سمعت فكرة يوما بأننا أصبحنا نعيش في عصر يدور حول فكرة "تأليه الإنسان" والعياذ بالله، في البداية لم أستوعب طبيعة الفكرة بالتحديد ولم أستوعب إمكانيتها، فلا مجال للإنسان أن يصبح إلها،
لكن إذا نظرنا لوهلة بسيطة على الطابع الذي أصبحنا نعيش فيه، سنجد هذا الاتجاه الفكري متباينا لنا، وذلك من خلال مختلف الجوانب،
لربما أعظمها، هو مسعى الإنسان للخلود، فها هي ذي العديد من الشركات الأجنبية التي تبحث في هذا المجال، كما يوجد العديد من الأغنياء ممن يدفعون أموالا طائلة حتى يستفيدوا من هذه الخدمة فور الوصول إليها،
على أي قد نقول بأنهم ليسوا بمسلمين ونغض الطرف عن هذا التوجه نوعا ما، لكن ما يحز في النفس شيئا ما، أن تجد بعض المسلمين يتعاملون بهذا المنطق، هل هو بقصد وسابق علم أم لا، العلم عند الله،
لا يسعون للخلود بالتحديد، وإنما يقدمون كل ما يستطيعون في سبيل أن يعيشوا أطول فترة ممكنة، وأن يظلوا في مرحلة الشباب ما أمكن، حتى لو ظاهرا فقط، فيتحول الأمر من حمية غذائية بسيطة ورياضة طبيعية، إلى هوس غير عادي، يضاف عليه مختلف أنواع العلاجات الطبيعية، والوسائل الوقائية
أصبح الإنسان لا يريد أن يمرض، لا يريد أن يحزن، يسعى للخلود ويرغب في تملك كل شيء، فور مرضه يتوجه للأدوية والعلاجات الطبيعية حتى يشفى بأسرع وقت ممكن، متناسيا عن عمد أو لا بأنه مجرد كائن ناقص وسيظل كذلك دائما،
الأخذ بالأسباب واجب، في جميع المجالات، لكن دون التوكل على الله، يبقى العمل ناقصا، لذلك عند الزيارة الطبيب وتناول الدواء يجب استحضار أن الله هو الشافي، ودون إرادته، لن ينفع ذلك الطبيب مهما كان ماهرا ولن ينفع ذلك الدواء مهما كانت نتائج فعاليته، ولنقس على هذا المثال، جوانب أخرى من حياتنا، طلب العلم، وطلب الرزق والعبادات، ...
لذلك تذكر دائما أنك أضعف مما تظن، كل علم تعلمه فمن الله، ففوق كل ذي علم عليم مهما بلغ علمك، صحتك نعمة من الله من عليك بها ليرى أتشكر أم تكفر، مالك الذي تدخره وتكنزه من رزق الله الواحد الرزاق ذو القوة المتين، فلاتكن كقارون الذي قال إنما أوتيته على علم عندي، وهو الذي كانت مفاتيح خزائنه لتنوء بالعصبة أولي القوة، أي بمعنى : أن مفاتح خزائنه كان يثقل بحملها عصبة من الرجال الأقوياء فما بالك بخزائنه، وجاء في التفاسير أن قارون كان إذا ركب، حملت مجموع مفاتيح خزائنه على ستين بغلا.
مهما تملك الإنسان لابد من حد له، إن لم يكن الحد في أرقام المال في حسابه المصرفي، سيكون الحد في عمره، تاركا كل ما جمعه طوال حياته خلفه فأي إله هذا الذي يمرض ويقلق ويحزن ويموت،
ستظل ناقصا أيها الإنسان، مهما بلغ علمك "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"، مهما بلغ جاهك "ولو كنتم في قصور مشيدة" لن تحوز أكثر مما كتب لك ولو ركضت ركض الوحوش في البرية "وفي السماء رزقكم وما توعدون" ولن تعيش أكثر مما قدر لك "فإذا جاء أجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون"
وكتحدي لك من إلهك الذي خلقك أيها الإنسان ليذكرك بمدى ضعفك : "وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"، تخيل أن الذباب الذي هو من أضعف وأصغر مخلوقات الله لو سلب الإنسان شيئا مما عليه فهو غير قادر على استرجاعه وأخذه منه، فقبل أن تبحث عن إحداث المعجزات في الدنيا تذكر أنك مجرد كائن ضعيف جدا في هذه الدنيا إن لم تكن أضعف كائن بها، كل مايميزك هو عقل أنعم الله عليك به، لذلك تذكر دائما أنك كنت لا شيء وأنت غير موجود، ثم خلقت في الحياة وأنت لا شئ ثم ستموت بعدها وأنت لا شيء، اكنز ما شئت وتعلم ما شئت، ففي النهاية ستترك كل شئ خلفك كما جئت. إنا لله وإنا إليه راجعون
