الفصل الخامس

524 23 0
                                    

الفصل الخامس ...........

(من المخطئ؟)

وهي تنظر الى نفسها في المرآة شعرت بمزيج مشاعر لا تفهمها مما جعلها ليست على بعضها بدت منفعلة من الداخل ووجهها ساخن جدا ودموعها بطرف عينيها ولا تعلم ان كانت تلك دموع الفرحة ام الخوف من القادم .... قلبها مقبوض جدا رغم ابتسامتها الباهتة ان كل شيء مختلف عما اعتادت عليه في الأرياف وحفلات الزفاف التي سبق وان حضرتها مختلفة جدا حيث تحف العروسة في غرفة التجهيز اخواتها وصديقاتها وبنات عمومتها وقريباتها وتكون العروسة مفعمة بالفرحة لأنها ليلة العمر وفي الخارج تسمع قرع الطبول والموسيقى الراقصة وجلبة التصفيق والهتافات والضحكات وأحيانا يلجؤون الى رمي الرصاص في الفضاء كتعبير عن الاحتفال ووسيلة لتنبيه المناطق الاخرى عن وجود فرح وعرس في المنطقة
اين هي اليوم من كل ما الفته وترعرعت فيه وعليه اين فستان العروس المقفول كي يستر جسد العروسة عن اعين الاصحاب والأصدقاء من الرجال وتبقى رؤيتها والاطلاع على مفاتنها حصريا للعريس الذي تغلب عليه الغيرة والدم الساخن والتعصب بشأن امرأته الجديدة؟
اين ساهرة واطفالها الذي يتوجب ان يكونوا اول الناس وأقربهم اليها بهكذا يوم وهم أولى بالفرحة والبهجة والرقص من غيرهم!
اين والدها وشقيقها التي يتوجب ان يكونا عند باب الدار لتسليمها الى عريسها بكرامة ويداريان دموع الفرحة بأعينهما عن الناس متظاهران بالصلابة ورباطة الجأش
اين كل تلك المراسيم؟ انها دموع الحزن بالتأكيد.
وضعتا الفتاتان لها العطر النفاث المميز ووضعن الطرحة البيضاء الدقيقة على اعلى رأسها وهمست عفاف بعيون سوداء متألقة: "حسناء .... حورية تأخذ العقل"
ثم التفتت الى سنية وقالت بمجاملة متكلفة: "وانت ستجدين كل ما يلزمك من ملابس ومجوهرات في الجناح لكن ارجو ان تتركين كل شيء مكانه عند انتهاء الحفلة"
التفتت ندى بامتعاض وتطلعت بوالدتها التي اومأت بابتسامة باهتة جدا وواصلت عفاف: "مصففة الشعر ستهتم بشعرك و"
قاطعتها سنية بسرعة: "أي مصففة واي شعر؟ انا لم اعتد على خلع الايشارب من رأسي"
لوت عفاف شفتيها ورفعت كتفها واعادته باستخفاف واكتفت بذلك.
وقبل ان تغادر سنية المكان اوقفتها هديل قائلة بلهجة غير محببة وآمرة: "قبل ان تذهبين تعالي ولقني ابنتك بعض التعليمات والمعلومات التي تخص ليلة مثل هذه لانها تبدو ساذجة وأخشى الا تعجب العريس او تنفره منها"
تمنت ندى بهذه اللحظة بالذات ان توقف كل شيء وتخلع الفستان وتعود مع والدتها الى بيتها لكن ذلك محال بعد الذي حصل صباح اليوم عندما تم تثبيت الزواج بالمحكمة وكتب العقد الرسمي وأصبحت زوجة رسمية لسامر.

تطلعت سنية بعفاف وهديل بنظرة عميقة وحازمة ثم اقتربت من ندى وقالت بصوت مسموع وواضح: "من هذه الليلة اعلمي يا ابنتي انك ستكونين واحدة من اهل هذا البيت .... ستكونين كنة وابنة لأم عادل التي حرمت من نعمة البنات المؤنسات الحنونات وستكونين صديقة مخلصة لهديل تقف لها بأزماتها وتؤازرها وتخفف عنها وتؤنسها واخت ودودة لعادل .... العبي مع أطفالهم استمتعي بكل لحظة ببراءتهم التي تشبه براءتك ونقاء قلبك .... احترمي عمك كأنه والدك واسندي ظهرك به واعتبريه الملجأ والسند والعزوة هنا .... اما عن زوجك هو من الليلة عالمك كله .... اطيعيه افهميه تحمليه لا ترفعي عليه صوتك ولا تفشي اسراره مهما حصل ففي الزواج مودة ورحمة وسترة .... حياتك كلها ببيت والدك مؤقتة والحقيقية بدأت من اليوم وستستمر الى اخر العمر ان شاء الله"
اسدلت عفاف اهدابها وضاقت عيني هديل واومأت ندى موافقة آمله ان تنجح بتنفيذ وصية أمها وتكون فخر لأهلها وتعكس مدى تعبهم بتربيتها وتهذيبها.
عند تمام الخامسة كان القصر مكتظ بالمدعوين وعندما حان موعد ظهورها الى الناس انتابها الهلع والرهاب وبدت خطواتها متثاقلة وهي تجر أطراف فستانها الطويل بارتباك وكانت مطرقة الى الأرض والسخونة المنبعثة من داخلها حمرت اذنيها وجعلت وجهها محتقن وحمرته اختلطت مع المساحيق ليزداد توهج وما ان وصلت برفقة عفاف وهديل الى اعلى السلم حتى تعالت الاهازيج والصفير والتصفيق وامتقعت ندى وخالجها شعور غبطة والفرحة لا مست قلبها لأنها اليوم عروسة كما كانت ترى في التلفاز والمسلسلات وتحلم بذلك اليوم وتناست المنغصات التي يمكن ان تسرق من الإحساس بأجمل شعور يجب ان تشعر به العروس
رفعت بصرها بالتدريج وحالما رأت الحشود عبر التولة المنسدلة على وجهها حتى أصابها الدوار والتشوش بالرؤية وكأنها لا ترى جيدا! الكم هائل وكلهم يتطلعون ناحيتها ورأت عمها سالم واقف أسفل السلم وعلى وجهه امارات الفخر والسعادة ورفع ذراعه نحوها بحفاوة وهبطت السلم رويدا بمساعدة عفاف وهديل التي تمنت ان تزج بها بهذه اللحظات من اعلى السلم لتحرجها امامهم وتبرد نار قلبها لكنها تمالكت غيرتها وتظاهرت بالفرحة وعفاف كانت تبتسم وبدت بالفعل سعيدة.
بحثت ندى بين الوجوه عن والدتها ورأتها واقفة قريب السلم شابكه يديها والدموع تتقفز من عينيها الآملين بحياة وردية لصغيرتها البريئة النقية ونظرة والدتها جعلتها تقوي قلبها وتتحلى بالثقة كي تكون فخورة بها.
تناول سالم يدها المغطاة بالقفاز الأبيض وهتف عندما أوقفوا الموسيقى والهمس: "هذه ندى ابنة اخي الذي يقيم خارج البلد اخترتها لتكون زوجة لأبني سامر وفرحتي اليوم لا توصف"
خفضت بصرها عندما أنكر وجود والدها بحياته واسدلت سنية اهدابها انه يخجل من مستوى شقيقه وعائلته وتباهى بندى امام الناس متظاهرا انها تعيش خارج البلاد.

خلف قضبان الاعراف لكاتبة هند صابرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن