الجهاز أكثر و أكثر لتكمل هى كلماتها
- وقت ما شوفت الدم مغرق هدومك أتمنيت الموت ... كرهت نفسي و لومتها أنها نادت عليك أن قلبي كان عايزك تيجي تنقذني ندمت و قلبي من وقتها وقف نبضه
و دون أن تلمس يديه بيدها أقتربت تقبل يديه بأسف واعتذار وهي تقول
- أنا آسفه يا بيه ... آسفه .. بس لازم تخلي بالك أنت حاوي أفعى هى السبب و رى كل ده
صمتت .. لكنها لم تغادر .. صوت أنفاسه هيئته فسوف تشتاق إليه بشده
خرجت من الغرفة و هى لا تعلم ماذا فعلت فى ذلك الذي أستمع إلى كل كلمه منها
************
حين غادرت الغرفة كان الحج مرسال يقف بالخارج يظهر على وجهه الحزن و القلق
رفع عيونه ينظر إليها بحنان حين وجد عيونها تمتلىء بالدموع ليفتح لها ذراعيه لتركض إليه و خبئت وجهها فى صدره و بكت بصوت عالي ظل يربت على ظهرها بحنان حتى هدأت
لتبتعد عنه قليلاً و قالت بصوت مختنق
- رجعني البلد ... أنا مش قد كل إللى بيحصل هنا ده
- و تسيبيه لوحده ؟!
إبتسم بهدوء و أكمل قائلاً
- رغم إللى هو فيه بس أنتِ كشفتي مين إللى بيحبه بجد و مين إللى عايز بيه الشر تفتكري صح إنك تسيبي جوزك فى الظروف إللى هو فيها دلوقتي و تمشي
هزت رأسها بلا ببرائة الأطفال التى ترتسم على ملامحها بطبيعتها لكنها قالت أيضاً بتوسل
- هفضل جمبه و معاه بس أول ما يخف هترجعني البلد
ربت على كتفها بحنان و قال مؤكداً
- وقتها لو طلبتي مني تاني ترجعي هرجعك و محدش هيقدر يمنعك
أنحنت تقبل يديه بإحترام ليقول هو بقلق
- طمنيني عليه ؟
عادت دموعها تسيل فوق وجنتيها من جديد ليقول
- لا حول و لا قوة إلا بالله ... لله الأمر من قبل و من بعد .
لتمسك يديه بحنان و قالت برفق
- تعال أرتاح شوية و ان شاء الله خير
سار بجانبها بهدوء و جلس و هو يردد
- إلهي أذهب البأس ربّ النّاس، أشفِ وأنت الشّافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا، أذهب البأس ربّ النّاس، بيدك الشّفاء، لا كاشف له إلّا أنت يارب العالمين، اللهم إنّي أسألك من عظيم لطفك وكرمك وسترك الجميل، أن تشفيه وتمدّه بالصحّة والعافية، لا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك، إنّك على كلّ شيءٍ قدير
مرت ثلاث أيام .... هى على نفس حالها تجلس بالخارج و رغم أن الطبيب سمح بالزيارة رغم إستمراره فى غيبوبة إجباريه بقرار من الطبيب إلا أنها لم تدلف إليه منذ آخر مره
كانت تفكر ماذا ستقول له إذا دلفت إليه ... و من هى فى الأساس حتى تشارك والده و صديقه المقرب فى حق من حقوقهم ... و حين يخبرها قلبها أنه كان يهمس بأسمها تقول بتأكيد كان بسبب ما حدث و الضغط و الخوف
كان رامي يتحدث فى الهاتف حين أقتربت منها شيرين و معها بعض الشطائر لتنظر إليها جِنان باندهاش لتقول شيرين بابتسامة مريحة للنفس
- أنا فهماكى و حاسه بيكي ... بس كمان عندي كلام عايزة أقوله ليكي ولو سمحتي أسمعيه
- فهماني إزاى و حاسه بيا أيه ؟ تعرفى عني أيه علشان تحسي بيا أو تفهميني
قالت جِنان ببعض الإندهاش و عدم التصديق لتبتسم شيرين إبتسامة ناعمة رقيقة و قالت بمحبه
- يمكن معرفش عنك كتير لكن إللى شوفته منك و إللى عرفته من رامي يخليني أحترمك جداً و أتمنى نبقى أصحاب
كانت جِنان تنظر إليها باندهاش و صدمه لتكمل شيرين كلماتها
- المواقف الصعبة هى إللى بتوضح معادن الناس و أصلها يعني مثلاً لوجين من عيله كبيرة و والدها كان رجل أعمال معروف لكن شوفى هى عملت أيه ؟ و بعدين مين قال إن الغنى أو الفقر هو مقياس الصداقة و معرفة الناس ... لو هنتكلم بصراحة أكتر رامي مثلاً مش غني و لا معاه فلوس زي كِنان لكن الأتنين شركاء و أصحاب
كانت جِنان تنظر إليها بصمت تحاول إستيعاب ماذا تريد أن تقوله لتبتسم شيرين أكثر و قالت
- ده غير مثلاً أن رامي مسيحي لكن إللى يشوف رامي و كِنان مع بعض و يشوف صداقتهم القوية و إزاى فاهمين بعض و إزاى قادرين يستوعبوا افكار بعض و رغباتهم الداخليه من نظره عمره ما يفكر فى حكاية فرق الديانات ده
أخفضت جِنان عيونها أرضاً حين أكملت شيرين كلماتها
- و فى الحقيقة و بعد ما شوفت و فهمت كل إللى بيحصل و حصل أتمنيت أنا و أنتِ كمان نكون أصحاب ده طبعاً لو أنتِ معندكيش مشكلة فى كده
رفعت جِنان عيونها باندهاش لتجد شيرين تمد يدها لها و على وجهها إبتسامة رقيقة هادئه كملامحها الرقيقة التى تحاوطها خصلات شعر بني اللون لتقول هى بخجل
- معندكيش مشكلة تصاحبي واحدة فقيرة و كانت خدامة فى يوم من الأيام
- أتمنى أصادق جِنان البنت الجدعة إللى وقفت فى وش إللى عايز يأذيها و يأذي جوزها إللى الحج مرسال بيقول عليها لا فيه فى أخلاقها و لا طيبة قلبها
أجابتها شيرين بابتسامة و عادت تمد يدها لها من جديد لترفع جِنان يدها و وضعتها فى حضن يد شيرين فى نفس اللحظة التي خرج فيها الطبيب من غرفة كِنان و هو يقول بابتسامة واسعة
- الأستاذ كِنان فاق ... ألف حمدالله على سلامته
ليبتسم الجميع بسعادة و راحة و أرتفعت أصواتهم بالحمدلله ليقول الطبيب من جديد و هو ينظر إلى جِنان
- هو عايز يشوفك
إرتعش جسدها خوفاً ... و ظهر القلق جلياً على ملامحها الرقيقة حين أقترب الحج مرسال منها و حاوط كتفها بذراعة لينتفض جسدها و هى تنظر له برجاء و توسل ليقول هو بابتسامة
- خايفة ليه كده ؟ هو هيعملك أيه و هو فى الحالة دي ؟ أدخلى يلا شوفيه عايز أيه
ظلت واقفه مكانها تنظر إليه برجاء و إلى شيرين بتوسل لتدفعها شيرين برفق و هى تقول
- يا بنتي ده جوزك مش الأشكيف
بأقدام من هلام تقدمت من باب الغرفة قلبها يرتعش داخل صدرها و لسانها لا يتوقف عن الدعاء و كأنها ذاهبه إلى الحرب و ليس لرؤية زوجها المصاب طريح الفراش
طرقت الباب عدة طرقات ثم فتحته بهدوء و دلفت و عيونها أرضاً غير قادرة على النظر إليه ليصلها صوته الذي جعل كل خليه فى جسدها ترتعش خوفاً و رهبة و أيضاً شعرت أن قلبها يرقص بسعادة ها هو صوته يدوي من جديد ... مصدر أمانها مازال على قيد الحياة لتجد نفسها ترفع عيونها تنظر إليه لتجده ينظر إليها بتفحص و قلق و لم ينتظر لتقترب منه فقال مباشرة
- أنتِ كويسة ؟ الكلب ده أذاكي ؟
هزت رأسها يميناً و يساراً بمعنى لا ليقول من جديد بأمر
- قربي
أقتربت صاغرة و دون إيراده منها ليقول حين ظهر جسدها النحيل أمام عينيه بشكل أوضح
- تعرفيه ؟
ظهر التوتر على ملامحها و الخوف عاد ليسكن عيونها ليتوه عقله فى بحور الحيره ليقول من جديد و لكن صوته حمل بعض الغضب
- بقولك تعرفيه ؟
هزت رأسها من جديد بمعنى لا ليقول هو باستفهام يحمل بعض التوسل أن تريح قلبه و تطمئنه
- أيه إللى حصل ؟
لترفع عيونها تنظر إليه باندهاش من تلك النبرة و قالت بهدوء
- أنا معرفش هو مين بس أعرف مين إللى سلطه ... و متقلقش هى منتظره عقابك
قطب جبينه بحيره و قال بعدم فهم
- مين ؟
قصت عليه كل ما حدث من وقت فتحت باب الشقة لذلك الرجل ظناً منها أنه حارس العقار إلى ضربه لها و سحلها من شعرها حتى غرفة النوم و كلماته التى قالها و علمت منها أن من حرضته هي لوجين و تجاهلت تماماً ذكر مواجهتها لها و تلك الكلمات التي قالتها و لا تعلم من أين أتت لها الجرئه فى قولها
ليظهر الغضب واضحاً على ملامحه و قبض يديه حتى أبيضت مفاصل أصابعه لتقترب هى سريعاً منه و جلست على ركبتيها جوار السرير و وضعت يديها على يديه و قالت
- أرجوك أهدى أنتَ لسه تعبان و رامي بيه متحفظ عليها لحد ما تخف و تقف على رجلك
هدأت ثورته و ضاع غضبه حين لمست يديها يديه حين تحدثت بطبيعتها الحنونة الرقيقة حين لاحظ نظراتها الخائفة عليه و ليس منه و لكن تلك البيه التى لحقت بأسم رامي جعلت الدماء تفور فى عروقه من جديد لكنه حاول بكل الطرق أن يهداء مرت عدة ثوانى فى صمت هى تنظر إليه بخوف على صحته و خوفاً من غضبه و هو فى تأمل ملامحها الطفولية البريئة و الناعمة ثم قال
- قومي من على الأرض يا جِنان
بخجل شديد و وجنتيها تتلون باللون القاني ليقول لها بابتسامة صغيرة
- أنا عايز أشكرك إنك قدرتي تتصرفى و تنقذيني
نظرت أرضاً بخجل و قالت بصوت يرتعش
- أنا معملتش حاجة
مر يومان أخران غادر فيها كِنان غرفة الرعاية
ظل الحج مرسال معهم فى المستشفى رافضاً تماماً العودة إلى بيته إلا و إبنه معه فالأمر لم يكن سهل عليه رغم أنه لم يظهر ذلك لكن قلبه كاد أن يتوقف و للحظات كان يشعر بالخسارة و الألم و يفكر هل أخطىء فى حق إبنه و ظلمه و لكن مع إهتمام جِنان و رعايتها و نظرات كِنان الذي يفهمها جيداً جعله يطمئن و يرتاح
مرت أيام المستشفى بين حديث جانبي بهمس بين كِنان و رامي
و صداقه تشتد و تقوى بين جِنان و شيرين التى ساعدت جِنان فى التأقلم مع كل شىء حولها حتى تعاملات كِنان التى لا تستطيع فهمها و تصديقها
لقد أصبح حاني ينظر إليها نظرات تجعل جسدها يرتعش تلك الرعشة اللذيذة و قلبها الذي لا يتوقف عن الطرق بقوة و وجهها الذي يتلون بالأحمر من كثرة الخجل
قرر الطبيب أن كِنان يستطيع الخروج من المستشفى لكن عليه إلتزام الراحة لمدة شهر كامل دون مجهود لينظر كِنان إلى رامي و قال بمرح رغم أن وجهه يرتسم عليه الضيق المصطنع
- فرصه وجتلك الشركة كلها هتبقى تحت إيدك يا جزمه
ليضحك رامي بصوت عالي ويقول بسعادة بالغه
- و أخيراً ... أدونا فرصه بقى ... اليوم قد أنتصر الحق
و لم يكمل كلماته بسبب إلقاء كِنان علبه الدواء عليه لينظر إليه رامي باندهاش ليقول كِنان بتحذير
- و حيااااااتك عندي لما أرجع و لو لقيت حاجة مش على مزاجي لهعلقك على باب الشركة يا رامي يا ابن ام رامي
ليرتسم التوتر على ملامح رامي و هو يركض إلى كِنان يمسك يديه يقبلها و هو يقول
- السماح و الرضا ... إحنا آسفين يا صلاح قصدي يا كِنان
كانت تبتسم و هى تشاهد كل ما يحدث ... خلال تلك الفترة فهمت معنى كلمات شيرين و رأت بعينها العلاقة بين كِنان و رامي
فى السيارة الخاصة بالحج مرسال كانت تجلس جواره فى الكرسي الخلفي تشعر بالتوتر و الخوف هذه أول مره تكون جواره بهذا القرب و كان هو يعرف جيداً بما تفكر و إحساسها
كلمات رامي له بعد أن أستعاد وعيه قبل أن يخبرهم الطبيب بذلك جعله يتأكد من صفاء قلبها و صدقها و كم هى إنسانه رائعة و مميزة و أن بداخلها فتاة قوية قادرة على المواجهه و حماية من هم منها إبتسم إبتسامة صغيرة ثم أقترب منها قليلاً و قال بهمس
- مش هكلك على فكرة أقعدي براحتك
نظرت إليه بجانب عيونها و هى ترتعش خوفاً ليضم يديها بيده الكبيرة و أكمل همسه قائلاً
- تعرفى أن أنا و أنتِ متجوزين يعني عادي تقعدي جمبي براحتك
لم تعلق و لم تنظر إليه و زادت إرتجافة يديها أسفل يديه
ليشعر بالشفقه عليها و على كل ما مرت به جعلها تشعر بكل ذلك الخوف بجانبه ... هو لا يبرء نفسه أو يتخلى عن مسؤلياته و أنه سبب من اسباب كثيرة فى ذلك الخوف
الم يطمئن قلبها قليلاً خلال أيام المستشفى
حين وصلوا إلى البيت الكبير كان يقف هناك عند الباب عفاف و زوجها الذي يحاوطها براعية فقد حملت بعد أكثر من ثلاث سنوات و جوارهم براء الذي يقف خطوة خلف زوجته التى ترفع رأسها بخيلاء و غرور
ترجلت جِنان من السيارة و وقفت مكانها لم تعلم ماذا عليها أن تفعل أو أين تذهب
عادت إلى مكانها الحقيقي ... هنا كانت خادمة و هنا ستعود إلى أصلها و إذا ظنت للحظة أنها بالفعل زوجة كِنان الصوالحي فالآن تعود إلى وعيها و تعلم جيداً مكانتها
كان ينظر إليها باندهاش و رغم صمتها و هدوئها الدائم إلا أنها الأن بها شيء غريب
يشبه إنطفاء الروح ... وجهها عاد يلتصق بالأرض تقف مكانها تنتظر الأوامر كما كانت قبل كل ما حدث
أقترب هو منها ببطىء رغم الألم الذي يشعر به إلا أن ألم قلبه أكبر و أقوى من ذلك الجرح اللعين
و دون حديث أو سابق أنظار مد يده يمسك يدها ... و بداء يسير بها فى إتجاه وقوف إخوته ليشعر بخوفها الذى يسرى فى عروقها بسبب إرتعاشة جسدها ليهمس لها
- متنسيش إنك مرات كِنان الصوالحي و لا نسيتي إللى أنتِ قولتيه للوچين
رفعت عيونها تنظر إليه بصدمه ليردد كلماتها بفخر و سعادة
- (( كنت ضعيفة و مسكينة و وحيدة وقدرت أنهش لحم إللى فكر يمد إيده عليا تفتكري مش هقدر أقف قدامك دلوقتي وأنا مرات كِنان الصوالحي ))
ثم أقترب منها أكثر و قال
- أنتِ مرات كِنان الصوالحي يا جِنان أفتكري ده كويس
لكنها لم تستوعب كلماته أو الرسالة الواضحة الذي يرسلها لها ظلت صامته طوال الوقت لا تفعل شيء سوا تقليده فمازال يمسك بيديها و يرفض تركها
يسير تسير بجانبه ، يجلس تجلس بجانبه يقف تقف و الجميع يلاحظ و يلوُّن فمهم ببعض السخرية إلا الحج مرسال يفهم جيداً ما يحدث و يبتسم بسعادة فولده قد دق قلبه
و كان هو رغم حديثه مع إخوته إلا أن عقله و قلبه و روحه مع من تجلس جواره صامته بشكل يؤلم القلب
هل هناك شىء يؤلم أكثر من كونك لا تجد نفسك و لا تشعر بأهميتها ... أن تفقد الثقة فى كل شىء حتى فيما تستحق ... أن ترى نفسك قليل كما يراك بعض الناس أو كما تظن ... هى لا ترى نفسها من الأساس
أنه يعلم جيداً ان كلماتها للوچين كانت من دافع الخوف و إحساس الذنب و يعلم جيداً أنها خجلت من نفسها بعد أن أستوعبت ما قالته لكنه أبداً لن يتركها على هذا الحال لقد دق قلبه بأسمها
خاصة حين وجدها تعافر مع ذلك القذر بكل قوتها رغم أن جسده أضعاف أضعاف جسدها
وقف لتقف هى الأخرى ... قال لأخوته بأرهاق
- معلش أنا مش قادر أقعد أكتر من كده محتاج أرتاح
و تحرك و هى خلفه مباشرة حتى وصل إلى غرفته فى الطابق الأعلى
حين دلف إلى الغرفة و هى خلفه و أغلق الباب ترك يديها بهدوء و توجه إلى السرير يجلس عليه بأرهاق واضح
ظلت يدها معلقه فى الهواء لعدة ثوانى حتى أستوعبت ما حدث ... ان تمسكه بيديها و بوجودها جواره فقط لأن الجميع يعلم أنها زوجه كِنان الصوالحي ... و الأن عادت إلى الحقيقة المؤكدة ... خادمة مجرد خادمة
يعلم ما تفكر به لكنه حقاً يتألم يشعر بألم حاد فى جرحة أقتربت هى بهدوء و جلست أسفل قدميه تخلع عنه حذائه و جوربيه ... ثم توجهت إلى الخزانة الكبيرة و أخرجت ملابس منزليه مريحة و عادت تقف أمامه تساعده فى تبديل ملابسه
و حين أنتهت قامت بتعديل وضع الوسادات حتى يستطيع النوم
ثم تحركت سريعاً تخرج الأدوية الخاصة به و أعطته دوائه كل هذا يحدث بصمت شديد عيونها على ما تقوم به و عيونه ثابته عليها هى
حين أنتهت توجهت إلى باب الغرفة حتى تغادر ليوقفها ندائه لها
- جِنان
ألتفتت إليه دون رد ليقول هو باستفهام
- أنتِ رايحه فين ؟
ظلت صامته لعدة ثوانى ثم قالت بصوت مرتعش
- رايحه أوضتي
- أوضتك ؟! مش فاهم
ظهر التوتر جلياً على ملامحها و هى تقول بتوتر جعل صوتها يزداد إرتعاشا
- او.. أوضتي ال ... القديمة
ليقف و توجه إليها و بداخله نار إذا غادرت صدره حرقتها لكنه يفهم جيداً بما تفكر لذلك قال بهدوء
- ليه ؟
رفعت عيونها تنظر إليه نظرة خاطفه ثم اخفضتها من جديد و قالت
- علشان أسيبك ت ... ترتاح
أقترب خطوة أخرى و قال بصدق
- راحتي فى وجودك جنبي يا جِنان
نظرت إليه بصدمه و اندهاش ليكمل هو كلماته
- تعرفي إنك و من غير ما تقصدي خلتيني أعرف حقيقة الدنيا و الحياة و الناس كمان
كانت عيونها ثابته عليه بصدمه و عدم فهم ليكمل هو كلماته الذي أراد قولها من أول مره فتح عينيه فيها بعد ما حدث فى المستشفى
- جِنان أنتِ أضعف و أقوى بنت شوفتها فى حياتى ... ضعيفة لأنك مستسلمه لكل إللى بيحصل حواليكي سايبه نفسك للدنيا هى إللى تمشي حياتك ... لكن وقت الجد قادرة تهدي الدنيا
أقترب خطوة أخرى حتى لم يعد يفصل بينهم أي شىء ليزداد سرعة تنفسها حين قال
- صدق من سماكي جِنان ... أنتِ فعلاً جمع جنة أنتِ نعيم ربنا على الأرض
دموعها الأن تنهمر من عيونها دون صوت ليكمل كلماته الصادقه و أعترافاته
- أما الحج قالي أنه عايز يتجوزك كنت شايف إنك قدرتي تلعبي عليه علشان فلوسه ... لكن أما وافق أنى أنا أتجوزك بسرعة و من غير تفكير حسيت أن في حاجة غريبة فى الموضوع
قال كل ذلك و هو يمسك بيديها و يسير بها إلى تلك الأريكة الكبيرة ... جلس و أجلسها بجانبه و لم يترك يدها و أكمل قائلاً
- بس وقتها كان كل إللى يهمني أنى أحمي أسم الحج مرسال و إن محدش يقول عليه أتجوز عيله أصغر من عياله
إبتسم إبتسامة صغيرة و أكمل
- لما عشتي فى بيتي أكتشفت حاجة مهمه جداً إنك مش طماعه و إنك حقيقي غلبانه و طيبه ... لأ و مش بس كده أنت كمان الصوره الجميلة للبنت إللى يتمناها أى راجل ... رقيقة ، جميلة ، حنونة ، ضعيفة معاه و محتاجه حماه و فى غيابه أسد و أرجل من أى راجل
لم تتوقف دموعها عن الهطول و هي تستمع لكل تلك الكلمات ... كيف هذا ؟ و من هذا الذي يتحدث عنها بتلك الطريقة ؟ هل هو كِنان الصوالحي أم أنها تتوهم
أعتدل يمسك يديها بقوة حانيه و ينظر إلى عمق عيونها و قال
- جِنان أنا محتاج وجودك فى حياتي .. أنتِ بالنسبه ليا زي نسمة صيف فى عز الحر أو شربة ماية لواحد بقاله أيام و أيام ماشي فى الصحرا
- أنا
قالت بتعجب و صدمه ليومىء بنعم و هو يقول بصدق
- ايوه أنتِ ... خلينا نستغل الفرصه اللى ابويا ادهلنا خلينا نعيش الحياه اللى محدش فينا كان يتخيل يعيشها طالما ربنا اختار لينا كده يبقا اكيد فيها كل الخير لينا
وظلت صامته تنظر اليه من خلف غيومها الرقيقه و تلك القطرات التى تشبه اللؤلؤ البراق و بسبب نظره عينيه التى احتوت قلبها بحنان اومئت بنعم لينحنى يقبل يديها لتحاول سحب يديها لكنه كان يمسكها بقوه و نظر اليها بحب ثم عاد يقبل باطن يدها من جديد
ثم وقف و اوقفها امامه و قال
- يلا قومي رتبي هدومك فى الدولاب و غيرى و خلينا نرتاح أنتِ من يوم اللى حصل و أنتِ واقفه على رجلك و مرتحتيش
فتحت فمها حتى تجيب على كلماته و لكنه وضع يديه على فمها يسكتها لتقبل يديه باحترام ليبعد يديه سريعا و قال بحب
- يلا بقا
ثم اشار على باب مغلق و هو يقول
- الحمام اهو
اومئت بنعم و ابتسامه صغيره تشق فمها و هى تفكر انه دائما ينسى انها تحفظ البيت اكثر منه ليضرب مؤخره رأسها برفق و هو يقول
- خلاص ... افتكرت انك حافظه البيت لاحظى انى مريض و ليس على المريض حرج
لتتسع ابتسامتها لكنها قالت بخوف و هى تمسك يده وكأنها تساعده ليبتسم بسعاده و هو يفكر عصفورة صغيره تدعم تنين كبير و ضخم
- طيب تعالى ارتاح
سار بجانبها و هو يتمتع بلمسه يديها و خوفها عليه و اهتمامها الذي يفتقد مثله منذ وفاه والدته
ساعدته يتمدد على السرير و وضعت عليه الشرشف الابيض الذي يناقض سواد الاثاث
و تحركت بخجل تمسك حقيبتها اخرجت منها ملابسها و اعادت غلقها و تركتها فى احدى الجوانب ثم اغلقت اضائه الغرفه و دلفت الى الحمام
ظل ينظر الى باب الحمام لعده ثوان حتى غلب النوم جفنيه
غادرت الحمام بعد نصف ساعه لتجده يغط فى نوم عميق ظلت واقفه مكانها لا تعلم ماذا عليها ان تفعل و اين تنام
انها تشعر بالبرد الشديد فالمكيف يجعل جسدها ينتفض بردًا و لا تريد ان تصدر صوت حتى لا يستيقظ
ظلت واقفه لعده ثوان ... كادت ان تسقط دموعها
انتفض جسدها على صوته الناعس و هو يقول
- واقفه كده ليه ؟ تعالي يلا نامي
- فين ؟
اجابته سريعا و بخوف ليضحك بصوت عالي ثم قال
- هيكون فين بس يا جِنان تعالي يا حبيبتي جمبي
و ابعد الغطاء قليلا لتقترب بخجل و جلست على السرير
و رفعت الغطاء على جسدها ليغمض عينيه و هو يقول
- نامي يا جِنان مش بتحول لدراكولا بليل متخافيش
ليهتز جسدها بضحكه مكتومه ليقول من جديد
- متضحكيش و نامي يا بت أنتِ
وضعت راسها على الوساده و اغمضت عيونها سريعا بأرهاق لتغرق فى النوم سريعًا
فى صباح اليوم التالي فتحت عيونها بعد نوم مريح و عميق بأمان لم تجربه يومًا
نظرت جانبها لم تجده فأنتفضت واقفه ابدلت ملابسها سريعا و رتبت الغرفه و نزلت الى الاسفل لتجده يجلس مع الحج مرسال يتحدثون
اقتربت منهم سريعا و قالت بأسف
- انا آسفه حالا ... حالا هج...
ليقطع حديثها و هو يمسك يديها يجذبها لتجلس جواره و قال لوالده
- معندكش حبل يا حج
- حبل !
سأله الحج مرسال باندهاش ليقول كِنان موضحًا
- ايوه حبل علشان اربطها فى ايدي كده و علشان تحفظ و تتعلم ان خلاص مكانها بقا جمبي و انها بقت الست جِنان ست بيت الصوالحي
شهقت جِنان بصدمه و ابتسم الحج مرسال براحه و هو يحمد الله على ما وصل اليه ولده من تغير و تلك الابتسامه التى اصبحت ترتسم على ملامحه و الفضل يعود الى تلك الصغيره الرقيقه التى تنظر الى كِنان الان بعدم تصديق
ليقرب كِنان وجهه من وجهها و قال بصوت منخفض
- البيت بقا فيه بدل الخدامه ثلاثه ... و كلهم رهن اشاره منك يا جِنان ... يا ست بيت الصوالحي
لتنحدر تلك الدمعه الحبيسة داخل عيونها تسيل فوق وجنتها الورديه بشكل طبيعي اصبح يثيره و يتمني ان يقطف تلك التفاحه اليانعه بوجنتها او تلك الفراوله الصغيره على شفتيها
ايام و ايام تمر و بدء كِنان يتماثل للشفاء و تلك الايام لم تخلو من مناوشات كِنان اللطيفه التى تكسر حاجز الخوف داخلها ... و تجعلها تستوعب انها حقا اصبحت زوجته خاصه تلك القبله الصباحيه التي بدأت على جبينها ثم على وجنتها و الان اصبحت على شفتيها و كل يوم تصبح اعمق تجعلها تشعر باشياء غريبه و احاسيس مخطلته لكنها مميزه ... و تجعلها ترى كِنان بشكل مختلف حاني و طيب .... ابتسامته ترتسم على ملامحه دائما على غير عادته التى اعتاد عليه من صوت عالي و تقطيبه جبين ... و الغضب الدائم على كل من حوله
دلفت الى الغرفه لتجده يتحدث فى الهاتف مع رامي علمت ذلك بسبب غضبه المصطنع الذي يحدثه به
- يا ابني انت جايب الذكاء ده كله منين سبحان ما ابدعك
ابتسمت بدون صوت و فتحت الخزانه اخرجت فستان بيتي اسود اللون مزين بنقوش عربيه باللون الاحمر فالحج مرسال اخبرها ان اخوه كِنان سيوف يأتون اليوم فعليها ان تظهر بالمظهر الذي يفضله كِنان ... و كما يخبرها دائما (( سيده بيت الصوالحي )) و هي تريد ان ترى نظره الرضى فى عيونه و ان يفتخر بها حقا
انهى مكالمته و التفت فى نفس اللحظه التى غادرت فيها الحمام ترتدي ذلك الفستان و شعرها الاسود الطويل يحاوط وجهها الابيض الصغير ليقول بمشاغبه
- الجمال عدى الجمال تضحكيلي و تخدي كام
لتضحك بصوت عالي ليقول بسعاده كبيره
- يا بركه دعاك يا حج مرسال
لتخبىء وجهها بيديها ثم قالت
- يلا بقا انزل علشان اخواتك زمانهم وصلوا
ليقترب منها و همس جانب اذنها
- كِنان عمره ما يتأخر ... كِنان ديما موجود فى الوقت المناسب
لم تفهم ماذا يقصد لكنه فى الاساس لم يترك لها المجال للسؤال و لكنه وقف عند الباب و هو يقول
- مش عايز اشوف شعرايه واحده من شعرك تبان تحت مفهوم
اومئت بنعم ليقول من جديد
- شعرك ده ملكي انا بس مش كده
تلونت وجنتها باللون القاني و هى تومىء مره اخرى بنعم ليتركها اخيرا تأخذ انفاسها التي حبستها بسبب نظراته و كلماته
بالاسفل كان كل من عفاف ، عدنان ، براء و لارا حين اقترب كِنان من مجلسهم وصله صوت لارا تقول
- البنت دي مش مستوانا يا عمو و هتحرج كِنان فى الوسط اللى الشركه بتخطط تكون ركن اساسي منه
ليقول برآء مؤكدًا على كلمات زوجته
- ايوه يا بابا فعلا
لتقول عفاف مكمله لحديث اخوها و زوجته
- حقيقي يا حج ... بقا دى الزوجه اللى يتشرف بيها كِنان الصوالحي وسط اصحاب الشركات الكبيره المفروض يتجوز واحده كده من عيله كبيره تشرفه و تشرفنا
و اكمل عدنان قائلا بخبث
- صحيح هي حلوه ... بس الجمال مش كل حاجبه برضك يا حج
كاد الحج مرسال يرد على كلماتهم لكن المفاجئه كانت اجابه جِنان التى كانت تقف خلف كِنان امام باب الغرفه الكبيره و استمعت لكل ما قيل
- اكيد كل كلامكم صح ... بس انتوا ناسين حاجه مهمه اوى ... اللى بيجمعهم ربنا محدش يقدر يفرقهم ... و يمكن انا فعلا ملقش بكِنان بيه الصوالحي لكن الحقيقه الوحيده انى بتمنى اعيش عمري تحت رجله علشان بس اسعده و افرحه و اخليه مرتاح
كان الجميع ينظر اليها باندهاش حتى هو ... لتكمل كلماتها ببعض السخريه
- يمكن تقولوا ده تفكير خدمات ... بس هو مين اللى قال ان الست متكونش لجوزها حبيبه و عشيقه و اخت و ام و صديقه و خدامه ... زي ما هو بيكون امان و سند و حمايه ملاك له جناحات كبيره و قويه تستخبى تحتها من غير ما تشيل هم و بيكون كمان و بأمر ربنا قايم على كل مصالحها و حاجتها
كان كِنان ينظر اليها بابتسامه واسعه سعيده وفخوره ... هيئتها ... و وقفتها حديثها و نظره عيونها رغم ارتعاش جسدها الذي يشعر به وحده الا انه حقا فخور بها يتمنى ان يضمها الى صدره ان يقبل كل انش فيها راسها يديها و قدميها يحملها و يضعها داخل قلبه يخبئها من هذا العالم البشع
و كان الحج مرسال لا يختلف عنه كثيرا لكن الاربعه الاخرين كانوا يشعرون بنار حارقه بداخلهم و اهانه لا تغتفر لكن كٍنان قرر وئد كل هذا فنظر الهم و قال بقوه و ثقه
- البيت ده بيت الحج مرسال الصوالحي ... و بيتي كِنان الصوالحي و دلوقتي ست بيت الصوالحي هى جِنان و احترامها من احترامي و اللى يفكر يقلل من احترام خيالها اللى على الارض حسابه معايا هيكون عسير
نظرت اليه بأمتنان و حب و احترام و شكر ثم قالت بهدوء و ثقه
- اتفضلوا الغدا جاهز
كانت وجبه الغداء مشحونه دون حديث و الصمت احيانا يكون ببلاغه الشعراء المحنكين ... كان الحج مرسال ينظر الى ابنته و يلوم نفسه على موافقته على زواجها من عدنان و هو يعلم جيدا سواد قلبه و حقده على كِنان و ينظر الى براء ويشعر من داخله بالحسره و الخيبه ابنه يسير خلف زوجته و ليس له كلمه امامها
وحين ينظر الى كِنان و زوجته يدعوا الله ان يسعدهم و ينعم عليهم بالسعاده و الراحه و الزريه الصالحه و ان يرى بهم ما خسره فى الاخرون
انتهى الوقت ثقيل على الجميع و رغم ان الاتفاق كان على تقضيه اليوم بالكامل بالبيت الكبير الا انهم انسحبو خلف بعضهم بحجج واهيه
حينها امسك كِنان يد جِنان و قال لوالده
- عن اذنك يا حج فى كلمتين لازم اقولهم انا و هى
اومىء له الحج مرسال بنعم ... ليتحرك و هو يجذبها خلفه
كان جسدها يرتجف بخوف لكن ايضا تعلم الان انه لن يقسوا عليها ... سيكون حاني كما اعتادت
دلفوا الى الغرفه و اغلق الباب ينظر اليها ليجدها تنظر اليه بهدوء اقترب منها حتى لم يعد يفصل بينهم الا خطوه واحده قال باندهاش
- قوليلي جايبه جمالك و طيبه قلبك و رقتك دي منين .. لمعه عيونك اللي بتشوفني حاجه كبيره كلامك اللى بيلمس قلبي و روحي
- طيب و انت جايب حنانك و قلبك الكبير منين ... كرم اخلاقك و التواضع اللى بتتعامل بيه معايا ... الامان اللى بحسه جمبك و انك ابويا او اخويا .... انت دنيا كبيره اوي يا كِنان بيه
ليرفع عيونه الى سقف الغرفه و هو يقول بضيق
- كنتي ماشيه زي الفل و زي السكينه فى الحلاوه ايه بقا ايه كلمه بيه دى ... يا جِنان يا حبيبتي انا كِنان و بس
ابتسمت و هى تقول
- سكينه و حلاوه ... تصدق نفسي فيهم يا كِنان
ليضحك بصوت عالي و هو يقول
- تعالى بقا و انا هدوقك الحلاوه بس بطريقتي
بعد مرور بعض الوقت كانت تتمدد جواره يحاوطها بذراعيه يداعب خصلات شعرها الطويله التى تغطي كتفها العاري و هو يبتسم بسعاده كأسد تناول وجيه دسمه من وجبته المفضله
رفعت عيونها قليلا اليه و قالت بخجل
- هو انا ممكن أسألك على حاجه
- اكيد
اجابها سريعا لتقول هى بصوت ضعيف
- عملت ايه مع لوجين ؟
ابتسم ابتسامه واسعه و هو يقول
- لسه فاكره تسألي
اعتدلت تنظر اليه باندهاش ليقول هو بمشاغبه
- هحكيلك ... بصي يا ستي بعد ما رامي اتحفظ عليها فى المخزن القديم هى قالت له على كل حاجه على امل اننا نسامحها لكن رامي بقا جاب الواد اياه و بعد ما اخد الطريحه اللى هي جوزناهم لبعض و يابخت من وفق راسين فى الحلال و خليناهم يمشوا و معاهم هديه حلوه مننا و ببلاغ صغير اتقبض عليهم و معاهم ثلاثه كيلو حشيش و اكيد دلوقتي هيقضوا شهر العسل فى سجن طره
شهقت بصوت عالي ثم قالت
- أنتَ طلعت شرير بقا
اعتدل ينظر اليها من علو و هو يقول بتأكيد
- دى حقيقه و هثبت لك حالا و بالدليل القاطع و بما لا يدع مجالًا للشك
لتضحك بصوت عالي رغم انها تخبىء وجهها خلف يديها بخجل
بعد مرور خمس سنوات
كان الجميع مجتمع على طاوله طعام بيت الحج مرسال الصوالحي الذي يجلس على راس المائده و يجلس على قدمه حفيده ريان الذي لم يكمل عامه الثاني و على الكرسي القريب منه يجلس عمر الحفيد الاكبر و الذي يشبه كِنان فى كثير من تفاصيله و على الكرسي الاخر يجلس كِنان و جواره رامي و امامهم جِنان التى تحاول اجبار شيرين على تناول المزيد من الطعام و تخبرها انه مفيد لطفلها
اصبحت شركه كِنان من اكبر الشركات و متصدره دائما حتى انهم توسعوا و زادت شراكه رامى و كِنان اكثر و اكثر
و بسبب هذا تأخر زواج شيرين ورامي لعده سنوات عانت فيها شيرين من ظروف الشركه و ظروف رامي ... و لكن الان اثمر حبهم عن ذلك الطفل الذي ينموا داخل أحشائها

(( الحب له سر و مفتاح ... الثقه و الامان ... من تثق به سوف تقع فى حبه و من يشعرك بالامان يسكن روحك و يكون سبب سعادتك دائما و ابدا
الحب ليس المال او البيوت فاحشه الثراء الحب فى قلوب بيضاء طاهره تجد فى ابسط الاشياء سعادتها ))

تمت

🎉 لقد انتهيت من قراءة يوميات مجنونه.بقلم ساره مجدى 🎉
يوميات مجنونه.بقلم ساره مجدىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن