3| وسأظلّ أسعى إليك

2 1 0
                                    

السعي والوقت، بذلُ الجهدِ بينما تصلي بداخلك أن يُسعفكَ الوقت وأن تكون في المكان الصحيح، أن تصل في التوقيت الصحيح، بشكلٍ مثاليّ دون أخطاء، من منّا لم يسعى لذلك؟

لكن الأمر تحوّل لشيءٍ آخر بالتدريج، بات أشبه بصراعٍ مع الوقت! نخوضه جميعنا منتظرين نتائج مثالية في أوقاتٍ قياسيّة، منتظرين نتائج مُرضية لكل الجهود التي بذلناها ونبذلها ومازلنا سنفعلُ دائمًا؛ لأن ذلك الشيء الوحيد الذي نركض خلفه دائمًا، فالسّعيُ بجدٍ بينما نحنُ في خضم صراعِ الوقتِ الذي بات يمضي بسرعةٍ مُرعبةٍ أصبح الشاغل الوحيد للجميع.

وفي المقابل، نسينا تمامًا أننا إن وصلنا لطريقةٍ تجعلنا نعيش بسعادةٍ أثناء كل ذلك هو الإنجاز الحقيقيّ والمثاليّ هنا، لكن الأمر أصعب مما نتخيّل جميعًا؛ فالحياةُ واختباراتها وتجاربها العديدة ليست مكانًا يمكن للمرء أن يعيش فيه بسكينة، فنحنُ دائمًا نحتاج لأن نُحارب؛ نُحارب كل شيء، الحياة، الوقت، أنفسنا، ومشاعرنا..

نحن سنستمرّ بالسقوط لأن هذه هي الحياة، لكننا يجب أن ننقذ أنفسنا من مستنقع الفشل والحُزن والألم دومًا؛ نحبو حيثُ النّور في نهايةِ كل طريق، نحو السعادة بعد كل تجربة فشلت وبعد كل فترة عصيبة مررنا بها.

وفي النهاية الأمر يتعلق بكيف نتخطّى، وبمن نتخطّى، وإن كنا نواجه كل حروبنا التعيسة وحيدين ببؤسٍ أم بذلك الأحدهم الذي سيكون نورًا وملاكًا لنا كي نتخطّى كل عتمةٍ بإرادةٍ ونستمرّ بالمسيرة وكأننا لم نتعثّر قَط، وأن نحيا معه بهناءٍ وكأننا لم نَحزن قَط.
وتلك هي السّعادة الحقيقيّة في الواقع.

أن نجِد شخصنا المفضل الذي نلجأ إليه في خضم كل ذلك كي يُقدم لنا يدًا تُرُبّت بحنوٍ وتسندُ وتُمسكُ بنا كلما احتجنا ذلك بدلًا من السّقوط، ذلك الشخص الذي يحمينا من السّقوط وكأن ذلك سيقتله إن حدث.
ذلك هو الإنجاز الحقيقيّ، وذلك ما يستحقّ أن نسعى خلفه فعلًا، لا الوقت ولا أي هُراءٍ آخر.

تنهيدة عميقة مهمومة ندت منّي، كانت حبيسةَ صدري طوال الطريق وتحرّرت أخيرًا، حين استنشقتُ رائحة المنزل الدافئة، حيثُ الأمان، منزلي الآمن.
أغلقتُ الباب فور دخولي ورميتُ بحقيبة يدي على الطّاولة بجانبه، بينما أخلع أقراط أذني وحذائي الجلد وكذلك مِعطفي الثّقيل، وبصوتٍ مسموعٍ ومتعبٍ ردّدت:
«لقد عُدت.»

حين لم أسمع ردًّا توقّعتهُ أعدت ذات الجملة ولكن بصوتٍ أعلى، وحبستُ أنفاسي أستمع للردّ المتوقّع، وما لبثتُ أن ابتسمتُ بخفّةٍ حين استمعتُ لنبرته الحانية قادمة من المطبخ المتصل بغرفةِ المعيشة قائلًا:
«بدّلي ثيابكِ عزيزتي فالطّعام كاد يجهز، سأحضّر الطاولة ريثما تنتهين.»

ومُجدّدًا ابتسمتُ بخفّةٍ بينما أتجهُ نحو غرفتي لفعلِ ذلك، وأفكّر في كم أنني محظوظةٌ لكون هذا الرجل الواقف في مطبخ المنزل زوجي العزيز وشخصي المُفضّل، الشخص الذي لم يُمانع يومًا أن أتكئ عليه كلما شعرتُ بالوهن، والذي لا يُمانع الوقوف أمام الموقد لساعاتٍ كي يُعدّ طعامًا دافئًا لزوجته حين تتأخّر في العمل، بينما لم يكن يعرف كيف يفعل ذلك، ومع مرور الوقت بدأ يتقن الأمر كي لا يُحمّلني عبئًا أثقل على كاهلي، كان يفعل مثل هذه الأشياء كلما شعر بأنني أمرّ بفترةٍ عصيبة وأنني بحاجةٍ لتربيتةٍ حنونة كي يستكين قلبي بعد حمله لكل هذا العِبء.

كان مُراعيًا تمامًا، وحنونًا.
أفعالٌ كهذهِ ربّما لا أتوقعها في كل الأوقات، لكن وقعها على القلب لطيفٌ بشكلٍ كبير، كان يفعل ذلك ليُريحني ويُزيح عني ما يُثقلني، بينما أفكر في أنني سأظل أحب هذا الرجل حتّى آخر رمقٍ لي، وبأنني أرغب في أن أقع في حبه أكثر فأكثر، للأبد.

انتهيتُ من تبديل ملابسي وخرجتُ من الغرفةِ حتى المطبخ لتستقبلني رائحة الطعام الشهيّة وصدره الدافئ في عناقٍ بينما يُحاوطني بذراعيه بحبٍ، دفءٌ سعيتُ إلى إنهاء يومي الطويل والعودة إلى المنزل بشغفٍ كي أحصل عليه.
يُقبّلُ رأسي بخفّةٍ وهو يُردّد بخفوتٍ:
«كان يومًا طويلًا ومُتعبًا، أحسنتِ عملًا.»

كان يعرف بالفعل أنني أمر بأزمةٍ في العمل منذ فترة، رغب في مساعدتي لتخطّي الأمر لكنه لا يعرف أي شيءٍ في مجال عملي، لذلك كانت هذه هي طريقته اللطيفة في دعمي وإخباري أنني لستُ وحيدةً وأنه بجانبي في كل ذلك، مُراعاته، قبلاته وعناقه وكلماته الداعمة، كان كل ما أطمح إليه بالفعل؛ كانت تُهوّن عليّ كثيرًا وتمسحُ كل الإرهاق والتعب عن روحي، تمدني بحبه وكأنه يعرف أنه الشعلة المتّقدة التي أستمدّ بها طاقتي للمسير، كان ملجأي الوحيد.

بعد لحظاتٍ فضّ العناق بهدوءٍ لكنه لم يُبعدني عنه، حتّى تقابلت أعيننا فابتسم بخفّةٍ مانحًا إيّاي السكينةَ والحُب، كانت عينيه دومًا ما تنجحُ بإفقادي كل اتّزاني أمام العالم، تُجدد شعلة حبه في قلبي، وكأنني مراهقةٌ وقعت بالحُب من جديد، كانت عينيه مسكني، ملاذي الآمن بعيدًا عن كل شيءٍ مُتعب، زاوية هادئة تمسحُ عن روحي كل الألم، أرغب في أن أحتفظ بها لنفسي دائمًا، وأن أسعى إليها كي تكون موجودةً من أجلي في كل مرة.

بدى النظر في عينيه سكينة،
حياةٌ سأسعى إليها دومًا.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 05, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رَوححيث تعيش القصص. اكتشف الآن