الفصل الخامس

445 11 0
                                    

- علاقة ... مع اليس ...
كان صوت هيلين مسموعا بصعوبة و فجأة اصبح الجو ثقيلا جدا حولها
ردد هيرمان :
- مع اليس .
- انا ...
لم تجد ما تقوله .. اليس .. لقد فهمت الآن السبب في انه مامن مرة يذكر اسمها الا و يتعكر الجو و السبب عدم ذكر هانا و نيكولا لاسم جريج امام هيرمان و السبب في ان جريج يبدو دائما منزعجا و مقتنعا ان هيرمان لن يسامحه ابدا .
اخرجها صوت هيرمان من افكارها :
- و الآن الا تحاولين الدفاع عن خطيبك ؟
جلس هيرمان و احاط ساقيه بأحدى ذراعيه و اخذ ينظف بقايا الطعام الموجودة علي سرواله بالذراع الاخري و اضاف :
- كنت حتي مساء امس اعتقد انك تعرفين ذلك لقد افترضت ان هنك صراحة متناهية بينك و بين خطيبك !
تمتمت هيلين بوهن :
- نعم .. نعم لو كنت طلبت منه ذلك لكان اخبرني بكل شيء .
- بالتأكيد و كان سيستغل ذلك ليتخلص من احساسه بالذنب و لكن هل تصدقينه بعد ان عرفت انه كذب عليك فيما مضي ؟
- لابد ان قصتك تتسم بالموضوعية و عدم التحيز .
- نعم ذلك لاني نسيت الماضي اما هو فلا و بذلك لا يبحث عن مسامحتي له بل عن مسامحته لنفسه .. و كم دهشت عندما سمعت بقرار زواجه ، فقد كنت اعتقد انه سيحرم نفسه السعادة طوال عمره .
- لم يتوان جريج ابدا عن اتخاذ القرارات الحازمة !
- في مجال الاعمال ، نعم او علي الاقل عندما يعطيه احد ما الدفعة الاولي .
صمت هيلين و ادارت ؤاسها كانت هي و ليس جريج التي اتخذت الخطوة الاولي في بداية علاقتهما .
- هل تريدين معرفة كل القصة يا هيلين ؟
جاهدت لتقول و هي تحول دون الفضول الذي يكاد يلتهمها :
- علي جريج ان يحكي لي القصة بنفسه .
- قد يحاول البعض حماية الاخرين من حقيقة قاسية و جارحة بأي ثمن و لكن الحق ان هذه الحماية تكون اكثر قسوة من الحقيقة نفسها اليس كذلك يا هيلين ؟
سألته الفتاة بصوت مرتعش :
- و هل هذا ما حدث لك ؟
لماذا نطقت بهذه الكلمات ؟ لقد وافقت علي سماعه ، علي سماع ما يعتبره حقيقة .
بدأ هيرمان يتحدث باسلوب يجذب الانتباه فعاد بذاكرته عدة اعوام الي الوراء و كان يجذبها اليه شيئا فشيئا بطريقة اخطر من محاوته استمالتها .
- عندما تزوجت اليس كنا صغيرين في السن و نفيض بالأمل و التفاؤل .. فبدأنا معا في نفس الجريدة و كان بيننا اشياء كثيرة مشتركة .. نفس الذوق ، نفس االطموح ثم تفرق طريقانا و لم تكن اليس قادرة علي القيام بالربورتاجات الضخمة و مع الوقت تحولت الي العمل في الاخبار المثيرة بينما اصررت علي متابعة هذا الطريق الوعر لأعداد الريبورتاجات و في هذه الفترة عرض علي القيام ببعض المهمات الشيقة في الخارج مما جعل شهرتي تخترق الآفاق و عندئذ كنت اتخيل ان زوجنا ناجح جدا .. حيث كانت اليس تبدو سعيدة بإقامتها في اوكلاند و في كل مرة كنت أعود كانت ترحب بي جدا و لم تتبرم ابدا من كثرة غيابي و الحق انني كنت سعيدا بذلك ..
- و كيف اكتشفت الحقيقة ؟ ربما شعرت ببعض الشكوك تجاه جريج و زوجتك ؟
- للأسف لم أحظ بذلك و كنت اعرف ان جريج يهتم بامور اليس في غيابي و في احد الايام عدت علي حين غرة اثر تغير ما في مواعيد رحلات الطيران و عندئذ فهمت الحقيقة .. اذ وجدتها معا في الفراش .. في فراشي .
- آه .. هيرمان ..
- الحق كان ذلك رهيبا و عندما قررت اخيرا ان افكر في الموضوع ثانية بعد هذه الاعوام التي قضيتها هائما علي وجهي حتي انسي .. بدأت اسأل نفسي ماذا لو .. بأختصار ربما ارادا اخباري بالحقيقة بهذه الطريقة ، ربما فكرا في ارغامي علي التصرف بدون ان يتخذ الخطوة الاولي .. فقد كانا يحبان بعضهما منذ عدة اشهر و لكنهما لم يستطيعا البوح لي بذلك و حاولا كثيرا قطع علاقتهما و لكنهما فشلا .
- ثم بعد ؟
- عادت اليس الي عائلتها في سيدني و لم يحاول جريج ان يمنعها من الرحيل .. ولو لمجرد محاولة .
- و انت الم تحاول منعها ؟ اعتقد انك كنت لا تزال تحبها ..
- لقد احببت المرأة التي تزوجتها و لكن اليس لم تكن هذه امرأة و قبل ان ترحل قالت لي : انا تمقت كل ما افعله و انها تشعر بان لا قيمة لها في حياتي و انني جعلتها تصاب بخيبة امل تماما مثلما فعلت معها الصحافة ..
- و مع ذلك ، انها لا تزال تعمل في الصحافة ..
ابتسم هيرمان بضعف و شعرت هيلين بخجل من فضولها .
- هذه قصة اخري يا عزيزتي هيلين .. ان الخيانة لا تقل فظاعة عن محاولة الكذب لأخفائها و اليس عاشت كذبة كبيرة لمدة شهور طويلة لأنها لم تكن تملك الشجاعة للاعتراف بخطئها عندما تزوجتني و سمحت لنفسها ان تتصرف بهذه الطريقة فوافقت علي مبادلة جريج الحب ولو بصفة مؤقتة ولو كانا ولو كانا يريدان تحمل المسؤولية لواجهاني بالحقيقة بدلا من اخفائها و ربما في هذه الحالة لم تكن النهاية لتصل الي هذه المرحلة المأساوية حتي والدي كانا يعرفان الحقيقة و يخفيانها عني لقد اقسمت الا أخذ بالمظاهر بعد ذلك فكانت اليس تبدو محبة جدا لي و كلما اتخيل انها كانت تمارس الحب معب بينما كانت تفكر في شقيقي !
- هيرمان ، انا ...
وضعت هيلين يدها عليه في عطف و لكنها سرعان ما سحبتها بينما انفجر هيرمان في الضحك قائلا :
- انا لست في حاجة الي شفقة احد يا هيلين حتي انا لا ابالي بهذه القصة مطلقا لقد خدعتني اليس و خدعت جريج و خدعت نفسها كما انني كنت اقل منهما معاناة فنسيت كل ذلك و اطلقت العنان لطموحي و بذلك اصبحت بسرعة شديدة ثريا و شهيرا و لكنني تركت الفراغ يضع بصمته في حياتي و نسيت نفسي في هضم امالي و حماسي لدرجة انني خشيت ان افقد احساساتي حتي اصل الي مرحلة العجز عن الكتابة و كنت الجأ انذاك الي الكحوليات لكي استرد حيوتي و فجأة بينما كنت اظن انني فقدت كل شيء وجدت من جديد سعادتي و براءتي ..
شعرت هيلين بالدوار نتيجة جلوسها في الشمس كل هذا الوقت .. من المؤكد ان ذلك بسبب حرارة الشمس و ربما كان بسبب نظراته الثاقبة التي تتسلل الي قلبها و الس اسرارها التي تجهلها بنفسها ..
- لقد منحتني الحياة من جديد يا هيلين في هذه الليلة و شعرت انني مازلت انبض بالأحاسيس .. فهل ترين حبي لك غريبا بعد كل هذا ؟
ثم لمس رأسها بخفة و رقة .
- ان شعرك يكاد يحترق .. انت ايضا تشعرين بشيء ما اليس كذلك يا هيلين ؟ شيء ما يربطك بي .
- نعم ..
هزت الفتاة راسها لتعبد يد هيرمان عنها و لكن هيهات بينما اغرورقت عيناها بالدموع .
- كلا ، كلا ، لا تبكي يا حبيبتي .
ثم ابعد يده عنها و لاحظت هيلين انها تتمني لو يبدو لها اكثر حنانا .. او حتي يجذبها بين ذراعيه ان ينتصر علي الخوف الذي يسيطر عليها .. شعور غريب بالرغبة يملأ تفكيرها .
قفزت هيلين و نهضت من مكانها و هي ترتعش و تشعر بالخجل فسألها هيرمان و هو ينهض بدوره :
- ماذا بك ؟
- انا ... لا تلمسني ! ان ذلك يضايقني .
اشرق وجه هيرمان بابتسامة اضاعت تعبير القلق الذي كان يرتسم علي وجهه .
- و ربما العكس ! و لكن ماذا حدث ؟ هل تذكرت اي شيء فجأة ؟
- انت انسان جذاب يا هيرمان بكل تأكيد و لكن هل تعرف ما اكثر شيء يجذبني فيك ؟ انك تششبه الشخص الوحيد الذي احبه ، ربما كانت لي معك مغامرة في الماضي ... و لكن مستقبلي مع جريج .
غادرت هيلين المكان بسرعة و تركته وحيدا ثم ندمت علي قسوتها هذه و فكرت في العودة اليه لتقديم اعتذارها و لكنها عجزت عن ذلك و بدت لها فترة ما بعد الظهر طويلة جدا ..
فكيف ستقابل جريج ؟ و كيف تتحدث اليه ؟ هل تبدأ حديثها معه باعترافها هي ام اعتراف جريج بنفسه ؟
حان الوقت المنتظر ولا داعي اذن لطرح هذه الاسئلة علي نفسها .
و عندما وصل جريج لديها رأي علي الفور بعد ان قبلها قصة ملاك في الظلمات موضوعة علي المنضدة فقال لها دهشا وهو يتقدم ليمسك بالقصة :
- لقد قلت لي انك لم تقرئي قصة هيرمان ؟
شعرت هيلين ان الارض تميد تحت قدميها ن فلو قرأ الاهداء قبل ان تشرح له الامر بنفسها ..
- انها الحقيقة ، لقد احصر لي هيرمان هذه القصة مساء امس و ..
- مساء امس ؟
تجمد جريج في مكانه بينما لمعت عيناه بالشك و الريبة .
- لقد حضر الي .. بعد عودتي بقليل ... و طل مني ان اقرا هذه القصة لأن .. لا بد ...
لم يتركها جريج تواصل حديثها .
- لقد اخبرك بكل شيء اليس كذلك ؟ كنت اعرف انه لن يقاوم ... لقد اخبرك بأمر اليس ؟
- بما انك كنت تظن انه سيخبرني بكل شيء لماذا لم تأخذ انت الخطوة الاولي ؟ علي الاقل كنت اخذت استعدادي لذلك .
- كنت انوي ذلك .. ولو انني كنت في حيرة كيف اخبرك بهذا ؟

فكرت هيلين حزينة للمرة الثانية يبدو عاجزا عن عمل اي شيء و لكنها فهمت انه ليس مطالبا بتوضيح الأمر لها زز الم تخف عنه هي ايضا ما حدث بينها و بين هيرمان ؟
ثم استدارت نحوه خاضعة و عندئذ قال لها :
- كنت اعرف انني لابد ان اخبرك بكل شيء عاجلا ام اجلا و لكنني اعتقدت ان الانتظار افضل و فضلت اولا الحديث مع هيرمان فلا احد يعرف بهذه القصة و بسبب الانفصال هيرمان و زوجته عدا والدينا .. كان اتفاقا صامتا بيننا و ربما كان هيرمان ينزعج بخرق الاتفاق ..
اعترضت هيلين :
- لم اكن انوي الصياح بهذا الاعتراف .
- لم ارد قول هذا ، و لكن .. الحقيقة خشيت ان يؤثر ذلك علي علاقتنا كما ان هيرمان كان يبدو كأنه لا يعلق اية اهمية علي هذا الموضوع لذلك فضلت الانتظار .. و لا اعرف ما السبب في انفجار غضبه فجأة مساء امس .. ان كل ما كان يعنيه في الامر هو : الكذب .
شعرت هيلين ان وقت الاعتلااف قد حان و فتحت فمها لتتحدث و لكنه بادرها بقوله :
- ربما تحتقرينني .. تحتقرين الانسان الذي ينتظر عقابه و الذي يبدو قويا في الخارج و ضعيفا في الداخل .
فجأة شعرت هيلين بالشفقة نحوه يا له من شخص مسكين جريج انه لن يسامح نفسه ! فهل تفعل هي ذلك بدلا منه ؟
- اعتقد ان الامر كان رهيبا بالنسبة لكم جميعا ، و حقا انا حزينة لذلك يا جريج ..
- انت لا تريدين الزواج مني يا هيلين ؟
- كلا بالتأكيد يا جريج فأنا لست حزينة علي ذلك .
ثم تقدمت نحوه و احاطت كتفيه بذراعيها .
- انا حزينة علي الالم الذي شعرت به .. كما انني لن افكر ابدا في إلغاء فكرة زواجنا لشيء ما حدث في الماضي عندما كنت انا نفسي صغيرة !
فجذبها نحوه بشدة و قال لها :
- اشكرك يا عزيزتي اعتقد ان هيرمان جعلني ابو سيئا جدا ..
- لقد قال لي في الحقيقة انه لا يبالي بهذه القصة مطلقا .
ثم اخبرته بكل ما قاله لها هيرمان و بعد ان انتهت من حديثها شعر جريج بالهدوء و بدا مذهولا جدا .
- اتعرفين ان اليس وحدها هي التي تحتاج الي الشفقة والرحمة لقد كانت تتمني ان تترك عملها لتتفرغ لبناء اسرتها و لكن هيرمان لم يكن يريد الاستماع اليها و اكن سعيدا بتجواله في جميع انحاء العالم و بينما كان ينتقل بين القطبين كانت اليس مريضة بالقلق و لم أكن في البداية سوى مجرد صديق بالنسبة لها شخص تعتمد عليه ، ثم تطورت علاقتنا بدون ان ندري و في يوم فقدنا عقلنا ..
- و لماذا لم تطلب الانفصال عنه مادامت الأمور قد تأزمت بينهما ؟
- كانت اليس لا تزال تحبه و لكن ليس كزوج بالتأكيد و في البداية شعرت انها ممزقة و كانت تتمني ان تصل معه الي حل لمشكلاتها ، و بينما كان في الخارج كانت قد قررت ان تنهي حياتها معه و تضع حدا لمأساتها و لكن بمجرد عودته غرقت في الحزن من جديد و تمنت لو امكنها انقاذ اي شيء في علاقتهما .
شعرت هيلين ان اليس كانت مذنبة و مسؤولة عن كل هذا و ربما لو كانت تصرفت بشجاعة لاستطاع جريج ان يتخلص من تردده .
ثم قال لها :
- أحمد الله انك لست من هذا الطراز و الحق انني كنت افتقد النضج في هذه الفترة حتي ازج بنفسي في قصة كهذه و لا اعرف ما الذي يمكنني عمله لو فقدتك يا هيلين ؟
لقد ملأت علي حياتي و جعلتني افهم ما كنت حقا في حاجة اليه ... الحب ، المنزل الاطفال و عندما عاد هيرمان شعرت ان كل الشياطين القديمة قد ظهرت في حياتي من جديد و لكنه لن يفرق بيننا و سنمنعه من ذلك اليس كذلك يا عزيزتي ؟
- بلي بالتأكيد !
شعرت هيلين بالضيق لرؤيته ضعيفا بهذه الصورة و لكنها لن تعيب عليه احساسه المرهف و عليها هي ايضا ان تريح ضميرها و لكنها علي الرغم من حزنها لتأجيل اعترافها الا انها لا تستطيع مفاجاة جريج بضربة ثانية الآن .
ان هيرمان نايت شبح لابد لها من التخلص منه نهائيا و لكن سيتم في وقته و علي طريقتها .
و هيلين ليست الملاك الذي يبحث عنه و يجب علي هيرمان فهم ذلك اراد او لم يرد .

ليلة عابرة للكاتبه سوزان نايبرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن