كـلّ نِهـايةٍ مجَردُ بِدايـةٍ....

313 34 12
                                    

أشرق الصباح محملاً بنسائم باردة تزيل ما تعلق من أدران ألم بأرواحنا...
سحبت شهيقاً أنظم أنفاسي المتحمسة،حيث أطل خليج يابسة أوروبا أمامنا...

بهياً ظالماً وآسراً كما كان منذ زرته لأول مرة..
يحمل عطر العشق الشبق..لون الشموع وآثار الدموع..
حين توقفت سلفاتور أخيراً وصرخ أحد بحارتي بأن ينزلوا المرساة تنفست الصعداء...

لقد مر الكثير لم يبقى إلى خطوة من الميل...
إقتربت السلالم الخشبية من سطح السفينة وساعدني أحد الشبان الذي بدا مدلهاً بي وأعذره لصغر سنه،فقد كنت كل الرحلة قرصانة الأحلام...

تعلمت كل ما يخص البحر وكأن سحري قد خلق لأجله،بت أفهم لغته وأرى نجومه مغمضة العينين...
حين إنتهت السلالم الخشبية أخيراً وبقيت آخر واحدة لأطئ أرض باريس بعد فراقنا القصير..

تذكرت الصوت الهامس الذي راودني بأول مرت خطوت بها مرمريس،مرحباً بك بيننا،لقد رحب بي أسلافه على سفينتهم كيف لم يخطر ببالي هذا طوال الوقت الذي أمضيته أشعر بالإنتماء لتلك الأخشاب...

سرت فوق الميناء الفرنسي مجدداً،كان يختلف لكوننا بالصباح الباكر،لا ثمالى يتبعون بائعات الهوى هنا وهناك،لا لصوص يختلسون الضعفاء ولا سفن سترحل بل الكل راسٍ بهدوء والهواء كان عبقاً برائحة اليود والسمك الذي راكمه الصيادون هاهناك..
ينتظر العربات لنقله نحو أماكن بيعه...

بإنتظار الرجال اللذين كلفهم والدي بمرافقتي سرت نحو نزل قريب،لم يكن عالي الجودة ولم أرغب بلفت الأنظار لي،فرغم هيئتي الغريبة إلاّ أن فراغ الرصيف البحري ساعدني في المغادرة بدون جذب الإنتباه...
تمطأت أنظر إلى النافذة التي تطل على البحر حيث حلقت طيور النورس تفرد أجنحتها منافسة السفن وأشرعتها...

"..سيدتي،هل السفينة التي نبحث عنها معروفة؟!.."
تحدث فتى الكبينة وهو يمضع قطعة كرواسون ساخنة وبعض القهوة الداكنة...

"..سننتظر،نتأهب لحين وجود الهدف..."..
نظروا لي بغرابة فقد بدوت كأنما أنثى أسد تنتظر طريدتها...

"..هل أحضر لك شيئاً لتتناوليه؟!.."..سألت إيميليا وهي تتثاءب لكن ذلك لم يخفي الحماس الذي يطل عبر عينيها كل حين،تنتظر ذهابنا نحو مقر مساعدة السفن ومفاجأة والد صغيرها...

لم يطل مكوثنا بمكان واحدٍ طويلا،سحبت حارسين برفقتي وغادرت بإيميليا نحو حبيبها بينما منحت الباقين يوم راحة بعد قضائهم نصف شهر لا يرون إلاّ المحيط الأزرق....

كان مقر مساعدة السفن يبدو كالنزل بحجمه الكبير واليافطة التي تعلوه وقد تكدست أعلاها أعشاش الطيور...هناك بعض الرجال يتسامرون بفكاهة توقفوا فجأة حين رأونا نقترب وقد تأهبوا لمرآى سيدتين بهذا الوقت،ربما إعتقدوا أننا فقدنا متاعنا وسنرهقهم بدلالنا..

مـارسِلينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن