الفصل الثاني (2015)

323 19 0
                                    

بالماضي يتشكل كل من الحاضر والمستقبل



الفصل الثاني


"2015"

جلس شاب في الواحدة والعشرين من عمرة في غرفة الانتظار لأحد أكبر شركات التجارة العالمية بالعالم كله، عاده ما يكون واثق من نفسه إلي درجة الوقاحة ولكن المشروع الذي يعمل عليه الآن سوف يغير العالم كله بل وسوف يغير المستقبل أيضا.
أتت شقراء حسناء لترشده إلي غرفة الاجتماعات الكبرى حيث يتم مناقشة قرارات تغير من مصير ملاين الأشخاص حول العالم، أجل ودون مبالغة يمكن أن يصل الرقم إلي مليارات فقط إذا أرادوا هم ذلك!.
كان هناك كرسي واحد شاغر حلما دلف إلي غرفة الاجتماعات الكبرى التي تحوي طاولة بيضاوية عملاقة يترأسها عجوز في الستين له شعر رمادي ناعم وعيون زرقاء مريبة، نظرة واحده من ذلك الشاب علي غرفة الاجتماعات تلك وقد أيقن أن الموجودين من جميع جنسيات العالم فملامح وجوههم تفضح عن هوياتهم بالإضافة إلي اعتداد بعضهم بهويته مثل الشيخ العربي الذي يجلس في الكرسي رقم خمسة إلي جوار رجل ستيني ياباني.
تحدث الرجل الذي يترأس الطاولة باعتداد كبير وثقة لا حد لها
:_ لقد تمت الموافقة علي مشروعك من قبل رؤساء الفروع كلهم هنيئا لك أيها الشاب، ولكن هناك بعض التعديلات سوف تنشأ تلك المدن حسب توجهات الشركة وبالطبع سوف يكون لها فروع في جميع أنحاء العالم.
تقطب جبين الشاب وتسارعت ضربات قلبه إلي حد الجنون كان يخشي هذا.. الجميع حذره وبشدة هؤلاء القوم لا يهتمون سوي للأرقام فقط لا غير أما هو فيهتم بالبشر يريد تحسين مستوي معيشة الجميع بإقامة تلك المدن وبأقل التكاليف.
حاول ادعاء الغباء:_ حسنا طالما سوف يستفيد محدودي الدخل حول العالم بالتأكيد سوف نصل إلي حل ما.
ولكن رجل الأعمال هذا كان أذكي من محاوله الشاب رغم عبقرية الأخير
:_ أنت عرضت الأفكار ونحن قبلنا بها لا تهتم لأي أمر آخر فمثلا من سوف يستفيد؟ وما الذي سوف يدفعه؟ ليس من شؤونك الخاصة سوف تستلم الشيك خاصتك وهذا ما يهم.
هز الجميع رؤوسهم يؤكدون علي رؤية رئيس مجلس الإدارة، وقف الشاب وزر زر بذلته التي يرتدي لأول مرة
:_ أعتذر ولكن العرض كان واضح منذ البداية ولن أحيد عنه.
لمعت عين رئيس مجلس الإدارة:_ بالطبع هذا هو السوق عرض وطلب ولك كامل الحرية.
هز الشاب رأسه يستأذن الخروج وإن كانت خيبه أمله واضحة للغاية، خرج يفك رابطة عنقه كي يجلب أي هواء إلي رئتيه، بينما أشار رئيس مجلس الإدارة بعينة إلي أحد الحراس الذي فهم الرسالة تماما ولحق بالشاب.
:_ هل الأمور بخير؟. كان الصوت لصديقة القلق عليه بشدة.
رد بحزن بالغ:_ لا لم يوافقوا، لا أفهم ما خطبهم؟ لقد عرضت عليهم عرض يضاعف ما استثمروه بالمشروع وفي نفس الوقت تتحسن أحوال الأفراد، لمَ لم يوافقوا؟!!.
تنهد صديقة
:_ عزيزي أخبرتك بعالم المال هذا يريدون مضاعفة الأرباح إلي ملاين المرات إن أمكنهم وليس مرة أو اثنتين أفق عزيزي أنه الواقع.
نزل بالمصعد وهو يتمتم لصديقة بالهاتف
:_ من الجيد إنني قمت بتسجيل كل براءات الاختراع بأسمى ولكنني خسرت الكثير مع ذلك.
لم تكن خيبه أمله عادية ركب سيارته وانطلق بها وما هي إلا خمس دقائق وانفجرت السيارة وتناثرت إلي أشلاء ولم يذهب الحارس إلا عندما رأي رجال الإسعاف وهم يضعون الجثة بكيس أسود ويغلقون السحاب عليه، بلغ زميله الآخر الموجود بالقاعة والذي بدورة هز رأسه بهزة خفيفة للغاية لرئيسة الذي ابتسم ورفع كأس البراندي خاصته مع جميع الموجودين وتمتم بانتصار:_ نخب المستقبل يا سادة الأرض.
فرفع كل من علي الطاولة كأسه.
***

السنغال.
صراخ وهتاف لا نهاية له الجميع يقف ويصرخ ويطالب بأخذه وحملة علي العربة بعد أن فعل المستحيل كي يصل إلي هنا، حملت الناقلة العملاقة من تستطيع حمله من بشر وانطلقت في الحر الشديد، الجميع يخفي نصف وجهة بربط خرقة ما حول أنفة وفمه كي لا يتسلل له تراب العواصف الهائجة، ولكن لم تكن المشكلة تكمن هنا .. لم تكن تكمن بالرحلة الشاقة أو بالجو شديد الحرارة أو بالعطش والتعب الذين يشعرون به أو حتى بالمصير المجهول والمستقبل المظلم الذي يحرقهم بناره منذ الآن تماما كتلك الشمس الحارقة التي لم ترحمهم في ديارهم ولن ترحمهم الآن، فهي لم ترحم أحد ولم تترك أحد دون أن تحرقه بنارها لقد جَففت الآبار وصحَرت  الأراضي وهَجرت الجموع ولازالت حرارتها في ازدياد!،بل كانت المشكلة في الذنب الذي لم يقترفونه ويدفعون ثمنه بلا هوادة.
لا يعلم معظمهم لمَ تحولت الشمس واشتددت قسوتها عليهم في هذه السنوات الأخيرة، أخبرهم ذوي الخبرة بما يسمي بظاهرة الاحتباس الحراري الناتجة عن الملوثات التي تصدر عن المصانع وعوادم السيارات وانبعاث الكربون، لم يستطيعوا استيعاب هذا فلا سيارات لديهم ولا مصانع لمَ عساهم يدفعون الثمن إذا؟!.
وصلت الناقلة إلي وجهتها بعد عذاب دام لأيام طوال سقط منهم ثلاثة توفوا لم يحتملوا مشقة الرحلة، وها قد وصلت ناقلتهم ولكنهم لم يصلوا إلي وجهتهم بعد، لا سوف يحاولون عبور الحدود كي يبحثوا عن أي عمل يسد رمق جوعهم في ليبيا والبعض الآخر سوف يحاول عبور البحر والهجرة إلي أوروبا عله يجد عمل كي يتمكن أعاله أسرته المكونة من والدية وزوجته وأطفاله... .
***
حلب.

كان يحمل صغيرته فوق أكتافه ويمسك بيده اليمني ابنه البالغ من العمر سبع سنوات وفي يده الأخرى كيس صغير به خبز وحليب من أجل الفطور يشاكس صغيرته التي تعبث بشعر رأسه وتضحك بشدة ويتأملهم الصغير وهو يضحك علي والده وأخته، عبر بهم الوالد من شارع ضيق ولكنه رائع يطل علي منازل قديمة وعريقة تعبق منها رائحة التاريخ والأصالة أحسهم علي الصمت ومراقبة الطيور التي تتنقل من نافذة إلي أخرى علي تلك البيوت القديمة والرائعة حتى الأرض التي تطأ أقدامهم عليها كانت في منتهي الروعة خرجوا إلي الشارع الرئيسي ولكن وجوههم تغيرت علي الفور، هناك حاله مريبة من الهلع والركض في المكان، أوقف أحد المارة الذين يركضون وسأل بهلع:_ ماذا هناك ما الذي يحدث؟!.
صرخ الرجل به:_ لقد دخلوا أنجوا بحياتك. وما إن نطق الرجل بهذه الكلمات حتى دوي انفجار قذيفة بصوت عالي للغاية جعل الجميع ينخفضون وينبطحون أرضا، القي بالكيس الصغير الذي كان بيده وأنزل صغيرته من علي كتفيه واضعا إياها علي ذراعه
:_ لا تخافي عزيزتي لفي ذراعك حول رقبتي وتمسكي بي جيدا كي لا تسقطي.
أطاعته صغيرته واحكم قبضته علي يد صغيرة وانطلق يركض إلي منزله حيث زوجته ووالدته وصغيره الوليد، صوت القذف أخترق أذانهم ولم يعد هناك أي معني لبكاء صغيريه فهو لا يستطيع سماعهم علي أي حال كل ما يستطيع فعله هو الركض بأقصى سرعة لديه والانبطاح أرضا عند حدوث انفجارات، وصل بعد معاناة إلي ضاحيته الصغيرة والحال لم يكن أفضل الكل يركض ويصرخ!.
صعد راكضا إلي والدته وزوجته الذين حمدوا الله فور رؤيته ورؤية الصغار ضمهم لذراعه وصاح بقوة حضري الحقائب سوف نغادر في الحال.
سألته والدته بعجب:_ إلي أين بني؟!.
تحدث وهو يلهث من كثرة الركض:_ أي مكان أمن.
وما إن أنتهي من قول جملته هذه حتى ضُرب المنزل وبعثرتهم القنبلة أسفل الأنقاض... .
بعد مدة لا يعلمها أحد استيقظت الصغيرة التي كانت علي كتف والدها صباحا تلهو وتمرح أسفل ظلام شديد يخترقه بقعه ضوء صغيرة للغاية بدأت بالبكاء بشدة واتجهت إلي بقعة الضوء هذه لتجد  أخيها الرضيع حملته وهي تبكي وسمعت والدها يقطع تأوهاته ويناديها زحفت له وهي تتألم بشدة أمسك بها ولكن بوهن شديد ونطق بألم وهو يبكي فوالدته تظهر يدها بلا حراك من أسفل الأنقاض التي تفحصها بضوء هاتفة وزوجته وأبنه لا أثر لهم ورضيعة هذا لا حياة فيه ولكن الصغيرة لم تعي هذا هي تظنه نائم تمتم بوهن:_ تعالي عزيزتي، أمسكت بيده وهي مرتعبة تبكي من الرعب والخوف والألم.
أعطاها الهاتف كي تنير به أي من العتمة علها تهدأ قليلا نصفه السفلي أسفل الجدار ويشعر بالدماء الحارة تنساب منه بلا هوادة لا أمل لنجاته مطلقا ولكنه سوف يجد حل كي يتمكنوا من العثور علي صغيرته.
:_ عزيزتي سوف أخلد للنوم قليلا إذا ما سمعتي صوت في الأعلى أيقظيني واصرخي بقوة هل هذا واضح ؟ .. كي .. كي.. استطيع سماعك.
كان يلهث بشدة أمسك بيدها الصغيرة وكفت الفتاة عن النحيب قليلا لم تستوعب لمَ أصبحت يد والدها باردة جدا ولمَ لم يعد يحدثها؟ ولمَ أخيها الصغير لا يبكي مطلقا وبارد كالثلج هو الآخر؟!.
كانت تبكي بصمت لشدة ما تشعر به من رعب وبرد ولكنها كانت تمسك بيد والدها وتحاول أن تطمئن نفسها ولكن لا شيء يحدث ويده أصبحت حجرية للغاية وباردة جدا ولكنها ظلت متمسكة به.
غابت بقعه الضوء تلك المتسربة وغفت الصغيرة هي الأخرى، استيقظت بعد مدة لتجد بقعة الضوء قوية وتنير المكان، يد جدتها تظهر ولا شيء آخر يظهر عرفتها من خاتم جدها نادت عليها ولم تجيب ووالدها هو الآخر لم يجيب تمسكت بأخيها الرضيع وضمته لها بقوة وبعد مدة عندما شحبت بقعة الضوء سمعت أصوات متشابكة تنادي
:_ هل من أحد هنا؟! هل من أحد علي قيد الحياة؟!.
أنبعث الأمل بداخلها سوف توقظ أبيها لقد أخبرها بهذا
:_ أبي هناك أصوات .. أبي هناك أحد ما، .. أبي أستيقظ!.
عندما لم يجب هلعت أكثر وأخذت تصرخ باسمه، سمع المنقذون أصوات تحت الركام ونظر احدهم من الفتحة الصغيرة التي كانت تتسرب منها بقعة الضوء وصرخ
:_ هناك طفله ورضيع هنـــــا.
حفروا سريعا إلي أن وصلوا لها أخرجوها وهي رافضة تصرخ باسم والدها لا تريدهم أن يأخذوها بعيدا عنه:_ أبـــــي، أبـــــــي، أبي أستيقظ أرجوك.
رأي المنقذون أن الرضيع أزرق الوجه ومتحجر وعلموا بوفاته علي الفور فخلصوه من قبضتها الصغيرة وهي تصرخ وتبكي وتحفر الدموع نهرين علي وجنتيها المغبرتين من بقايا الحطام والركام أخذت تصرخ باسم أبيها وأخيها والمنقذون يأخذوها بعيدا عنهم إلي أن غابت عن الوعي.
***

أمريكا
كارولينا الشمالية.
وقف جيمس أمام أرضة المكفهرة ينظر إلي السماء ويتضرع لها من أجل أن تمن عليه بهطول الأمطار، كل ذلك العمل سوف يضيع هباء دون المياه، لقد حرث الأرض وبذر البذور ولكن دون مياه لن يوجد هناك حياة علي تلك الأرض.
كل تلك الأعوام يجاهد ويبذل أقصي جهده من أجل الحصول علي مزرعته الخاصة وها هي تموت رويدا رويدا أمام عينه ولا شيء بيده ليفعله هذا من فعل الطبيعة الأم به لم يعد هناك مياه بالآبار، تشتعل الحسرة بقلبه كلما مر بالطريق علي مزرعة جارة ويرى الألوان تحييها ولكن من أين له بنصف مليون دولار كي يتحمل تكاليف حفر بئره علي عمق أكبر؟!.
بصق القشة التي يضعها بين أسنانه وتنهد عليه بالذهاب وجلب أي ماء لعائلته فلا نقطة مياه لديهم، ركب سيارته وهو يحاول إيقاف رأسه عن العمل، ما الذي سوف يفعله؟ ومن سوف يشتري مزرعة بلا مياه؟ وماذا عساه يعمل بشيء سوي الزراعة؟!!، لقد ضاعت جهود عشر سنوات من العمل الشاق هباء دون أي فائدة.
***
نيويورك.
يتلفت حوله كالمجنون بكل مكان يريد أن يحصل علي جرعة من المخدر اللعين، يحك أنفة بعصبية شديدة من أين له بالمال كي يجلب جرعة أخرى كي يسكن تلك الآلام اللعينة التي تشتعل بجسده؟!.
متى بدأ بتناول ذلك السم؟.
قاطع تفكيره نظرة رجل يشمئز منه، كان يرتدي بذله أنيقة ويتحدث في الهاتف الخلوي خاصته، صرخ بوجهه فهو لم يحتمل تلك النظرات أبدا:_ هذا هو مصيرك أيها الغبي سوف تصبح مثلـــــي.
أسرع الرجل بخطواته وهو مبتعد عنه إلي أن نزل إلي قطار الأنفاق، وجلس الرجل بتعب يحك جسده لم يكن تهديده عبث بل هذا ما حدث له بالضبط، لقد كان أنيق ونظيف يذهب إلي عمله كل يوم مرتديا بذلته الأنيقة مقبلا زوجته الحسناء التي تتمني له يوم جميلا، ومن ثم يركض لبدء صباح جديد وتحقيق المزيد من النجاح والتقدم بحياته.
إلي أن حل يوم أسود خسر فيه كل أسهمه وتم طرده من مكتبة واعتذار سخيف من مديره " آسف عزيزي ولكنها الأعمال يمكنك البدء من جديد" عاد إلي المنزل مكتئب وحزين ولم تحتمل زوجته كآبته وعصبية وإحباطه فهجرته بعد شهر وأخذت ما تبقي معه من مال قليل، ولكنها تركت عده أشياء: الديون وقلبه المحطم والمزيد من الكآبة والضياع.
فقد كل شيء حتى أصبح حرفيا بالشارع وشاهد في أحدي المجلات صورة لحفل زفاف زوجته علي مديره يا الهي حتى زوجته سرقها!.
" أه " تنهد ببطيء "هكذا أدمنت ذلك الشيء الذي يذهب بعقلي بعيدا عن تلك المآسي كلها"، وهنا تنهد وهو يشعر براحة فشريط الذكريات المرير هذا جعل ندمه علي تناول المخدر يتبخر في الهواء، وقف من علي الأرض مرة أخرى وسار إلي الزقاق المظلم إلي أن وصل إلي نهايته وتوسل تاجر المخدر الصغير بأي جرعة من أي شيء ولكن الرجل لا يعطي بلا نقود عليك بالدفع وإلا فلا جرعة لك عنده.
حك أنفه بشدة وفرك رأسه بعنف عليه بالخروج من هذا الموقف بأي شكل من الأشكال
:_ حسنا أنا مستعد لفعل أي شيء من أجل الحصول علي جرعة سوف أبيع نفسي للشيطان إذا لزم الأمر فقط أطلب أي شيء.
ظهرت أسنان مروج المخدرات البيضاء وانتفخت وجنتيه الداكنتين وأشار بعينة إلي سيارة صغيرة تقف علي قارعة الطرق
:_ اركب بالسيارة سوف يعطيك الجرعة وسلاح نفذ ما يأمرك به وإلا فقدت حياتك.
فسار إلي السيارة وتناول الجرعة بشغف وأرجع رأسه إلي الوراء
:_ لا بأس سوف أفعل أي شيء طالما حصلت علي المخدر.
***
عام 2017
جلس في قاعة استقبال هذا الفندق الضخم الذي لم يكن ليحلم أبدا أن يدلف له في يوم من الأيام لقد أتي قبل موعده بعشرة دقائق ولكنه كان يقف أمام الفندق قبل ذلك الموعد بنصف ساعة لم يشأ أن يضيع فرصة هذا اللقاء الذي لم يكن ليحلم به أبدا، منذ سنوات وهو يحاول أن يوصل صوته إلي أحد المسئولين يتمني فقط لو تري أبحاثة النور حتى لو لم يستفد من أي شيء مادي يكفي أنه سوف يغير من حياة الملاين.
حتى بعد ما حدث له، رغم تفوقه في الجامعة وحصوله علي أعلي الدرجات لم يتم تعينه بسبب المحسوبية فلا ظهر له في هذه الجامعة ورغم ضياع حقه هذا، لم يكن ليحنق أو تتملكه الأنانية بعد ولكن ضيق الظروف والحاجة الملحة إلي المال جعلته يهمل أبحاثه وتجاربه كي يبحث عن عمل وفجأة إذ به يجد رسالة إليكترونية من منظمة بيئية عملاقة تريد العمل معه وتفتحت أزهار الدنيا من جديد بوجهه.
وصلت سيدة أنيقة للغاية علي الموعد تماما وهي تبتسم، تعلم بوجوده خارج الفندق منذ نصف ساعة، بل تعلم بموعد نزوله من منزله منذ ساعتين لقد أصبح هذا الشاب صيدها الثمين الجديد ولن تتركه يفلت من يدها كي تحصل علي عمولتها السخية.
مدت يدها بأناقة تسلم عليه:_ مرحبا بك سيد أشرف سعيدة جدا للقائك أنا ماجي مندوبة المنظمة البيئية.
ازدرد لعابة:_ تشرفت كثيرا بمعرفتك سيدة ماجي.
جلست ووضعت قدم فوق الأخرى بأناقة بالغة
:_ حسنا سيد أشرف إن المنظمة مهتمة كثيرا بعلوم الطاقة خاصة المتجددة منها وقد وجدت أن أبحاثك شيقة جدا في هذا المجال، والأفكار التي أرسلتها كانت أكثر من جيدة لذا دون إضاعة وقتك الثمين سوف أعرض عليك عرض المنظمة.
وأخرجت ورقة من دفترها الأنيق وأعطتها له وكلما قرأ بدأت عيناه في الاتساع أنه شيء كالحلم! النعيم بحد ذاته، وعندما لمح الراتب سعل بشدة وأضطر إلي شرب كوب من المياه كي يفيق من صدمته!.
بابتسامتها الواثقة والمهذبة
:_ حسنا سيد أشرف ما هو رأيك؟!.
أي عاقل سوف يطلب فرصة للتفكير، وأي مجنون يستطيع رفض أي عرض من عروض تلك الورقة المذهلة ولكن جنونه وشغفه العلمي يحتم عليه السؤال.
:_ هل هذا العرض يشمل أبحاث الطاقة فقط!.
:_ لا سيد أشرف أعتقد أن المنظمة مهتمة كثيرا بأبحاثك عن تنقية المياه وإعادة استخدامها، لنكن صرحاء أكثر كل ما هو مطلوب من أجل البيئة والحفاظ علي مواردها سوف يتم النظر في أبحاثك الخاصة به.
وابتسمت بثقة فقد تسللت المنظمة إلي حاسوبه وتعلم أن هذا الشاب لدية الكثير الكثير من الأبحاث الهامة في مختلف المجالات.
تنحنح وسأل بشك:_ مهما كانت التكلفة؟!.
لمعت عيونها بثقة بالغة:_ سيد أشرف التمويل للمشاريع والأبحاث لدينا مفتوح، حدودك هي السماء. وازدادت بسمتها الواثقة.
نظر إلي الورقة أمامه وهو يلهث هذا الأمر أفضل كثيرا مما تصوره في يوم من الأيام أنه أفضل حتى من أن يتم تصديقه!، أفضل إلي درجة الريبة!!.
اتسعت حدقتيه دهشة وهو يعيد النظر إلي الورقة
:_ ولكن مذكور أن السفر في خلال أسبوع هذا مستحيل أنا لن أستطيع تجهيز الأوراق اللازمة في تلك المدة البسيطة!.
:_ سيد أشرف بمجرد توقيعك علي العقد المبدئي تصبح رسميا من أبناء المنظمة وكل ما عليك فعله في هذا الأسبوع هو توديع عائلتك وربما إلقاء نظرة علي الأهرامات قبل ذهابك بعيدا عنها أما عن أي شيء أخر فدعة للمندوب الذي سوف يوكل بأمرك.
تلاحقت عليه أنفاسه بشدة أنها تعرض عليه المستقبل والمكانة العلمية وإمكانية تحقيق أبحاثه علي أرض الواقع والكثير الكثير من المال، أغمض عينه برهة ووقع الورقة.
ازدادت بسمتها الواثقة في اتساع:_ مبروك انضمامك لنا سيد أشرف أضمن لك أن كل أحلامك سوف تتحقق معنا.
***
تبحث وتبحث عن أي طعام لأجل بناتها ولكن لا يوجد، لا يوجد أي شيء إطلاقا والخيمة المتهرئة التي تختبئ أسفلها تسرب المياه من كل مكان، خرجت مسرعة من الخيمة علي صوت سيارة إمدادات قادمة للمخيم كي تمد اللاجئين ببعض الطعام والدواء، عندما وصلت إلي الشاحنة بشق الأنفس كان الطعام نفذ فالعدد كبير للغاية والجميع يعاني من البرد والجوع غزت الدموع عيونها بشدة لم تعد تستطيع التحمل، لم تعد تستطيع التحمل أي من هذا نظرت إلي السماء بيأس والدموع تسقط علي وجنتيها ثم شعرت بيد ما تمتد إلي ذراعها التفتت لتجد زوجها يسحبها برقة لقد حصل علي كيس صغير سوف يكفي لإطعام الفتاتان.
دخل الهواء إلي رئتيها علي الأقل ابنتيها سوف يتناولون شيء هذا أفضل كثيرا .. أفضل من لا شيء!. 
دلف الاثنان إلي الخيمة الصغيرة وفتح الأب الكيس الصغير وناول زوجته المياه علي الأقل من حقهم أن يشربوا، نادت سيدة من الخارج باسم "إيمان شنقيطي" حسنا ماذا هناك؟ من يناديها؟!.
خرجت وأشارت السيدة إلي ما بعد العربة بقليل:_ هناك من يبحث عنك يسألون عن الدكتورة إيمان شنقيطي يبدون من أحدي منظمات الإنقاذ.
همست لنفسها "الدكتورة إيمان! يا الهي منذ متى لم أسمع هذا الاسم؟!"، ذهبت ووجدت سيدة أنيقة ترتدي جينز وفوقه قميص أبيض وأخرجت ذيل الحصان البني اللامع خاصتها من قبعة رياضية لتحميها من الشمس تمد يدها لها بحبور كبير
:_ تشرفت بمقابلتك دكتورة إيمان أنا يارا من منظمة عالمية لإنقاذ البيئة وقد كان ملفك واعد كثيرا ومليء بالأبحاث الهامة في الطاقة الحيوية هل لازلت مهتمة بتلك الأبحاث؟.
فتحت إيمان ذراعيها تشير لمَ حولها ببؤس:_ أنا في هذه الفوضى منذ عامان أو أكثر لم أعد أعلم حتى!.
هزت يارا رأسها بتفهم مقدرة الوضع:_ بالطبع دكتور أنا مقدرة ما هي حالتك الآن وأن الأوضاع صعبة للغاية ولكن يمكن لكل هذا أن يتغير.
وأعطتها ورقة تحوي الكثير من الأشياء الرائعة التي لم تكن لتحلم بها في أشد وأحلك أحلامها خيالا وجموحا ولكن ما سجن ناظريها هي كلمه واحده ترددت في عقلها إلي مالا نهاية وهي كلمه "منزل منزل منزل " يا الهي الرحيم أيعقل هذا؟!".
وجدت زوجها خلفها ينظر معها إلي الورقة وعيناه تزداد في اتساع غير مصدق أبدا.
ارتبكت والتفتت إلي يارا:_ ولكنني لست وحدي معي زوجي وبناتي.
هزت رأسها بتفهم:_ نعلم بهذا دكتورة العرض يشملهم أيضا، وهزت رأسها بأدب:_ و لك أيضا دكتور مراد نعلم بأنك دكتور في كلية الزراعة وسوف نستفيد كثيرا من خبراتك.
لهثت أنفاسها بألم بالغ:_ ولكن والدتي .. أنا أبحث عنها .. لقد افترقنا منذ أشهر ولا يمكنني إيجادها، لا يمكنني الذهاب بدونها!.
مدت يارا يدها بقلم واستمارة إلي الدكتورة
:_ أعطيني اسمها والمواصفات الخاصة بها وسوف نبحث عنها بكل المخيمات وإذا ما وقعت العقد الآن يمكنني ضمان خروج أمن وشرعي اليوم لك ولعائلتك ولوالدتك بالطبع حالما نعثر عليها.
غزت الدموع عيونها لا تعلم هل تفرح أم تحزن لا يمكنها ترك والدتها صحيح أنها لم تسمع عنها أي أخبار منذ أشهر ولكنها لن تعيش بالرفاهية وتتركها بهذا الجحيم توسل لها زوجها "إيمان رجاء فكري جيدا إن فرصتهم بإيجادها أفضل منا بكثير فهم لديهم الإمكانيات لذلك بينما نحن نتضور من الجوع! ولا يمكننا التحرك من مخيم إلي آخر بسهولة سوف نعرض حياه الفتاتين إلي الخطر الشديد" نظرت بهلع إلي عيون يارا تستنجد بها لا يمكنها ترك والدتها أبدا كيف لها أن تفعل ذلك؟!.
همس لها بحنق:_لا تكوني أنانية إيمان من أجل ابنتينا عزيزتي رجاء لا تضيعي تلك الفرصة.
وقعت وهي تبكي بشدة وأعطتها يارا استمارة أخرى لتملئها ببيانات والدتها وأتي زوجها بالفتاتين وركبوا جميعا المروحية ولكنها لم تبكي أبدا مثلما كانت تبكي لحظة إقلاعها من ذلك المكان.
***
واشنطن.

يجلس أمام حاسوبه وعده أجهزة أخرى أخرج أحشائها ورتبها علي هواه من جديد، لم ينم منذ عدة أيام والأرضية مملوءة بعبوات مشروبات الطاقة وصوت الموسيقي صاخب من حوله في محاوله بائسة منه كي يستيقظ.
كل ما يفعله من اختراقات بدافع الفضول، له سمعه سيئة بعالم الحواسيب والتكنولوجيا .. يستطيع اختراق أي جهاز أمني مهما كانت قوته ولديه حب شديد للفضول خاصته الذي يلقحه بكل شكل مهما كانت العقوبة اللاحقة!.
أصبح الطرق علي الباب أعنف من أن يتم تجاهله نظر إلي الباب وراءه وارتبك في أمره سريعا أخرج المعلومات الهامة إلي شريحة بيانات بحجم عدة مليمترات وقام بتناول علكه سريعا وفي اللحظة التي أنفتح بها الباب ليظهر من خلفه رجل ضخم البنية قذف بالشريحة الصغيرة إلي فمه وغلف بلسانه العلكة حولها ثم أبتلعها وهو ينظر بعبث إلي الأنيقة ذات الكعب العالي التي تكافح من أجل إيجاد مكان فارغ بأرضية الغرفة لوضع قدمها به.
وتأوه بمكر شديد بعد أن أبتلع العلكة
:_ أوو  لقد أصبحت الشرطة مثيرة كثيرا هذه الأيام.
ابتسمت الأنيقة بعبث هي الأخرى
:_ ولكنني لست من الشرطة.
تسلي كثيرا بهذه اللعبة
:_ أحب كثيرا أن أعرف من أي جهة أنتِ عزيزتي كي أكون إلي جوارها.
ازدادت بسمتها في اتساع فكل ما يهم هو أن تحصل علي التوقيع
:_ إذا سوف نتفق سيد أندرو.
***






















نهاية الفصل.









العادل. بقلم هالة الشاعر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن